|
مشروع الدستور العراقي 13
خالص عزمي
الحوار المتمدن-العدد: 1332 - 2005 / 9 / 29 - 09:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شخصية الدستور
قد تختلف شخصيات المصلحين الكبار عبر التاريخ الانساني في بعض التفاصيل الجزئية والشكلية وكذلك في وسائل تنفيذ البرامج التي يتصورونها صالحة للتطبيق العملي بحسب زمانها ومكانها ؛ اما في الجوهر الحقيقي فتكاد الاختلافات تتضاءل في المعنى وتتجمع عند المبنىوفوارق العصر الذي تبرز فيه ؛ وهكذا الدساتير فشخصياتها متقاربة متوازنة ؛ ومبادؤها المركزية لا تتباعد عن بعضها الآخر الا في خصوصيات بالغة الضئالة لاتكاد تثلم القواعد الدستورية الراسخة عبر اجيال كثيرة من الممارسات والتطبيقات والبحوث والدراسات القانونية لكبار المشرعين والفقهاء . والشخصية الدستورية المبدعة لاتخنق كيانها في محليةلاتعيش عصرها ولا تمارس حقها في التواصل مع الشخصيات الدستورية المتقاربة معها ؛ بصيغة متآلفة ودودة لاتتعالى على غيرها من دساتير الجوار بخاصة ولاتتزاحم ولا تستفز . ان شخصية الدستور هي تلك التي تتسم بالرصانة والكبرياء وفرض المهابة والاجلال على الشعب الذي صوّت للدستور اولا ؛ ثم على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ثانيا وعلىالقوانين والانظمة التي تصدر استنادا اليه اخيرا . و فيما عدا هذه الاسس المركزية ستكون الشخصية الدستوريةمهلهلة ؛ فضفاضة؛ مترهلة؛ مقعدة لا تستطيع ابدا ان تقف على قدمين حتى في مواجهة ابسط الظروف العادية ؛ فما بالك في الاوضاع المعقدة والصعبة حينما تحتاج سلطة الحكم الى ملجأ دستوري تلوذ به فلا تجد امامها غير تلك الشخصية البائسة الهزيلة التي حملّوها من التفاصيل والتفرعات ما اثقل كاهلها واسقطها في قبركانت جديرة به من الوهلة الاولى .... ولكن لات ساعة مندم . هنا لابد من التأكيد على قاعدة في غاية الدقة والاهمية وهي ان على من يعد مشروع الدستور ان يدرك تماما بأن لا تعديل او تغيير لفصوله ومواده وبنوده الا في حالات الضرورة القصوىالتي لامفر منها اطلاقا . لقد كان العلامة البروفيسور نوكس من كلية كنجز كولج يؤكد علينا نحن طلبة الدراسات العليا في القانون الدستوري قبل نصف قرن من الزمن ؛ ان على معدي الدساتيران يضعوا نصب اعينهم بأن ليس هناك من تعديل او تبديل بعد اقراره بالطرق المشروعة وفي هذه الحالة سيكون المعدون اكثر دقة واعمق صياغة وابعد مراجعة ليس للمباديء الاساسية بل جتى لابسط التفرعات الناشئة عنها . لأن استسهال التعديل يوقع المعدين في سلسلة من الاخطاء والافراط في البدهيات والعمومـيات التي تضيع جوهر المباديء الدستورية التي وضع هذا القانون الشــامخ من اجل ابرازها . ان رئيس الدولة والبرلمان والحكومة والقضاء وغيرها تستمد سلطاتها جميعا من هذه الشخصية السامية ؛ فما الذي يتوجب ان تكون عليه لكي تسود وتطاع ؟ فاذا كان بعض الساسة قد تصرفوا بارادتهم او خارج عن ارادتهم في ادارة شؤون البلاد والعبادبما ارتأوه من محاصصات وتوافقات ... الخ فان مثل هذه الاساليب لا تتفق مع شخصية الدستور التي هي بمثابة الاب الروحي المترفع عن مثل هذه المعايير المتدنية ؛ ذلك ان من اولى واجباته هو التوحيد لا التفريق ؛ والابتعاد عن العرقية والطائفية والاثنية والعشائرية لا تركيزها ؛ ونبذ وسيلة الابتزاز والترويع والتهديد من اية جهة صدرت لا تركها تسعى كيفما ارتأت ومتى ما شاءت . وشخصية الدستور تعتمد في مواقفها على ان الوطن للجميع وان المواطنين متساون في الحقوق والواجبات ولا شيء يعلو على سلطة القانون ؛ والعراق وحدة تاريخية وجغرافية وبشرية لاتتفتت ولا تتجزأ . بعد كل هذا وذاك لنرى كيف اعد مشروع الدستور وهل اعتمد واضعوه على هذه الاسس المحكمة عند اعداد ابوابه وفصوله ومواده ؟ وهل جعلوا شخصيته القيادية الموحدة والقانونية مادة ولغة لا تقل مكانة عن شخصيات الدساتير؛ االشرق اوسطية على اقل تقدير؟ على اية حال سوف نرى اذا انجلى الغبار ......!! الشكل التدويني للدستور: ـــ ان التدوين بمعناه القانوني هو مرعاة الشكلية في اي تشريع من حيث اللغة والصياغة وتسلسل الابواب والفصول والمواد وتقديم الاهم على المهم والابتعاد عن الحشو والتكرار والانشائية والتفاصيل الفرعية التي لم يراع فيها مستوى التشريع . ومن هذا التوضيح المكثف يمكن النفاذ الى صيغة الشكل ا الذي اعتمده مشروع الدستور ؛وكما يأتـــي:ـــ اولاــ تكاد تكون الديباجة قطعة انشائية معدة لترضي بعض الاطراف دون مراعاة الايجاز القانوني المكثف ولا لغته الخاصة التي تبتعد عن الاسلوب الصحفي او التعابير الخطابية التي لا تليق باية حال في الصياغة الدستورية حيث يقتضي استبعادها كليا واعداد ديباجة موجزة تعبر عن جوهر الدستور روحا وشخصية ومكانة كمرجع وملاذ .. ثانياـ حينما ينص الدستور في بعض مواده على ( ..... وينظم ذلك بقانون ) هنا يتوجب الاكتفاء بهذا النص دون الشرح التفصيلي لان مثل تلك الفروع سيتولاها القانون ذاته عند تشريعه ؛ لا كما ورد في بعض المواد ومنها على سبيل المثال (المادة 9ثانيا؛ 12؛22؛24؛26؛28ح34؛رابعا 39...... الخ) التي اسرفت في التفاصيل المعيبة صياغة . ثالثاــ حيث ان العراقيين متساون بالحقوق والواجبات بنص الدستور ؛ فيصبح ابراز هذه الجهة او تلك بطريقة مباشرة او غير مباشرة ؛ سواء بالوصف او الاشارة ولو على سبيل المثال؛ من الامور التي يجب تجاوزها في الدستور تماما رابعاــ هناك تقديم وتأخير في المواد وخلط ما بين ما هو ثانوي ورئيسي في كثير من الابواب والفصول ومنها مثلا: ...أـ المادة( 5) لتي تنص على ان الشعب مصدر السلطات يجب ان تأخذ موقع المادة( 3) لانها اساس الارتكاز. بـ ـ المادة( 13) التي تعتبر الدستور هو القانون الاسمى في العراق يجب ان تصبح المادة ( 4 ) . ج ـ المادة( 12) المتعلقة بالعلم والشعار والنشيد الوطني يجب ان تصبح المادة( 5) منه. د ـ المادة( 11) الخاصة بالعاصمة بغداد يجب ان تكون المادة( 6) منه. هه ـ المادتان( 6 و 7) يتوجب نقلهما الى باب السلطة التنفيذية لانهما تتعلقان بالعملية السياسية وتبادل السلطة. خامسا ـ ارى ان الفصل الخاص بالحريات يتوجب ان يكون بعد المادة( 8)مباشرة لان المادتين( 9 و10) ترتبطان بالسلطة التنفيذية ؛ اما المواد 11و12 و13 فقد ذكرت اصلا في البند رابعا اعلاه . سادسا ـينص البند ثالثا من المادة 35 .....( ويحرم الاتجار بالنساء والاطفال والاتجار بالجنس) ؛ واعتقد ان المقصود هنا هو الاتجار بالجسد ؛ لان الجنس قانونا يعني ( الذكر ؛ الانثى ) كما في شهادات الجنسية وجوازات السفر .... الخ سابعا ـ تنص المادة ( 36) على حرية الاجتماع والتظاهر السلمي ويتوجب اضافة الأضراب كجزء من تلك الحرية. ثامنا ـ ان المواد(52 اولا وثانيا وسابعا ؛ 54 ؛ 55 ؛ 58) من قواعد النظام الداخلي لمجلس النواب فتحال عليه. تاسعا ـ تنص المادة ( 74 اولا)على ان يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الاكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء ؛ وحيث ان هذا الدستور دائميا الا يمكن تصور ان الاكثرية البرلمانية