|
تعاقد سوري جديد: تخلص مترابط من الأسديين والسلفيين
ياسين الحاج صالح
الحوار المتمدن-العدد: 4790 - 2015 / 4 / 28 - 17:18
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
بدأت الثورة السورية بمواجهة تحد كبير واحد: إسقاط النظام، وتدشين صفحة جديدة من تاريخ البلد. وبعد أكثر من أربع سنوات على الثورة، لم يعد هذا كافيا لا من وجهة نظر وطنية سورية، ولا من وجهة نظر الفاعلين الإقلميين والدوليين، ولا من وجهة نظر أي مفهوم للعدالة والصالح العام. لدينا من جهة داعش ومجموعات سلفية تصدر عن تصور بالغ الضيق لسورية، بل عن تصور لاغ لسورية كيانا ودولة ومجتمعا، وينبذ قطاعات واسعة من سكانها إلى الهامش، هذا حين لا يعدهم بغير الموت، ولدينا من جهة ثانية إيران وميلشيا حزب الله ومجموعات شيعية أجنبية، تحركها انفعالات معادية لعموم السوريين، وفي سجلها جرائم ومذابح موصوفة. يحتم الوضع الحالي الربط بين هذه القضايا، بحيث يكون إسقاط النظام، ولا يزال مثلما كان حاجة أخلاقية فوق كونه مطلبا سياسيا، عنصرا أساسيا في سياق يفضي إلى إسقاط داعش والمشروع السلفي في سورية، بصيغة القاعدة أو بأية صيغة أخرى. لماذا لا بد من إسقاط هذا المشروع؟ لأنه يحطم سورية بلدا ومجتمعا، ويشكل قاعدة لمشروع سلطة مطلقة دون بعد إنساني، وبؤرة كراهية وعنف، لا في البلد المحطم وحده بل وفي الإقليم. ليس هناك ما هو عادل أو تحرري في هذا المشروع الذي يتقابل مع نظام طائفي تمييزي قاتل، لكنه طائفي وقاتل وتمييزي بدوره. هذا فوق ان المجموعات العاملة في خدمة هذا المشروع متنافسة متصارعة فيما بينها، وليس لدى أي منها ولو بذرة تصور لمجتمع ينتج حياته المادية ويتفاعل مع بيئته الطبيعية والدولية بصورة تعود بالنفع على عموم سكانه. النظام ليس حليفا بحال في مواجهة هذا المشروع/ المشاريع، لماذا؟ لأنه قوة إجرام وكراهية، دون أي بعد وطني وعام في تكوينه وسلوكه، ولأنه نظام سلالي قائم على التمييز والعنف جوهريا، لا تتماهى به قطاعات كبيرة جدا من السوريين. وكذلك لأنه في حقيقة الأمر محتاج إلى المجموعات السلفية والجهادية كي يكتسب شرعية خارجية تعوضه عن شرعية داخلية يعلم جيدا أنه يفتقر إليها. هذا فضلا عن أن النظام غير قادر في الواقع على مواجهة المجموعات السلفية الجهادية بفعل افتقاره إلى قضية عادلة تقنع حتى الموالين له، وهو رغم احتكاره سلاح الطيران والسلاح الكيماوي والصواريخ بعيدة المدى، لم يستطع مواجهة مجموعات "الجيش الحر" الأضعف تسليحا بما لا يقاس. وهو غير قادر، تاليا، على مواجهة مجموعات سلفية منظمة بصورة أفضل وتحوز موارد ذاتية، وتتلق موارد من شبكات سلفية خليجية ودولية. لا يستطع النظام المشاركة في إقامة تحالف سوري واسع لمواجهة هذه المجموعات القاتلة لأنه هو ذاته مجموعة قاتلة إجرامية. وهو على كل حال لم يفكر بذلك يوما. وبفعل تكوينه وجرائمه طول ما يقارب خمسين شهرا، لم يعد النظام قادرا على الاستمرار دون احتلال أجنبي، أي دون تحويل السلطة الفعلية والقرار لجهات أعلى منه، مركزها طهران. هذا الوضع يزكي خطة تصورية وعملية تربط بين التخلص من النظام ومواجهة داعش والمجموعات المقاربة لها في التكوين، ويحكم على كل تفكير أو تخطيط سياسي موجه نحو التخلص من إحدى القوتين الإجراميتين فقط بأن يكون جزئيا ومفضيا إلى نتائج سلبية. المنهج الأميركي الذي يفصل مواجهة داعش البغدادي عن مواجهة داعش الأسدية عقيم، ولن يأتي بثمرة إيجابية مهما طال أمده. ومنهج المعارضة السورية التقليدية، متمثلة بالائتلاف، عقيم بدوره لأنه يفصل بين الإسقاط الواجب للنظام، وبين التوجه إلى سورية جديدة، يمتنع