أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - تمثّلات الحداثة: 2 المثقفون والمجتمع والدولة، ومظاهر الاغتراب















المزيد.....

تمثّلات الحداثة: 2 المثقفون والمجتمع والدولة، ومظاهر الاغتراب


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4790 - 2015 / 4 / 28 - 16:07
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


مِثل دول ما سُمّي بالعالم الثالث، تلك الخارجة لتوِّها من تحت سطوة المرحلة الكولونيالية، والتي لم يُكتمل بناء مؤسساتها السياسية والاقتصادية، ولم تنجز بعد استقلالها السياسي والاقتصادي تماماً، كان العراق يعاني من حالة تخلّف مركّب شملت صُعد الحياة كافة.. كانت أغلبية السكان تنتمي إلى الريف، حيث الأمية والفقر المدقع والاستغلال في ظل علاقات إنتاج شبه إقطاعية. فيما كانت طبقة ثرية ضئيلة العدد، في الأرياف والمدن، تنعم بالسلطة والرفاه. وبين هؤلاء وأولئك كانت طبقة جديدة تنشأ، في المدن الكبيرة بخاصة، أطلقت أدبيات الحركات السياسية ومعاجم علم الاجتماع عليها اصطلاح ( الطبقة الوسطى ). ومعظم المحسوبين على هذه الطبقة هم من المتعلمين والموظفين الحكوميين والضباط والتكنوقراط والمشتغلين في مجالات الإعلام والثقافة، فضلاً عن الصناعيين والتجار الذين بدأت أحوالهم المعيشية بالازدهار نتيجة نشوء صناعة وطنية محدودة والتوسع الحاصل في السوق المحلية وارتباطها بالسوق العالمي، لاسيما بعد اكتشاف النفط، وارتفاع مستويات الدخل القومي والدخل الفردي. ومع هذا الحراك الاجتماعي بزغت قيم مغايرة لما عهده المجتمع العراقي سابقاً، وبرزت اتجاهات إيديولوجية وسياسية وفنية بتأثير عمليات المثاقفة مع الغرب. ومن تلك الطبقة الوسطى خرجت تلك الشريحة التي بتنا نطلق عليها تسمية ( المثقفين ) وهم من يؤدون وظيفة فكرية في المجال العام، وبطبيعة الحال فإن المبدعين في حقول الفنون والآداب، إلى جانب الأكاديميين الناشطين هم من هؤلاء المثقفين.
اصطف معظم مثقفي العراق تحت خيمة اليسار.. كانت للماركسية والشيوعية، يومها بريقها، وكانت لثورة أكتوبر وظهور الاتحاد السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية كقوة عظمى، وانتشار حركات التحرر في المستعمرات، مصادر إلهام وطاقة دافعة للمثقفين. لكن هذه الشريحة سعت إلى التمايز، بثوب الطليعية، عن فئات المجتمع وطبقاته الأخرى. وليست هذه الأخيرة هي التي خلعت على المثقفين تلك الصفة، بل هم الذين اجترحوها اصطلاحاً ذا رنين سياسي، وخلعوها على أنفسهم، طالبين من الآخرين الاعتراف لهم بدورهم الطليعي ومكانته.. ومفهوم الطليعية بحسب فاطمة المحسن في كتابها ( تمثلات الحداثة في ثقافة العراق ): "يكمن في نوع من الوعي بقيمة الذات المتفوقة وتفردها وترفعها عن المحيط الذي ليس بمقدوره سوى تقديم فروض الإعجاب والانبهار بها"ص70. وهنا، ستبرز أولى مفارقات الحداثة في الثقافة العراقية، وتتوافر العلّة الأولى لاغتراب المثقف. لكن الاغتراب سيتخذ بعداً أكثر تعقيداً، حينما يتداخل الثقافي مع السياسي، ويسوِّغ المثقف طليعيته، عبر دور سياسي، قبل أن يبدأ المشروع الحداثي عينه الذي بشّر به المثقف بالتلكؤ.. تقول المحسن: "نشأت مفاهيم الطليعية ضمن توترات طموح الأنتلجنسيا العراقية نحو تحقق فردانية تضمن تمايزهم، مع توق إلى تحمل مسؤولياتهم في التعبير عن الهموم الاجتماعية، بل دفعت نسبة كبيرة من المثقفين الحداثيين إلى الانضواء تحت لواء الأحزاب والحركات الراديكالية المعادية للنظام الملكي رغم أن مشروع الحداثة السياسية والاجتماعية تشكّل تحت مظلة هذا النظام الذي وسمه اليسار بسمة ( الإقطاعي )"ص61، 62.
