|
إشكاليات التنمية بالمغرب للخبير التنموي محمد ألويز
خالد الطيبي
الحوار المتمدن-العدد: 4795 - 2015 / 5 / 3 - 01:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
في يوم الخميس 23 أبريل من سنة 2015 بجامعة القاضي عياض كلية الآداب والعلوم الانسانية، نظمت شعبة علم الاجتماع ندوة تحت عنوان إشكاليات التنمية بالمغرب، قام على إثرها الخبير التنموي محمد ألويز بتقديم قراءة مؤشكلة و تركيبية لواقع الفعل التنموي بالمغرب، كما ناقش وحلل أهم المحددات و المتغيرات التي أدت الى غربة الممارسة التنموية، معتبرا أن المغرب اليوم مطالب بالتخلي عن التصورات الاختزالية للواقع في العوامل المادية دون الرهان البشري ، وقبل أن يفتح النقاش مع الطلبة قدم الأستاذ مجموعة من المقترحات العلمية والعملية من أهمها ضورة تبني مقاربة نسقية وتفعيل مقاربة تشاركية نابعة من خصوصيات ومؤهلات المجتمع المغربي . استهل الأستاذ الندوة بالحديث عن النتمية كأحد أهم القضايا المطروحة بإلحاح خاصة في المجتمع العربي و المجتمع المغربي بشكل خاص، فالحديث عن التنمية كما يقول يقتضي نقل الواقع من مستواه الاجتماعي الى مستواه الابستيمي العلمي و الموضوعي ، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات و علامات الاستفهام بمعنى التساؤل عن كيفية تصريف هته القضايا على الصعيد الاجتماعي ومن بين هذه المواضيع إشكالية التنمية بالمغرب، بحيث هنالك سجال كبير حول هذه القضية بين السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي و ربما في غياب الخطاب السوسيولوجي الذي يعمل كعادته على خلخلة سواكن المجتمع الدولتي للمغرب ، بمعنى أن اشكالية التنمية مع ستأتي بشكل مخالف عن تقاليد الخطابات الاقتصادوية و السياسوية و غيرها من الخطابات التي أبانت عن عدم جدواها وفاعليتها في بلورة المشاريع التنموية التي تستجيب للكائن الاجتماعي . ان تناول اشكالية التنمية بالمغرب له ما يبرره على مستوى الواقع الاجتماعي حسب الاستاذ ألويز على اعتبار المدة الزمنية التي تم اهدارها دون أي فائدة تذكر فمنذ الاستقلال حتى الان و نحن نسمع ان المغرب سائر في طريق النمو مع العلم ان الواقع لا يؤشر الا على مزيد من التخلف، وفي سياق كهذا يصبح البحث عن اشكاليات التنمية بالمغرب ضرورة اجتماعية و موضوعية ، تميط اللثام عن الحقيقة الاجتماعية للتنمية بالمغرب ، بمعنى هل المغرب بلد متخلف ؟ أم أنه حقا لازال سائرا في طريق النمو كما كان يقال منذ الاستقلال ؟ وما مدى قدرة البحث الاجتماعي على معرفة وتشخيص الواقع التنموي بالمغرب ؟ وما دور مؤسسات التنمية في تنمية المجتمع بمختلف مستوياته ؟ أسئلة و أخرى انطلق منها الاستاذ ألويز من موقعه كباحث و خبير تنموي من العيار الثقيل معتمد لدى مجموعة من المنظمات ذات الصلة بقضايا التنمية . فهذه المقاربة التي اقترحها الاستاذ لم تأتي اعتباطيا أو من باب التنظير و انما هي ناتجة عن تربة ميدانية تجاوزت العشرين سنة كفاعل جمعوي و منشغل بقضايا التنمية بالمجتمع المغربي خاصة المجتمع القروي الذي لا زال يعيش هامشية كبرى كنتيجة لهامشية السوسيولوجي، كما سيتحدث الاستاذ هنا بوصفه ممارسا للفعل التنموي الميداني و كخبير دولي في اطار منظمات دولية ، حيث يعود له الفضل في بلورة مجموعة من المفاهيم كمفهوم المقاربة التشاركية الذي دعى من خلاله الى اشراك كل مكونات المجتمع سواء الفاعلين او المعنيين في عملية التنمية . ان مقاربة الاستاذ تحضر هنا بشكل مخالف لما دأبت عليه المقاربات الاقتصادوية التقليدية ، أو التي وصفها بالمقاربات الفوق تحت أو المقاربات الدركية التي اعتبرت المجتمع كمستقبل للخطاب و ليس منتجا له ، بمعنى اقبار فاعلية المجتمع في الممارسات التنموية . ففي