|
حرب المادية ضد المثالية٢-;-
حسقيل قوجمان
الحوار المتمدن-العدد: 4791 - 2015 / 4 / 29 - 13:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حرب المادية ضد المثالية٢-;- احد التعليقات على مقالي الاخير الذي نشر في الحوار المتمدن هو: " هل كان يقصد إنجلز في الفقرة التالية: Men thought dialectically long before they knew what dialectics was," السخرية من دوهيرنغ؟ واذا كان الجواب بالايجاب، فيعني هذا ان نص إنجلز السابق هو كوميديا." ان الجواب على هذا السؤال هو ان انجلز ابعد ما يكون عن السخرية من دوهرينغ او من غيره بل كان جادا كل الجد في كل ما قاله، اولا في قوله ان الانسان تحدث النثر قبل ان يعرف كلمة النثر ثم قوله العبارة اعلاه. فقوله عن النثر سواء اكان قد اقتبسه من موليير ام لم يقتبسه منه يقصد ان البشرية كلها تكلمت النثر فعلا قبل ان تعرف كلمة النثر. منذ نشوء الانسان وتطور حنجرته لاخراج اصوات واضحة يستطيع بواسطتها التفاهم مع غيره من البشر كان يصنع اللغة ويتحدث بها ويطورها وفقا لحاجاته. ولم يكن انذاك اي تمييز للغة الى نثر وشعر وسجع وغير ذلك. فكان الانسان يتحدث اللغة، النثر، الاف او ربما ملايين السنين قبل تقسيم اللغة الى اشكالها. نشات الضرورة لتقسيم اللغة حين ابتدا الانسان يتحدث اشكالا اخرى من اللغة كالشعر والسجع وغيرها فنشات الحاجة الى تسمية لغة الكلام اليومية العادية التي تكلمها طوال حياته نثرا لتمييزها عن الشعر والسجع واشكال اللغة الاخرى. وهكذا كان انجلز جادا كل الجد في قوله. وفيما يتعلق بقوله Men thought dialectically long before they knew what dialectics was,". ايضا كان انجلز جادا كل الجد. فالانسان فعلا فكر ديالكتيكيا قبل ان يعرف ما هو الديالكتيك بزمن طويل. وقد كتبت عن ذلك مرارا وتكرارا في مقالات سابقة قبل ان اطلع على قول انجلز. ولكن علينا ان نفهم ما معنى قول انجلز هذا. لا يعني هذا ان انجلز قصد في قوله ان كل انسان كان يفكر ديالكتيكيا قبل اكتشاف الديالكتيك. بل يعني ان الانسان حين كان يقوم ببحوثه العلمية الهادفة الى اكتشاف القوانين الطبيعية كان يسلك سلوكا ديالكتيكيا. والانسان سلك سلوك قوانين كثيرة وربما يمكن القول في جميع بحوثه العلمية الطبيعية، قبل ان يكتشف، او قبل ان ينعكس، القانون في دماغه. فقد سلك الانسان مثلا سلوكا ارخيميدسيا قبل اكتشاف قانون ارخيميدس بزمن طويل حين نجح مثلا في هندسة بناء السفن اخذا بالحسبان تاثير قانون ارخيميدس قبل ارخيميدس واكتشاف قانونه بزمن طويل. كان على مهندسي بناء السفن مثلا ان يحددوا حجم ووزن السفينة ومقدار حمولتها وعدد ركابها لتحاشي تغلب قانون ارخيميدس على السفينة فيغرقها. ولابد ان التاريخ يسجل غرق سفن بسبب خطأ المهندسين في اخذ تاثير قانون ارخيميدس بحسابهم حسابا دقيقا عند بنائها. وسلك الانسان سلوكا جاذبيا قبل اكتشاف قانون الجاذبية بزمن طويل عند اطلاق القذائف بانواعها من رمي السهم وتوجيه القذائف المدفعية والمنجنيق وغيرها من القذائف. فاخذ بالحسبان تاثير الجاذبية عند اطلاق القذائف وكيفية تلافي تاثيرها وهبوطها عند توجيه القذائف بتاثير الجاذبية التي لم يعرفوها لكي تصيب الهدف بدقة. والامثلة كثيرة على ذلك. وقصة ويليم تل مثلا مبنية على هذا الاساس. الا اننا حين نقول ان الانسان سلك سلوكا ارخيميديسيا لا يعني ان كل البشرية سلكت كذلك بل ان البشر الذين ارتبط عملهم بظاهرة قانون ارخيميدس هم الذين سلكوا سلوكا ارخيميديسيا. كذلك حين يقول انجلز ان الانسان سلك سلوكا ديالكتيكيا قبل ان يعرف ما هو الديالكتيك لا يعني ان البشرية كلها سلكت سلوكا ديالكتيكيا كما ظن بعض المعلقين وانما سلك الانسان سلوكا ديالكتيكيا حين كان يبحث امورا مرتبطة بالقوانين الديالكتيكية التي تجري في الطبيعة. وهذا