أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ابداح - ميلاد الشيطان















المزيد.....

ميلاد الشيطان


محمد ابداح

الحوار المتمدن-العدد: 4790 - 2015 / 4 / 28 - 22:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا تكاد أي عقيدة دينية مهما كان طبيعتها، تخلو من مفهوم خاص عن الشر الذي يمكن أن يصيب الإنسان سواء أثناء حياته أو ما بعد مماته، وقد برزهذا المفهوم وترسخ عبر التاريخ الطويل لمسيرة الإنسان، فكراً وإيماناً، وأصبح ضرورة لايمكن الإستغناء عنها ، وذلك لمحاولة فهم وجوده ومحاولة تفسير العديد من الأسئلة التي فرضتها الظواهر الطبيعية المحيطة به.
وسواء كانت فكرة الشر متجسدة للإنسان الأول على شكل أرواح ضارة ليس لها كيان أو إسم معين أو بشكل كائن محدد ومعروف فيما بعد ، فإن هذه الفكرة أصبحت جزءا لا يتجزأ من عملية الإيمان نفسها، على اعتبار أن الشرهو النقيض المتعارض على الدوام مع الجانب الآخر من الإيمان وهو الخير الذي كان يفهم كمنافع شخصية ابتداءاً، ثم تحول الخير لمفهوم أخلاقي فيما بعد، وعلى هذا الأساس كان تقسيم الإنسان الأول للأرواح والأطياف إلى جيد وسيء تبعاً لنفعها أو ضررها ، لذا كان يحتاج إلى كاهن أوساحر ، ليفسّر له تلك الظواهر ، ولكي يروّض له قلقه وخوفه بالتعاويذ تارة، وبالدعوات والقرابين تارة أخرى، غير أن الفكر الإنساني توجه بحذرشديد نحو رجال الدين، الأكثر حكمة وقدرة على الإقناع ، والأكثر ورعاً وزهداً بالمال ، مقارنة بالسّحرة والمشعوذين ، والذين غالباً ما يطلبون الكثير من المال، نظير أعمالهم في مساعدة الناس للتخلص من مخاوفهم وأمراضهم ، وقد نجح بعض رجال الدين بتشخيص المرض، من خلال اختزال كل الصفات السيئة والخبيثة في شخصية واحدة تدعى الشيطان، والوارد ذكره بالتوراة (تآمرالشيطان ضد إسرائيل) ، وقد تبع ذلك ظهور العديد من التفسيرات الموضحة لشخصية الشيطان الشهيرة ، وقد انحصرت معظم التفسيرات النظرية عموماً بين من يدّعي بأنه ليس ثمة وجود لشخصية تدعى الشيطان، فالشيطان هو كل تلك الغرائز والعقد النفسية والرغبات المكبوتة عند فرويد ، وبين من يُسّلم بوجود الشيطان ويُقحمه في الحياة البشرية كقوة شريرة تحاول جاهدة الفتك بالإنسان.
أما من الناحية اللغوية فقد استنجد الباحثين بعلماء البلاغة والفلسفة والتفسير، فخلصوا إلى أن كلمة الشيطان أصيلة في اللغات العالمية، بإعتبار وجود العديد من المفردات التي يُشير مصدرها لمعاني محددة بعينها كالعدو والغدر والفتنة والمكر، أما كلمة إبليس فقد رأى البعض أن أصلها يوناني من كلمة (Diabolos) ديابلوس و تأتي بمعنى الإعتراض والوقيعة ، والبعض الآخر يرى أنها آتية من كلمة (الإبلاس) أي اليأس التام من رحمة الله و من العودة إلى الجنة ، ومنهم من قال إن أصل التسمية مأخوذ من (Devil) في اللغات السكسونية والتي تعني فعل الشر ، بينما أرجع الآخرون الكلمة إلى (مغستوفليس) وهي مأخوذة من اليونانية وتعني (كراهية النور) ، ومصدرها هو السحر البابلي الذي وصل إلى الغرب على أيدي يهود اليونان ، وهذه التسمية تمثل روحاً من أرواح النحس التي تتسلط على بعض الكواكب .
