|
من وثيقة حزب دعم: موقف الهستدروت من العمال العرب
داني بن سمحون
الحوار المتمدن-العدد: 1331 - 2005 / 9 / 28 - 14:04
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
من المؤتمر الفكري الثالث لحزب دعم الذي عقد في حزيران 2005، اخترنا ان نسوق مقتطفات من المحاضرة حول موقف الهستدروت من العرب منذ تأسيسها وحتى اليوم. وجاءت المحاضرة ضمن سلسلة محاضرات تطرقت لافول الامبراطورية الرأسمالية، وللاستراتيجيات البديلة وعلى رأسها اهمية التنظيم النقابي وبناء الحزب العمالي. داني بن سمحون
مقدمة
كيف كانت معاملة الهستدروت للعمال العرب منذ تأسيسها عام 1920 وحتى قيام دولة اسرائيل؟ ماذا تغير في هذا الموقف عندما فتحت الهستدروت ابوابها امام المواطنين العرب عام 1960؟ وما هو موقف الهستدروت الجديدة اليوم بعد الانقلاب الذي حصل بها عام 1995؟
في هذه المحاضرة نقدم بعض الملاحظات حول هذه الاسئلة، كمساهمة في فهم الواقع وطرح طريق لبناء البديل النقابي الاممي. ادعاؤنا المركزي هو وجود تناقض اساسي بين طرح الهستدروت نفسها كنقابة عمالية تهتم بوضع الطبقة العاملة، وبين التزامها المطلق بحاجات المؤسسة الصهيونية وتعزيز الاستيطان اليهودي على حساب الشعب الفلسطيني.
تاريخ الهستدروت منذ البداية كان ولا يزال عبارة عن تفضيل الاهداف الصهيونية – الاستيلاء على الارض وبناء المصانع والمستوطنات والمؤسسات الاقتصادية، والاهم ضمان العمل للمواطنين اليهود اولا (العمل العبري) – قبل الحرص على الموقف النقابي.
التناقض الاساسي بين اسس التضامن النقابي الاممي من ناحية وبين اهدافها الصهيونية كان قائما دائما وحال دون تحولها الى اطار نقابي للعمال العرب. يمكننا القول بشكل واضح ان الهستدروت لم تكن حتى في عهدها الذهبي في الستينات والسبعينات، اطارا نقابيا حقيقيا للعامل العربي، واستيعابه داخلها كان ولا يزال جزئيا يبقيه على هامش جدول العمل الحقيقي لهذه المؤسسة.
اتحاد عمال القطار تنظيم يهودي عربي مشترك
مع بداية الانتداب البريطاني لفلسطين عام 1918 كان هناك دفعة قوية للتطور الصناعي في البلاد، رافقه اتساع صفوف الطبقة العاملة وبالتالي الاطر النقابية. بعض المبادرات الاولى شملت العمال العرب واليهود الذين عملوا في نفس الورشات، وذلك حتى قبل قيام الهستدروت كمنظمة نقابية تابعة للحركة الصهيونية.
احدى التجارب المميزة في هذا الصدد كانت النقابة المشتركة لعمال القطار التي تأسست عام 1919. سكك الحديد والقطارات كانت في السنوات الاولى للانتداب البريطاني الصناعة الاكبر في البلاد، ووصل عدد العمال فيها عام 1926 الى 3.354 عاملا، منهم 2.836 عربيا و518 يهوديا. العمال العرب واليهود كان يعملون في نفس الظروف الصعبة، وعانوا من الادارة البريطانية التي كانت تفرض عليهم ايام عمل طويلة واجرا قليلا دون الحقوق الاجتماعية، اضافة الى المعاملة المهينة من قبل المدراء.
نقابة عمال سكة الحديد تأسست عام 1919 في اللد، بمبادرة من عمال يهود قدموا الى البلاد ضمن الهجرة من شرق اوروبا، متأثرين بالثورة الاشتراكية في روسيا عام 1917. اعتبرت هذه النقابة الاولى في فلسطين بعد حلول الانتداب البريطاني. وسرعان ما دفعت بمستخدمي البريد والتلغراف الى التنظيم النقابي والانضمام للنقابة التي سميت "نقابة عمال القطار والبريد والتلغراف".
