أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صائب خليل - فتوى السيد الاخيرة















المزيد.....

فتوى السيد الاخيرة


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1331 - 2005 / 9 / 28 - 13:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بينما كانت الرجال تصرخ وتضرب صدورها, والنساء يعلو عويلهن وينخفض بغير انتظام, كان الرجل يغسل جثة "السيد" ويعطرها بهدوء تقطعه بين الحين والحين تشنجات بكاء مخنوق. لقد كان يسيطر عليه شعور بالجلال والرهبة امام هذا الجسد المسجى امامه, حتى ليكاد يتردد في كل مرة يمد يده اليه خشية ان يوقضه من موته الذي بدا اشبه برحلة اعتيادية سيعود منها السيد قريباً.

لم يكن للسيد تلك الهالة الدينية فقط, بل كانت تضاف اليها قدسية الرجل الزاهد بأمور الدنيا, والجريء في الحق. كان له حضور عظيم الأهمية في الوضع السياسي المضطرب للبلاد, وكان له الدور الاكبر في نجاة البلاد من حرب اهلية لا تبقي ولا تذر.

انتبه الرجل فجأة الى ان كف السيد اليمنى كانت منقبضة بشدة. وبعد جهد كبير تمكن من فتح اصابعها المتصلبة, فوجد فيها ورقة كان السيد يعصرها كأمانة يخشى ان تضيع منه. فتح الرجل الورقة فأذا بها اشبه ما تكون برسالة كتبت بخط السيد. تلفت الرجل يميناً ويساراً قبل ان يبدأ القراءة, لكنه توقف ولف الورقة على عجل ثم هرول بها الى الخارج.

بعد ساعة كان الجمع المتزايد مازال مشغولاً باللطم والصراخ تحت لفح الشمس الحارقة, حتى سرت دمدمة واشارات بالايادي تدعو الناس الى الصمت والسماع. كان هناك رجل يقف امام الميكروفون الرئيسي الذي كانت تلقى منه الاناشيد الحزينة, يحاول ان يقول شيئاً. ولما صمتت اخر النساء الصارخات, تكلم الرجل فقال:

"ايها الناس, ايها الناس...لقد ترك لنا السيد المبجل قبل ان يذهب عنا الى جنات الخلد رسالة واوصى ان تقرأ لكم في اقرب وقت ممكن, وليس خير من هذا الوقت وانتم مجتمعين حول جسده الطاهر, فاستمعوا..."

" بسم الله وعلى بركة الله فقد وجدنا في ما يجري من احداث عظام داعياً لنا للتفكير بجدية بما آلت اليه حال المؤمنين في ا لبلاد, وبعد التوكل على الله, اختلينا ثلاثة ايام بلياليها ووصلنا الى ما هو آت, وهو فتوانا ووصتيتنا الاخيرة لكم, فاستمعوا وافتحوا عيونكم واذانكم واذهانكم لما سنقول لعل فيه الخير لكم.

وبعد فقد وجدنا ان المؤمنين اعتادوا استشارتنا في كل امر, حتى كسلت اذهانهم عن التفكر, وترهلت عقولهم عن التمييز, وعجزت ارادتهم عن القرار, وهذا ما لايريده الله سبحانه وتعالى للمؤمنين به ولا نرضاه لهم. فليس للمرجعية ان تقوم للانسان المؤمن مقام عقله, بل لترشده في امور دنياه بقدر ما يتعلق الامر بفرائض دينه ومبادئه وقيمه, وهذه قدرنا عليها ان شاء الله.
اما في اختياراتكم الحياتية من سياسة وغيرها, فنقول لكم غير عابئين في الحق بلومة لائم. فنحن لا نستحي من الصدق. فنقول عما لا نعلمه, اننا لانعلمه. وألا نكون كمثل طبيب يشير في بناء الجسور او بناء يشير في العلاج, وليس هناك من بشر يعلم كل شيء,"وما أوتيتم من العلم الا قليلا" صدق الله العظيم.

