أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محفوظ أبوكيلة - سنوحى المصرى: شخصية من مصر















المزيد.....

سنوحى المصرى: شخصية من مصر


محفوظ أبوكيلة

الحوار المتمدن-العدد: 4797 - 2015 / 5 / 5 - 12:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سنوحى "إبن الجميزة" (2000 قبل الميلاد– 1936 قبل الميلاد )، عاصر إثنان من فراعنة الأسرة الثانية عشر بالدولة الوسطى، هما أمنمحات الأول وسنورست الأول. ولد سنوحى لأب من وجهاء طيبة وملاّكها , وفي عهد الإصلاحات الجديدة التى قام بها امنمحات صودرت أملاك الإقطاع , إلا أن الملك " أمنمحات " أعاد له ضياعه وأملاكه فيما بعد. وقد أدرك الأب من هذه التغييرات والتطورات الجارية فى البلاد حكمة الزمان، الذى أوصى بها ابنه بقوله له: " لا تحسبن يا صغيرى سنوحي أن النبل والشرف خلق يورّث أو طبع يمتاز به أناس , ولا هو دم ذكي يجري في عروق دون عروق إنه في كل عصر وفي كل بلد يتألف من أرض وطين , ومن بقر وغنم وحمير , وما يتبع ذلك من مواد وغلاّت وبيوت ومنشآت ), ولذلك فقد آثر الأب أن يبحث لإبنه عن دور في البلاط يجنبه المفاجآت.
صار سنوحي بمساعي أبيه وحكمته أحد قادة الجيش, وخلال مشاركته فى إحدى معارك تأديب البدو فى الصحراء الليبية تحت قيادة سنورست وريث الملك وشريكه فى الحكم. في اليوم السابع من الشهر الثالث من فصل الفيضان , في السنة الثلاثين من حكم الملك جاءت أنباء وفاتة ، وقد شاء حظ سنوحى العاثر أن يكون فى مكان قريب أتاح له أن يسمع ما أسر به الرسول لسنورست مما جعل سنورست يهرع لفوره إلى عاصمة الملك، ولكنه وجد أخيه آنى ينازعه العرش، وتطايرت أنباء الصراع على الحكم بين " " سنوسرت وزوجتة نفرو من ناحية وآني وزوجته نورا من ناحية أخرى. أرتعد سنوحى خوفا مما سمعه ( ولم يبح به أبدا حتى وفاته) فقد يؤدى إلى وقوع كوارث. ووجد البلاد وقد أحدقت بها المخاطر، وهو فى حيرة من أمره لايدرى إلى أى جانب ينحاز فقد كانت علاقته قوية بالطرفين ومحل ثقتهم خاصة الزوجتين نفرو ونورا، ويصف سنوحى حالته فيما كتبه على مقبرته قائلا: " قلبي يضرب , وذراعاي تتراخيان , والفزع يدبّ في أعضائي جميعها, إذ قدّرت أن فتنة سوف تقع في مصر".
طار صوابه وما لبث أن ولى وجهه شطر الجنوب ينشد الفرار وألقى عصا الترحال إلى حيث لايدرى. يصف سنوحي طريق التخفي في مصر متجولاً من جزيرة إلى أخرى ومختبأً خلف شجر الجميز وبين الصخور ومعتصماً بالقلاع المشيّدة لصيد الأسيويين والبدو الطامعين حتى إذا ما وصل إلى جزيرة كم أود "فيما يعرف اليوم بالبحيرات المرة" سقط من الإعياء والعطش إلى درجة الهلاك "أوطعم الموت طبقا لتعبيره". ويسوق القدر اليه بعد هذه المشقة ببعض العربان, يعيدون إليه رمقه بالماء واللبن.
ويتجول سنوحي من بلد إلى بلد ليستقر به المقام في كنف حاكم رتنو " جنوب الشام "، وكان اسمه " منشي بن آمو"، وقد أخذ هذا الحاكم بيد الغريب , وسكّن مخاوفه: " ستكون معي وستسمع أخبار مصر". ويسرد سنوحي لمولاه الجديد قصة فراره، يركز فيها على أنه لم يكن مشيّعاً بأى لعنة، وشارحا له لواعج نفسة التى ساقته إلى تلك البلاد. شارحا له مدى قوة الملك الفرعوني وبأسه وحكمته ورجاحة رأيه وحظوته من الشعب وأخلاقه في التعامل مع الموالين إليه , وينصح مولاه أن يقيم معه أوثق العلاقات. ولكأنما كان قدر من الله مآله في هذه الأرض الجديدة إذ ابتسم له القدر بدءاَ من زواجه من ابنة الملك وازدياد أملاكه وتأميره على الجيش وإسناد المهام الأميرية له مقدماً على أبناء الحاكم السوري. وأنجب ثلاثة أبناء ، أصبح كل منهم شيخ قبيلة. ولكنه دأب على أن يختم صلواته طالبا من ربه: " هلا قدرت لى أن أرى البلاد التى أحب، قواي تخور وتضعف، ووهن العظم مني، وفقدت عيناي البريق. وأنا لا أريد أن أموت في بلد أجنبي. يقذف أهلها ، بجثث موتاهم للضباع الكاسرة والطيور الجارحة، وليس أعظم لدى ولا أحب الى قلبى من أن أدفن فى الأرض التى ولدت فيها، إنها أمنية يتمناها كل مصرى وهى أن يموت فى وطنه". عندما وصلت