في صيف عام 1921 توجهت مجموعة من العمال العرب الذين عملوا في مركز الصيانة التابع للقطارات وسكة الحديد في حيفا، بطلب الانضمام الى النقابة العمالية والى الهستدروت التي كان قد مضى على تأسيسها عام واحد. العضوية في النقابة وفي الهستدروت كانت تضمن آنذاك خدمات مختلفة للعامل، مثل التأمين الصحي وصندوق للقروض ودكاكين تبيع البضائع باسعار رخيصة، الخ.
انضمام مئات العمال العرب الى نقابة عمال القطارات والبريد والتلغراف، حول هذه النقابة الى النقابة الاولى بمشاركة عرب ويهود. كل اعضاء النقابة كانوا يدفعون رسوما شهرية والتزموا بدستور النقابة. في المقابل حظي هؤلاء بحماية النقابة، التي دفعت لهم الاجور عند اعلان الاضراب، وفتحت لعمالها ناديا مشتركا في حيفا، واصدرت صحيفة "السلام".
اللجنة الادارية للنقابة التي ضمت في البداية عمالا يهودا فقط، توسعت لاحقا لتشمل خمسة عمال عرب، مما توج خمس سنوات من العمل النقابي المثمر (1920-1925). هذا العمل النقابي الذي شارك به في سنوات 1923-1924 نحو 410 عمال عرب اكسب هؤلاء العمال تجربة غنية في العمل النقابي، ومهد الطريق لتطوير العمل النقابي الفلسطيني المستقل الاول.
النقاش حول انضمام العمال العرب للهستدروت
استيعاب العمال العرب لنقابة عمال القطارات والبريد لم يكن امرا مفروغا منه. وقد رافقت هذه السنوات نقاشات مستمرة في صفوف الهستدروت حول اسلوب التعامل مع العمال العرب. الموقف المبدئي الاول الذي جعل قيادة النقابة ترفض العمال العرب، لم يصمد طويلا. واضطرت الهستدروت لقبول عضوية العمال العرب لاسباب عديدة: اولا، ان عدد العمال اليهود في صناعات القطار كان قليلا بسبب ظروف العمل الصعبة، وعدم استعداد العمال اليهود لتحمل مشقات العمل. ثانيا، ان العمال العرب شكلوا اغلبية القوة العاملة، الامر الذي اجبر الهستدروت على فتح ابواب النقابة امامهم.
في النقاشات التي دارت في قيادة الهستدروت في هذه السنوات برز الخوف الكبير من امكانية تشكيل العرب لنقابة عمالية مستقلة. اربعة من اصل خمسة احزاب في الهستدروت اجمعت على موقف واحد نص على الانسجام القائم بين حاجات الاستيطان الصهيوني وبين مصالح العمال العرب. رئيس الوزراء الاسرائيلي الاول، دافيد بن غوريون، الذي شغل منصب رئيس الهستدروت، كان الزعيم البارز الذي طرح هذا الموقف. واقترح بن غوريون ان تبادر الهستدروت الى اقامة تنظيم نقابي عربي مستقل يخضع لسيطرة المنظمة الام، الهستدروت. بن غوريون دعا نقابة عمال سكة الحديد والبريد والتلغراف الى حل نفسها، بسبب اشراكها للعمال العرب على اساس متساو.
الحزب الشيوعي الفلسطيني (PCP) الذي تأسس عام 1919 بتأثير من الثورة البلشفية، وكان جزءا من الكومينترن (منظمة الاحزاب الشيوعية العالمية)، كان الوحيد في هذا النقاش الذي عارض الاساس الذي تشكلت عليه الهستدروت. ودعا من خلال صحيفة "حيفا" واطاره التنظيمي النقابي "الكتلة" (فراكتسيا)، الى فتح ابواب الهستدروت على اساس متساو امام كل العمال العرب واليهود دون تمييز.