السلوك يصح على بحوث جميع العلوم الطبيعية لان العلماء فيها يبحثون عن القانون الطبيعي الذي يعملون على اكتشافه. ان المادية الديالكتيكية كما شاهدنا من الاقتباسات هي علم قوانين الحركة في الطبيعة. فالحركة الديالكتيكية هي الطريقة التي تسلكها جميع الحركات في الطبيعة. ولذلك كتب انجلز "ان الديالكتيك يهيمن على الطبيعة باسرها" والعلماء بحثوا دائما عن اكتشاف الحركات التي تجري في الطبيعة. وبما ان الحركات تجري في الطبيعة ديالكتيكيا كان على العلماء ان يسلكوا سلوكا ديالكتيكيا لكي ينجحوا في اكتشافها. هذا ما يعنيه انجلز في قوله ان الانسان سلك سلوكا ديالكتيكيا قبل ان يعرف ما هو الديالكتيك. ولكن سلوك العلماء سلوكا ديالكتيكيا قبل اكتشاف القوانين الديالكتيكية كان سلوكا تطلبه البحث العلمي تلقائيا سلكوه بصورة غير واعية. يستطيع من يشاء تتبع السلوك الديالكتيكي لكل عالم خلال بحوثه العلمية. سلوك داروين اعظم مثال تاريخي على ذلك. داروين اراد ان يبحث حركة تطور الحياة الحيوانية على الكرة الارضية. وهذا التطور حركة ككل حركة في الطبيعة جرت وتجري ديالكتيكيا بتغيراتها الكمية وتحولاتها النوعية وطفراتها وتناقضاتها. فكان عليه لكي يستطيع دراستها ان يتتبعها في حركتها الديالكتيكية بدون ان يعلم شيئا عن قوانين الديالكتيك. وهذا هو بالضبط ما يقصده انجلز عند قوله ان الانسان سلك ديالكتيكيا قبل ان يعرف ما هو الديالكتيك. كان سلوك داروين الديالكتيكي سلوكا تلقائيا غير واع لقوانين الديالكتيك. كان اكتشاف القوانين الديالكتيكية بداية سلوك الانسان سلوكا ديالكتيكيا بصورة واعية ولذا اطلق ماركس على سلوكه في كتابة الراسمال سلوكا ديالكتيكيا، او كما سماها هو، الطريقة الديالكتيكية. ان نقاشاتنا الطويلة حول علمية الديالكتيك او عدم علميته ليست مجرد نقاش حول هذا الموضوع انما هي جزء من اطول حرب واقسى حرب واكثرها تضحيات خاضتها البشرية، حرب ما زالت مستعرة بابشع صورها حتى يومنا هذا وتستمر حتما حتى تنتهي اسبابها هي حرب المادية ضد المثالية. ان اسبابها كما هي اسباب كل تطورات المجتمع البشري حسب الاقتصاد السياسي الماركسي تكمن في الاساس الاقتصادي للمجتمع وليس كيف تجري في النقاشات الفكرية في الادمغة البشرية. فان اكبر اسبابها هو وجود طبقات في المجتمع تقتضي مصالحها الاقتصادية استمرار وتاجيج الافكار الرجعية المثالية من اجل استمرار سيطرتها واستغلالها لطبقات اخرى من المجتمع. الصراع الطبقي هو السبب الاساسي لاستمرار الفلسفات المثالية رغم تطور الفلسفة المادية تطورا عظيما. وزوال هذه الاسباب شرط لبداية اختفاء الافكار الدينية المثالية. To me the idea is nothing else than the material world reflected in the human mind. قول ماركس هذا هو المادية بكامل معانيها. العالم المادي، المادة، الطبيعة، الكون، هو الحقيقة المطلقة الوحيدة. وما عدا ذلك هو ما يجري في دماغ الانسان، الفكر، النظريات، الاساطير، الديانات. والفكرة قد تكون حقيقة او لا حقيقة، وحتى الحقيقة لن تكون حقيقة مطلقة. كل ما عدا هذه الحقيقة المطلقة هو ما يجري في دماغ الانسان. وهذا نشأ فقط بعد تطور الدماغ البشري الى درجة قدرته على تكوين افكار عن الطبيعة، عن الكون. وهو ما نسميه الفكرة. والفكرة حسب عبارة ماركس ليست سوى انعكاس هذه الطبيعة، هذه الحقيقة المطلقة، في دماغ الانسان. فاسطورة طرد ادم وحواء من الجنة كانت تصور الانسان ان ادم بدأ يفكر. وليس لهذه الفكرة اي اثر من الحقيقة. وتاريخ تطور افكار الانسان منذ نشوئه على الكرة الارضية حتى اليوم تاريخ طويل طول وجود الانسان. وفي كل الاحوال كان تفكير الانسان انعكاسا للحقيقة المطلقة الوحيدة، الطبيعة، في دماغه. فكان هذا الانعكاس صحيحا تارة وغير صحيح احيانا اخرى. وحتى في الانعكاسات