لقد منّ الله على المؤمنين, بهدايتهم الى كتابه العزيز وسيرة رسوله لتعينهم وتكون ملهمة لهم في تفكيرهم وتدبر ما صعب من امورهم, وترشدهم الى السراط المستقيم. وأما لما عداها من امور الحياة فلقد وهبهم الله عيون ترى وآذان تسمع وعقول تفكر ليتدبروا امورهم, والله اكرم الواهبين, فليجهدوا بما آتاهم ربهم من عقل وبصيرة.

لقد رأيت في حال المؤمنين عجباً. لقد كان المؤمنون في حياة الرسول وبعده اقرأ القارئون واجرأ المفكرون واعلم العلماء, وما كانوا ليرضون ان يغلبهم الغير في جد جهادهم وفي صدق قرارهم وفي حزم امرهم. لكن الحال صار غير الحال. فصار المؤمنون ينظرون أئمتهم ترشدهم الطريق فلا يكلفوا انفسهم عناء ثتفكير اومسؤولية قرار حين كان غيرهم يقرأ ويتفكر ويجادل ويتشاور ويقرر. فبقي المؤمنون في مكانهم وتعلم غيرهم كيف يفكّر. بقي المؤمنون مكانهم وتعلم غيرهم كيف يميز الصحيح من الخطأ. بقي المؤمنون مكانهم, وتعلم غيرهم كيف يجادل ويدافع عن معتقده.

ان الله لايرضى ان تكون امته من الجهلة التابعين. فليس من الإسلام ان تسير امته كقطيع من الغنم خلف راعيها بلا تفكّر او تدبّر. فـ "كلكم راع, وكلكم مسؤول عن رعيته", صدق رسول الله. وكيف يكون منكم راعياً من لاقدرة له على رؤية طريقه, ولا ارادة له للثبات عليه؟ لقد وصف الله المؤمنين فقال"امرهم شورى بينهم" وكيف يُشار ويشاور من لم يتعلم التفكير ومسؤولية القرار, فهل انتم مؤمنون؟

يا ايها الناس. لو اراد الله سبحانه وتعالى للبشر ان يتبعوا أئمتهم بلا تفكير ولا تمحيص, لاكتفى بأن وضع العقول في رؤوس الائمة وحدهم. لكنه عز وجل خلق الملايين من العقول والعيون والاذان, ولم يخلقها عبثاً, حاشا الله ان يفعل ذلك. نقول لكم الحق, ان من لاينتفع بعقله كل الإنتفاع, فأنه يغضب الله, اذ يهمل خير ما اعطاه له من كنوز ونِعم, فماذا انتم بها فاعلون؟

قال سبحانه وتعالى : " واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" ولكل زمان قوته وخيله. وخير الخيل اليوم كلمة حق صحيحة يضرب بها المؤمن فتصيب دقتها في الظلم مقتلاً. فماذا اعددتم لذلك اليوم؟ لم يولد الرامي رامياً, لكن التدرب والجهاد في التعلم هو ما ميزه عن غيره. كذلك لم يلد انسان ومعه معرفته وهداه, بل الهدى لمن فكر واجتهد وجاهد في سبيله." ان الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا والذين اهتدوا زدناهم هدى" صدق الله العظيم.

ان مشاركة كل منكم في تقرير مصير امته, واجب شرعي, فالله لايحب من يرى الحق والباطل فلا يقف بجانب الحق بوجه الباطل, والساكت عن الحق شيطان اخرس. لكن احدكم لن يستوف ما حق عليه حتى يعمل كل ما استطاع سيبلاً لكي يكون قراره صحيحا صائبا, فان فعل, فلا جناح عليه ان اخطأ, وسبحان من لايخطيء. اما من كسل عن البحث والتفكير فيتحمل وزر خطأه الى يوم القيامة, وعلى قدر جهودكم تؤجرون. فوالله ان خطأ المؤمن المجاهد للعلم, فهو خير وابرك من اصابة المؤمن الكسول المعتمد على غيره من الناس.

