|
الإلحاد المضطهد
محمد رحمون
الحوار المتمدن-العدد: 4797 - 2015 / 5 / 5 - 01:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الإلحاد المضطهد
لا يمكن أن نعارض أي إنسان يعتنق إيمانية معينة تمنحه معنى للحياة والوجود، مستثمرا كل القيم والشرائع والتعاليم الدينية ليحقق لذاته استقرارا نفسيا، ولكن المعارضة يجب أن تتوجه إلى أولئك الذين يتاجرون بتلك القيم والشرائع والتعاليم ويجعلون من أنفسهم أوصياء على الناس، ناطقين عن الله، حراسا للمعابد، وسيوفا مسلطة على رقاب المخالفين، هؤلاء الذين يتخندقون بشكل جذري في الجهة الأخرى من المتراس الوجودي رافضين إنسانية الإنسان. إن هؤلاء المتحذلقون يشبهون المحلل النفسي الذي يخضع غيره للعلاج لكي يتجنب الوقوف والتساؤل طويلا وعميقا على علله الخاصة ومكبوتاته المتجذرة وهلوساته الداخلية. يحاول هؤلاء إخفاء بؤسهم وجهلهم من خلال الزيادة من حدة بؤس وضلال الغير، وهذه الحيل تستوجب فضحها وتعريتها. عندما يبقى الإيمان الديني مسألة محصورة في علاقة المرء بما يؤمن به فإنه يبقى أمرا شخصيا لا حق لأحد في التدخل فيه، وهكذا فكل إنسان فرد له الحق في الخروج من الدين مادام هذا الأمر في حقيقته لا يهدد حياة الآخرين. إن حق الدفاع عن الاختلاف في الفكر والرأي والاعتقاد ينشط عندما يصبح الإيمان الخاص قضية عمومية، أو عندما يتم باسم الجهل والكبت والوهم تنظيم العالم للآخرين وفق نظرة معينة لنظام الأشياء والعلاقات في العالم، وإذا كان البعض يرى أن الإيمان الديني هو الحل السحري لمشاكل العالم، فهناك من يرى في استبعاده خلاصا للإنسانية من الاستعباد والظلم والقصور العقلي، وإذا تقرر أن للمؤمن الحق في إيمانه فينبغي تقرير نفس الحق بالنسبة لمن نصفه ب"الملحد"، وأن نسمح له بحريته في أن يضع بينه وبين الاعتقادات الدينية مسافة تجعله يخضع ذاته لاشتغال معرفي فلسفي معين. إن الملحد اختار أن يخرج من دائرة الاعتقاد الإيماني بوعي وبحرية وأن يدخل دائرة العقل النقدي الذي يخضع كل الظواهر للتحليل والتفكيك دون قيود، قرر الخروج من دائرة التسليم العاطفي والانفعالي الساذج إلى دائرة الاستخدام الجيد للإدارك والفكر وفق نظام حجاجي ورغبة نقدية حقيقية، وهكذا فالإلحاد إمكانية من إمكانيات الحياة، ودلالة على الاختلاف والتنوع الذي جبل عليه الإنسان، الذي يسعى حراس العقائد إلى إقباره نهائيا ليصبح العالم الإنساني نمطا واحدا وحقيقة واحدة.. وإذا كان المؤمن يعطي حضورا مهيمنا للسماء في كل شؤون حياته فإن الملحد يفرغ السماء وينفي عنها أي علاقة بمصيره في الحياة وبعدها. لقد أصبح الإلحاد اليوم مستخدما من قبل حراس العقائد استخداما سياسيا لإقصاء واضطهاد المخالفين لهم، بل يذهب الأمر إلى التحريض على قتلهم، لكي يخلو لهم الجو للسيطرة والنفوذ على العامة المغلوبة على أمرها والغارقة في الأمية والجهالة والتخلف..ومادام الإله لم يتكلم إلى الناس بشكل مباشر فصمته هذا يسمح لمن يدعي اتباعه وتمثيله على الأرض الحديث بلسانه، لأن كل أقوالهم وأفعالهم تستند إليه، وبالتالي يضفون عليها صبغة القداسة التي تبعدهم عن المحاسبة. وهكذا فكل من لا يؤمن بالله فإنه بالضرورة لا يؤمن بهم، ويصبح ملحدا أي أنه أسوأ الناس وغارق في النجاسة والشر ويجب قتله وتصفيته تخليصا للناس من فتنته وشروره. وفي هذا الجو الذي يحتقر التعدد الفكري والحريات الفردية يجد الملحد صعوبة في إعلان إلحاده والدفاع عنه لشرحه للناس، ذلك أن حراس العقائد ينخرطون في ممارسات دينية مؤسساتية تستند على ميلشيات تجبر الناس على التخلي عن عقولهم وتفكيرهم لكي يؤمنوا، ومن شك فعليه التوبة والاهتداء السريع. إنهم يسعون جاهدين لشيطنة المخالف لهم والمفارق لجماعتهم، وتأليب العامة عليه ونبذه من المجتمع وحرمانه من التعبير عن مواقفه والعيش وفق الطريقة التي ارتضاها. إن هؤلاء الذين يؤمنون بكل شيء ويعبدون أي شيء يبررون لأنفسهم باسم عقائدهم عنفهم المتعصب والأعمى، وحروبهم الدامية ضد من يخالفهم، إنهم يحاولون الآن التمكن من كل السلطات التي تسمح لهم بتمرير قراراتهم حتى لا تكون هناك أي إمكانية للتعدد والاختلاف، إنهم يريدون نفي الكلمة وإقبارها، والقضاء على العقل والذكاء والاستدلال، وتعويضها بالطاعة والخضوع وتقديم الولاء والتسليم لأقوالهم لأنها تنطق عن سلطة عليا.
#محمد_رحمون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلسفة الذات في مواجهة سلطة الثقافة
-
الدولة الديكتاتورية الاخوانية
المزيد.....
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب
...
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|