غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4791 - 2015 / 4 / 29 - 13:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يـوم بعد يوم... مـشـاعر قــلــقــة...
يوم بعد يوم.. شهر بعد شهر.. وسنة بعد سنة.. تطوي فرنسا قوانينها العلمانية, وتضعها بحقيبة المنسيات البراغماتية, مراضاة لملايين مسلميها... مخصصة لهم استثناءات متزايدة متفرقة, حسب طلباتهم المتكررة ضد كل ما له من تعميمات المواطنة التي تطبق على كل من يقيم فيها, من حاملي جنسيتها بالولادة والأجداد أو من الحاصلين عليها بالهجرة.. أو من جذور مختلفة عديدة أخرى تفتح الأبواب السهلة للحصول عليها... حتى للعديد من مئات الجنسيات التي تختلف معها بالعادات والتقاليد, وحتى بالجذور الثقافية الموروثة من الثورة الفرنسية (الخامس من أيار 1789) والتي نشرت من هذا التاريخ مبادئها الإنسانية بالعالم كله : حــريــة مــســاواة تــآخــي.. والتي أضيف إليها بعد سنوات قليلة : "عـــلـــمـــانـــيـــة"!!!...
لم نعد نستغرب إذا رأينا بعدة أمكنة من باريس أو ليون أو مرسيليا أو ليل, مئات من المسلمين يغلقون شارعا واسعا طويلا حتى يصلوا به, بإحدى أوقات الصلاة.. أو طلاب جامعة فرنسية (مسلمين) يحتلون صالة الرياضة, مصادرين مفاتيحها جاعليها صالة صلاة إسلامية, رغم همهمات اعتراضية (خافتة طبعا) من مدير الجامعة, ومن بعض الطالبات والطلاب الذين يرغبون ممارسة الرياضة.. ومن ثم يهمل الأمر وينسى, وتصبح المخالفة حقا... وجبات حلال بالمدارس والمستشفيات والسجون... أمـا عن الحجاب والنقاب وحتى البوركا العجيبة الغريبة, ورغم صدور قانون من عدة سنوات بمنعها بالأمكنة العامة, وبعد مشاورات وترددات دامت سنوات.. ولكن ارتداءها يزداد سنة عن سنة.. بصمت كامل دون أي اعتراض جدي.. ولا أبسط مخالفة... وبدلا من أن تجتذب العلمانية والحضارة.. وأن يجتذب التطور هذه الجماهير إليها.. نرى العكس تماما.. إذ أن هذه الجماهير (الإسلامية) تغمر بعاداتها وتقاليدها, بسلبياتها وتمييز الرجال عن النساء بأشكال بعيدة كل البعد عن قوانين المساواة التي شرعتها القوانين المحلية.. والتي لا تأبه لها على الإطلاق هذه الجماهير التي احتلت مناطق وأمكنة عديدة من الأراضي الفرنسية وشرعت فيها عاداتها وتقاليدها.. وشــريـعــتـهـا التي ليس لها أية علاقة لا بالشرائع والقوانين الفرنسية.. وخاصة بمبادئها العلمانية... والحكومات الفرنسية المتتالية أغمضت عيونها وســدت آذانها عما يجري, تاركة دوما للائمة المحليين ولبعض المراقبين الاجتماعيين الاهتمام بهذه الأمور, تاركة لمرور الزمن حلها بشكل طبيعي, وانتظار عودتها إلى الأنظمة المحلية والأشكال الطبيعية... ولكن العكس السلبي المعاكس, هو الذي تطور بعنف وشدة... حتى ابتعدت كليا هذه المناطق المحيطة بالمدن, وأحيانا بقلب المدن, عن القانون وكل ما له علاقة بالقوانين والأنظمة والطبائع والمظاهر المحلية.. وتأسست شبه "كانتونات إسلامية سلفية" داخل المدن الفرنسية, وفي العديد من المدن الأوروبية التي احتوت هذه الهجرات القادمة من إفريقيا الشمالية وإفريقيا الإسلامية, ومن العديد من المدن العربية والإسلامية... أما بحاجة يد عاملة رخيصة بعد الحرب العالمية الثانية.. أو بسبب الهجرات من هذه البلدان الغير مستقرة معيشيا وأمنيا... حيث فتحت الأبواب والنوافذ بأشكال عشوائية متعددة.. أو بدوافع إنسانية. حيث كان من المستحيل ــ إنسانيا ــ إغلاق الأبواب بوجه هذه الشعوب التي يجتاحها الموت والحروب والخلافات الطائفية والإثنية... وما نراه اليوم أنه بالرغم من إغلاق جميع الأبواب والمنافذ الأوروبية, بسبب الأزمات الاقتصادية التي تجتاح أوروبا من عشرين سنة حتى اليوم.. ما زالت شعوب هذه الهجرات تغامر مع الموت بالبحار, قاصدة الشواطئ الإيطالية.. ومنها إلى المجهول...
