|
لماذا أرادوا أن يکون العراق جزءا من الامة العربية..؟
محسن جوامير
الحوار المتمدن-العدد: 1331 - 2005 / 9 / 28 - 08:15
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
لا أحد ينکر حتی الغربيين بأن الشرق هو موطن الحضارات، وهو منبع الأديان والقيم السماوية التي غيرت فکر وتصور الإنسان واوصلته? إلی درجة الرشد الإنساني بالمقارنة مع ما کان عليه? الأجزاء الأخری من المعمورة من العقائد والتصورات التي أحدثت الخلل في البنية الفکرية والإجتماعية وأردتها في حمأة التأخرالشامل، و??لا يعني ذلک بالطبع شطب کل ما کان عند الآخرين من فکر وقيم.. و?هذا التصور ليس قولي فقط أو متأتيا من إنحيازي أو إنتمائي إلی الشرق فحسب، إنما هو رأي الغربيين أنفسهم ومدون في بطون أمهات کتبهم وأبحاثهم.. قراءتي للتصور أعلاه? وبلغتهم ولأول مرة في حياتي، تعود إلی منتصف الثمانينات، حينما کنت أدرس کتابا منهجيا باللغة السويدية عن تأريخ الأدب والفکر، بالإستعانة بقاموس .. ومازلت أذکر عبارة أنه? في الوقت الذي کانت أوروبا تعيش في ظلام دامس، کانت حضارة الشرق تشرق بنورها وفي أوجها.
وهذا لا يعني بطبيعة الحال أن تأريخ الشرق کان مثاليا، وإن کان ثمة دائما خطا وسطا مثل الأصل والوسطية دون إفراط أو تفريط..لأن النظر بمنظار القدسية إلی التأريخ، لا يترشح منه? إلا التعصب وبالتالي تتوقف عجلة التأريخ من مواصلة السير إلی أمام...
وإضفاء المديح والإطراء الذي تعودنا عليه? في الشرق بسخاء ومن دون النظرة النقدية للتأريخ والتي هي سمة الحضارة الغربية منذ أمد بعيد وقد غادرناها منذ أمد أبعد، قد يکون بداية أخری وخطيرة للتهافت الذي يکون ملازما للشعوب إن لم ندرکها بالبحث والدراسة والتحليل.. هذا في وقت کان الأولی أن نکون نحن من حاملي هذه? الرسالة النقدية، لأننا أصحاب رسالات تحمل في طياتها الميزان ليوزن به? الأشياء ويميز الخبيث من الطيب والصالح من الطالح.
بناء عليه? يمکن القول بأن المشکلة الأساسية التي واجهت الفکر الشرقي بمعطياته? الحضارية، کانت أزمة الخلط بين الفکرالأصيل من جهة وبين إفرازات التأريخ من جهة أخری وجعلها کأنها? جزء لا ينفصم عن ذات الفکر.. وبالتالی تولدت عنه? الکوارث التي تکاد لا تحصی..
کل قارئ للإسلام ومن خلال مصدريه? الرئيسيين القرآن والسنة وتطبيقاتهما في العصر الأول، يجد أنه? مختلف عما أضيف إليه? من تصورات بفعل الظروف والحوادث والرجال والصراعات علی العروش والبوکسات وامتشاق النبال والأمزجة فيما بعد ولحد الآن.. ويتراءی وکأن ثمة أشکالا من الإسلام، لا من حيث الفروع فحسب بل حتی من حيث الإصول التي کانت الصفة الأساسية والجامعة والخيط المشترک بين المسلمين.. برغم أن أصل الأصول مازال يانعا ومازال هناک من يتدبر في ينعه? ويقطف من ثمره? إذا أثمر..
أکاد أقول بأن إيماني الآن باسلام مسلمي الغرب الذي يؤخذ مباشرة من القرآن والسنة الصحيحة، أکثر من إيماني باسلام مسلمي الشرق الذي يمرعبرالفتاوی البدوية والسلطوية والتراکمات التأريخية وتراشقات سيوف القبائل والبطون العربية والأعجمية..
يکاد لا يختلف عليه? إثنان بأن السمة البارزة التي يتشکل منها الفکر الإسلامي الأصيل المستقی من القرآن والسنة الصحيحة لا الموضوعة، هي (العالمية) مع (الإعتراف بالخصوصية).. أي إنه? لکل الناس بمختلف شعوبهم وألوانهم ولغاتهم، لأن خالقهم وربهم واحد.. وهذه? الخاصية هي التي جعلت الشعوب بمختلف ألوانهم ولغاتهم وأطيافهم ومواطنهم تتوجه? إلی الإسلام بين فترة وأخری بالقبول وبرحابة صدر دون الخشية من زرع قنابل أو إطلاق متفجرات..وهنا أذکر قول أحد العلماء الغربيين الذي طلب منه? إختيار آية من القرآن أعجبته? بعد قراءته? له?، فقال : آية : ( لا إکراه? في الدين )..
