|
العراق ، حين يقسم المقسم
جاسم عبدالله الصالح
الحوار المتمدن-العدد: 4796 - 2015 / 5 / 4 - 18:16
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
في هذا الوقت العصيب الذي يمر به بلدنا الحبيب ، لا زلنا نتجادل ، لا زلنا نتبادل الاتهامات ، لا زلنا نتراشق التصريحات العدوانية ، نناقض بعضنا البعض ، ويشك البعض بولاء الآخر وإخلاصه للوطن الذي لم يتبق منه إلا القليل ، أزمة ثقة بين أفراد الحكومة وفي الحقيقة أن الشعب العراقي فقد ثقته بجميع السياسيين دون استثناء ، طرح مؤخرا مشروع على الكونغرس الأمريكي يفوض بالتعامل مع الأكراد والسنّة في العراق على أنهما دولتين مستقلتين ، مبادرة أثلجت صدور البعض ممن يحلم بالانفصال منذ حين ، فيما أشعل قلوب البعض ممن ينادي بالوحدة والوطنية وهو يعمل عكس ذلك منذ أعوام ، أما البعض الآخر فوقف مذهولا لا يستطيع أن يتخذ موقفا من هذا القرار لأنه في الأصل لا يدرك ما الذي يجري فهو بين نارين نار الاتهام بالإرهاب والاعتقال ونار الإبادة والتهجير القسري يخشون التقسيم ، ينادون بالوحدة الوطنية ، يطالبون برص الصفوف والابتعاد عن التقسيم بمختلف أنواعه ، أقلمة ، فدرلة ، تجزئة كلها تعني التقسيم ، لِمَ الخوف ؟ وهل يخشى من تقسيم المقسم أو تجزيء المجزأ ! مخاوف دعائية ، وتلاعب بمشاعر المواطن البسيط و شعارات رنانة اعتاد عليها العراقيون
التساؤل الذي يراود كل مثقف و واع عراقي : ما الذي دفع الإدارية الأميركية إلى تقسيم العراق طائفيا ولو بصورة شكلية وتسريبات هدفها جس النبض ؟
ألم يقسم العراق حين قسم ساسة اليوم الكعكة كما ذكرت النائبة حنان الفتلاوي تلفزيونيا ؟ ألم يقسم العراق عندما تم تقسيم المناصب طائفيا في الحكومات التي تلت الاحتلال الأمريكي عام 2003 حتى يومنا هذا ؟ ألم يقسم العراق حين تم توزيع الوزارات على الكتل السياسية وفق اتفاقات سرية كل حسب طائفته ؟ ألم يقسم العراق حين تباد فئة وتهمش فئة وتعتقل فئة من فئات الشعب العراقي كل حسب قوميته و دينه ؟
أليست هي تلك الصراعات والتراشقات والولاءات لغير العراق ؟ أليست هي تلك العصابات و المجاميع المسلحة من مختلف الفصائل التي تقاتل تحت عناوين مختلفة وتبيد العراقيين من مختلف الأعراق ؟ أليس ذلك الخذلان والانصياع لأوامر جهات خارجية مشبوهة لتدمير العراق وهنا اقصد مختلف الأطراف وليست واحدة ؟
ساسة ومواطنون يتعاملون مع بعضهم البعض وفق القومية والمذهب متناسين الانتماء الوطني ، ينظرون إلى بعضهم البعض بعيون الاتهام حتى في الحوارات التلفزيونية التي تعرف بهرجها ومرجها اذ تتحول في النهاية إلي شتائم و مذمة وتشكيك بالوطنية ، لا يستطيع ابن الجنوب الذهاب إلى الشمال إلا بتأشيرة دخول ، ولا يدخل مواطن الوسط إلى الجنوب إلا بذلة واهانة فيما منع نازحون من دخول بعض محافظات الجنوب ! وما بغداد إلا ساحة لتصفية الحسابات بين هذا وذاك ، ويخشون التقسيم ؟
