أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد المشماش - فرويد وأوهام الحضارة















المزيد.....

فرويد وأوهام الحضارة


محمد المشماش

الحوار المتمدن-العدد: 4793 - 2015 / 5 / 1 - 08:25
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في المقال السابق"الإيروس و الموت" الذي تحدّثنا فيه عن ثنائية الحياة و الموت,و قلنا على أن الإيروس هو المحرك الأول للحياة و تحقيق السعادة و تجنب الألم و الذي اعتبره فرويد المبدأ الأزلي الذي يحرك الإنسان نحو إشباع الرغبات,و يربطه بالعالم الواقعي,لهذا فالتشبث بالحياة هو بالنسبة للإنسان المتحضر محاولة لنسيان الموت و إبعاده عن الذات و السبب في هذا هو انشغال الإنسان في عصر الحضارة بكل ما من شأنه أن يحقق له السعادة حتى و إن كانت هذه السعادة مجرد وهم لا يتطابق مع الواقع,بل العكس بحيث أصبحت شروط السعادة مرتهنة بمدى انفصال الإنسان عن العالم الخارجي و من ثم الوصول إلى قمة اللذات المتخيلة لاشعوريا.
ففي الجزء الثالث و الأخير من مؤلفه "الحب و الحرب و الحضارة و الموت" المعنون ب"متاعب الحضارة"حاول فرويد الإجابة عن بعض الإشكالات المتعلقة بأزمة الحضارة,إيجابياتها و سلبياتها ما الهدف من الحياة؟و ماهي الأشكال الحضارية التي ساعدت الإنسان على التكيف مع الواقع الثقافي؟و هل استطاعت هذه الأشكال التخفيف من وطأة و هيمنة الغريزة؟

عرض فرويْد في هذا الجزء مختلف الأشكال التي ابتدعتها الحضارة و كرّستها كقيم إنسانيّة لا غنى عنها لمهادنة آلام الحياة و شقائها,و هي مسكنات تختلف حسب القوة/الضعف,فمنها الأشكال المتدنّية كالمخدّرات التي تستطيع بقدرتها التأثير كيميائيا في الجسم بخلقها نوعا من البهجة التي تحجب إحساسات الكدر و من ثم الحصول على نوع من السرور المؤقت و السعادة النسبة,بالتخفيف من وطأة الصراع و قدرتها الخارقة على فصل الذات و لو جزئيا عن العالم الخارجي(مصدر الشقاء)إلا أن هذه الطريقة لها من السلبيات أكثر من الإيجابيات رغم أنها متوفرة للكل إلا أنها قد تكون مؤْديّة و أكثر خطرا على جسم الإنسان.
و هناك طرق أخرى أكثر تسامي و تحضر من الطريقة السابقة تمكن من التخفيف الألم و نشدان الإحساس بالنشوة,تلك التي يحسها الفنان عندما يقوم بصرف طاقته الليبيدية ليحصل على أقصى ما يمكن من تحصيل اللذة انطلاقا من العمل الفكري و العقلي الذي ينهمك على تحقيقه و إبداعه,إلا أن هذا النوع (الفن) ليس في متناول الجميع فقلة من الناس هم القادرين على الاستمتاع بعملهم الفني و الوصول إلى قمة اللذات المتخيلة,و بمحاكاة الفنان للواقع يحاول الخروج من هموم و مشاكل العالم الخارجي,.فالفنان بالنسبة لفرويد مثله مثل العصابي ينعزل بعيدا عن الواقع الذي لا يشبع غرائزه وينزوي داخل عالمه الخيالي الإبداعي،ولكنه على خلاف العصابي،يتمكن من إيجاد طريق العودة إلى الواقع... انطلاقا من الإبداعات الفنية بإمكان التحليل النفسي إعادة بناء تكوينها الداخلي وبناء التطلعات الغريزيه الفاعلة فيها أي بناء عناصرها الأساسية الخالدة.
أما الشكل الآخر الذي يجعل الفرد ينأى برغباته و غرائزه و هو التدين,فالمتدين بالنسبة لفرويد يريد خلق عالم خاص يترفع به عن العالم و يدير ظهره له,و كما قلنا في مقال سابق أن الشعور بالتبعية إحدى الأسباب المنتجة للدين،إنه الشعور بالحاجة للأب القاسي الحنون في الآن نفسه،الأب القوي القادر على الدفاع عنا بقدرته وقوته وبالضرورة قسوته,هذه القسوة هي التي أنتجت الشعور بالذنب والخطيئة,كما أن الشعور الذي يولده الدين هو شعور الأبدية والخلود,هذا الإحساس بالخلود هو ما يجعل حياة المتدين ذات أهمية و مغزى و رضا عن النفس,و هذا الرضى هو ما يولد إحساسا بالفرح و اللذة,رغم أنها لذة تنصرف إلى الوهم و الخيال و تبتعد عن الواقع كتلك التي يحصل عليها الفنان من جراء إنجازه لعمل فني.
و هذه الاشكال الثقافية و غيرها تندرج ضمن إطار ما سماه فرويد بالعلاقات الاجتماعية,و معروف أن الاجتماع البشري هو اول شكل حضاري,لأنه يمثل اللحظة الأولى لظهور الاتفاق و القانون و الحق,حيث أحلت سلطة الجماعة محل سلطة الفرد الواحد عن طريق الاتحاد,و هكذا اعتبرت العدالة أول مستلزمات الثقافة,العدالة بمعنى ضمان أن القانون يمثل إرادات المجموعات الاقتصادية الصغيرة,و بهذه الطريقة تطورت الأشكال الثقافية عن طريق التسامي بالغرائز,و هذا وما يفسر الدور الذي تلعبه العمليات العقلية العليا و الأنشطة العملية و الفنية و الأيديولوجية في الحياة الحضارية,فسمات الحضارة و قوانينها بالنسبة لفرويد يستحيل أن تقوم بإشباع رغبات الأفراد و غرائزهم الطبيعية,كونها تقوم بكاملها على نوع من الزهد و التعفف عن إشباع الغريزة,لذلك فوجودها مشروط بالكبت الإرادي و اللإرادي للمتطلبات الغريزية القوية,و يسود هذا الحرمان الثقافي كل مجالات العلاقات الاجتماعية بين البشر,و هنا ينبه فرويد إلى أن حجب إشباع الغريزة ليس بالأمر الهين,لأن الفرد الذي يفرض على نفسه الحرمان,إذا لم يقم بهذا العمل بشكل اقتصادي سليم,فسيكون أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسية خطيرة,لكن كيف يمكن للإنسان تصريف غرائزه بشكل اقتصادي؟.

