|
امرأة مهمّشة ،إنسان مستعبد
رضا كارم
باحث
الحوار المتمدن-العدد: 4792 - 2015 / 4 / 30 - 12:20
المحور:
ملف - حقوق المرأة العاملة في العالم العربي - بمناسبة ايار عيد العمال العالمي 2015
تشقّ الواقع في المنطقة العربيّة المتشظّية إلى دول و أجهزة ارتباط ضخمة، رغبات متنافرة حول "مسألة المرأة". و فيم ترفض القيم الموروثة و الرّمزيّة المهيمنة أيّ دور قياديّ أو محوريّ للمرأة، تتعالى داخل الصّالونات المنغلقة من الدّاخل و المغلقة رفضا للخارج، أصوات "ليبراليّة" كما تُسمّى في العادة، تبحث عن مساواة ما بين المرأة و الرّجل. و تقتضي تلك المساواة منحها دورا سياسيّا و تمثيليّا أكبر ، و هذه المطالب في تونس و لبنان صريحة بيّنة للعيان. أو منحها "ورقة نقض" ضدّ زوجة ثانية محتملة، فلا تصحّ زيجة مقبلة دون موافقتها و إقرارها أو حتّى السّماح لها بقيادة سيّارة في الظّلمة القاتمة بالجزيرة العربيّة... في كلّ الأحوال، ظلّت المساواة مقرونة بم هو موضوعيّ و لم تتمكّن في الخوض في القيم السيميائيّة المهيمنة و المغذّية لإقصاء المرأة بصفتها تلك أي بوصفها مصدرا للرّغبة و جسدا من الشّهوات مثيرا لمجمّع الرّجال المتّقين الرّاغبين عن الجنسانيّة و المنشدّين إلى العمل و العبادة و الورع. فيكون حضور المرأة تحفيزا للشّهوانيّة و الحيوانيّة فيهم، و هم لا يقوون على مغالبة كلّ تحفيز يبدأ جنسانيّا . نظرة قديمة جدّا للمرأة. ليس بعيدا أبدا عن فهم مماثل، تجسّدت المرأة في أثينا. سلّم أفلاطون للماهيات الجوهريّة الذي وضع الرّغبة أسفل أسباب الحكمة، ربط الرّغبة "بموطن بشريّ" تسكنه و تفوح منه. لم يكن العرب مختلفين كثيرا عن تلك النّظرة. و حافظ الدّين السّائد على علاقات يستحيل التّفكير فيها أي يُمنع أيّ تفكير فيها، بين المرأة و المجتمع عامّة. و لذلك ، تعمل المرأة في المنطقة العربيّة بالمزارع و الحقول مقابل أجر أقلّ من الرّجل، بحجّة أنّ إنتاجيّتها اضعف. يحصل ذلك في غياب كلّ تأمين اجتماعيّ و صحّي و توفير وسائل التّنقّل الحافظة للكرامة الإنسانيّة. ففي تونس ، و بحقول جندوبة و باجة و شمال الكاف ، تعمل آلاف النّسوة خارج كلّ تغطية صحّية و كلّ تأمين على الحياة، و لمدد تتجاوز العشر ساعات في اليوم واحد مقابل ما يعادل 7دولارات في أفضل الأحوال. فيم يرصد لتنقّلاتهنّ شاحنات "البيك آب" الصّغيرة، و يشحنّ معا كعلب الطّماطم . و كانت ظروف مماثلة سببا في وفاة عاملات كثيرات سنويّا. في قلعة سنان وظّف مصنع للوقيد عشرات العاملات لقاء 40دولارا، مقابل 140دولارا للرّجال. و في غياب كلّ تغطية اجتماعيّة و كلّ تأمين ضدّ حوادث الشّغل أو اعتراف بتلك الحوادث أصلا، و دون ضمانات التّرسيم بالعمل و صرف مقابل ساعات العمل الإضافيّة. و مع ذلك أغلق المعمل أبوابه و ترك العمّال ذكورا و إناثا دون تعويضات . و إذا كانت ثورة 17ديسمبر قد حرّرت بعض العاملات في المصانع الكبرى بالحاضرة تونس، فنلن زيادات معتبرة في الأجور و احترمت خصوصياتهنّ ، فإنّ ذلك عاد ليُستدرك و