أخباره الى مسامع الملك سنورست " سيزوستريس" وزوجته نفرو الذين لم يكونا قد نسوه، أصدرالفرعون أمره بالعفو عنه ، ووجه إليه رسالة فى لفافة من البردي، يدعوه فيها للعودة إلى مصر قرأها الرجل وانهمرت الدموع على خديه. تقول الرسالة: "لقد سافرت بعيداً.. دفعك قلبك الخائف إلى أن تهرب من بلد إلى آخر. عشت سنوات كثيرة مع البدو، وكنت مثل بدوي أنت نفسك. لكننا نتذكرك كما كنت في يوم من الأيام. لذلك عد إلى العاصمة وقَبِل ترابها. ولسوف تعود قذارة جسدك إلى الصحراء. سوف تُعطى ملابسك إلى هؤلاء الذين يعيشون وسط الرمال. ولسوف يدهن جسدك ويضمخ بالزيوت العطرية ويُلف بالكتان المندى. لن تموت في الخارج. سيصنع من أجل مومياوتك صندوق من خشب الأرز، ويوضع جسدك على عربة تجرها الثيران المخصية، وتتقدمها مسيرة المنشدين، ويرقص الأقزام على باب مقبرتك. فهيا عد يا سنوحي، هيا ارجع".
عاد سنوحى ...أحسن الفرعون لقائه وعينه فى بلاطه. وأسكنه في بيت أحد أبنائه، حيث توجد أفخر ضروب الأثاث، وكان فيه حمام.... ؛ وقص شعره، ومشط، وجيء له بأرق الملابس الكتانية وعطّر جسمه بأحسن الزيوت. فى هذه الأثناء صور سيرة حياته الممتدة على أكثر من ثلاثين عاما أمضاها في بلاد الشام تعرض فيها للكثير من المغامرات، وقاسى كثيرا من الشدائد والأهوال، قبل أن يعود لينهى دائرة حياة دراماتيكية ذات دلالات حضارية واجتماعية وثقافية، سجل سنوحي وقائع رحلته , وصور لواعج نفسه واصطراع وجدانه, ورصد مواجده ومخاوفه على ورق البردي بموهبة ومهاره, باسلوب خاص, يتميز ببساطة السرد ورقى التعبير، فترك بذلك نصا نادرا يعد من أمهات الأدب العالمى، عبارة عن وثيقة رصدت بالإضافة الى سيرته معتقدات الفراعنة وعاداتهم, وعكست بعض حياة بلاد الشام في تلك المرحلة وقد سجلها على 6 برديات و 26 قطعة أوستراكا. وعلى مدى القرون كان المعلمين يدربون التلاميذ على الكتابة بإعادة نسخ قصة سنوحى المصرى على الألواح الحجرية وقطع الأوستراكا، وظل المصريون يتغنون ببطولاته ومغامراته وينسجون حولها الأساطير، واعتبرت قصتة الأكثر شعبية وانتشارا فى مصر لقرون طويلة, و هناك من يقول من علماء الآثار أنها كانت تمثل تمثيلا دراميا فى بعض المناسبات. وتركت أثرا كبيرا فى تراث القصص الشعبى لمجتمعات الشرق الأوسط, كما ظهرت بعض وقائعها بعد ذلك فى التوراه.
أخيراحقق له الفرعون أمنيته ومات سنوحى وسط خدام الروح فى مكان الممات الذى كان قد حدده فى الحديقة المقامة أمام قبره، الذى بناه له الفرعون على شكل هرم من الحجر بقائمة من الذهب الخالص ، مزين بأعمال الرسم والنحت والتماثيل المطلية بالذهب، موضوع به كل أنواع المتاع المعتاد، لينام سنوحى قرير العين فى إنتظار الحياة الأبدية.



#محفوظ_أبوكيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمد سيف: شخصية من مصر
- شيخ العرب همام: شخصية من مصر
- الأميرة فاطمة بنت الخديوى اسماعيل: شخصية من مصر
- أحمد عبد الله: شخصية من مصر
- فهمى عبد المجيد: شخصية من مصر
- اليمن، النشأة والمصير
- أحمد حسنين باشا: شخصية من مصر
- نزرع القطن ولا نقلعه؟!!!
- د.على نويجى: شخصية من مصر
- البيئات الحاضنة والمفرخة للإرهاب فى مصر
- المصالح تتصالح
- مسز بيل، ملكة الصحراء وصانعة الملوك
- صانعو الملوك: ( 1) جون فيلبى
- عملت أيه فى الحرب يابابا ( 2)
- عملت أيه فى الحرب يابابا؟


المزيد.....




- سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي: ...
- أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال ...
- -أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
- متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
- الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
- الصعود النووي للصين
- الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف ...
- -وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب ...
- تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محفوظ أبوكيلة - سنوحى المصرى: شخصية من مصر