لذا توجب على كل منكم قبل ان يختار في امر جلل, ان يقرأ إن كان في وسعه ان يقرأ وان يسمع إن كان له ان يسمع وان ينظر إن كان له ان ينظر. فإن قرأ فمقدارعشر صفحات لاغش فيها لعشرة احزاب. ثلاث لاقرب الاحزاب الى نفسه, وثلاث لابعد الاحزاب عن نفسه, وثلاثة يختارهم ممن لايحبهم ولايكرههم, وواحدا يختاره لصدفة صادفها او لمشورة سمعها او عبارة قرأها, على ان لاتكون من ضمن التسعة السابقة الذكر, وان تزيدوا فهو خير لكم. اما من عجز منكم عن القراءة, او اختار عنها, فسماع ربع ساعة او يزيد لعشرة احزاب, يختارها كما ذكرنا آنفاً, على ان يستمعها من السن اصحابها بلا ناقل من البشر, وان تزيدوا, زادكم الله علماً وقوة.

انكم ان فعلتم ذلك, ازددتم ايماناً بالحق, وازددتم فهماً وتمييزاً. وزال شككم بيقين. فمن بقي منكم على رأيه, فقد زاده ما يمكنه من مقارعة حجج غيره, وان رأى الحق في غير ما كان يعتقد, فلتكن له شجاعة المؤمنين الأوائل في ان يلحق بالحق حيث كان, حتى لو كان ذلك بعيداً عن جماعته واصحاب دينه ولو لحين, فانه بذلك يحضهم على تعديل ما اعوج منهم, ويكون لهم ناصراً على انفسهم. وخير للدين ان يخسر الحكم اليوم ان كان في اصحابه اعوجاج ليعود غداً سليماً معافى, من ان يكسب الولاية وهو معوج فيبقى على اعوجاجه ابداً.

أيها الناس..لسنا نعلم ان كان الله سيمنّ علينا ان نقرأ فتوانا الاخيرة هذه لكم وجهاً لوجه, فأن كان فهو خير. وان جاء اجلنا قبل ذلك, وقرأها عليكم بعض اصحابنا فلعل شكاً سيصيبكم ان وصلتكم بلا تحريف وتحويل. فإن حدث فاعملوا عقولكم وتفكروا وتبينوا وتشاوروا, فمن وجد ما جاء فيها معقولاً نافعاً, فهي فتوى صحيحة وليتوكل على الله, ومن لم يجدها كذلك فليدعها وليتفكر لنفسه في رشاد لنفسه. ايها الناس, لا تبحثوا عن ختمي في اسفل الورقة, فلم اضع عليها ختمي, بل ابحثوا عنه في رؤوسكم, فهي خير مميز انعم به الله عليكم, والله يوفقكم لخير دنياكم واخرتكم."



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إيمان العلمانيين بالزرقاوي!
- عراقيوا الخارج خارج الدستور
- تعديلات الدستور تزيده اعوجاجاً: الغاء مادة حقوق الانسان الدو ...
- تأجيل الدستور لتعديلات طفيفة لاقناع اليسار العراقي للتصويت ع ...
- رغم مصائبه, ليس العراقي معفياً من فهم العالم: الارهاب, اميرك ...
- في الدستور تنازلات بلهاء عن حق العراق في التكنولوجيا
- ما موقف الشيوعيين من المادة 110 ثانياً؟
- الارهاب المبدع
- لنهنئ انفسنا أن وصل بعض صوتنا الى الدستور
- لماذا ظهر الدستور كعروس منفوشة الشعر؟
- اعتراضاتي على نقاط الدستور
- حديث دكتاتور اعتيادي الى شعبه الاعتيادي
- علي فردان ودفع الشيعة العراقيين باتجاه الطائفية
- دولة الكمان العراقية: دولة -علي- بابا والاربعين حرامي
- العلمانيون والإسلام: مقالة ليست ممتعة علمانيا
- ديمقراطيينا بين ولاية الفقيه وولاية السفير
- اليسار والاسلام: فرصة للتعاون في الوقت الصعب
- اصل الانسان مرجوحة
- امنيات دستورية
- تصميم العلم العراقي الجديد


المزيد.....




- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...
- مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ ...
- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...
- الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض ...
- من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرتا اعتقال نتنياهو وجال ...
- الأميرة المسلمة الهندية -المتمردة- التي اصطادت النمور وقادت ...
- تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صائب خليل - فتوى السيد الاخيرة