لقد أجمعت الأديان السماوية والوضعية على طبيعة الصفات التي تنسب لكيان الشر وإن كانت هذه الأديان تختلف في نظرتها لطبيعة القدرات التي يمتع بها هذا الكيان على فعل الشر كما سنرى لاحقاً ففي البداية لم يكن ثمة ما يدعى شيطان ، وإنما كان يُنظر للظواهر الطبيعية الضارة كالزلازل والبراكين والأعاصير بذات القدر الذي يُنظر فيه للسلوكيات البشرية الضارة، باعتبارها مجموعة من الأرواح الممتلكة لصفات معينة ، وتتعلق فقط بمدى الضرر أو المنفعة التي يمكن أن تلحق بالأنسان ، فكان يرمز لها بكائنات أو أشكال مادية كالتماثيل والأحجار والهياكل، وذلك في محاولة منه لإرضائها وتجنب ضررها، مثلما نرى ذلك واضحا في عبادات الأسلاف الوثنية .
أي إن الشر كان يعني بالنسبة له بمدى الضرر الذي يُصيبه أما إذا كان الضرر له يحقق فائدة له فلا بأس به إن أصاب غيره ، ولكن بعد أن إرتقت عقليته الدينية إلى مراتب أعلى من السابق أصبح يفهم الشر كمفهوم أخلاقي شامل أكثر من كونه مفهوما نفعياً فقط ، فأصبح يعرف أن الغرائز البشرية هي شر، سواء كانت هذه الصفات في مصلحته الشخصية أم لا ، وخصوصاً بعدما أوضحت الأديان السماوية بأن الشيطان قد يتلاعب بغرائز الإنسان ويقودها نحو ارتكاب المعاصي والضرر.
وبالنظر لأهمية الموضوع، فسنتناول مراحل ظهور مفهوم الشر في العالم، بدءاً من عصور ما قبل التاريخ مرورا بالحضارات الشرقية القديمة، ثم الفلسفة الاغريقية والقرون الوسطى وانتهاءاً بالوقت المعاصر، مع بيان موقف بعض فقهاء الأديان السماوية لمفهوم الشر.
الشيطان هو كائن خارق للعادة يعتبر تجسيدا للشر في كثير من الثقافات والأديان باختلاف المسميات وفي أحيان كثيرة عدوا ونقيضا للإله، فهو أسُّ الشر وكل ماينطوي تحته من أفعال وأفكار في حرب مقدسة أو كونية مع قوى الخير، ويعتبر أدق المصطلحات الفلسفية لوصف علاقة الشيطان بالإله هي الثنائية ، فالإله يمثل قوى الخير التي تقاتل لأجل نجاة الأرواح البشرية من شر الشيطان وأتباعه، فيما تختلف المسميّات من ثقافة لأخرى فهو إبليس في الإسلام وديفيل في المسيحية أما اليهودية فهو أحد أعضاء المحكمة الإلهية ليهوه ، ويعتبر ملاكا ساقطا في المسيحية ، وفي الإسلام هو من الجن يغوي البشر لإرتكاب الذنوب والمعاصي بحق الإله.
ويلعب الشيطان دورا محوريا في هذه الأديان الثلاث تحديدا فقد ارتبط اسمه بالكفر والهرطقة وكل ما يمكن اعتباره كذلك حسب المعتقد والدين، وتعد كلمة شيطان مشتقة من الكلمة العبرية (شطن) بمعنى مقاوم أو متهم ، وفي العربية لها نفس الجذور فكلمة شطن تعني تمرد ، وقيل أن الشيطان إما من شطَن (ابتعد عن الحق) وإما من شاط (احترق غضبا)، كما يطلق على الشيطان مسميّات أخرى كثيرة سواء من إنس أو جن( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ )، ويرتبط إسم الشيطان بكل ما هو ذي صفة ذميمة من إنسان أو جني، أو حيوان، كل ذميم ذما مطلقا، وإبليس اسم لشيطان واحد وكان اسمه عزازيل حتى معصيته لله .
