إبرام رأفت
الحوار المتمدن-العدد: 4801 - 2015 / 5 / 9 - 17:06
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ابتُليَت منظومتنا الثقافية والإجتماعية على مدار سنوات طويلة بآفات عدة، دفعت مجتمعاتنا دفعاً للخروج تماماً عن خط الزمن. فلم يصبح الهوى العام بداخل مجتمعنا يرتبط من قريب أو من بعيد بالحضارة الإنسانية المعاصرة أو بأبجديات الحقبة الزمنية التي نحياها.
ولكن إذا فكرت في الكارثة الأكبر والآفة الأشد فتكاً التي نخرت في منظومة مجتمعنا الثقافية بأكملها وقوَّضتها، ربما لن تجد أشد فتكاً من آفة قلب المفاهيم. نعم، فمجتمعنا قلب المفاهيم وشوهها، حتى استقر في وجدان الأغلبية الساحقة من قاطنيه تمجيد زائف للإنحطاط الأخلاقي، ونفور من كل ما هو إنساني.
فالقاموس الثقافي لمجتمعنا سمّى التوحش رحمة، وسمّى الظلم عدل، وسمّى الإهانة تأديب، وسمّى التحقير تكريم، وسمّى الإرهاب بطولة، وسمّى الخرافة علماً، وسمّى التخلف تميزاً، وسمّى العبودية حرية، وسمّى النجاسة عفة، وسمّى الوقاحة جدعنة، وسمّى الفشل إنجازاً.. وسمّى.. وسمّى.. وسمّى.. وتطول القائمة جداً. فكانت النتيجة أن دَفَعَ هذا القاموس من يتبنون مفاهيمه إلى التفاخر بما ينبغي أن يخجلوا منه!
ويستمر هذا القاموس المختل المعتل مع القائمين على تمديده وتمجيده في غلق كل نافذة أمل يمكن لمجتمع ما أن يسترق منها النظر إلى الحضارة والإنسانية، فأمعن في تشويه معانِ إنسانية جميلة، حتى جعلها مُنَفِّرة. فسمّى التكريم الحقيقي تحقير، وسمّى البطولة بلطجة، وسمّى الجمال قبح، وسمّى الحرية عبودية، إلخ..
أكاد أتخيل أين كنا سنقف الآن، لو أدرك مجتمعنا منذ سنوات الخلل في مفاهيمه، ونفض هذا القاموس البغيض عنه بعيداً! كم من الوقت والجهد المُستَنزَف في مناقشة بديهيات كان سَيُوَفَّر لو أدرك مجتمعنا أنه ينتمي للعائلة البشرية بأكملها وأنه لا ينبغي أن يكون بمعزل عنها! فبكل تأكيد لن تستقيم حياة وطن قلب المفاهيم، ولا سيما إذا كان قاموسه المختل يستمد سطوته في كثير من الأحيان من مفاهيم الدين ورجاله! فبدون تصحيح المفاهيم، وتسمية الأسماء بمسمياتها، سنظل خارج خط الزمن.
#إبرام_رأفت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