************
من كل هذا بدأت تظهر على الساحة السياسية في فرنسا وفي العديد من بلدان الاتحاد الأوروبي, طبقة سياسية متطرفة من اليمين المتطرف, تعلن بوضوح تخوفها من الهجرات الإسلامية المتكاثفة باتجاه البلدان الأوروبية. سمتها هذه الجهات اليمينية المتطرفة " الطابور الخامس الإسلامي " أو طوابير الاجتياح لأوروبا " لم تكذبها إطلاقا المواقع الإسلامية السلفية والجهادية,على العديد من مواقعها المتعددة الظاهرة على النت.. والتي تعلن باستمرار أن فتح أوروبا الذي فشل في القرون السابقة على أبواب مدينة بواتييه Poitier الفرنسية, قد آن آوانه اليوم. وأن الجماهير الإسلامية المتكاثرة, سوف تعيد هذه البلدان إلى الإسلام.. وسوف تطبق فيها الشريعة الإسلامية بحذافيرها...
ومن هذا النشاز الخرافي اللامعقول, لم أسمع حتى اليوم أي اعتراض من المسؤولين الدينيين أو مؤسساتهم المسؤولة أو جمعياتهم الخيرية التي تهتم باستمرار ببناء أضخم جامع في أوروبا أو في العالم.. اعتراضا أو تكذيبا ضد هذه البيانات الاعتدائية على حرمة البلاد الأوروبية المضيفة... ما عدا صوتين خافتين شجاعين من فيلسوف مولود في فرنسا من أب جزائري وأم فرنسية أسمه نور الدين بيدار, والآخر مغربي شــاب يدعى مهدي زهراوي... لم أقرأ خلال العشر سنوات الأخيرة كتابات صريحة واعية عن الإسلام في أوروبا أو في البلاد العربية والإسلامية, حيث يتناحر ويقتتل المواطنون بين بعضهم البعض, بخلافات طائفية إثنية بالغة الغباء...حيث جرأتهما ووضوحهما وانتقاداتهما الصريحة الإيجابية ضد الشرائع الإسلامية التي يعلنهما المتطرفون الجهاديون والوهابيون والسلفيون.. بلغت في نظري وقراءاتي لهما ومعهما كل التوافق والاتفاق... وكــم أنني آســف ان غالب الانتليجنسيا العربية أو الإسلامية.. أو القليل النادر الذي تبقى منها.. لا تجرؤ على الإطلاق التطرق بوضوح إلى قضايا التطرف الإسلامي في العالم.. ومشاكله مع قضايا حقوق الإنسان.. وخاصة حقوق المرأة.. أو حقوق الأقليات.. أو حقوق الأسرى الذين تعدمهم الجافل القتالية الجهادية, بلا أية محاكمة بالمئات وأكثر.. بالمناطق التي تعبر فيها أو تحتلها, بكل من العراق أو سوريا...
عبد النور بيدار ومهدي زهراوي.. إسمان يستحقان القراءة والاطلاع والاهتمام والاحترام!!!...