اطار حديثه عن بلورة المشاريع التنموية بالمغرب يقول الاستاذ " يمكن أن نفهم كمشخصين للواقع الاجتماعي ان هناك ضعف على مستوى عدة نقط بمعنى ان هذه المخططات التنموية الموجودة او التي في طريقها الى التبلور هي مجرد لائحة من المعلومات المجردة و السطحية و لا تترجم الواقع في تعقيداته الدقيقة " بمعنى ان هذه البرامج حسب الاستاذ لاتنطلق من قراءات واقعية للمواطن المغربي و انما هي محض تقارير متسرعة و مشبعة بالمصالح الخاصة او كما يصفها بتنمية البركولاج ، فهذه التصورات السطحية لا تأخذ في الاعتبار مجموعة من التغيرات و الخصوصيات الثقافية و المجالية، و يضيف ان هذه التقارير لا تتأسس على ترسانة مفاهيمية l’absence d’un cadre conceptuelle تمكن من استقراء الواقع كما هو في أدق تجلياته . كما يعتبر الاستاذ ان التنمية بالمغرب تفتقر الى رؤية نسقية l’absence de division systémique من شأنها ان تخلق علاقة تفاعلية بين مختلف الانساق الفرعية المشكلة للنسق العام سواء على المستوى المحلي او الجهوي او الوطني، فالنسق العام يتكون من نسقين فرعيين اساسيين فهناك نسق العنصر البشري ثم نسق الموارد الطبيعية و هناك نسقين مكملين للأولين و هما نسق الاستغلال و نسق الانتاج، بهذا المعنى يصبح النسق مع ألويز اطارا للتحليل المتناسق بنيويا ومنطقيا كذلك، بحيث يدرس كل عنصر من الانساق الفرعية بشكل منفرد مما يعطي القيمة لها و بالتالي تثمينها واستثمارها بشكل فعال . وبهذا المعنى فان غياب المقاربة النسقية للظاهرة التنموية أدى بالضرورة ليس الى ضعف النتائج فحسب وإنما ادى كذلك الى ضعف تحليل المشاكل المرتبطة بالظاهرة التنموية أيضا، كما أدى التصور القطاعي للفعل التنميوي بالمغرب الى انتاج نماذج مفككة لا رابط بينها بمعنى غياب التكامل بينها، يضاف الى ذلك حسب الاستاذ غياب رؤية شمولية موحدة، تجتمع كل هذه الاسباب لتنتج في الاخير تنمية معطوبة و تنمية مغرقة في الاعتباطية والتجريد مما يطرح معه ضرورة التفكير الجاد و الحقيقي في اشكالية التنمية بالمغرب . وبالرغم من السجال العميق الذي أثارته المقاربة التشاركية، فان المغرب لم يتمكن من انتاج مقاربة تشاركية، رغم ان تاريخه يشهد على انوجادها في مرحلة متقدمة من تاريخه في اطار تدبير المجال والمتمثلة في القبيلة، التويزا وأشكال التضامن التي كانت سائدة، لكن مع مجموعة من العوامل الخارجية أهمها الاستعمار حدث ما يشبه القطيعة الثقافية مع كل تلك الانماط ليتم تكريس أنماط غربية جديدة في اطار المشروع الحداثيMission civilatrés الفرنسي. لكن و الحال اليوم فان هته المقاربة لم تصل بعد الى ما تم التخطيط له، لانها حسب الاستاذ لم تعمل على اشراك المواطنين كمعنيين في التجربة التنموية للمغرب ، لذا لا يمكن توريط هؤلاء المعنيين في فشل البرامج التنموية لانه لم يتم انتاج تواصل بناء بين مختلف النشطاء في الممارسة التنموية و بالتالي يمكن وصف ذلك بالمقاربة الانانية بدل التشاركية المبنية على تثمين المعارف المحلية la valorisation du connaissance local . لقد حدد الاستاذ محمد ألويز مجموعة من الإشكالات الأساسية لاشكالية التنمية بالمغرب عمل من خلالها على نقد و مساءلة الوضع التنموي للمغرب ، بطبيعة الحال من خلال آليات التحليل و النهج السوسيولوجي القائم على رفض كل الثوابت والمسلمات في السلوكات الاجتماعية ، بمعنى آخر فان علم اجتماع سيركز على مختلف العلائق الممكنة أو الموجودة بين المشاركين في الممارسة التنموية، أي العلائق الرابطة بين العنصر البشري من جهة و الموارد الطبيعية من جهة أخرى في اطار ما يسمى حاليا بالتنمية المستدامة le développement durable ، بمعنى أن التحليل السوسيولوجي سيعمل هنا وألان على مركزة العنصر