|
عاصفة الحزم إلى الشام .. وبلاد الشام
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4799 - 2015 / 5 / 7 - 13:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لقد كان إطلاق اسم " عاصفة الحزم " على المذبحة السعودية في اليمن ، مطابقاً للحالة السعودية المتضخمة ، التي يغلب فيها الإحساس بفائض المال والسلاح ، وعظمة النفوذ في المجالين الإقليمي والدولي . بيد أن تحمل الشعب اليمني الأسطوري للضربات السعودية ، الجوية ، والبرية ، والبحرية ، ومقاومته البطولية ، جيشاً وشعباً للعدوان السعودي ، دفع قادة الحرب في المملكة إلى تخفيف غرورهم قليلاً ، فأطلقوا على استمرار ذبح الشعب اليمني اسم " إعادة الأمل " . ليس لتغطية عدوانهم الوحشي على الشعب اليمني وحسب ، وإنما على أمل أن يسهل الاسم المنفتح على الحياة ، حركة تمدد " عاصفة الحزم " إلى الشام في مرحلتها التي يجري تسويقها سعودياً وعربياً ودولياً ، كتوأم مكمل للاسم ، الرقيق المحبب ، لما سمي " الربيع العربي " ، الذي نشر الموت والدمار .. في غير بلد عربي .. وما زال .
ولذا لم يكن مبالغاً بشيء ما جاء في مقالنا السابق بعنوان " مذبحة اليمن مستمرة وبعدها إلى الشام " . بل ويدفعنا استمرار هذه الحرب ، إلى تكرار ، أن " عاصفة الحزم " السعودية الأميركية ، وإن حملت أسماء جديدة لامعة ، لن تقتصر ميادينها وأهدافها على اليمن وحسب ، وإنما ستشمل كل البلدان التي تدور فيها معارك وخلافات ساخنة في المنطقة ، وبالتالي ستنتقل حكماً إلى الشام .. وبلاد الشام .. وما هو أبعد من بلاد الشام . إن الدلائل على ذلك كثيرة .. أهمها : = نوعية الدول التي يتشكل منها التحالف السعودي الأميركي ، وهي ، تركيا ، المملكة الهاشمية الأردنية ، باكستان ، مصر ، والمملكة العلوية المغربية . وخمس دول خليجية وعلى رأسها المملكة السعودية . ومشاركة إسرائيلية غير رسمية ، ولهذا التحالف أن يضم إليه دولاً أخرى ، ويستأجر جيوشاً ومرتزقة لاستخدامها في حروبه . وقد أعلنت " السنغال " أنها مستعدة للمشاركة ب " 2100 " جندي بحرب اليمن . وأعلن الرئيس الفرنسي " أولاند " عقب حضوره مؤتمر القمة الخليجية الأخير في الرياض ، عن استعداد فرنسا للمشاركة بالسلاح و بقوات عسكرية فرنسية بهذه الحرب . = الهجوم المضاد الذي قامت به التنظيمات الإرهابية الدولية المسلحة في سوريا ، بدعم أكثر من لوجستي ، من تركيا والأردن وإسرائيل وأميركا ، بالتزامن مع بدء العدوان السعودي الأميركي على الشعب اليمني ، الذي حددت أهدافه علناً ، وهي احتلال دمشق وإدلب وحلب . = دعوة قمة دول الخليج العربية قيادات في المعارضة السورية المسلحة الموالية لها ، لعقد مؤتمر في الرياض ، جدول عمله محدد باتخاذ الإجراءات ، لنقل آليات حرب " عاصفة الحزم " إلى الشام . = تأجيج العصبيات الطائفية ، ومحاولات إشعال الحرب بين " السنة والشيعة " . واعتبار الحرب على " الزيود والحوثيين " اليمنيين مقدمة ، ومرحلة أولى لهذه الحرب ، التي تستهدف سوريا والعراق ولبنان .
ومن أسف ، أن عدداً من الآراء ، السياسية ، والإعلامية ، التي تناولت الموضوع ، قد بسطت ، عن حسن نية مجانية ، أوعن خبث مقبوض الثمن ، غايات التحالف السعودي الأميركي . معتبرة الحرب على الشعب اليمني ، لعبة أمراء المملكة ، لإعادة توزيع مراكز القوى والثروة في مؤسسة آل سعود الحاكمة ، وكادت أن تغيب الدور الأميركي الأساس في التحالف . فيما كبار الدعاة والإعلاميين السعوديين ، ومن يدور في فلكهم ، يعلنون أن بوصلة خرائط " عاصفة الحزم " تتجه نحو الشام . وعتاة المعارضة السورية المسلحة يطالبون أن تجتاح " عاصفة حزم التحالف " سوريا ، تكون نسخة مطابقة للعاصفة الأطلسية التي اجتاحت ليبيا ، أو شنت العدوان على اليمن . ما يعني حسب تلك الآراء ومصادرها ، أن البيت الأسود السعودي على وشك أن يحظى بثقل عالمي ، لا يقل عن ثقل البيت الأبيض الأميركي ، في رسم وإدارة السياسية العالمية . وأن الدول الشريكة في التحالف ، هي دول مأجورة ، مجردة من الغايات والمصالح والمشاريع الخاصة . وتفصل حدثاً بمستوى الحرب على اليمن ، التي لها تداعياتها وارتداداتها المعروفة على المملكة ذاتها والجوار ، عن التطورات الإقليمية والدولية ، وعن علاقتها خاصة بتفاعلات حرب الإرهاب الدولي ، في سوريا والعراق ، وحصار إيران ، والسيطرة على الممرات الدولية البحرية .
