|
بين حجاب الفريضة وحجاب الجهل والجبر
ارنست وليم شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 4790 - 2015 / 4 / 28 - 07:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بين حجاب الفريضة وحجاب الجهل والجبر
دعوة الاستاذ شريف الشوباشي ، بعمل تظاهرة في ميدان التحرير تقوم فيها الفتيات اللاتي ” أُجبرن ” على التحجب أن يخلعن هذا الحجاب علنا ، أثارت الكثير من ردود الفعل المهمة والكاشفة.. وتعامل معها الجميع بتوتر وعصبية واحتداد فقد فيها الكثيرون توازنهم وكاد بعضهم يسقط على ظهره من هول الصدمة..
وبهدوء نقول حسب تصورنا للقضية برمتها بعيدا عن المزايدات: أنها دعوة لتقول فيها المرأة أنها إنسان حر عاقل ، والعقل عند الإنسان هو مناط التكليف، فلو افترضنا “جدلا” أن المرأة إنسان عاقل وحر راشد ، فهي مُكلفة بفعل أو عدم فعل الشيء – في عمومه – فيكون لها ثواب فعله لاختيارها الحر العاقل أو نقصان أجر أو حتى عقابا لأنها اختارت بحرية وفهم عدم إتيانه..
وعلى ذلك لو أردن حجابا عن قناعة والتزام فهذا حقهن ، وعلى العين والرأس.. ومَن أردنا غير ذلك فلهن الحق ، وهلك المتنطعين..
فليس للدولة ولا لذكور الأسرة ولا معلمين المدرسة ولا حتى رجال الدين قهر المرأة على الالتزام بمظهر من مظاهر التدين، هي وحدها مَن تحاسب عليه وقت الحساب ، وعن إيمان ونية خالصة بغير تخويف ولا وصاية أو انابة ولكن بالدليل والإقناع والنصح والرشاد…
بناء على هذه القاعدة التي أظن أن الكثيرين قد يتفق معنا عليها يتضح أن للقضية أوجه عدة.. وجه ديني فقهي ، وجه اجتماعي ثقافي ، وجه اخلاقي إنساني.. وأخيرا وجه إعلامي شعبوي مطبلاتي يشارك العوام جهلهم بتلذذ وأريحية غير مريحة ولا حسن للأنف ريحها..
** الوجه الديني الفقهي
ليس مجالانا لحساسية موقفنا في تناول قضية دينية ولو لم تكن عقيدة وإيمان وأصل وشرع بل ظن وفرع وفقه واجتهاد.. أو العكس على حسب تصور أصحابها من كل فريق..
فضيق الأفق العام جعل الرجل لا يحتمل الاختلاف مع أخاه في الفروع والتصورات وهو من ذات الملة أو النحلة أو الطائفة أو المذهب أو الكنيسة فكيف يقبل أو يحتمل رجل من غير القبيلة والعشيرة يهتم بأمر آثار الدين في المجتمعات ولو كانت رؤيته أكاديمية علمية مشروعة في العوالم المتحضرة التي استثنى الزمان منها شرقنا الملتهب بغير شرار، والمحترق بغير داعي، والمشتعل ذاتيا لأوهام تركب عقله فصار عقل معطل بلا وعي..