تهان العاملة مجدّدا . و خارج المصانع و الحقول ، ثمّة تمييز من مستوى آخر للعاملة. في الوظيفة العموميّة ، من تعليم و بريد و صحّة و ماليّة ... تتلقّى المرأة العاملة نفس أجر الرّجل و تأمينه. فالدّولة لا تميّز في قوانينها بين جنسين من البشر. غير أنّ قوانين الدّولة المتعالية و اكتفاء سلطاتها بتقرير وضع قانونيّ و عدم دعمه ببرامج ثقافية و تعليمية و إعلامية اجتماعيّة و شعبيّة ، حوّل المرأة الموظّفة من إنسان إلى "أجر شهريّ " بنهدين و شفتين و ابتسامة بديعة و شعر غجريّ فاحم السّواد. فضلا عن تجاهل كامل للمرأة من التّمثيل النّقابيّ رغم حرص التراتيب التنظيميّة على تنفيلها بمقعد في المكاتب التّنفيذيّة النّقابيّة. و في الحقيقة، تجوهِلت العاملات لسببين متداخلين . الأوّل لانصراف الغالبيّة الغالبة منهنّ إلى العناية بالأبناء و إدارة الشأن العائليّ الخاصّ، و الثّاني شدّة التّنافس بين الذّكور ، و هو تنافس حزبيّ إديولوجيّ بغطاء نقابيّ، ما حيّد دور المرأة، لضعف حضورها و لابتعادها عن الحزبيّة البيروقراطيّة . لكنّ حال العاملة في تونس قد يكون أفضل بكثير ممّ هو عليه في بقيّة البلاد العربيّة. و بخاصّة الحال التّشريعيّ الاجتماعيّ المشكّل لدور المرأة و الحاضن لوظيفتها كمحرّك اقتصاديّ و ثقافيّ و سياسيّ. فالتّحرّش الجنسيّ يالسّعوديّة و مصر بلغ مستويات عالية جدّا هي الأفضع في العالم بعد افغانستان الطّالبانيّة المغتالة. و هذا يعيد مسألة الدّين و الوعي الدّينيّ السّائد في البلدين، الذي لا يرى المرأة خارج وظيفتها البيولوجيّة. فالزّواج مازال عقد نكاح. أي "تحليلا باسم الشّريعة لعلاقة حميمة بين رجل و امرأة ليس حتّى مطلوبا أن يجمعهما حبّ و عشق و هيام". و لعلّ مثل هذا العقل الدّغمائيّ الذي يخشى على فحولته من "العدوانيّة الشهوانية للمرأة" أبرز معطّل و منهك لثورة اجتماعيّة متكاملة و ذات أهداف إنسانيّة مشتركة ، لا تموضع المرأة خارج العقل البنائيّ ، و لا تعتبرها ناقصة عقل و تمنحها نصيبها من الإرث ، و حقّها في الحياة بكرامة وفق ما تختار لا وفق مشيئة رجل معقّد . يصعب حقيقة البحث في واقع المرأة العاملة دون بحث الشّروط الرّمزيّة و الموضوعيّة التي أنتجت ذلك الوضع و جعلته سائدا. فرأس المال يستفيد من فئويّة الواقع و احتقار المرأة ليبتزّها و يشغّلها لمدّة أطول و بمقابل أقلّ و خارج الصّيغ القانونيّة و التّرتيبيّة. و في بلاد لا احترام فيها للإنسان المفقّر و المهمّش و المحتقر، تستبدّ المافيا و الجريمة المنظّمة بالمرأة، فتوظّفها في الملاهي اللّيليّة حيث تنشط الأهواء البورجوازيّة و تلاحق أجسادا مستعبدة مقابل دولارات توفّر الرّزق المضني. و بم أنّ القانون الطّبقيّ يمنح رأس المال السّيادة المطلقة دون رقابة قانونيّة ، فإنّ معاناة المرأة أكبر من معاناة الرّجل. و مع ذلك، فلا يمكن حلّ مأساة الأنثى دون حلّ مأساة الإنسان. فكلّ الحركات النّسويّة تحوّلت إلى حركات شبه فاشيّة ، لا تهتمّ بغير مصالح النّسوة و لو كنّ سيّدات أعمال