في مؤتمر نقابة عمال سكة الحديد والبريد عام 1924 اقترح ممثلو الحزب الشيوعي الخروج من الهستدروت، والاعلان عن النقابة كاتحاد نقابي مستقل اممي لليهود وللعرب. ودفع هذا الموقف بقيادات الاحزاب الصهيونية جميعا الى محاربة الشيوعيين الذي تم طردهم من عضوية الهستدروت لفترة طويلة.
العمال العرب الذين بدأوا يشعرون بضرورة التنظيم النقابي المستقل، على ضوء الرفض المستمر للهستدروت وللنقابيين اليهود التعامل معهم بشكل متساو، بدؤوا في تلك السنوات يتأثرون بالحركة الوطنية الناشئة.
الحملة المضادة لكتلة الشيوعية التي ادت في عام 1924 الى طرد النشيطين الشيوعيين من نقابة سكة الحديد والبريد ومن الهستدروت عامة، افقدت العمال العرب الثقة في امكانية بناء اطار مشترك. انسحاب العمال العرب من نقابة عمال سكة الحديد بدأ بشكل تدريجي منذ تلك الفترة وحتى قرار اللجنة المركزية للنقابة عام 1925 الانفصال عن الهستدروت.
التجربة النقابية الفلسطينية المستقلة التي كانت لها مراحل تمهيدية من خلال مشاركة العمال العرب في نقابة عمال سكة الحديد والبريد، انتقلت عام 1925 الى مرحلة جديدة مع تشكيل "جمعية العمال العربية الفلسطينية" في مؤتمر في حيفا. هذه الجمعية تشكل محطة هامة على طريق بناء اطار نقابي فلسطيني مستقل عن الهستدروت، وسنرى لاحقا كيف تطورت هذه التجربة وتجارب اخرى وكيف تعاملت معها الهستدروت.
محاولات الهستدروت احتواء العمال العرب
لجوء العمال العرب الى اقامة تنظيم نقابي مستقل، لم يغير موقف بن غوريون والقيادة الصهيونية للهستدروت. التعامل مع العامل العربي كان على مستويين: الاول اقتصادي عملي والثاني سياسي فكري. في المجال الاقتصادي كانت اجور العمال العرب عادة تقل عن اجور زملائهم اليهود بنسبة 400% (او اربعة اضعاف). وكان ذلك يعني ان العامل العربي رخيص الاجر يعتبر عقبة امام استيعاب العمال اليهود لسوق العمل، ناهيك عن ان العامل العربي كان عادة اكثر استعدادا لتحمل مشقة العمل.
حملة الهستدروت لتشجيع العمل العبري في المشاريع البريطانية ولدى المزارعين اليهود، واجهت عقبة كبيرة وهي وجود مخزون كبير من العمال العرب الرخيصين الذين ينافسون العمال اليهود على كل مكان عمل. بالاضافة الى الضغط السياسي، وممارسة العنف احيانا لاقناع اصحاب العمل على استيعاب العمال اليهود وليس العرب، ادركت الهستدروت ان عليها القيام ببعض الخطوات التي تحمي حقوق العمال العرب، وذلك كخط دفاع ضروري في اطار الحملة على العمل العبري التي هدفت الى تبديل العمال العرب بالعمال اليهود.
في المجال السياسي رأت الهستدروت ضرورة ملحة لاحتواء التنظيم النقابي العربي، وعدم السماح بتطوير حركة نقابية عربية مستقلة.
ابتداء من عام 1925 كانت هناك محاولات لاقامة تنظيم نقابي خاص بالعمال العرب تحت سيطرة الهستدروت، الامر الذي تجسد في النهاية في تشكيل اتحاد عمال فلسطين، في عام 1929. وقد استخدمت الهستدروت وجود اتحاد عمال فلسطين كشهادة حسن نية امام النقابات العمالية الغربية، ذلك في الوقت الذي استغلت نفوذها في صفوف العمال العرب لكسر الاضراب الذي اعلنته القيادة العليا لعرب فلسطين في العام 1936 ضد الانتداب البريطاني والاستيطان الصهيوني. الاضراب في ميناء حيفا على سبيل المثال لم يصمد طويلا نتيجة الصغط الذي مارسته الهستدروت على العمال العرب.