ولكن نكتفي فقط بتسجيل أن الذين لا يضعون الحجاب موضع الفريضة لهم منطقهم الوجيه ايضا، وأركان الإسلام خمس ليست منها الحجاب ولا اللحية ، والدين والإجبار لا ينسجمان “دونت مكست”… والله أعلم…
** الوجه الاجتماعي الثقافي
عاشت مصر نهضتها الحديثة ، زمان عزتها وقوتها وريادتها فكانت مضرب المثل وقبلة المتشوفين للبناء والتقدم والرقي كنموذج يحتذى به طوال 50 عاما منذ ثورة 19 حتى نكسة 67.. وهو العصر الذهبي للمرأة وربما لأنه العصر الذهبي للمرأة كان عصرا حضاري تقدميا على كافة المستويات.. فالمرأة ، ولا أخفيكم سرا ، تشكل نصف المجتمع عددا وطاقة وفكرا وقدرة على الانتاج والإبداع.. والله العظيم نصف المجتمع !! .. غريبة مش كده؟؟ .. فالتعليم كان تعليما ، والصحة صحة ، والفن فن ، والدين دين… صدق أو لا تصدق صديقي القارئ ما هو آت:
مصر في القرى ترتدي اللباس التقليدي المصري ، ولكل سن لباسه ولكل مناسبة زيها.. أي كنا طبيعيين.. وفي المدن حتى مدن الصعيد الفتيات المتعلمات أو أبناء الطبقة المتوسطة في ذي طبيعي متماشيا مع العصر.. فساتين عند الركبة أو فوقها أنصاف أكمام أو دون أكمام في الصيف.. ولم يكن هناك تحرش.. القاعدة أنه لا معاكسة للفتيات فهذه ليست من أخلاق الرجال يوم كان الرجال رجال… أما التحرش فغير وارد ذكره ولا صعد على قلب بشر لما كنا بشر..
الغريب أيضا أنه ومنذ قيام ثورة 19 السياسية الاجتماعية الثقافية الحقوقية.. برز دور النساء في جمعيات ومنظمات نسويه.. فقامت “هدى شعراوي” رائدة من رواد حق المرأة في الحياة وبناء المجتمع مع الرجل كتف بكتف، بقراءة الفاتحة ثم خلع البرقع عام 1921 ثم كامل غطاء الشعر وكان معها امينة سرها “سيزان نبراوي”.. وبرزت اسماء كاتبات رائعات “نبوية موسى” صاحبة كتاب “تاريخي بقلمي” ، ثم “تيسير ويصا” صاحبة كتاب “المثل الاعلى للأمة والدولة”…. وغيرهن
فكيف كان موقف رجال الدين والأزهر من مظاهرة خلع الحجاب ودعوات تحرير المرأة وتعليمها ومشاركتها بندية للرجل في كل مناحي الحياة؟؟
ربما خرج من اعترض وغضب وسخط وخلط بين العادة والعباد والواجب والعيب… إلى أخره ولكن يبدو أن رجال الدين في جُلهم كانوا غير ما نراه اليوم من عتاة لا يعرفون الفرق بين الرأي والأصل.. تحمر أنوفهم سريعا وتحمر عيونهم لأهون سبب وتخرج شرار واتهامات خبيثة من نوع نحن لا نكفرك ولكن قولك قول كفر.. مَن خلفك وما هو دينك ولماذا أنت حاقد على الإسلام ورجاله.. هل حسبتم الإسلام بلا رجال، حائط مائل أم مطية كل من أراد افتراءا تأمر على دين الله؟؟………. ويح ويح ثم ويح وليه كدا يا أخي ؟!!
فعلماء الدين ومشايخ الأزهر كانوا عقلاء نجباء نماذج مضيئة في الخلق والاعتدال.. فلم يكن غريبا أن نجد صور لزوجات وبنات كبار الشيوخ على صفحات الجرائد وفي المناسبات العامة بغير غطاء للرأس ولكنهن محتشمات في وقار واحترام مضرب المثل في العفة والالتزام..
ومن الصور التي صارت منتشرة على النت ويمكن مشاهدها بسهولة تلك التي لأكبر مشايخ مصر وعلمائها الدينيين:
الشيخ الباقورى وزوجتة وبناتة مع نور الشريف ونورا ونعم الباز الشيخ الباقورى وزوجتة وبناتة مع نور الشريف ونورا ونعم الباز
الشيخ أحمد حسن الباقوري مع زوجته وبناته في رمضان وعلى صفحات الجرائد وهن سافرات بلا غطاء على الشعر..ولمن لا يعرف الشيخ أحمد حسن الباقوري، فالشيخ الباقوري هو وزير الأوقاف عقب ثورة 52 ثم وزير الأوقاف في جمهورية العربية المتحدة (مصر/سوريا) 1959م.. ثم مدير جامعة الأزهر عام 1964 م وهو مؤسس جمعية الشبان المسلمين بمصر ، وصاحب دعوى التقريب بين المذاهب (شيعة/ سنة) بل دعى لطبع كتب الشيعة بمصر للتعرف عليها وإيجاد قاعدة مشتركة للتعارف فالحوار.. وكثير اللقاء بقساوسة الكنائس للتهنئة في الأعياد وتوطيد وشائج الود بغير حاجة لتقبيل اللحى لفض مجالس عرفية ……
الشيخ الذهبي وبرفقته د / سعاد صالح المعروفة اعلاميا واستاذة الفقه في حفل تخرجها وهي سافرة.. من غير عتاب ولا ندم..