إسمان باهتمامهما الشخصي, وشجاعتهما النادرة, أعادا إلي بعض الأمل.. أنـه يمكنني التفاهم والتبادل مع أولى بوادر إسلام فلسفي معتدل, يتفق كليا مع العلمانية الكاملة.. وحقوق الإنسان... ولكنهما ــ مع الأسف الشديد ــ بادرة ضئيلة تجاه براكين وهيجان عواصف التطرف التي تغمر ســاحات المشرق والعالم, والتي أخشى بوادر اصطدامها عاجلا أم آجلا مع تحركات اليمين الفرنسي والأوروبي المتطرف والشعوبي...
***********
عـلى الــهــامــش :
ــ كــتــاب
ــ صدر مؤخرا كتاب لمرشد إسلامي مسؤول عن توجيه المساجين لكل غرب فرنسا, بالفرنسية. عن دار النشر المعروفة Bayard إسـمـه " الإسلام في السجن " L’Islam en Prison , يتحدث فيه عن الصعوبات المعيشية للعديد من الشباب المسلمين الذين ذهبوا للقتال في سوريا والعراق, بإغراءات مالية عديدة مختلفة. لأنهم لم يتبق لهم أي مجال معيشي آخر.. تجارة المخدرات أو القتال على الأراضي السورية والعراقية...هذا المرشد الكاتب اسمه محمد لويصلاتي Mohamed Loueslati, يكتب عن الشباب العائدين من هذه الأراضي المحروقة, في بعض السجون الفرنسية. بلا تعليم, بلا أية مهنة.. بلا غد.. ولا أية معرفة غير القتل والجهاد... بلا أية مساعدة من السلطات الإدارية للسجون لإيجاد طرق إرشادية علاجية فكرية أو غيرها, لغياب ميزانيات ضرورية ولعاملين اختصاصيين بهذه المجالات الصعبة... قائلا إنهم خطر مستقبلي هائج.. بلا وقاية.. بلا علاج...
صرخة يطلقها تجاه المسؤولين...
أما المسؤولون الحكوميون والسياسيون, فهم مشغولون بسن قوانين إضافية تــحــد وتقلص العديد من الحريات العامة... لحمايتنا من الإرهــاب... حسبما يقولون... ولكنني بطبعي البورجوازي الأناركي.. لا أصدق الحاكم.. أي حــاكـم بأي زمان أو مكان...
ــ عجائب وغرائب الإعلام الفرنسي :
محطة راديو RTL, بنشرتها الإخبارية البارحة مساء الساعة 19, ختمت نشرتها بأن زوجة الجهادي الإفريقي المدعو كوليبالي Amedy Koulibaly الذي أعلن ولاءه للخلافة الإسلامية قبل اقتحامه للمخزن Super Cacher اليهودي بإحدى ضواحي باريس, قاتلا عددا من الزبائن, ثم اردته الشرطة الفرنسية, قد اتصلت بهم من الأراضي السورية (التابعة لداعش) وأنها بريئة مما يوعز لزوجها, وقد طلب منها اللجوء للخلافة.. وهي تتعلم العربية... علما أنها مطلوبة للتحقيق تجاه السلطات الأمنية الفرنسية. والغريب العجيب أن الصحفي المذيع اللامع قال : أنه من الصعب استعادتها للتحقيق لأن السلطات السورية, لا تتعاون مع فرنسا بهذا المجال.. متناسيا أن السيدة المذكورة موجودة برغبتها في المناطق التي تسيطر عليها داعش... وليست السلطات السورية...
ومثل هذه الأنباء الخنفشارية.. عشرات ومئات كل يوم!!!...........
بــــالانــــتــــظــــار...
للقارئات والقراء الأحبة الأكارم.. هــنــاك وهــنــا.. وبكل مكان في العالم.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي.. وأصدق تحية عاطرة مهذبة...
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فـــرنـــســـا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