وقد نسبت إلى إبليس صفات الخيلاء والكبر والعصيان والتمرد والكراهية والحسد والباطل والغواية والخبث والخداع وغيرها، وكانت معرفته وفق ما أشارت إليه الأديان السماوية ، هو تاريخ مولد الشيطان في الوجدان البشري، وفاتحة التمييز بين الخير والشر،بوصفهما مفهومين أخلاقيين أقامهما الفكر النظري للبشر ، مستنداً إلى الدين التوحيدي أو دين الإله الواحد.
وأصبح الواجب والجائز والمحظور، من أهم دعامات الحياة الاجتماعية، فقبل ظهور الديانات التوحيدية وتحول إبليس إلى رمز للشر في العالم، لم تكن أعمال البشر تقاس سوى بميزان النفع والضرر والأمن والخوف واللذة والألم كما تقدم الذكر، ولم يكن للأحكام الأخلاقية من مدلول في الكلام، ومن البديهي أنه لم يكن لها مدلول في الذهن والوجدان، وطبقاً للأديان السماوية، فقد كان مفهوم الشيطان ضرورياً لمعرفة الخير والشر والحق والباطل والحسن والقبيح، وفضلاً عن اسم الشيطان ، أخرجت الديانات الإبراهيمية مصطلح آخر يشير إلى أحد أعيان الجن المقربين من الله إلى أن داخله الغرور فلُعن وطرد من السماء، فطرده الله من رحمته ولعنه إلى يوم القيامة .
يرتبط طرد الشيطان في الإسلام بزمرة الجن بخلق آدم وأمر الله الملائكة بالسجود له بينما كان هو من الجن وليس من الملائكة، فعصى أمر ربه فكان من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم أي بمعنى يوم القيامة، وعند اليهود والمسيحيين انه اراد ان يكون مثل الله (كيف سقطت من السماء يا نجم الصبح المنير؟ كيف طرحت إلى الأرض يا قاهر الأمم؟ قلت في قلبك، أصعد إلى السماء، أرفع عرشي فوق كواكب الله، أجلس على جبل الآلهة في أقصى الشمال، أصعد فوق أعالي السحاب وأصير مثل العليّ ، لكنك انحدرت إلى عالم الأموات إلى أعماق الحفرة) .
وهو في الزردشتية والأيزيدية والمندائية وغيرهما من الأديان الوثنية، هو ذلك الكائن الذي يفسد في الوجود ويبث الظلام، بينما الله هو الذي يبث النور الذي سينتصر في النهاية ويعلو أمره، وقد أنكر بعض العلمانيين فكرة الشيطان وعدها أسطورة اخترعها الإنسان ليميز بين الخير والشر، بينما عده الماديين اللادينيين رمزاً للثورة على الضيم والقهر والظلم والتحرر من سلطان الله.
لقد حاول الإنسان ومنذ عصورما قبل التاريخ، اكتشاف العالم المحيط به وتفسير ظواهره، وقد شكلت القوى الموجودة بالطبيعة كالنار والحيوانات والزلازل والعواصف والشمس والبرق وغيرها ، أسباب قلق وخوف دائم للإنسان ، لان هذه القوى كانت تشكل الخطر الاكبر على حياته، ونتيجة لذلك حاول الانسان مغازلة قوى الطبيعة كالشمس والقمر والنار والجبال وغيرها، فعَبدَها وقدم لها القرابين الثمينة والأرواح البشرية .



#محمد_ابداح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التديّن .. هذا العالم الجميل !
- عيون القلب
- القيم الأخلاقية
- القيم الدينية
- التطرف الفطري
- للحرّ خيارات
- أسرع من نكاح أم خارجة
- تغذية الشر
- الخضوع الفكري
- أدركتُ النجوم
- موسوعة القيم الإنسانية ج1
- ياليت قومي يعلمون
- فؤادي
- أحزاني الجميلة
- عينيكِ
- حاضرة إذا غبتِ
- وعد بلفور
- الحوار القاتل
- ابتسمي كما شئت !
- مواساة القلوب


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد ابداح - ميلاد الشيطان