|
الثقافة كميدان كفاح تحرري/ مقابلة
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 4797 - 2015 / 5 / 5 - 13:51
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أسئلة رشا أبازيد
1) تبدو آفاق الحل السياسي للمأساة السورية بعيدة نوعاً ما، ما هي مجالات العمل المتوفرة اليوم لتغيير وضع السوريين وتحسينه في المدى القريب والبعيد؟ كل شيء يمكن أن يكون مجال عمل عام مؤثر. التعليم أساسي جدا، تأمين موارد ذاتية للعمل والإنتاج لأكثرنا، الفن والثقافة، وكذلك السياسة، أقصد السياسة من تحت بمشاركة عموم الناس. وعلى مستوى الأفراد، والشبان بخاصة، يمكن دوما المزج بين تطوير كفاءاتنا وبين حس أخلاقي موجه نحو العمل مع شركاء ومساعدة محتاجين. هذه الميادين ليست مرهونة بحل سياسي، لا قيمة له حتى إن كان قريبا من العدالة، إن لم نكن قادرين على بناء وترقية حياتنا الجديدة، أو مساحات منها. والصفة المأساوية لوضعنا هي في الوقت نفسه فرصة للجذرية في التفكير والنقد وعمل الثقافة. أرى أننا نكرم ألمنا الهائل وشهداءنا بالعمل على تغير الحساسية والذوق والمخيلة، التغير الثقافي. هذا ميدان أساس للعمل التحرري، اليوم وفي كل وقت.
2) هل العمل في المجال الثقافي أصبح أحد وسائل بناء مستقبل مختلف لسوريا؟ لم يصبح. كان دوما. النظام الأسدي لم يتحكم بالدولة والمجتمع فقط، ولكنه أضعف الثقافة كمجال لتكون رأسمال رمزي عام وحصانات اجتماعية مؤثرة. الثقافة المفضلة من قبل النظام هي إما الثقافة الداجنة سياسيا، أو الأنانية المتمركزة حول ترقية الذات، والمثقف المفضل في الحالين هو المتخلي عن أي مسؤولية اجتماعية، لا يقوم بواجبه في الدفاع عن الشعب والاعتراض الصريح على أصحاب السلطات، سلطة الدولة أولا بحكم قوة تأثيرها واحتكارها للقتل، ولكن أيضا سلطة المال وسلطة الدين وغيرها. الثقافة ميدان أساسي لأنها ليست مشروطة بمنطق موازين القوى، ويمكنها أن تكون مساحة لتحرر الفكر والمخيلة، وللنقد الجذري لأوضاعنا الراهنة على جميع المستويات. الثورة كسرت بنى التفكير والتصور والتمثيل والتخيل المستقرة منذ نصف قرن، ووسعت مساحات ما يمكن التفكير فيه لتشمل التعذيب والموت والعنف والجسد والله والإنسان وسلاطين الدين والدنيا، وزجت سوريين كثيرين في سياقات وأوضاع ما كان يمكن تخيلها قبل الثورة، ويقع علينا أن نطور أدوات وممارسات جديدة للتفكير والحساسية لاستيعاب هذا التجارب الجديدة الخارقة. أعتقد أن ثورة في الثقافة واجبة جدا، وممكنة، بفضل الثورة في المجتمع والسياسة ومآلاتهما، وكإخراج لهذه الأخيرة من مأزقها على المدى القريب. والثقافة بعد هذا كله هي الميدان الاستراتيجي لصنع القيم المتمايزة عن الدين والناقدة له، والخارجة عنه. أعطني ثقافة تغتني وتتطور، أعطيك مجتمعا أقل تشددا دينيا وأكثر حرية. 3) هل تعتبره ضروريا بمثابة العمل الإغاثي والتنموي مثلاً؟ هذان مستويات مختلفان للضرورة. نحن محتاجون للطعام والشراب والسكن قبل الثقافة، لكن الثقافة ليست شيئا كماليا إلا حين لا تتوفر لنا هذه الضروريات. فإن توفرت، تصبح الثقافة هي الضرورة العليا، لأنها هي ما ترفع حياتنا فوق مستوى العيش المحض، أو مجرد البقاء على قيد الحياة. وهي مجال إنتاج القيم التي تجعل الحياة شيئا عزيزا، والتعدي عليها عدوانا خطيرا. انخفضت قيمة حياتنا في سورية لأننا إما لم ننتج من القيم المعرفية والأخلاقية والجمالية ما يغنينا ويرفع من شأننا، أو لأن بعضنا أنتجوا ثقافة تخفض من قيمة حياة عموم الناس وتعتبرهم عددا فائضا أو كثرة من المتخلفين الجاهلين الذي لا مشكلة في القضاء عليهم. العمل الثقافي مهم في كل حال، لكننا ندافع عن الثقافة وننقذ كرامتها حين ننشغل كعمال ثقافيين بتكريم كل إنسان وإغناء حياته والدفاع عن حريته.