تشاركن في تدمير واقع المرأة . و العقل النّسويّ الفئويّ ، بات ينتصر إلى كلّ امرأة مهما كان دورها السّلطويّ و الاستبداديّ واضحا و صريحا. و هو مدعاة تجاوز لهذه التصنيفات الجنسانيّة الرجعيّة و إيمان بالإنسان ذكرا و أنثى و عملا على تحرّره و سيادته على تاريخه. إنّ التّنظّمات الذّاتيّة التي تتجاوز البيروقراطيّة الحزبيّة و الهرميّة البيّنة فيها، تُعدّ الباب الوحيد الذي تتأسّس عليه مشتركيّة إنسانيّة حقّة، لا تفهم الحياة كشهوة و رغبة و قانون زجر و جزاء إحسان، بل تجيّر كلّ الوسائل لمركزة الإنسان و جعله محور الحياة و هدفها. خارج المقاومة الجماعيّة المنتظمة وفق تعاقدات حرّة لا حزبيّة و لا هرميّة ، لا يمكن انتظار شيء من واقع يسوده راس المال و لوبيات المافيا و الإقطاع. و تحرّر المرأة لايقع بمعزل عن تحرّر الإنسان. _______________________ رضا كارم
#رضا_كارم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بورقيبة التاريخي لا بورقيبة المفبرك في معامل الإديولوجيا
-
الجبهة الشّعبيّة بحاجة إلى -فضيلة القتل- أو عليها انتظار-رذي
...
-
المثلّث الخبري المعرفيّ : من يملك الحقيقة يسيطر على التّاريخ
...
-
23أكتوبر في مقاهي الهزيمة القرار، و الهزيمة المختارة
-
العشرون من مارس 56: بنود -استقلال دولة- أو شرعنة احتلالها؟من
...
-
لماذا هي كتابات أخرى؟ و لماذا يعلو الصّوت؟
-
التوافقات الطّبقيّة تشكيل من خارج دائرة الحرمان لموجبات عناص
...
-
لكن الكاميرا سقطت
-
المعركة عميقا ، الصّراع متواريا ، المقاومة هناك أيضا
-
17 ديسمبر يا 20 فبراير:معركتنا واحدة يا جماهير التغيير اللاط
...
-
فري كربول، فري عبد المجيد الشرفي
-
أيّ مشروع لأيّة صيرورة؟
-
ما معنى العمل بين الجماهير لتحريضها و تحريرها؟
-
الأول من ماي: ذاكرة الحرّية.
-
إرهابي بقناع قاض، إرهابي بمهنة بوليس
-
ثم صاح بأعلى صوته: حرّية، حرّية ،حرّية
-
الخبز و الماء أو نشيد الجوعى في محفل المقاومة.
-
السّياق و أزمة التّغيير
-
ديمقراطيّ دون أنسنة، زاهد دون محبّة
-
روايات -الوطن- ، واقع الاستعباد
المزيد.....
-
ترامب يأمر الجيش الأمريكي بتنفيذ ضربات جوية في الصومال
-
تظاهرات في مدن ألمانية ضد سياسة الهجرة المدعومة من البديل
-
نتنياهو: سنواصل العمل لتحقيق أهداف الحرب
-
شاهد.. نيران وحطام طائرة متناثر في الشوارع إثر الحادث الجوي
...
-
مصر.. اجتماع عربي لرفض تهجير الفلسطينيين
-
صحيفة: في الغرب يدركون أن بوتين يعرف نقطة ضعفهم
-
اختفاء معلومات وبيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية من
...
-
السودان.. الجيش يعلن استعادة السيطرة على عدة مدن في ولاية ال
...
-
دانماركي يحرق مصحفا أمام السفارة التركية في كوبنهاغن (فيديو)
...
-
واشنطن: يجب إجراء انتخابات في أوكرانيا
المزيد.....
-
الاتفاقيات الدولية وحقوق المرأة في العالم العربي
/ حفيظة شقير
-
تعزيز دور الأحزاب والنقابات في النهوض بالمشاركة السياسية وال
...
/ فاطمة رمضان
المزيد.....
|