ولکن حدوث الخروقات والاستثناءات ولأسباب متعددة، يجعل هذه? القاعدة في نقطة حرجة طبقا للظروف وبالتالي تظهر إشکالات علی السطح بحيث تؤثر سلبا علی تصور المقابل وتقبله، وليس کل الناس علماء? .. ويمکن ملاحظة ردة الفعل هذه? في الساحة الأوروبية إلی حد ما في الظرف الراهن مثلا، نتيجة ما يحدث الآن باسم الدين وما يلصق به? من أفکار فئوية، حيث أن ظاهرة الإنحسار والتردد واضحة إلی حد ما، وإن کانت وقتية..
وکمثال علی ما أوردته? والذي هو بيت القصيد عندي في هذه? المقالة، هو الفکر القومي العربي الذي روج له? بفعل ملابسات تأريخية، وأصبح بالتالي وکأنه? لحمة من الدين، وکل تجاوز عنه? هو تجاوز عن الفکر والإيمان وحرمان المنکر( بکسر الکاف ) والمعترض عليه? من الجنة وما فيها من نعيم مقيم ولباس من حرير.!
ولم يتوقف الأمر عند حدود التصورالعابر، إنما جيش له? جيش من الأقلام والمؤسسات وصدرت لتعميمه? الکتب والدراسات والأبحاث وتأسست من أجله? المؤسسات.. إلی أن بلغ الأمر مبلغا إنعکس ذلک علی الفکر السياسي لکثير من رجالات وأعلام السياسة.. ولعل موقف عمرو موسی وأشباهه? أمثال السادة فيصل القاسم وعبدالباري عطوان وآخرين من عروبة العراق وافرازاتهم الفکرية، خير مثال علی ذلک التوجه? بالرغم من عدم إلتزامهم بالخط الديني، ناهيکم عن عدم حماستهم أصلا لإتخاده? منهجا للحياة والحکم، وقد ينسحب هذا الانعدام حتی علی التزامهم الشخصي والسلوکي اليومي.
ولعل أصدق مثال علی إسقاط الفکر القومي العروبي في عمق الفکر الإسلامي، هو الکتاب الموسوم ب ( القبائل العراقية ) بجزأيه? لمؤلفه? يونس الشيخ إبراهيم السامرائي وقد صدر في1989 واطلعت عليه? في السويد... کل قارئ لهذا الکتاب سواء کان أصله? من جنوب أفريقيا أو من جزيرة آيسلاند أو من شيلي، يکاد يجد نفسه? عربيا طالما سکن العراق.. حتی العبد الفقير کاتب هذه? المقالة الذي لو حلف بأغلظ الأيمان بانه? عربي لما صدقه? أحد لسحنات وتقاسيم وجهه، وجد سلالته? في نهاية المطاف في أرومة العروبة بمجرد الإنتهاء من قراءة الکتاب.!
وقد يتساهل المؤلف ويکون أرحم معي قليلا ويحسبني من المستعربين لکوني سکنت في العمق بعيدا عن منطقة التماس في حمرين.. ولکن هيهات لکوکبة الکتاب الذين يستميتون الآن وبأقلامهم النيرة في الدفاع عن کرکوک خاصة والتي تعرضت إلی أبشع حملات التطهير والطرد للکورد الذين يشکلون الأغلبية فيها ، أمثال الأساتذة عوني الداودي وصفوت الجباري والدکتور جبار قادر ودانا جلال والدکتور توفيق آلتون?ي ونزار جاف وقيس قره?داغي وأحمد رجب وعبدالحکيم الداودي والسيدة فينوس فائق وآخرين کثر.. فان أصول جلهم ـ بعد قراءتي واستنتاجي من أطروحات المؤلف ـ تعود إما لقبائل عنزة أو سيدنا الإمام علي أو نزحوا من الحجاز إلی أطراف کرکوک أو.. بالعربي الفصيح: کلنا عرب وإن لم ننتمي.!
