البشير بمكدي
الحوار المتمدن-العدد: 4796 - 2015 / 5 / 4 - 23:46
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
المشروع الأمازيغي..هل ولد ميتا؟
لا بد أن المتتبع للمشروع الأمازيغي في المغرب سيصاب بالهذيان, فقد عرف التقعيد لهذا المشروع تجاذبات ونقاشات وصلت حد التخوين ومحاولات لمصادرة كل رأي يخالف ما يذهب إليه كل طرف من الأطراف المعنية بالقضية الأمازيغية, سواء من المساندين أو المعارضين أو المتحفظين.
ويصل هذا الهذيان أوجه لدى فئة من الأمازيغوفونيين , من ذوي الطرح الراديكالي الإقصائي والاستئصالي, الذي يرى في العنصر العربي, وبالتالي العربية والإسلام ؛ مجرد جيش غاز ولغة وثقافة غازية. إن الخطورة الكامنة في هذا التيار, تتجسد في الاختزال الصبياني لتاريخ يمتد إلى أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الوجود العربي والإسلامي في المغرب. إن هذا الابتسار, هو الذي يفقد المشروع الأمازيغي مصداقيته.
إن فكرة الدعوة لإعادة ربط المغاربة بماضيهم- الأمازيغي – والمصالحة مع ذواتهم الأصيلة والقطع مع الاستلاب الفكري والثقافي والحضاري, لا يمكن أن يكون على حساب المخاصمة مع ذواتهم الأصيلة المتمثلة في الإسلام والثقافة العربية, وإلا كيف ُيسمح للمدافعين عن الطرح الأمازيغي بوصف خطابهم بمضاهاة الخطابات الأكثر ديمقراطية في العالم – هكذا. إنه منطق عجيب, إلا إذا كانت هذه ديموقراطية جديدة فليس لنا أن نعجب بعد الآن.
إن جينات الفناء كامنة في فكر الأمازيغوفونيين- ولا أقول الأمازيغيين- القائم على النزعة الشوفينية والطوطاليطارية, ولا ننكر أنهم يتشاركون نفس الفكر مع بعض القومجيين العرب.
لكن قبل كل شيء, دعونا نشير إلى أن الموت السريري للمشروع الأمازيغي, لن يأتي من الدولة, ولا من القوميين العرب-الآخر- ولا من الإسلاميين, بل سيأتي من داخل مكونات المشروع الأمازيغي نفسه. فالصراع حول الزعامة, والتخوين, ومحاولة احتكار الحقيقة والشرعية النضالية, واتهام الآخرين- الأمازيغيين- بالتخاذل في نصرة المشروع الأمازيغي...كلها عوامل ستؤدي بهذا المشروع إلى الارتكاس.
إنه لمن السذاجة أن يظن كل شخص, يرفع العلم الثلاثي الألوان(الأخضر و الأصفر والأزرق) في المظاهرات وعلى مدرجات ملاعب كرة القدم, أو يضع قلادة أويرتدي جلبابا يحملان حرف (زاي) بالأمازيغية, أو يدخل البرلمان بقفطان يحمل نفس الرمز؛ أنه مناضل في صفوف الأمازيغية. وهي نفس السذاجة التي يظن بها بعض الإسلاميين أن تقصير الثوب وإعفاء اللحية والاستياك ووضع بعض المسك الرخيص جدا, علامة على التقوى. إن النضال والتقوى على حد سواء, لا يمكن أن يتحققا بالرموز, رغم أهميتها.
إننا لا نشك أبدا في أن الخطاب الأمازيغي لا يملك استراتيجية محددة في العمل. بل إننا نقول إنه لم يحدد المرامي و الغايات التي يسعى إلى تحقيقها. فهو حينا يحارب العربية والإسلام والشرق العربي بأكمله, ومرة يدعو لترسيم الأمازيغية في الدستور, ويساند الأقليات العرقية من الأكراد والأزواديين والأقباط والنوبيين وصولا إلى الصهاينة الإسرائيليين...ولعل التجاذبات التي عرفتها قضية الحرف المناسب لكتابة اللغة الأمازيغية المعيارية, لأكبر دليل على التخبط والعشوائية في المشروع الأمازيغي, بل كشف عن زيف نضال الكثير ممن يدعون مناصرة الأمازيغية من خلال دعوتهم لكتابة اللغة الأمازيغية بالحرف اللاتيني بدعوى الانتشار على الصعيد العالمي, وهل شفع الحرف اللاتيني للغة التركية واليونانية والرومانية والبلغارية والسويدية...فنحن نتداولها مع كافة الملمين ببعض الحروف اللاتينية؟ ألا يحق لنا بعد هذا أن نشكك في مصداقية الخطاب الأمازيغي؟
وكانت اللغة الأمازيغية المعيارية العقبة الثانية التي أزمت المشروع الأمازيغي, فقد فطن الأمازيغيون في منطقة الريف إلى أن( السوسيين) قد سيطروا على المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية, وبالتالي سيطرة المفردات السوسية في اللغة التي يسهر المعهد على تبنيها كلغة معيارية, وهو ما دفع بعض الأصوات الريفية إلى الدعوة إلى تبني اللهجة الريفية بمنطقة الريف بدل اللغة الأمازيغية المعيارية. ثم إن اللغة المعيارية المغربية تختلف عن اللغة الأمازيغية في الجزائر وعن مثيلتها في مالي وليبيا وسيوة المصرية...نحن إذن أمام لهجات أمازيغية, لا لغة أمازيغية موحدة كما يدعي بعض مزوري التاريخ وبعض مدعي المصير المشترك للسكان الأصليين لشمال أفريقيا. ولا أملك هنا إلا أن أسأل هؤلاء عن مصير المتكلمين باللسان الأمازيغي من أصول سودانية(السود)؟ أم نذكر أن مصطلح أمازيغ (الإنسان الحر) في الأصل يطلق في مقابل العبيد؟
ولعل تمسك البعض بنظام"الكوطا" في التمثيلية داخل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وبالتالي في التمثيلية اللغوية للهجات الثلاث في اللغة المعيارية, دليل آخر على التشرذم الذي يعرفه المشروع الأمازيغي, رغم ادعاء البعض أن قوة تضحيات الأمازيغ رهينة بوحدة صفهم, وهذه الوحدة ضرب من المستحيل لاعتبارات جغرافية و سياسية واقتصادية وعرقية, ولا نرجح أن أي طرف مستعد للتنازل لطرف آخر.
والملاحظ أن المناضل الأمازيغي؛ بصفة عامة, هو المرادف لمعاداة العربية والعرب ثم الإسلام, والذي يلغي كل تاريخ شمال إفريقيا المدون ليكتب تاريخه الخاص, والذي يخدم أجندته الخاصة. وهو الذي لا يجد غضاضة في كيل المديح للإسرائيليين بدعوى الأخوة الإنسانية, ويجلد العرب؛ أعداء الإنسانية الذين لا ينتجون إلا القتل والدمار؟
إن المطالب العقلانية القابلة للتحقق, والتدرج, ووضع استراتيجية شاملة, وتحديد الأهداف في المدى القريب والمتوسط والبعيد, والتجرد من الأهواء المادية والمعنوية, كفيلة بأن تضمن للمشروع الأمازيغي الاستمرارية والنجاح كمشروع مجتمعي يسعى إلى التعايش,جنبا إلى جنب مع اللغة العربية داخل إطار الثقافة والحضارة المغربيتين أولا وأخيرا. غير هذا يكون المشروع الأمازيغي قد ولد ميتا. البشير بمكدي
#البشير_بمكدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