4) قمت بتأسيس بيت هامش للثقافة في تركيا، وتعمل أيضاً ككاتب وصحفي في موقع الجمهورية وغيره، برأيك هل ترى آن مثل هذه المبادرات من الواجب على السوري في المنفى الإكثار منها ومضاعفتها؟ وهل هناك ضرورة للتسيق فيما بينها لتصبح، على شكل شبكة ثقافية مثلاً؟ أنا واحد من مجموعة مؤسسين لـ"هامش"، سوريين وأتراك. واحد أيضا من مؤسسي مجموعة الجمهورية، بالاشتراك مع سوريين آخرين، كان معظمنا داخل سورية وقت تأسيس المجموعة في آذار 2012. وكل من هذين الإطارين هو أداة للعمل العام، ومساحة ثقة وأمل تجمع أعضاء المجموعتين وشركاء متنوعين لهم. وبقدر ما إن الأمل والثقة هي أحوج ما يحتاج السوريون اليوم، فإن الإكثار من هذه المجموعات ضرورة حيوية. الأمر ممتنع في ظل النظام الذي عمل دوما على فرط السوريين وبعثرتهم ومنعهم من إنتاج أشكال انتظام مستقلة على أي مستوى، لكنه ممكن في منافينا، ويساعد على مقاومة المنفى وإعداة بناء حياتنا وأدوارنا وهوياتنا في الشروط الجديدة. ولا ريب أن ما نقوم به أو نتعلمه في المنفى سيكون ذا نفع يوما في بلدنا. وأعتقد أن إقامة شبكة جامعة بين هذه المجموعات أمر مفيد جدا لتبادل الخيرات والقيام بأعمال مشتركة وتوسيع مساحات الثقة والأمل والشراكة لأعداد أكبر من السوريين. لو كان لي الخيار وأستطيع الحركة بحرية، لكانت أولويتي العمل على بناء شبكة سورية دولية، توسع تجربة "هامش" وتعممها. ومن المهم جدا في رأيي أن يكون لنا شركاء من أهل البلدان التي نقيم فيها. خطأ لا يغنفر أن نحصر أنفسنا في دوائرنا الخاصة، فكأننا نكمل عمل النظام البعثي على عزلنا عن العالم طوال نصف قرن.
5) في مقابلة لتشرشيل في بدايات تنظيم المقاومة البريطانية ضد النازية، وقبل التدخل الأميركي في الحرب العالمية الثانية، أصبح من الضروري توفير التمويل للسلاح، فطُلب منه قطع التمويل الثقافي. فكان جوابه الرفض التام ورد قائلاً.. : ولماذا نقاتل إذن ؟ قاصداً أن الحرب ضد النازية هي أولاً وأخيراً حرب ثقافيه مبنيه على إختلاف بالفكر وأن المجال الأول الذي يتطلب التمويل هو الثقافة ، هل توافقه الرأي ، وتراه ينطبق على سوريا اليوم؟ هذا كلام جميل. وأظنه يحيل إلى أن الثقافة هي من مجال الغايات والقيم العليا، بينما الحرب من مجال الوسائل في أحسن الأحوال. نقاتل أو نضطر إلى القتال حماية للحياة، ولما يحمي الحياة من فكر وفنون وعلوم وأنماط حياة وعمران مادي. نقاتل من أجل قيم ومعان، من أجل العمران والثقافة. فإذا خسرنا الثقافة لم يعد للقتال غاية أو معنى. صار قتالا لأجل القتال، قتالا من أجل السلطة المحض، وصار قتل البشر والتخلص منهم شيئا عاديا مثلما هو الحال عند نظام الجريمة الأسدي، وعند داعش وعموم المجموعات السلفية المعادية للثقافة. هكذا أفهم رد تشرشل البديع. إنه يحدد ما هو أساسي وما هو مكمل، ما هو غاية وما هو وسيلة، بصورة مقتضبة، واضحة، وقاطعة. هذا تفكير نحتاجه.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من -القاعدة- إلى -داعش-: الإرهاب والمخابرات
-
تعاقد سوري جديد: تخلص مترابط من الأسديين والسلفيين
-
صادق جلال العظم: مراحل وأدوار في عمل مثقف من دمشق
-
السجن والكتاب: تجربة من سورية
-
سير لسورية المنسية: تحرير الذاكرة من السجون
-
قبر للمرء جميعه: تبدلات موت السوريين وتغيرات حياتهم
-
مقدمات التحول السلطاني في سورية
-
في نقد عبدالله العروي ”المثقف العربي“ برنامجاً لتحقيق الحداث
...
-
في الأصول البنيوية لانقسامات المعارضة السورية
-
في مواجهة ثلاث عقائد تمييز، أين ثقافة التحرر؟
-
أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/6- سميرة، رزان، وائل،
...
-
السلطان الحديث: المنابع السياسية والاجتماعية للطائفية في سور
...
-
الإسلام، سورية، والعالم/ حوار
-
أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/ 5- المصادرة: صورة طب
...
-
الرقة: من ثالوث استعمار إلى ثالوث مستعمرين
-
نهاية الترقي العام وصعود الإسلاميين
-
عن التفاؤل والتشاؤم، وعن -الشعب الطيب- ومسؤوليته
-
ربعة وأربعون عاما وأربعة وأربعون شهرا/ 4- فلسطنة السوريين وح
...
-
خطاب العقل وظهور تيار العقليين
-
السلفية الجهادية كظاهرة مسرحية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|