البشري باعتباره منتج و مستقبل التنمية . وتبعا لذلك حدد الاستاذ ثلاث عوامل أساسية تحكم التنمية بالمغرب وهي عوامل تؤدي الى التنمية، و عوامل توقف التنمية، ثم عوامل ترجع التنمية للوراء . واعتبر ان المغرب يتأرجح بين هذا الثلاثي بمعنى غياب حالة الثبات عن الفعل التنموي، وذلك بالنظر الى انعدام رؤى نسقية تعكس الارادة القوية و الحقيقية للفاعلين بالمجال . ففي اطار انوجاده ضمن النموذج الافريقي في التنمية يعاني المغرب من ارتفاع نسبة الامية بحيث سجل ما نسبته 46 % حسب الاحصاء الرسمي لسنة 2004 ، وهذا ناتج أيضا عن الاستعمار و النخب التي أنتجها و صدرها للمغرب ، و بالاضافة الى ذلك هناك عائق ديموغرافي مرتبط بالنمو السريع ( يوجد الغرب الان في المرحلة الطبيعية ) في ظل غياب سياسة سكانية تعقلن السلوكت الانجابوية بالمغرب ، من أجل خلق توازن بين الموارد البشرية و المؤهلات الطبيعية . بهذا المعنى اعتبر الاستاذ ألويز ان المغرب لم يتحدث من الحداثة فيما يرتبط بالسلوك الانجابي، وبالتالي فهو متخلف على المستوى الديموغرافي . لكن ليس هذا هو المشكل الحقيقي لانه محض متغير تابع لمتغير الامية، و هذه الرؤية المقلوبة هي التي جعلت من العنصر البشري عائقا أمام التنمية مع ان المنطق الصحيح هو ان الانسان هو العامل الاساسي في التنمية . كما انتقد الاستاذ الحلول الملتوسية في التعامل الانجاب معتبرا ان الحداثة ليست في الحد من النسل وانما في تثمين العنصر البشري كفاعل داخل النسق الاجتماعي . والى جانب ذلك تحدث الاستاذ كذلك عن عائق تنموي آخر يتمثل في المستوى المتدني للدخل بالدول النامية PMA ) ( ، بسبب التوزيع اللامتكافئ في الثروات بحيث تحتكر الدول الغربية 70% من ثروات الارض مع العلم أنهم لا يشكلون سوى 20%من سكان العالم، مقابل 30% من الموارد لحوالي 80% من باقي السكان. مؤشرات و أخرى بين من خلالها الاستاذ التناقض الصارخ الذي مازال يتم تكريسه عبر آليات الهيمنة المبنية على التبعية الاقتصادية و السياسية والثقافية و غيرها. لكل هذه الاسباب انتهى الاستاذ في نهاية الندوة الى مجموعة من الاقتراحات أهمها تبني رؤية نسقية تعمل على بلورة النظر الجمعي و التشاركي في البرامج التنموية بالمغرب، كما اعتبر ان الانطلاق من تقارير ودراسات ميدانية رصينة ونابعة من خصوصيات وامكانيات المغرب هي السبيل لبناء صرح تنموي حقيقي ومستديم، كما دعى الى التخلي عن الخطابات الاقتصادوية التي تراهن على الثروات المادية دون البشرية، ومقابل ذلك دعى الى مركزة الانسان باعتبره القلب النابض و الرهان الحقيقي لحل اشكالية التنمية بالمغرب .
#خالد_الطيبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عاشوراء بين -المضمر و الصريح-
-
مدرسة فرانكفورت و نقد العقل العملي
-
سوسيولوجيا التنظيمات وأهم نظرياتها
-
ثقافة المقاولة بين مبدأ الرفوف وثقافة -العرام-
-
العيد بين المبدأ العقدي و الوصاية الاجتماعية
المزيد.....
-
العراق يعلن توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل وفقدان 5500
...
-
ما هي قوائم الإرهاب في مصر وكيف يتم إدراج الأشخاص عليها؟
-
حزب الله يمطر بتاح تكفا الإسرائيلية ب 160 صاروخا ردّاً على ق
...
-
نتنياهو يندد بعنف مستوطنين ضد الجيش الإسرائيلي بالضفة الغربي
...
-
اشتباكات عنيفة بين القوات الروسية وقوات كييف في مقاطعة خاركو
...
-
مولدوفا تؤكد استمرار علاقاتها مع الإمارات بعد مقتل حاخام إسر
...
-
بيدرسون: من الضروري منع جر سوريا للصراع
-
لندن.. رفض لإنكار الحكومة الإبادة في غزة
-
الرياض.. معرض بنان للحرف اليدوية
-
تل أبيب تتعرض لضربة صاروخية جديدة الآن.. مدن إسرائيلية تحت ن
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|