|
أولاند الساحر
أسعد العزوني
الحوار المتمدن-العدد: 4800 - 2015 / 5 / 8 - 17:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إرتقى فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية أولاند في أدائه الرئاسي ، إلى مرتبة الساحر ، وهنا لا بد من التوضيح أن وصف الساحر في هذا المقام ، هو قمة المديح والثناء على الرئيس الفرنسي ، الذي وظف الديبلوماسية الإقتصادية والسياسية والعسكرية والإستراتيتيجية ، لخدمة بلاده التي إنتخبته ليكون رئيسا لها ، وحاميا لمصالحها ، وليس ناهبا لها ومفرطا بمصالحها ، كما هو الحال في البلدان العربية المنكوبة بحكامها ، الذين نراهم هذه الأيام يحرقون بلدانهم بالبراميل المتفجرة ، ويغرقونها بالصراعات الداخلية ، ويفرطون بمقدراتها للأجنبي. ليس سهلا على أي رئيس أن يقوم بمثل ما قام به الرئيس أولاند ، فما أنجزه مؤخرا في الخليج ، يحسب له ويستحق أن ينتخب بسببه إلى الأبد ، لأنه أثبت قدرته على خدمة بلاده ، وكافح من أجل ذلك في عش الدبابير ، إذ أن الخليج وكما هو معروف محسوب على أمريكا وبريطانيا ، وقد وضعت "مستعمرة "إسرائيل فيه قدمها مؤخرا علانية وصار لها هناك حلفاء وأصدقاء . السحر ليس سهلا ، ولا هو بالأمر العادي ، بل هو عمل يحتاج إلى قدرات ومؤهلات ، ولذلك يقال عن الشخص الذي يمتلك قدرات هائلة ، أ نه ساحر ، وكما قلنا فإن الرئيس أولاند تمكن من إختراق الخليج ونسج علاقات إقتصادية وعسكرية مع دوله العربية ، ولذلك يحق له أن يأمر بأن يكون يوم الخامس من شهر أيار على وجه الخصوص ، والذي حضر فيه قمة دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض كضيف شرف ، يوما وطنيا يحتفل به الشعب الفرنسي ، بأن من الله عليهم برئيس مخلص جاد مجتهد مثل أولاند ، وتجدد البيعة فيه للرئيس ، وأتمنى على الجامعات في كافة انحاء العالم وخاصة التي تدرس العلاقات الدولية أن تضع في مناهجها هذا الإنجاز الذي حققه الرئيس أولاند . الأمر الذي نتحدث عنه ليس إنجاز رئيس فحسب ، بل هناك زوايا أخرى يجب التمحيص بها لمعرفة الخفايا والأسرار القابعة وراء هذا الإنجاز ، إذ أن الأسئلة كثيرة ومنها : كيف تحول حلفاء واشنطن وبريطانيا التقليديين 180 درجة بإتجاه باريس تحولا إقتصاديا عسكريا ، حقق للإقتصاد الفرنسي عشرات المليارات من الدولارات ثمنا لطائرات عسكرية متطورة وما يتبع ذلك من تبعات جرى التوقيع عليها . أما السؤال الثاني فهو :هل أن ماقام به صناع القرار في الخليج يعد رسالة إلى واشنطن قبل توجههم للقاء الرئيس أوباما في منتجع كامب ديفيد ليحدثهم عن الإتفاق الأمريكي الأوروبي- ا لإيراني النووي المنتظر ؟ والسؤال الذي يتبع مباشرة : هل يجرؤ صناع القرار في الخليج أن يوجهوا مثل هذه الرسالة للرئيس أوباما ؟ لقد نجح الرئيس أولاند في تثبيت بصمة باريس في الخليج ليس من خلال القواعد العسكرية ولا من خلال تحركات البوراج الحربية أو التهديد والوعيد ، بل من خلال بيع طائرات رافال الحربية الحديثة ، وقد إتفقت دولة الإمارات العربية المتحدة مع باريس على تسليح الجيش التونسي أيضا ،كما فعلت السعودية مع باريس لتسليح الجيش اللبناني ، ولعل ذلك أيضا يعد من النجاحات المتتالية التي يحقققها الرئيس أولاند . وهناك صفقة أخرى من طائرات الرافال الفرنسية لمصر ، ناهيك عن الصفقات الأخرى التي بلا ادنى شك انعشت الإقتصاد الفرنسي أيما إنعاش في وقت يشهد فيه الإقتصاد الغربي عموما تباطؤا ، لكن التطورات العربية التي نشهدها منذ نحو الخمس سنوات ، عملت على تحريك الإقتصاد الغربي وتنشيطة ومحاربة الفقر والبطالة ، بينما نحن العرب نعاني من مستويات مرتفعة من البطالة ومن إرتفاع حاد في نسبة الفقر ، وتباطؤ شديد في الإقتصاد وكل ذلك بأيدينا ، لأننا لم نحسن إدارة انفسنا ، ولا خلافاتنا مع الآخرين ، إذ صادقنا الأعداء وتحالفنا معهم ، وحاربنا الأصدقاء وتخندقنا مع أعدائهم . السؤال الملح منذ زمن - وبحسب معطيات الأمور في الوطن العربي ، وتحديدا بعد أن تبين أن "مستعمرة " إسرائيل الخزرية ليست هي العدو للعرب – لماذا يستلح العرب وينفقون مئات المليارات من الدولارات على صفقات التسلح من الغرب ؟ هذا السؤال هو دعوة ليس لصناع القرار بل للسياسيين وعلماء الإجتماع والخبراء للغوص في هذه القضية وإطلاع الرأي العام العربي على فحواها ، لأن المبالغ التي تصرف على التسلح مهولة ، وحتى لوقمنا بحساب قيمة العمولات التي تذهب لمن يعقدون الصفقات ، نجد أنها ضخمة جدا وتكفي لحل مشاكل خمس دول عربية على الأقل. لو أن دول الخليج العربية قامت بتأسيس صندوق للتنمية العربية ، تكون حركة مبالغه محصورة في المانح والمنفذ ، ولا يصار إلى دفعها للمسؤولين في الدولة المستهدفة ، لوجدنا تحولا نوعيا في الحياة العربية ، إذ بدلا من رهن الدول العربية للقاتل الإقتصادي "صندوق النقد والبنك الدوليين " اللذين يدريهما يهود بأجندة صهيوينة، فإننا سنجد تنمية عربية شاملة وعلاقات عربية نظيفة ، أنجزها صندوق عربي . هناك العديد من الحالات التي كان يجب أن يتدخل المال الخليجي العربي فيها وأولها تأسيس صندوق لدعم الشعب الفلسطيني ، بدلا من إضطرار العمال الفلسطينيين بدافع الحاجة للعمل في المصانع والمزارع وبناء المستعمرات الإسرائيلية بدلا من الجنود الإسرائيلييين الذين كانوا يشنون علينا العدوان تلو العدوان – وأنا هنا لا أدافع ولا أبرر هذه الخطوة الإضطرارية ولكني أسوقها للفائدة – كما أنه كان يتوجب تأسيس صندوق خاص بمصر لإحداث تنمية فيها ، لأن السادات إستغل ما أسماه "البخل الخليجي " ورمى مصر في الفخ الإسرائيلي ، ومرة أخرى أنا لا أبرر مثل هذه الخطوة . كما أنه يجب التذكير بأنه كان لزاما على دول الخليج العربية تخصيص صندوق تنموي للأردن وفق تفاهمات رسمية وجادة لتنفيذ المشاريع الضرورية لإخراج الأردن من شبكة الإضطرار الأمريكي – الإسرائيلي ، وأذكر ما كتبه الراحل الحسين فس مذكراته حول هذه القضية إذ يقول أن غضبة امريكية على الأردن ضايقته ماليا ، فلجأ الحسين إلى دولتين خليجيتين إستقبله المسؤولون فيهما بحفاوة بالغة ودعوه إلى ولا ئم ولا أفخم ، لكنهم لم يمنحوه سنتا واحدا ، فعاد إلى عمان ، وبحكم حصافته وقدرته على إستنباط الدروس ، أدرك أن واشنطن تريد أن تضغط عليه ، فرفع سماعة الهاتف وقال للسفير الأمريكي في حينها : سعادة السفير ماهوالمطلوب مني ؟ ووجدها السفير الأمريكي فرصة ليتحدث بإسهاب وأبلغ جلالته أن عليه العودة إلى تلك الدولتين الخليجيتين ، ليتسلم مساعدة قيمتها 400 مليون دولار من كل منهما . بعد ذلك رفع جلالته السماعة وتحدث مع أمير الدولة الاولى وشكره على حسن الضيافة والإستقبال ، ودعا الأمير جلالته لزيارتهم مرة أخرى ....،وقبل أن يكمل قال جلالته وأن لي مبلغ 400 مليون دولار ، وهكذا حصل مع الأمير الثاني ، بمعنى أن امريكا عندما رفعت الحظر عن الأردن ، حصل من دولتين خليجيتين فقط على 800 مليون دولار. أختم بأن تنوع الحلفاء أمر مستحسن ومطلوب ، وأن إدخال فرنسا على الخط ، له فوائده ، في حال تحدثنا مع باريس عن مصالحنا وعن الإسلاموفوبيا ، بمعنى إعتماد حديث المصالح والتكامل .
#أسعد_العزوني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متلازمة البوط
-
الخوارج الجدد داعش ..بديل شركة المرتزقة الأمريكية البلاك ووت
...
-
أمريكا تورط السعودية في اليمن ومع إيران
-
الإخوان المسلمون في الأردن ..الفرز الإقليمي
-
اليمن تدفع ثمن أخطائها وأخطاء الآخرين
-
في ندوة للمركز العربي بالدوحة : باحثون يؤكدون أن العمليات ال
...
-
العربية لحماية الطبيعة ..الأردن وفلسطين النماء والإنتماء
-
عاصفة الحزم..الستارة لما تسدل بعد
-
إطمئنوا ..الأمور تسير حسب المخطط المرسوم
-
الإعلام الأردني ..لا عزاء للسحيجة
-
داعش يكشف صهيونيته في مخيم اليرموك
-
ويل للعرب من شر قد إقترب ...الإندثار
-
البرلمان الباكستاني ..شكرا
-
عاصفة الحزم ..المحراث الأمريكي يعبث في الجزيرة العربية
-
عاصفة الحزم تحرق ما تبقى لنا من أوراق
-
يعقوب زيادين .. أصحاب المباديء لا يموتون
-
المكتبة الوطنية تناقش كتاب الشرق الأوسط الجديد للباحث أسعد ا
...
-
خنجر إسرائيل المسموم
-
إكتملت اللعبة
-
لنا عدو واحد ..إسرائيل
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|