بموجب ما تقرر في الکتاب المذکور، فان کل القبائل والعشائر والبطون والشخصيات والعلماء والمناضلين من أجل الکورد وکوردستان، من زاخو إلی خانقين ومن آل بابان مرورا بآل طالبان ووصولا إلی آل بارزان، أصولهم عربية وإن أتوا بألف دليل وحجة لدحض الإدعاءات الفجة .. فهم إما من قحطان أو عدنان أو مضر أو ألبوعيسی وهلم جرا.. حتی إنه? وفي الصفحة (369) وعن نسب صلاح الدين الأيوبي يقول بالحرف الواحد : يرتقي إلی مضر بن نزار بن معد بن عدنان...
ليس من مهمتي بطبيعة الحال أن أدخل نفسي في مثل هذه? المتاهات والدور المظلمة المليئة بالآراء القاتمة والفتاوی البعيدة عن روح الإسلام بعد السماء عن الأرض.. ولکن إلقاء الکلام هکذا علی عواهنه? يقود القارئ إلی التساؤل عن مآل الکورد الآخرين الذين لا يشکل کورد جنوب کوردستان من نسيجهم إلا الجزء اليسير؟!..
لا ريب أن الجواب في متناول اليد وبسيط .. وهو کومة موبوءة من الدراسات الترکية العلمية الجاهزة التي تؤکد کون کورد شمال کوردستان من أتراک الجبل ( أي الوحوش ! ) ومثيلاتها من الدراسات الفارسية، ونظيراتها من الدراسات السورية التي تؤکد أن کوردها إما من العرب أو من المهاجرين إليها.!
أقول لو طبقت المادة 58 بحدافيرها علی ضوء کتاب ( القبائل العربية ) فان الوافدين العرب وصاحب الدارالکورد هم في النهاية من أصل ونسيج واحد، قد يکون أحدهما من( آل فليح ) والآخر من ( آل جباس ) والفاتحة وقتئذ علی روح کوردستانية کرکوک إلی يوم يحکم الله? بين الناس بالقسطاس.!
والصاعقة المهولة هي أن المؤلف يبدأ أول ما يبدأ بذکر آية : ( يا أيها الناس إنا خلقناکم من ذکر وأنثی وجعلناکم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أکرمکم عند الله? أتقاکم، إن الله? عليم خبير ) 13 سورة الحجرات.. وإذا به? في البداية إلی النهاية يحشر کل المعاني التي تحملها الآية التي هی بمثابة أول إعلان لإستقلالية الشعوب في المنظومة البشرية العامة، في الحبل السري لبطون الأمة العربية وقبائلها، لا غيرها.. وبذلک ينفي المقاصد الخصوصية فيها من أجل دافع سياسي أو تحقيق غرض کلفه? به? طرف ما.
أعتقد أن المشکلة ليست في مؤلف الکتاب السيد يونس السامرائي ولا في السادة عمرو موسی أو فيصل القاسم أوعبدالباري عطوان أو فهمي الهويدي أو محمد عمارة وأشياعهم.. بقدر کونها نابعة من البقع الفکرية والشعوبية العروبية التي ألصقت بالفکر الإسلامي الأصيل، وورثناها علی مدار التأريخ وحرفت بالتالی مساره? وهدفه? الحقيقي الذي جاء من أجل أن يبقی ثابتا يستضيئ به? الناس لا أن يتنفروا منه?.. وبالتالي لا يکون سببا ومسوغا يضطر الآخرين من غير العرب في المنطقة وکرد فعل وعلی قاعدة " مکره? أخوک لا بطل " إلی الإستعانة بما عند الغير من حلول بالرغم من أن لديهم من الأفکار والأصول والمبادئ والقيم ما يغنيهم عن السؤال والإستعارة ويصبح حالهم : کالعيس في الصحراء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمــول
أظن أن الکرة الان هي في ملعب العقلاء والمفکرين والمثقفين في الدولة الإتحادية المقبلة وکذلک المنصفين من دول المنطقة، الذين يميزون بين الأصول من التوجهات والطارئات من الأفکار التي باسم الدين تقول : العروبة أولا !.. لإلقاءها في مزبلة التأريخ والجغرافية.. لا بل وکل فکرة أخری تشم منها رائحة الشوفينيية والکبرياء والإستعلاء القومي والعنصري..
ومن ثم وضع ( وجعلناکم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) في مسارها الصحيح ?، وذلک باعادة جميع مکونات ( الآل )ات العربية الوافدة إلی کرکوک وأخواتها ظلما وإهانة إلی أماکن آباءهم وأجدادهم.. وعودة جميع مکونات(الآل)ات الکوردية المطرودة منها، إليها، وذلک قبل أن تدخل بثقلها وأهوالها ( الآلات ) المدمرة لا سمح الله? في الصراعات لحسم المشکلات وجلب المزيد من الويلات التي نأی الکورد بجانبهم عنها دائما وأبدا.
#محسن_جوامير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|