* * *
لم يعد هناك حاجة لمزيد من التوضيح ، حول حقيقة ، أن الحرب السورية ، قد خططت لها ، وتنفذها ، وتقودها ، قوى إقليمية ودولية ، لتحقيق أهداف استراتيجية واقتصادية ، لا علاقة لها بحرية وحقوق الشعب السوري ، والعلاقة المزعومة التي يروج لها الإعلام المشارك في الحرب ، ترمي إلى استغلال تطلعات الشعب السوري وخداعه ، لتوظيف حراكه ، ومشاعره ، في سياقها . ولخداع الرأي العام في الداخل والخارج . تكشف ذلك بنية وأساليب القوى الإقليمية الرجعية العنصرية ، التي تتنافى مع الحرية والقوق الإنسانية ، وكذلك تاريخ القوى الدولية الا ستعماري ، المليء بإثارة وممارسة أبشع أنواع الحروب ، وتدمير بلاد الشعوب الأخرى ، طمعاً بثرواتها ومقدراتها ، والتي جميعها تحتضن أدوات هذه الحرب من إرهاب دولي وخونة ، وتقدم لها كل أنواع الدعم . بل وتجاهر بفضائحية وقحة ، دون وازع من ضمير أو مراعاة لقيم إنسانية ، أو حقوق ومواثيق دولية .
أربع سنوات من هذه الحرب المكشوفة المفاعيل .. والمكشوفة التوحش .. بسفك الدماء ونشر الدمار ، والقهر والتهجير والتشريد ، تغني عن ذكر الأسماء والتفاصيل ، وتكفي لتحميل المسؤولية الرئيسية عما حصل ويحصل في سوريا ، وعما ستتداعى إليه هذه الحرب القذرة لعقود طويلة من المعاناة الإنسانية والمادية والروحية . إن ما نرمي إليه هنا ، هو إضاءة مسؤولية السوريين جميعاً أيضاً ، إن على مستوى النخب السياسية والثقافية ، أو على مستوى الناس العاديين . وللدقة أكثر على مستوى الذين يشكلون الطبقة السياسية داخل الحكم وخارجه ، والشرائح الثقافية والإعلامية المساندة لهم، تلك الطبقة التي مارست عقوداً متوالية من السنين حرب معارضة / نظام .. سياسية .. تتراوح بين الواقعية والتوتر ، وأحياناً بين المهادنة والعنف ، حول السلطة . ما يستدعي السؤال المحق التالي في هذا لسياق : ألم يكن بإمكانهم ، أن يسلكوا أساليب غير التي سلكوها .. أسلوب القمع من طرف النظام .. وأسلوب التطرف والعنف من أطراف من العارضة ، في معالجة تجاذباتهم ، وخلافاتهم الداخلية ، ليجنبوا بلادهم ما وقعت فيه من كوارث ؟ .. وليجنبوا أنفسهم .. إحراجات العصبيات وخسارة القيم العامة ، وامتحان الرهان على الخارج والحرب ، ومنزلقات التردد والخيانة ؟ ..
بكل تأكيد كان بالإمكان أن يمارسوا أساليب مغايرة لتلك الأساليب ، التي تجاوزت الشعب وحقوقه في تقرير مصيره ، وتجاوزت قيمه الحضارية التي يعتز بها السوريون جميعاً . ذلك أن الشعب السوري ، مثل كل الشعوب الأخرى ، مكون من طبقات اجتماعية ، ومن موروثات وتعددية قومية ودينية ومذهبية ، ولكل هذه المكونات تطلعات ومصالح . وهذه التطلعات والمصالح ، تتقاطع في حين ، وتختلف في حين آخر . ومعيار عقلانية ، وتمدن ، ورقي ن أي شعب ن أو حزب ، أو جهة ، أو فرد ، كيف يتم التعامل مع ما ينشأ عن التنوع والتعدد في المكونات من خلافات ، وتوترات ، التي قد تصل إلى الأزمة . وكيف يتم التعاطي مع القوى الخارجية اللئيمة التي تدس أنوفها في شؤونه ، لتعكر مياهه .. وتصطاد ما تطمع به من وطنه . وقد مر الشعب السوري بمراحل عديدة في تاريخه . وخاض تجارب تعتبر دروساً لأجياله المتعاقبة ، في الحضارة ، والتشكل التاريخي ، ومقاومة الاحتلال ، والتجزئة .