الا ان عصبة عمال فلسطين التابعة للهستدروت لم تتطور الى تنظيم نقابي حقيقي. رغم محاولاتها العديدة لكسب المصداقية في صفوف العمال العرب، واستخدامها لقوة الهستدروت التنظيمية وقدراتها على توفير خدمات صحية، وحتى اماكن عمل في مشاريعها المختلفة (شركة سوليل بونيه اشتهرت بتشغيل العمال العرب المنتظمون في اطار عصبة عمال فلسطين)، الا ان نفوذ العصبة بقي محدودا.
في شهادتها امام مؤتمر النقابات الدولي وامام لجنة التحقيق البريطانية الامريكية (في 1945 و1947)، اثبت ممثلو النقابات العربية المستقلة بان الهستدروت وعصبة عمال فلسطين التابعة لها، ليستا نقابتين اشتراكيتين وامميتين كما تدعيان، وان العمال العرب يرون فيهما تنظيمين معاديين لهم يعملان على اسس عنصرية.
عهد الحكم العسكري والعمال العرب
تأسيس اسرائيل عام 1948 منح الهستدروت مكانة مركزية، اذ اصبحت بين ليلة وضحاها مؤسسة رئيسية في الدولة الجديدة، كونها العامود الفقري لحزب "مباي" الحاكم. نظام الحكم العسكري الذي فرضته اسرائيل على المواطنين العرب كاستمرار لحربها على الوجود الفلسطيني في البلاد وللنكبة، تجسد آنذاك في رفض التعامل مع العمال العرب كاصحاب حق في العمل وكم بالحري في الانضمام للهستدروت.
فقط عندما بدأ نظام الحكم العسكري المحكم على المدن والقرى العربية يخفف من حدته، وباشرت شركات البناء والمصانع الاسرائيلية تستوعب قوة العمل العربية لتعبئة النقص في الايدي العاملة، ظهرت بوادر باتجاه تغيير الموقف من العمال العرب وفتح ابواب العضوية في الهستدروت امامهم.
في السنوات الاولى اسيء استخدام مسألة العضوية في الهستدروت، اذ كان هناك شرط غير مكتوب لمن يرغب بالحصول على مكان عمل، وهو الانضمام الى عضوية الهستدروت وحمل الدفتر الاحمر، وبالتالي التصويت في الانتخابات لحزب "مباي"، نفس الحزب الذي فرض نظام الحكم العسكري.
بطبيعة الحال الخدمات الصحية التي كانت ممنوحة لاعضاء الهستدروت، وكذلك الحقوق الاجتماعية التي وفرتها الهستدروت للعمال اليهود، كانت من نصيب العمال العرب الذين انضموا الى صفوفها. الهدف كان دق الاسفين بين العمال العرب وبين الحركة القومية، ودمج العمال في الدولة العبرية، وذلك من خلال منح بعض الامتيازات التي لم تكن ابدا من نصيب العمال في الدول العربية المجاورة.
ولكن فقط في عام 1960 قررت الهستدروت بشكل رسمي فتح ابوابها للعضوية الكاملة والمتساوية امام العمال العرب، وغيرت اسمها من "الهستدروت العامة للعمال العبريين في ارض اسرائيل" الى الاسم الجديد "الهستدروت العامة للعمال في ارض اسرائيل".
احتلال المناطق الفلسطينية في حرب 1967 يعتبر مرحلة اخرى في تطور العلاقة بين العمال العرب والهستدروت. فقد سمحت الهستدروت في تلك الفترة باستيعاب صناعاتها والمزارع التابعة لها في الموشافيم والكيبوتسات لعشرات آلاف العمال الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة.
غير ان ذلك لم يكن على اسس متساوية بل ضمن ترتيب توصلت اليه الهستدروت مع الحكم العسكري. وسمح الامر للسلطات بحسم العديد من الحقوق الاساسية للعمال الفلسطينيين، كما سمح للهستدروت نفسها بجباية 1% من اجر العمال الفلسطينيين كرسوم عضوية، وذلك دون ان تقوم باية خطوة حقيقية للدفاع عنهم. موافقة الهستدروت على هذا النظام، كان عبارة عن قبول باستغلال العمال الفلسطينيين، مما ضرب في النهاية قوة العمال المنظمة في اسرائيل.