الشيخ مصطفى اسماعيل مع زوجته وأبنته تعزف البيانو.. سافرات بشعور سوداء..
الشيخ عبد الرحمن تاج شيخ الجامع الأزهر من 1954-1958م مع زوجته وأبنته بحضور جمال عبد الناصر ، وهن غير محتجبات ولا محجبات..
بل أن هناك صور لأغلب قادة الإخوان المسلمين قبل أن يتخذون من الحجاب شعارا وراية سياسية وهيمنة وسلطة وتعبئة.. “حسن البنا” نفسه مع بناته.. وكانت أخته فوزية غير محجبة.. وبشهادة أخوه الصغير “جمال البنا” لم تكن في بيتهم وبينهم فتاة محجبة.. بل هناك صورة “لمحمد بديع” المرشد العام في شبابه وشقاوته برفقة زوجته وهي سافرة ، والعياذ بالله.. وكذلك أهل بيت “عبد الكريم منصور” في مذكراته المنشورة ، وكذلك آل “سعيد العشماوي” و”منير الدالة”… إلخ
ومن فضائحهم المشهورة للتوظيف السياسي لقضايا هامشية وجعلها باسم الدين محورية لغرض في نفس يعقوب ، أن حسن الهضيبي المرشد الثاني للإخوان المسلمين من 1949- 1973م ، عندما طلب عام 1953 من جمال عبد الناصر بإصدار قرار رئاسي بصفته ولي أمر المسلمين بفرض الحجاب على نساء مصر بقانون… قال له جمال: حسب علمي أن عندك أبنه في كلية الطب وهي غير محجبة.. فليحكم الرجل في بيته فهذه ليست قضية الدولة…
بل تقبل المجتمع وبلا غضاضة أبنه شيخ ازهري قارئ عالم مثل الشيخ محود خليل الحصري أن تشتغل بالفن والغناء ويزيع صيتها وصوتها في طوال البلاد العربية وغربها وهي الفنانة “السافرة” يسمين الخيام.. دون غضب والدها ولا استنكار المجتمع…
أنها أيام ما ثقافة ما قبل الحجاب وأعلامه الثلاث – عبد الحميد كشك والشيخ متولي الشعراوي والشيخ محمد الغزالي –
إذا وبعيدا عن الفقه والفرض وحرية الفرد وحلاله حلال وحرامه حرام نقول بمنطق قرأه الواقع أنه لو كان فرضا بالإجماع والإجمال وركن من اركان الإيمان ، ما فرط فيه هذا الجمع من أعلام العلم والدين والوقار..
قبل أن نعيش زمن التحرش بالفتيات جسديا في الطرقات ومعنويا ونفسيا بإطلاق شعارات تخرق العين وتهين الكرامة مثل: السفور هو طريق القبور.. ولحم رخيص.. والعفيفة متحجبة والفاجرة سافرة لا ترد على جنة.. والحجاب قبل الحساب.. وكما قالت قناة سمسم للأطفال: باب الحجاب قبل الحساب: ” يا حسرتي على المرأة المتبرجة.. ضالة غافلة.. تبيع الجنة بثمن بخس، وتشتري الجحيم بثمن غالي..” (قناة سمسم للأطفال – أي والله – بجد مش هزار ، ويا بخت مَن لموقعهم زار).. نكرر بمنطق الواقع وما أثبته التاريخ أنه لو كان كل ذلك صحيح لما فرط فيه كبار شيوخ الإسلام وكل مسلمين الشرق في طريقهم للحاق بقطار التحضر والازدهار وحقوق المرأة كجزء من حقوق الإنسان..