ولأنه كان بالإمكان أن يكون سلوك مختلف الأطراف السورية ، الحاملة وجهات نظر متباينة ، ولمصالح نوعية واجتماعية ، سلوكاً مغايراً ، لو أنهم وضعوا جميعاً في اعتبارهم .. أن مصلحة الوطن .. ووحدته .. ووجوده .. أولاً وأخيراً ، فإن من الممكن الآن سلوك ما كان يجب أن يكون عندما نضع في اعتبارنا أيضاً .. أن مصلحة الوطن .. ووحدته .. ووجوده .. أولاً وأخيراً .
* * *
مع تصاعد المخاطر على الوجود السوري ، المتمثلة بتصاعد عدوان الإرهاب الدولي ، واستعدادات التحالف السعودي الأميركي لنقل " عاصفة الحزم " وربما باسم آخر إلى الشام ، توسعت وتعمقت مسؤولية السوريين . أصبحت ملحة الحركة والأداء ، وصارت مطلوبة على الصعد كافة .. صار كل من ولد لأبوين سوريين ، وترعرع ، وكبر ، من خيراتها ن ومائها ، وهوائها ن وطبيعتها ، وتكون وعيه ، وضميره تلقائياً مع حنين الارتباط بالجماعة ، التي يحيا في وسطها ، وبالأوسع منها على اتساع الوطن .. بالشعب .. هو مسؤول عما يجري فيها من قتل ، وتمزيق ، وتدمير ، إن كان يملك .. أو يستطيع أن يشارك في منع ومقاومة هذا القتل والتمزق والتدمير .
من البديهي أن تتوزع المسؤوليات حسب القدرات ، والكفاءات ، الشخصية ، والمكانة الاجتماعية والوظيفية ، داخل الحكم و خارجه ، لكن الكل مسؤول ، لأن واجب الدفاع عن الوطن ، وعن وجوده ، يجرف ما عداه من المبررات والذرائع ، التي يتمسك بها البعض ، ليحجم عن أداء الواجب ، أو التردد بالقيام بذلك .
وبصراحة أكثر ، تلك المبررات المتأتية عن الممارسات في المرحلة الماضية ، عن الانقسامات السياسية الصراعية ، وعن الحدية القمعية في التعامل معها ، التي أحدثت الشروخ غير الطبيعية في بنية الدولة ، وكرست واقعاً سورياً غير عقلاني وغير مسؤول ، يقسم إلى شعب .. نظام .. متنابذين . وأوقعت الكثير من المظالم ، وردود الأفعال ، التي ينبغي أن تسوى وفق معايير الدالة في الوقت المناسب . لكن ذلك لا يعني بالمطلق ، أن يبرر تدمير البلاد بذريعة الحرية .. فتضيع البلاد والحرية . وأن تمارس الخيانة الوطنية ، بذريعة توفير الدعم الخارجي ، لتحقيق التغيير في الوطن ، فيضيع الوطن ومقدراته وقيمه .
إن ظروفنا الكارثية الراهنة المتصاعدة الخطورة ، لا تسمح بفتح الملفات المؤلمة ومتابعتها ، تحت نار الحرب ، ووسط الخراب وبرك الدم . ما هو مطلوب .. وبإلحاح الآن هو فتح ملف الوحدة الوطنية . وملفات كيف نوفر القدرات والطاقات البشرية ، والمادية ، والروحية ، للحفاظ على الوطن ، وتحريره من الإرهاب الدولي ، وملاقاة عواصف الحزم ، وتضميد الجروح ، والكسور ، والشروخ ، في بيتنا السوري الموحد .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ياعمال العالم و يا أيتها الشعوب المفقرة اتحدوا
-
مقدمات الانهيار .. ومقومات النهوض
-
مذبحة اليمن مستمرة و بعدها إلى الشام
-
السياسة والحرب والحلقة المفقودة
-
الربيع المهزوم وعاصفة الحزم إلى الشعب اليمني البطل
-
المملكة إذ تخوض حرب الامبراطورية
-
أوراق معارضة ( 2 ) ولادة المعارضة
-
أوراق معارضة ( 1) ولادة وطن
-
يوم المرأة السورية وحق الحياة والحرية - إلى نائلة حشمة -
-
حول خواتم الحريق السوري
-
العدوان التركي والمسؤولية الوطنية
-
العودة المؤجلة إلى البيت - إلى حسين العلي -
-
سوريا .. ثوابت وآفاق
-
لن أقول وداعاً
-
قبل منتدى موسكو وبعده
-
لماذا القلعة بحلب هدف للإرهاب ؟
-
لأجل عودة آمنة كريمة للوطن .. إلى الطفولة المهجرة
-
الأستاذ
-
التعذيب جريمة حرب وجريمة استبدلد
-
حلب تصنع ربيعها القادم
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|