ذكرتها سلفا وها أنا اذكرها مجددا ، لا يحمي الوطن إلا أبناءه وما للغريب ولاء للعراق ، إن كنا نخشى التقسيم ويحب بعضنا الآخر لننظف دواخلنا أولا ، لنعمل للعراق وننسى الدين والمذهب والقومية ، لنعمل لبلدنا الذي دمرناه بعقولنا التي تترنح مع الريح ، لنبني جيشنا العراقي بفرض التجنيد الإلزامي الذي يحتم على كل عراقي خدمة بلده بعيدا عن انتمائه الديني أو العرقي ، خدمة الوطن الواحد ، خدمة الشعب الواحد ، خلع رداء المذهب والطائفية وارتداء الزي العسكري الذي هو شرف وكرامة واثبات للانتماء الوطني ، هنا يتم تحقيق هدف من الأهداف التي تخدم العراق و وحدته ، هدف عجز عنه سياسيو المنطقة الخضراء ، هدف حلم به العراقيون من الشمال إلى الجنوب ، هدف سعى لتحقيقه مثقفو هذه الأمة ومبدعيها ، هدف عجزت عنه الحكومة بعد محاولات بائسة فبدل أن توحد فرقت ، وبدل أن تبني دمرت ، وبدل أن تنجح فشلت ، لنبتعد عن الشعارات التي يتخذها السياسيون حملات دعائية لكسب شعبية وجمهورا أكثر ، كما حدث في الانتخابات السابقة التي حصد بها نواب طائفيون عنصريون أصوات بعض المتطرفين فكريا من أبناء هذا الشعب ، ويا مكثرهم فهم بالآلاف اليوم !!
ليس سرا ما يحدث في العراق ، شاشات التلفزة العالمية وضعت العراق في صدارة الأخبار و وسائل إعلام تعج بأعداد القتلى والجرحى والبؤس يخيم على المشهد العراقي منذ أعوام ، سئم الناس من الأخبار المتكررة وما أعداد الضحايا إلا أرقام تزيد وتنقص ، وسياسيو العراق الديمقراطي الجديد ليسو إلا مجرد أسماء ومناصب تم تقسيمها وفق محاصصة طائفية وما للأقليات إلا الله
الكفاءة والخبرة لا محل لهما في صنع القرار وتنفيذه ، وزارات كانت لسنوات تدار بالوكالة وأحيانا بالوراثة ، وقصص وأهوال تعلن لتسقط البعض وما لها من حقيقة ، الهدف منها إن وزارة ما يديرها وزير من المذهب الفلاني إذن لابد لهم إن يسقطوها كما يحلو لهم وان كان وفق اتهامات وافتراءات
صفقات تعقد في عتمة ليل وعقود بيع وشراء وأموال مخصصة لنازحين تختلس علنا و المواطن يفترش العراء ، وثلث العراق تحت سيطرة تنظيم همجي متطرف يبيد بالجملة ولا يعترف بدين أو عرف ، ونحن ما زلنا نتنازع من اجل مكاسب سياسية أو مالية ، مخاوف وإجراءات أمنية مشددة ، وتستمر الانفجارات منذ أن بدأت قبل اثني عشر عاما وتستمر بحصد أرواح الأبرياء لكنها اليوم تنسب لنازحين عراة حفاة !!