فلدعوة أ/ شريف الشوباشي أيا كانت نتائجها ، وأنا واثق من نتائج ثورية على المدى القريب لأنها حركت راكدا وأشعلت شمعة وشرارة في ثورة الجهل والقهر الواقع على المرأة.. فهي وفي كل الأحوال وعلى الأقل كشفت بغير كثير عناء ما وصلت له مجتمعاتنا في فهمها للدين بضيق وعصبية ومظهرية ونفاق.. وإدراكها المنعدم لمعنى الاختلاف والقدرة على التواصل رغم التباين في الرؤى، ووضع المرأة المزري المتردي في المجتمع، وكيف ينظر لها الرجل باستعلاء كشيء له مالك.. والأهم على الإطلاق كيف تنظر هي لنفسها على أنها يمكن اختصارها في قطعة لحم ذات شهوة ، فهي فتنة لرجل هو المكرم عند الله.. وهذا يرتبط بالمبحث الثالث من حيث الوجهة الأخلاقية الإنسانية.. والتي ستكون مع الوجهة الإعلامية الشعبوية موضوع مقالنا الثاني حتى لا نطيل..
حيث سنطرح الوجهتين الأخيرتين مع محاولة الإجابة على السؤال الآتي: لماذا قامت الدنيا ولم تقعد كردة فعل على هذه الدعوة .. وكيف حور وبدل الماجنون الغافلون المستهبلون أقوال وتصريحات ودعوة صاحب التظاهرة والتي شارك فيها إعلام “حلق حوش” الذي يتبع سياسة القطيع أنج سعد فقد هلك سعيد ، وأن قال “الهوى العام” أف لزيد، أرتعد عُبيد..
فهذا سيكون موضوع مقالنا القادم بأذن الله: “الشوباشي والأوباش”.. فإلى اللقاء…
#ارنست_وليم_شاكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تقرير عن دويلات داعش في المنيا .. (الصعيد فوق صفيح ساخن)
-
كذبة ابريل الموافقة 12 من جمادي الآخرة .. والآخرة خير وأبقى
...
-
سيسقط آل سعود في بضع سنيين مما تحسبون ..
-
-فرخنده- الشهيدة التي لن يضيع دمها قبل أن يثمر ثورة..
-
بين زيدان وإسلام .. سقطت ورقة التوت، وتكشفت العورات.
-
الغرب المضروب على القفا .. متى يفيق؟!!
-
مَن يريدها بردا وسلاما ، وادخلوها آمنين ... لا يلعب بالنار..
...
-
رائف بدوي .. المُمات كل يوم، كيف ننساه..؟ مملكة إبليس وصليب
...
-
حلمنتيشيات قرضاويه // عاش الرجل الذي قال : ومالو..!!
-
نعم القرضاوي مجرم حرب .. ونعم ، يجب أن يحاكم ولو كان في أرذل
...
-
هرطقات إيمانية // يكفي الإنسان أن يلقى ربه وهو نزيها، ولو كا
...
-
يا أماه : بيعي شرفك... وأشتري لي كفنا..
-
الكلمة المغموسة بالسم ذبحت، والسيف بريء..
-
لو ثقلت عليك رأسك، فأقلعا وألقها عنك .. ومت كريما..!!
-
الخروج من مستنقع -المتفنقهين-..
-
الأزهر والوسطية الداعشية .... حتى أنت يا -طيب-..!!
-
هرطقات إيمانية // تقيؤنا يرحمكم الله .. تقيؤنا تصحوا .. !!
-
هرطقات إيمانية // إما السعادة .. إما الموت !!
-
هرطقات إيمانية // مصر المولد والميلاد
-
على مَن وماذا، ولماذا نثور؟؟
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|