للإجابة عن هذا التساؤل يعرض فرويد إلى قيمة الحب كشكل من أبرز أشكال الحضارة و أرقاها على الإطلاق,لا لشيء إلا لأنه حل محل الإشباع الغريزي البدائي باعتباره أعلى درجات الإشباع,و هذا ما يفسر أن الإنسان المتحضر اعتبر أن أساس السعادة هو السعي نحو العلاقات الجنسية,و من هنا أصبح أكثر توجها للعالم الخارجي,و اعتبره المجال الذي اختاره لنفسه,و هذا التوجه هو السبب الرئيسي في التحول الغريزي,فالإنسان المحب قد يتلقى آلاما شديدة الوطأة في حال تنكر الحبيب له أو رفضه إياه,و هذه الآلام قد حولت الإنسان من البحث عن الشهوة إلى مخلوق رقيق غير راغب في الشهوة,و إنما فقط حب الناس لذاتهم,رغم أن الدافع الأول للحب هو الرغبة في الجنس,بهذا يكون الحب المفرغ من الجنس هو في حقيقته الأولى حب جنسي كامل,و لا يزال حبا جنسيا في لاشعور البشر,أما حلته المتحضرة تقتضي إنشاء صداقات ضرورية من الناحية الثقافية,لأن الصداقة تتجاوز حدود الحب الجنسي,لكن هذا لا يعني بالنسبة لفرويد وجود توافق دائم بين الحب و الثقافة,فالعلاقة المتبادلة بينهما تخضع في بعض الأحيان إلى التوتر حينما يأبى الحب عن مسايرة الثقافة من جهة,و من ناحية أخرى تهدد الثقافة الحب بما تفرضه من قيود ثقيلة تحت الضرورة الاقتصادية و النفسية,لهذا شبه فرويد العلاقة المتبادلة بين الحب و الثقافة,بمنطق القبيلة أو الطبقة الاجتماعية التي تسيطر على الطبقات المستغلّة حيث يضطرها الخوف من تمرد الطبقات المضطهدة إلى مضاعفة القوانين,هكذا فالثقافة المتحضرة حددت معيارا تخضع له العلاقات الجنسية بإنشاء علاقة نهائية لا انفصال فيها بين الرجل و المرأة(الزواج),و اعتبرت إتيان الحب لذاته(تحصيل الإشباع و المتعة) خطرا محدقا بها.