تفرق المحسن بين نمطين من المثقفين الذين برزوا في عقود القرن العشرين، وتحديداً مع تأصيل التوجه الحداثي في الاربعينيات والخمسينيات، وما بعدهما.. الأول هو المثقف الداندي، المتصنع والمتشاوف الذي يحمل نظرة غير واقعية عن الحياة العراقية بحسب توصيف المؤلفة.. "فهو نتاج الحداثة في الحياة والسلوك، فالوعي بالحداثة كحالة معاشة تفرض إحساساً بالتفوق والانفصال عن الآخرين وتمييز النفس بمظهر يلفت الأنظار ويشيع بين الناس قدراً من الدهشة والعجب"ص123. وتأخذ المحسن مثالا لهذا النمط في شخص الشاعر حسين مردان، مفسِّرة سلوكه بأنه "نتاج هذا الاكتئاب الذي يولِّده وعي يتفوق على ظرف المثقف الشخصي، ولكنه يترك داخله شعوراً بافتقاد الأمان، بافتقاد مرتكز داخلي يساعده على العبور إلى ضفة اخرى تمتص قلقه"ص129. أما النمط الثاني في تصنيف المحسن فهو المثقف الثوري/ الحزبي. وهو "المثقف المنخرط في المشروع السياسي المعارض أو الثائر على الحكومة في عراق الخمسينيات"ص132. وهذه التسمية شاعت في أدبيات الحزب الشيوعي بخاصة. وقد عاش هذا المثقف هو الآخر صراعه بين هاجسه الإبداعي الفردي، وما يريده منه حزبه. "ولعل التوترات تحصل دائماً بسبب رحابة فكرة الثقافة وضيق هامش الحياة الحزبية التي تستلزم انضباطاً لا يمكن أن يمارسه مثقف يؤمن بحريته أو بتوسيع دائرة فكره"ص136. إذ ذاك أصبح للفكر الوجودي مريدوه، حتى من بين المثقفين الماركسيين، وغدا الفكر الماركسي عند بعضهم معجوناً بالفكر الوجودي الداعي إلى تأكيد الفردانية والحرية، والمسؤولية والالتزام، مثلما جاءت بها ترجمات كتب جان بول سارتر.
تشخِّص فاطمة المحسن شكلاً آخر للاغتراب يمكن ملاحظته عند أولئك الذين يقرأون بلغات أجنبية وقد نعموا بثقافة رفيعة، فتضطرب علاقتهم بنتاجهم ولغتهم وطرائق تعبيرهم وموضوعاتهم.. فالمثقف من هذا النمط يشعر بالتعالي على ثقافته ولغته. مستسلماً "إلى عجزه عن اللحاق بابتكارات الحداثة الغربية"ص93. فيترك الكتابة وممارسة الفن لوقت طويل، أو إلى الأبد.
من أولى مظاهر التناقض بين وعي المثقف وأيديولوجيته وبين انتمائه وفعله ما تضعه المحسن في خانة تذبذب البرجوازي الصغير.. تقول، وفي ذهنها المثقف اليساري: "ومع أن أكثر المثقفين قد شايعوا الفكر المساواتي، غير أن الازدواجية التي يستشعرها المثقف في حياته بين الانتماء إلى الجماهير والانفصال عنها، من بين أهم مظاهر ما سمي في الفكر الماركسي بتذبذب ( البرجوازي الصغير ) حيث شكّل هذا التذبذب خلاصة ما حفلت به طرائق التعبير الأدبي والفني في عراق الخمسينيات"ص116. ونعرف أن هذه الازدواجية، والانفصال، وهي تجليات لحالة اغتراب، تتعدى طرائق التعبير الأدبي والفني في عقد الخمسينيات من الزمن العراقي. وقد تكون اللغة ذاتها عامل تأكيد للاغتراب عند المثقف حين تغدو لغته غريبة على من يتوجه إليهم بخطابه.
الثقافة منطقة غرباء، لاسيما في المجتمعات غير المستقرة، التي لم تحقق تنمية اجتماعية ثقافية اقتصادية حقيقية، وناجحة، بفعل عقبات كثيرة.. هنا لا تكون غربة المثقف ترفاً، ولا حتى خياراً مطروحاً من بين خيارات واسعة، بل عَرَضاً ملازماً لحالة مأزومة، وملتبسة. فالاغتراب مسافة نفسية ووجدانية وعقلية.. مسافة وجودية مفروضة بشروط واقع تاريخي.. مسافة بين الكائن والكينونة، بين الكائن والزمان.. بين الكائن ومكانه.. بين الكائن والأشياء.. بين الكائن وغيره من الكائنات.. وباختصار؛ بين الكائن والعالم. واغتراب المثقف وعي وموقف، لذا هو قرين تساؤلات.. لا اغتراب من غير أسئلة.. الأسئلة تعمق الشعور بالاغتراب والوعي به، لاسيما تلك المرجأة منها، والمخفية، والمسكوت عنها.