دولة الرفاه والعمال العرب
الجدير ذكره ان نسبة النمو العالية التي حققتها اسرائيل بعد حرب حزيران 1967، ادت الى ارتفاع حقيقي في مستوى معيشة المواطنين العرب. هذه الظاهرة لم تترجم الى تطور اقتصادي حقيقي، بل بقيت محشورة في مدى استعداد السوق الاسرائيلية لاستيعاب القوى العاملة العربية في مجال البناء، الصناعات الخفيفة او الزراعة.
في الواقع لم تطور الهستدروت آليات نقابية او تراثا نقابيا في التجمعات العربية، ولا في الشارع اليهودي. تأثير الهستدروت على حقوق العمال وتوفيرها الحماية للعمال في اسرائيل، جاءا بالاساس من خلال التأثير القوي الذي تمتعت به في مجال سن القوانين، وكذلك في نظام اتفاقات العمل الجماعية.
دولة الرفاه الاسرائيلية كما نعرفها اليوم من خلال نظام مخصصات الاطفال، البطالة، ضمان الدخل، الشيخوخة، العجز وغيرها من الخدمات الاجتماعية والصحية، هي بالاساس نتيجة وجود الهستدروت كمؤسسة مركزية في الدولة، وعبارة عن تبني الدولة الاسرائيلية لاسس النظام المتبع في العديد من دول اوروبا الغربية بتأثير من الاحزاب الاشتراكية الديمقراطية التي تنتمي الهستدروت وحزب العمل الى اطارها العالمي.
ولكن ابتداء من عام 1985، وتحديدا منذ تبني اسرائيل نهج العولمة ونظرية اقتصاد السوق الحرة، بدأت مكانة الهستدروت تتغير. فقد سمحت الهستدروت في البداية بخصخصة بعض المشاريع الحكومية، وبعض المصانع والشركات التي كانت تحت سيطرتها هي، مما ادى بها الى القبول رويدا رويدا بحتمية تفكيك دولة الرفاه والاندماج في النظام الرأسمالي المفرط الجديد.
الانقلاب الذي احدثه حاييم رامون وعمير بيرتس عام 1994 في قيادة الهستدروت، كان مثابة ضربة قاضية لدور الهستدروت التقليدي في نظام دولة الرفاه. "الهستدروت الجديدة" تخلت عن مسؤوليتها عن مشروع الصحة (صندوق المرضى)، وباعت بالمزاد العلني العديد من ممتلكاتها والمصانع التي كانت تابعة لها، ووافقت على خصخصة صناديق التقاعد التابعة لها، وسمحت خلال العقد الاخير بسيطرة شركات القوى البشرية على سوق العمل، وباستيراد مئات آلاف العمال الاجانب الذين يتم استغلالهم كقوة عمل رخيصة. وادى الامر الى كسر جوانب عديدة من نظام الاتفاقات الجماعية الذي كان ركيزة اساسية للعمال في اسرائيل خلال 50 عاما.
بالنسبة للعمال العرب كانت النتيجة مأساوية. اولا لان المجالات التقليدية التي وفرت اماكن عمل للعرب اغلقت بسبب التغييرات البنيوية للاقتصاد (نقل مصانع النسيج الى الخارج واستيراد العمال الاجانب في البناء والزراعة)، وثانيا لان الهستدروت لم تعد ذات تأثير على عملية سن القوانين في البلاد، مما مهّد الطريق امام تغيير العديد من التشريعات المتعلقة بحقوق العمال وحقوق اجتماعية (تقليص مخصصات الاطفال، تطبيق مشروع مهاليف ويسكونسين، رفع سن التقاعد وتشريعات اخرى تم تمريرها دون معارضة من الهستدروت).