أن تبنى دون مواجهة المشروعات السلفية. من شأن العمل على إسقاط النظام، بالمقابل، أن يكون قاعدة لتأهيل تحالف وطني سوري واسع في مواجهة داعش والمشروعات السلفية، تحالف مستحيل كل الاستحالة، سياسيا وأخلاقيا، إن لم يكن إسقاط النظام أساسه ومنطلقه. لا يجد كثيرون في أنفسهم وفي أوضاعهم دافعا لمواجهة داعش والنصرة بينما النظام المخابراتي الطائفي لا يزال قائما قاتلا. بالمقابل، من شأن مواجهة داعش والمجموعات المشابهة لها أن توسع التحالف السوري أكثر، وتشد إليه مجموعات تجد نفسه مشلولة أمام الاستقطاب الحالي أو حتى في مواقع أقرب إلى النظام، وتخشى أن اقتصار العمل على إسقاط النظام وحده يؤدي إلى فتح الباب لسيطرة داعش والنصرة وما شابه. فإذا كان للكلام على سورية جديدة، وعلى تعاقد سوري جديد، أي معنى تعين العمل من أجل تسوية تاريخية كبيرة، تقرن طي الصفحة الأسدية من تاريخ سورية، بضمان الحرية والمساواة للعلويين، ومواجهة المشرعات السلفية بالتخلص من النظام الأسدي، والتوجه نحو سورية جديدة استيعابية. لقد فرضت تطورات الواقع خلال أكثر من أربع سنوات هذا الربط الذي ينتظر أن يُدرك جيدا، وتبنى على أساسه خطط عملية، الآن وفي سنوات مقبلة. ولعل الحاجة ملحة اليوم لمبادرة سياسية كبيرة، تنال دعما دوليا أو يتشكل على أساسها ائتلاف إقليمي ودولي لمعالجة المسألة السورية. فقد بات واضحا، بعد ما يقترب من 3 سنوات على انهيار الإطار الوطني للصراع السوري، أننا تحولنا من الثورة السورية إلى المسألة السورية، وهذه أكثر تعقيدا من أن يكون لها حل بسيط، من نوع الحلول التي يزكيها النظام ذاته، والمجموعات السلفية ذاتها، والأميركيون، والائتلاف. وللأسف ليس هناك ضمانة بأن يحوز هذا الربط الأكثر اتساقا سياسيا وأخلاقيا من غيره على القوة السياسة والعسكرية اللازمة لإنفاذه. وهو ما ينذر بأن يتمادى الوضع المستعصي الحالي، ويتصلب، وتتحلل سورية إلى أمد يطول. لكن يمكن الآن وفي كل وقت العمل على بلورة هذا التصور على مستوى التفكير والثقافة، وبناء القوة الأخلاقية التي يمكن أن تتكون حولها أكثرية سورية جديدة، مع التقدم في بناء تصور استيعابي لسورية الجديدة في الأذهان كمدخل لا بد منه لبنائها في الأعيان.
#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صادق جلال العظم: مراحل وأدوار في عمل مثقف من دمشق
-
السجن والكتاب: تجربة من سورية
-
سير لسورية المنسية: تحرير الذاكرة من السجون
-
قبر للمرء جميعه: تبدلات موت السوريين وتغيرات حياتهم
-
مقدمات التحول السلطاني في سورية
-
في نقد عبدالله العروي ”المثقف العربي“ برنامجاً لتحقيق الحداث
...
-
في الأصول البنيوية لانقسامات المعارضة السورية
-
في مواجهة ثلاث عقائد تمييز، أين ثقافة التحرر؟
-
أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/6- سميرة، رزان، وائل،
...
-
السلطان الحديث: المنابع السياسية والاجتماعية للطائفية في سور
...
-
الإسلام، سورية، والعالم/ حوار
-
أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/ 5- المصادرة: صورة طب
...
-
الرقة: من ثالوث استعمار إلى ثالوث مستعمرين
-
نهاية الترقي العام وصعود الإسلاميين
-
عن التفاؤل والتشاؤم، وعن -الشعب الطيب- ومسؤوليته
-
ربعة وأربعون عاما وأربعة وأربعون شهرا/ 4- فلسطنة السوريين وح
...
-
خطاب العقل وظهور تيار العقليين
-
السلفية الجهادية كظاهرة مسرحية
-
أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما 3- مقاومة إسلامية، مق
...
-
الحق في الدين بوصفه أساساً للحرية الدينية
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|