شرع السياسي يبتلع الثقافي، وصارت الديماغوجية السياسية بديلة عن المشروع العقلاني للحداثة المجتمعية المتعددة الأبعاد. ومع بدء عصر الانقلابات العسكرية، وتسيد الخطاب الراديكالي الانفعالي، والخطاب الفاشي، تراجع دور المثقف الطليعي، ليس في العراق فقط وإنما في أماكن عديدة من المستعمرات السابقة، تحت سلطة الحكم الوطني، وعلى الرغم من أن المثقف ليس بريئاً بشكل مطلق مما جرى إلا أنه كان الضحية في النهاية لذلك الانعطاف التاريخي غير السار. "وحيث لم يكن المثقفون ممهدين لتلك الانقلابات أو الثورات، بتنظيرات أو مقاربات فكرية، رغم أن نصوصهم تشير إليها وترغب فيها، غدا دورهم ثانوياً أو بدا تابعاً لمن قاد الثورة والجماهير التي تدين له بالعرفان. أو هذا ما كان يرتئيه المثقف لنفسه، فزمن النخب الثقافية في العالم العربي انتهى بعد انبثاق ( الثورات )، وتقدّم صوت القادة والجموع المحتشدة لتأييدهم. وتغير مفهوم الثقافة من حيّز تشغله قلة في مجتمع أمي أو شبه أمي، إلى قاعدة عريضة تشارك الجماهير في صنع طقوسها وإشاراتها ومعانيها الجديدة"ص 158.
وأقصي المثقف أكثر عن الشارع بعدما توالت الانقلابات، وانحسرت إلى حد بعيد فرصة بناء نظام سياسي ديمقراطي ومجتمع حر.. وإذا كانت الحداثة قرينة بزوغ فكرة الفردانية، وحرية الفرد، فإن ما جرى لاحقاً كان شيئاً آخر تماماً.. تقول المحسن عن ثورة 14 تموز؛ "فالثورة بالتأكيد كانت تجهل نفسها. تجهل ثقافة بنت عليها فكرة الحرية، دون أن تكون هناك مقدمات لممارستها"ص167. وقد تنازل المثقف تحت وطأة المد الانفعالي الجماهيري العارم والصاعد عن نخبوية خطابه وإبداعه ليساوقهما مع ذلك المد. وبعدما كان المثقف قبل الثورة نقدياً ومعترضا في الميدان السياسي، كما ترى المحسن، أصبح ارتباطه "بالسلطة جزءاً من وظيفته الثقافية أو نوعاً من التعبير عن حيّزه الجديد في الحياة. إنه هنا ليس موظفاً يؤدي واجبه، كما في العهد الملكي، بل هو متطوع يعيش غبطة تلاحمه مع الشعب وسلطته الجديدة"ص161. ثم جاء الحكم الشمولي ليمعن في وأد فكرة الحرية وممارستها أكثر وأكثر، ويشوِّه الاتجاه الحداثي.
نعرف أن عمليات التحديث في العراق لم تجرِ بسلاسة، في ظروف مؤاتية، وعلى أرض ممهدة، بعدما واجهت مقاومة، بأشكال شتى، بعضها ضارٍ ومخرِّب. فالإرث المجتمعي المحافظ، المحروس بوساطة مؤسسات اجتماعية وسياسية ودينية راسخة تصدى لفكر الحداثة ورموزه ودعاته، في مناسبات عديدة، بلا هوادة. وكان أي خرق حداثي، وإن جاء على استحياء، يجد أمامه حيطان صدٍ عالية.
ما يُجذِّر اغتراب المثقف؛ أوهامه، أحلامه غير الواقعية، طوباويته.. إن السباحة في بركة الأمل الكثيفة مآلها الصدمة.. تنتهي لغة كثر من المثقفين في النهاية وقد نُقِّعت بالخيبة والسخرية والمرارة.. وأحياناً اليأس أيضاً.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في ( مراعي الصَبّار ) لفوزي كريم
- تمثّلات الحداثة: 1 النخب، وبناء الدولة العراقية الحديثة
- نساء بوكوفسكي
- سارتر في المرآة
- حتى نتجنب الكارثة ( 2 2 )
- الترنيمة الحزينة ( سابرجيون )
- حتى نتجنب الكارثة ( 1 2 )
- مثقف المدينة: بغداد السبعينات بين الشعر والمقاهي والحانات
- الانتصار على الإرهاب بالثقافة
- الكيان العراقي ليس افتراضاً تاريخياً قابلاً للدحض
- إنهم يقتلون الطبيعة: مقاربة في المحنة العراقية
- الصف الثالث، أكاذيب، طائر، ونصوص أخرى
- عن لغة السياسة في الخطاب السياسي العراقي
- أنْ نعيد الاعتبار للحياة
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 2 2 )
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 1 2 )
- المكان والهوية والاغتراب
- قصة قصيرة؛ مساء عاطل
- السردية التأسيسية للدولة وموقع المثقف
- أيمكن ممارسة الديمقراطية من غير مبدأ التسامح؟


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - تمثّلات الحداثة: 2 المثقفون والمجتمع والدولة، ومظاهر الاغتراب