غير ان المسألة لم تقتصر على العمال العرب. الفراغ الذي خلقه غياب الهستدروت ألحق ضررا كبيرا بشرائح واسعة من المجتمع اليهودي ايضا. في العديد من البلدات البعيدة عن مركز البلاد، وفي احياء الفقر في المدن الرئيسية، يعيش كما كبيرا من العمال والعاملات اليهود، عديمي الحقوق، فريسة سهلة لشركات القوى البشرية.
الهستدروت تحولت خلال العقدين الاخيرين من منظمة كبيرة مؤثرة على مجريات الامور في اسرائيل، الى اطار للعمال ذوي الاجور العالية الذين يحاولون الحفاظ على مكانتهم دون اهتمام بما يدور حولهم من ازمات اجتماعية وانسانية.
التنظيمات والاطر النقابية والاجتماعية الجديدة التي تم تأسيسها في السنوات الاخيرة، ظهرت دون شك على خلفية الفراغ الكبير الذي تركته الهستدروت. هذه الاطر تشمل منظمات مثل "خط للعامل" و"مركز الدفاع عن حقوق العمال الاجانب" اللتين تهتمان بحقوق العمال الاجانب والاسرائيليين ذوي الاجر المحدود. كما ظهرت منظمات عديدة مهتمة بحقوق العمال وسكان احياء الفقر في المدن اليهودية. جمعية معًا النقابية هي احدى هذه المبادرات الجديدة التي يتمحور عملها حول حقوق وتنظيم العمال العرب في اسرائيل.
تطوير حركة نقابية عمالية اممية تمنح العمال العرب مكانة مركزية وقيادية وتحارب العنصرية والتمييز، هذا الهدف النبيل الذي طرحه الشيوعيون في العشرينات في مواجهة قيادة الهستدروت الصهيونية، لا يزال يعتبر التحدي الكبير الماثل امام الطبقة العاملة اليوم. امام الصعوبات الكبيرة في بناء هذه الحركة، يمكننا الاستفادة من الاسس القانونية ومن نظام محاكم العمل والاتفاقات الجماعية التي تركتها الهستدروت، وتطويرها الى مرحلة اعلى تجعلها ملكا للطبقة العاملة المنظمة
#داني_بن_سمحون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نتانياهو يسعى لالغاء الحد الادنى للاجور
-
الهستدروت تبارك حكومة الوحدة
-
مسرح الهواة: غذاء للروح لا مصدر للرزق
-
شركات التأمين تسيطر على صناديق التقاعد
-
عمال القوى البشرية: العبيد الجدد
-
من نهب توفيرات العمال الفلسطينيين
-
حكومات يمين ويسار اوروبية تضرب العمال
-
السارس وباء الرأسمالية
-
لماذا الغت الهستدروت الاضراب العام؟
-
الاصلاح الحكومي يزيد الفقر - اسرائيل
-
خطة ويسكونسين خديعة للعاطلين عن العمل
-
انتصار الثورة
العمالية نهاية لعهد الحروب
-
امير عثامنة، رئيس فرقة عمال من كفر قرع:-معاً ظهرنا الذي يحمي
...
-
حنظلة التقى جيفارا في مخيمات اتحاد الشبيبة العمالية
-
الحرب لم تخنق رافضي الجندية
المزيد.....
-
الحكومة الجزائرية : حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين في الجزائر
...
-
تأكيد المواقف الديمقراطية من الممارسة المهنية وعزم على النهو
...
-
وزارة المالية العراقية : موعــد صرف رواتب المتقاعدين في العر
...
-
“اعرف الآن” وزارة المالية تكشف حقيقة زيادة رواتب المتقاعدين
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
-
تعرف على موعد صرف رواتب الموظفين شهر ديسمبر 2024 العراق
-
تغطية إعلامية: اليوم الأول من النسخة الأولى لأيام السينما ال
...
-
النقابة الحرة للفوسفاط: الامتداد الأصيل للحركة النقابية والع
...
-
مركز الفينيق: رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن: استثمار في ا
...
-
وزارة المالية بالجزائر توضح حقيقة زيادة 15% على رواتب المتقا
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|