الصحيحة لم تكن افكار الانسان مطلقة بل كانت تتغير حسب تطور الانسان علميا واجتماعيا وتطور فهمه لنفس الحركات الطبيعية. وكانت اغلب افكار الانسان في البداية افكارا مثالية. فنشأت جميع انواع الديانات والعبادات وترسخت في الدماغ البشري بحيث اصبحت كانها حقائق وان الطبيعة ذاتها هي انعكاس هذه الافكار. وهذا ما نجده في مفهوم جميع الالاهات في الديانات المنتشرة في محيطنا التي نسميها الاديان السماوية واعتبار الله خالق الكون والمسيطر على حركاته كما يشاء. ويصح هذا على كافة الالاهات في مئات او الاف الديانات الاخرى في محيطنا وفي ارجاء العالم. الا ان تطور معرفة الانسان لبعض حقائق الطبيعة خلق المعرفة الحقيقية نسبيا عن الطبيعة. تحقق انعكاس الطبيعة والحركات الطبيعية في دماغه لتتحول الى علم وثروة علمية للبشرية. تطور العلم تطورا تدريجيا واخذ يحل محل الافكار المثالية شيئا فشيئا. وعلى هذا الاساس نشأت هذه الحرب التي كلفت الانسانية اعظم التضحيات وما زالت في ايامنا مستعرة بابشع صورها فيما تعانيه البشرية من ارهاب القاعدة وداعش والقوى البشرية التي ترى من مصالحها تشديد وتسعير اوارها وتكليف البشرية المزيد والمزيد من الخسائر والتضحيات وما يرافق ذلك من احتلالات واستغلالات وانتاج اكثر الاسلحة ابادة وصراع حول السيطرة على العالم الذي تعانيه البشرية في عصر الامبريالية الحالي. ان اعتبار المادية الديالكتيكية حركة طبيعية، حقيقة مطلقة، تجري في الطبيعة واعتبار مختلف الافكار في الدماغ البشري اشكالا من انعكاساتها فيه ينتمي الى المادية. واعتبار الديالكتيك او المادية الديالكتيكية فكرة او طريقة او اسلوب او فرضيات او خرافة او غير ذلك ينتمي شئنا ام ابينا الى المثالية. والبشرية ما زالت تنتظر وتناضل في سبيل تحقيق الضرورة التي اكتشفها كارل ماركس، تحويل المجتمع الراسمالي الى مجتمع شيوعي والانسان الراسمالي الى انسان شيوعي.
#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرب المادية ضد المثالية١-;-
-
مرة اخرى حول علمية الديالكتيك
-
جواب حول علمية الديلكتيك
-
مناقشة تعليق يعقوب ابراهامي الاخير٢-;-
-
مناقشة تعليق يعقوب ابراهامي الاخير١-;-
-
الماركسية هي ماركسية ماركس وانجلز
-
مفهوم الاشتراكية ومفهوم الاشتراكية العلمية والفرق بينهما
...
-
مفهوم الاشتراكية ومفهوم الاشتراكية العلمية والفرق بينهما
...
-
مفهوم الاشتراكية ومفهوم الاشتراكية العلمية والفرق بينهما2
-
يعقوب ابراهامي والرقم 1 الخيالي 2
-
يعقوب ابراهامي والرقم 1 الخيالي
-
يعقوب ابراهامي والرقم 1
-
لاشتراكية ومفهوم الاشتراكية العلمية والفرق بينهما1
-
علاقات الانتاج في المجتمع الشيوعي
-
الماركسية ليست عقيدة جامدة بل دليل للعمل
-
يعقوب ابراهامي وماركسية الفول والشعير3
-
الروبوت لا يخلق قيمة
-
يعقوب ابراهامي وماركسية الفول والشعير2
-
ملحق الزيرجاوي ووقت العمل الضروري
-
يعقوب ابراهامي وماركسية الفول والشعير1
المزيد.....
-
الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
-
ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات
...
-
إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار
...
-
قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
-
دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح
...
-
كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع
...
-
-كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة
...
-
مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل
...
-
القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت
...
-
الخارجية: روسيا لن تضع عراقيل أمام حذف -طالبان- من قائمة الت
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|