ستكون يوما من المستقلين فكيف سيعمل النص عند ذاك ؟!! لذا فالنص البديل هو ( يكلف رئيس الجمهورية مرشح الاكثرية لتشكيل مجلس الوزراء. عاشرا ـ تنص المادة ( 88)على مهام مجلس القضاء الاعلى وتكوينه واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه طبقا للقانون ثم تأتي المادة اللاحقة( 89 ) لتفسد النص بادراجها مهامه وصلاحياته في حين ان قانونه سيكون كفيلا بذلك. حادي عشر ـــ تنقل المادة( 97) الخاصة بالقضاء العسكري كفقرة جديد ة الى نص الماد( 9 ) من الدستور والخاصة بالقوات المسلحةلتصبح( الفقرة د من البند اولا من تلك المادة) ثم يعدل تسلسل الفقرات اللاحقة تبعا لذلك ثاني عشر ــ تضاف عبارة ( واعداد مشاريع القوانين والانظمة ) ضمن اختصاصات مجلس الدولة الواردة في المادة 99) ؛ لان لابد من جهة تتولى ذلك قبل عرض تلك المشاريع على( لجنة القوانين والانظمة ) في مجلس النواب. ثاني عشر ـ في القوانين و(الدستور هو الاعلى فيها) لايجوز مطلقا النص على امر مجهول ا وامنيات خيالية غير مسماة اصلا ؛ كالنص الوارد في المادة( 106) الذي جوز انشاء هيئات مستقلة عند الحاجة ؛ وهو نص يتوجب رفعه. ثالث عشر ــ حيث ان دستور البلاد هو واحد ولكي لا يقع خلط بينه وبين التسمية ذاتها في الاقليم كما جاء في المادة( 119) وما بعدها ؛ لذا يكون من المرجح تسميتة ب ( القانون الاساسي للاقليم ) اينما ورد في الدستور. ثالث عشر ـ حيث ان ماورد في المادة( 142) حالة وقتية تتنافى مع ما هو مفروض في ديمومة الدستور ؛ وحيث ان التعويض والرعاية الواردة في هذه المادة سيسن لهما قانون خاص ؛ لذا فان ايرادها في الدستورالدائم يكون معيبا . رابع عشر ـ ان تعبير ( ان لايكون قد اقترف جريمة بحق الشعب العراقي ) الوارد في المادة( 148 ثالثا د )كافيا كاحد شروط العضوية لمجلس الرئاسة . لكي لا يضطر الدستور الى ذكر جميع تلك الاحداث وليس الاكتفاء بحدثين فقط . خامس عشر ـ يجب ان توزع المادة( 152 )على بندين يختص الاول بالغاء قانون ادارة الولة للفترة الانتقالية ؛ وينص الثاني منها على الاستثناء .ثم ان تعبير ( عند قيام الحكومة الجديدة) الوارد في ذات المادة؛ غامض وذلك لمجهولية تلك الحكومة .هل هي التي تقوم بتصريف الاعمال بعد الاستفتاء ؛؟ ام تلك التي ستنتخب بعد قيام البرلمان ؟ ولماذا لا ينص بوضوح على ما يأتي ( عند استلام الوزارة ممنوحة الثقة مهامها الرسمية بعد نفاذ الدستور ) سادس عشر ـ ان عبارة ( وانتخاب مجلس النواب بموجبه ) الواردة في المادة ( 153) هي حشو لافائدة منه باعتبار ان انتخاب المجلس تحصيل حاصل طبقا للنصوص الدستورية
#خالص_عزمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التشادق والغريب في عيون الاخبار
-
مبدأ المقابلة بالمثل
-
شخصية الدستور
-
الاعداد للانتخابات القادمة
-
هوية العراق العربية .... رسالة عاجلة الى لجنة كتابة الدستور
...
-
المرتكبون
-
والنجم
-
يحكى أن
-
العراق والامة العربية تطبيق ومقارنة ونماذج
-
اعدام المكتبة الوطنية
-
اذا كان لابد من الفيدرالية
-
الخلاف حتى على القسم
-
اللغة العربية والكورد ــ تعقيب واجابة
-
اللغة العربية والكورد
-
دعاة المنابر والتطلع الى سلطة الحكم
-
صدى السنين : رابطة المناضل الجريح
-
حقوق المرأة ما بين السؤال والجواب
-
الدستور والاستفتاء
-
حقوق المرأة من قبل المهد الى ما بعد اللحد ـ الخاتمة
-
حقوق المرأة من قبل المهد الى ما بعد اللحد( 5 ) اهمية قانون ا
...
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|