هذا الموقف الذي اتخذته الحضارة من الجنس اعتبره فرويد موقفا متطرفا,بحيث ثبت غير ما مرة فشله لفترات طويلة بأن لم يخضع له سوى ضعاف الشخصية,و لم يخضع له الأقوياء إلا بشروط تعويضية,فالحضارة هدفها الأساسي هو إفراغ ما يمكن إفراغه من طاقات الإنسان الجنسية حتى تقوى المجتمعات بأواصر الصداقة التي تجمع بين أفرادها,و يعزى هذا الأمر(كبت الطاقات الجنسية)إلى نشدان السلوك المتحضر الذي يتشبع بالطابوهات التي لم تتغير كثيرا رغم التطور التقني و المثل العليا من قبيل"أحب لجارك ما تحبه لنفسك و هي قاعدة مشهورة كونيا,و لاشك أن عمرها أقدم عمر المسيحية مع أن المسيحية تزهو بها كأحد مفاخرها,لكنها مع ذلك ليست بالقاعدة الموغلة في القدم و لم تعرفها البشرية في العصور الغابرة"(1)
هذه الوصية و غيرها من الوصايا الأخلاقية بالنسبة لفرويد هي اعتراف ضمني بأن الطبيعة البشرية أكثر ميولا إلى الشراسة و العدوان و العنف,منها إلى الحب و الخير و الوداعة و الصفاء,"و ليس سهلا أن يتعايش الناس,دون أن يشيعوا في أنفسهم هذا الميل إلى العدوان المطبوعين عليه,و يصيبهم القلق لهذا السبب كلما حيل بينهم و بين التنفيس عن ميولهم,و طالما أن الحضارة تتطلب التضحية بالرغبات الجنسية,بل و بالميول العدوانية,فأعتقد أننا نكون أقدر الآن على فهم لماذا يصعب على الناس أن يحسوا السعادة في ظل الحضارة"(2)

- سيغموند فرويد"الحب و الحرب و الحضارة و الموت"ترجمة عبد المنعم حنفي الطبعة الأولى 1942 دار الرشاد القاهرة ص76

- سيغموند فرويد"الحب و الحرب و الحضارة و الموت"ترجمة عبد المنعم حنفي الطبعة الأولى 1942 دار الرشاد القاهرة ص 78



#محمد_المشماش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرويد,الإيروس و الموت
- فرويد,في الحب و الجنس
- هوس اللاشعور
- في التسامح و الدوغما
- شعوب السكيزوفرينيا لا علاقة لها بالتسامح
- جحيم -داعش-,من المتضرر أكثر الشرق أم الغرب؟
- الحب بين الميثولوجيا الإغريقية و النهضة الأوروبية
- العنف و السلطة في فكر أرندت


المزيد.....




- هدنة بين السنة والشيعة في باكستان بعد أعمال عنف أودت بحياة أ ...
- المتحدث باسم نتنياهو لـCNN: الحكومة الإسرائيلية تصوت غدًا عل ...
- -تأثيره كارثي-.. ماهو مخدر المشروم المضبوط في مصر؟
- صواريخ باليستية وقنابل أميركية.. إعلان روسي عن مواجهات عسكري ...
- تفاؤل مشوب بالحذر بشأن -اتفاق ثلاثي المراحل- محتمل بين إسرائ ...
- بعد التصعيد مع حزب الله.. لماذا تدرس إسرائيل وقف القتال في ل ...
- برلماني أوكراني يكشف كيف تخفي الولايات المتحدة مشاركتها في ا ...
- سياسي فرنسي يدعو إلى الاحتجاج على احتمال إرسال قوات أوروبية ...
- -تدمير ميركافا وإيقاع قتلى وجرحى-.. -حزب الله- ينفذ 8 عمليات ...
- شولتس يعد بمواصلة دعم أوكرانيا إذا فاز في الانتخابات


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد المشماش - فرويد وأوهام الحضارة