أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - هل جئتَ في الزمن الخطأ؟














المزيد.....

هل جئتَ في الزمن الخطأ؟


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4795 - 2015 / 5 / 3 - 18:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كثيرًا ما نقول، والحسرةُ تملؤنا، إن هذا المفكرَ، أو ذاك الفيلسوف، قد جاء في الزمن الخطأ، أو في المكان الخطأ. فهذا العالِم مداركُه العلمية سابقةٌ عصرَه بعشرة عقود، وذاك المفكّرُ أفكارُه المستنيرةُ لا تناسب البيئةَ المظلمة التي يعيش فيها، وذلك الفيلسوفُ كان يجب أن يتواجدَ في زمن آخر وبلد آخر، لأن رؤيته الوجودية طافرةٌ عن زمانه ومكانه. وربما تسمع من يقول لك أنت شخصيًّا: "أنت خسارة في البلد دي!” أو: “كان لابد أن تولد بعد خمسين عامًا، وليس الآن!" فهل هذه الفكرة صحيحة، فتتجوّبُ الحسرة؟ هل بالفعل تجري الأمورُ في الكون على نحو اعتباطيّ غير مدروس ولا محسوب زمانيًّا ومكانيًّا؟ الشخصُ الخطأ في الزمان والمكان الخطأ؟ أحاولُ أن أختبر معكم هذه الفرضية التي شغلت بالي سنواتٍ طوالاً. هل جاء كلُّ إنسان في الزمان والمكان المناسبين له؟ أم أنها محضُ مصادفاتٍ؟
خطر ببالي الآن الوليد ابن رشد، الطبيب والقاضي والفقيه الإسلامي والفيلسوف والفيزيائي والفلكي الأندلسي المسلم. هل كان عليه أن يولد في القرن الثاني عشر ميلاديًّا في مدينة قرطبة الأندلسية أيام حكمها الإسلامي، فيُنيرُ دروبَها ما شاء له التنوير، ويُطعِمُ أبناءها، ثم أبناء أوروبا فيما بعد، من شهد أفكار أرسطو وفلسفته التي شرَّحها وشرَحها بالعربية، إلى أن يُحكم عليه بالزندقة والهرطقة والكفر، فتُحرَق بعضُ كتبه ويحرقُ هو بعضَها الآخر، حتى يُنفى إلى مراكش ليموت بها غريبًا، ويظلُّ في تغريبتَه حتى الآن في مجتمعاتنا العربية التعسة التي تمقتُ التفكير وإعمال العقل وتعشق النقل الحَرفي عن السلف الذي يُصيبُ ويخطئ شأن البشر، بينما يُمجَّدُ أثرُ ابن رشد وشروحه الأرسطية في قرطبة الإسبانية، مسقط رأسه، بعدما يخرج منها العربُ في القرن الخامس عشر، فتُسمى الشوارعُ والميادينُ والمدارسُ والجامعات باسمه Averroes، وانتقل فكره إلى أوروبا فعضّت عليه بالنواجز واستثمرته وقبضت على مشعله بقوة حتى استنارت وتحضّرت وصارت وهجًا للحضارة والصناعة والآداب والفنون، بينما مازلنا نحن العرب، السعداء بجهلنا، نجهله ونُكفّره ونلعنُ تابعيه، فقط لأنه قال: “الحقُّ لا يُضادُّ الحقَّ، والدينُ حقٌّ، والعقلُ حقٌّ، فكيف يتضادُّ الحقّان؟!” ولماذا؟ لأن أشاوس التكفيريين لدينا، وفي كل عصر، ومن كلّ ملّة، يكرهون العقلَ، كراهة النار للماء، وكراهة الأعمى للنور؟!
ماذا لو أن ابن رشد قد جاء في فرنسا القرن الحادي والعشرين، مثلا، وليس في الأندلس المسلمة؟ هل كان شعر به أحدٌ؟ أو هل احتاجه أحدٌ أو كان قد نوّر أحدًا؟ مثله مثل ديكارت في أوروبا القروسطية وطه حسين ومحمد عبده وأحمد لطفي السيد وسواهم من التنويريين في مصر بدايات القرن الماضي. إنما جاءوا جميعًا في اللحظة الصحيحة والمجتمع الصحيح الذي يحتاج إلى قبس نورهم ليهدم قطعة من الظلام المتغلغل في دروب الأمكنة وفي تجاويف العقول الرجعية ابنة تلك اللحظة.
إنما يكون السؤال الأصح: لماذا ليس لدينا الآن عشرات العقول النيّرة، في لحظة شديدة الظلام والرجعية؟ سؤال مرٌّ آخر يدور في خَلَدي: لماذا لا نطعم الآن في الألفية الثالثة من ثمار من أناروا دربنا منذ أكثر من نصف قرن؟ أين نحن من ثمارهم ونزيف أقلامهم وعصير عقولهم؟ كيف سمحنا أن نعود القهقرى بعد حركة التنوير التي قبضنا عليها أيامهم؟ لماذا لم نستنر كما استنارت أوروبا مع رواد عصر النهضة وظهور المطبعة في نهاية القرن الخامس عشر؟
من المخزي، وما سوف يسائلنا عليه اللهُ، أن سمحنا أن تضيع جهود أولئك الرواد حاملي المشاعل، وينكص مجتمعنا العربي إلى الوراء قرونًا، ونعود على أعقابنا إلى أزمنة التخلف والرجعية والدوجمائية النقلية، غير العقلية، وكأن أولئك الروّاد العباقرة ما أفنوا أعمارهم، ودفعوا أرواحهم وقدموا لنا عصارة عقولهم وأفكارهم من أجل النور والتطور والتحضر، وكأنهم قد حرثوا تربتهم فوق الماء فما تركوا أثرًا وما أنبتوا زرعًا ولا أشرقوا ثمارًا يانعات، إنما ضاع جهدهم أدراج الرياح؟



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أصول داعش في جذور مصر
- هاني شاكر، الطائر الحزين
- غدًا تتحرر سيناء
- الراقدةُ في غفوتِه
- العروس
- هل أنت واحد أم كثير؟!
- أيام الإرهاب الوسطي الجميل
- هل تذكرون راتشيل كوري؟
- الذهبُ الزائفُ على قمم التلال
- درسُ الثراء للصغار
- نحنُ أبناءُ الحياة
- نحن العدوّ الخطأ، أيها الأشاوس
- الزبون دائما على حق
- قدِّموا الأطفالَ للمحاكمة
- آن أنْ أكتبَ عن العصفور
- علامَ يُحاكَم إسلام البحيري!
- عبثيةٌ لم يكتبها بيكيت
- سعفةُ نخيل من أجل مصر
- هل لحرية التعبير قيود؟
- سفاحُ الأطفال، صائدُ العصافير


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - هل جئتَ في الزمن الخطأ؟