بغداد التي اشتهرت بانفجاراتها التي يتم التفنن بها لم تهدأ يوم ، فما الغاية من اتهام مواطنين عزل بتنفيذها وهم لا يجدون المأوى أصلا لأسرهم الضالة ؟ ألعوبة سياسية مكشوفة ، الغاية منها تشتيت الصف الوطني وتلاشي أمل هذا الأمة في صناعة مستقبل يلي سنوات البؤس والقتل والدمار ، الغاية تشويه كل ما هو جميل في هذا البلد من تاريخ و مجد وأمل
يرفضون التقسيم ويمزقون الوطن بإرادتهم ، يخشون التقسيم ويبددون أمل الأمة بأفعالهم ، يستنكرون التقسيم و يبدون الولاء لغير وطنهم
كلنا ضد التقسيم ، كلنا مع العراق الواحد ، كلنا ننتمي للعراق من زاخو حتى الفاو ، لكن من الذي يضمن لنا حقوقنا ؟
من الذي يعاملنا كمواطنين لنا حقوق مثلما علينا من واجبات ؟ من الذي يحاسب المسؤول الفاسد الذي يسرق بالجملة دون رقيب ؟ من الذي يحمي المواطن من نقاط التفتيش التي تقتل على الهوية ؟ من الذي يعيد النازحين إلى مدنهم المحررة منذ أشهر وهم يقبعون في المخيمات ؟ من الذي يطعم الجائع ويلبس العاري و يأوي من ترك داره هربا من ذبح وقصف ؟
التقسيم الذي نخشاه سيتم إن استمرينا بطعن بعضنا البعض ، وما للإدارة الأمريكية سوى التعامل وفق مصالحها فهي لا تهتم للعراق إن كان موحدا أم مجزأ لنصلح أنفسنا أولا
لا لوم على الأمريكيين إن تعاملوا معنا كأجزاء مقسمة لأننا قسمنا أنفسنا قبل ذلك عبر أفعالنا وان كان دون إدراك ، نلقي باللائمة على الآخرين ولا نلوم أنفسنا حين قسمنا وطننا قوميا وطائفيا
أسئلة كثيرة تبحث عن أجوبة من برلمان وحكومة و وزراء بالآلاف لم يجمعوا على شيء سوى تدمير العراق وإبادة شعبه عبر خططهم الفاشلة و سياساتهم الضالة وتعاملهم مع الوضع وفق أسس طائفية فاضحة لن تجلب للعراق سوى الدمار .
#جاسم_عبدالله_الصالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف تصنع الطائفية في العراق ؟
-
بين العراق واليمن ، صحوة العرب المتأخرة
-
لا ترمي ما فضُل من وجباتك يا سيدي الرئيس ، اطفالنا بحاجتها
-
هوية نقابة الصحفيين العراقيين الدسمة و معاناة الصحفي الحقيقي
-
بعد ان اصبح العراق مصدراً للأمراض والأوبئة ، هل سنبقى صامتين
...
-
الشباب أملهم لدحر الإرهاب
-
العراق وتصدير الطاقة ومشروع الاكتفاء الذاتي
-
الحكومة العراقية والعمل وفق مبدأ - فرق تسود -
-
القرم وجنوب السودان ومصير كردستان
-
في ذكرى عيدها - المرأة العراقية - تتوشح بالسواد لاضطهادها بق
...
-
الدعارة الإعلامية والمهنية المهينة
-
يحيا دولة الرئيس ، ولتتحول حدائقنا لمقابر
المزيد.....
-
نقاش حول نافذة حافلة يتحول إلى طعن وقتل للسائق.. إليك كيف تع
...
-
مشاهد لإقلاع مقاتلات أمريكية لضرب الحوثيين في صنعاء
-
اقتياد منفذ هجوم ماغديبورغ إلى المحكمة
-
الشرطة النيجيرية: ارتفاع عدد قتلى حادثي تدافع بمناسبتين خيري
...
-
خامنئي يتهم أمريكا وإسرائيل بنشر الفوضى في سوريا ويؤكد: -الش
...
-
-تهديدات وكلاء إيران لإسرائيل لا تزال قائمة في الشرق الأوسط-
...
-
مكتب الهجرة بألمانيا: تلقينا العام الماضي بلاغا عن منفذ عملي
...
-
عشرات القتلى والجرحى جراء استمرار الاستهدافات الإسرائيلية لق
...
-
تركيا... اكتشاف حطام سفينة بعمر 1500 عام يضم أكبر شحنة خزفيا
...
-
ارتفاع حصيلة ضحايا تدافع الأرز في نيجيريا إلى 22 قتيلا
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|