غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4788 - 2015 / 4 / 26 - 18:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
فرنسا اليوم تعيش من جديد حالة عتمة ورعب من الإرهاب الإسلامي, بعد اعتقال ــ صدفة ـ شاب جزائري عادي عمره 24 سنة يدرس المعلوماتية, اغتال امرأة ظن أنها تراقبه, وهي لا تعمل بمجالات الأمن. وهو كان يحضر عمليات تفجير كنيستين في باريس, وعمليات اقتحام واغتيال متفرقة. متلقيا تعليماته من شخص مقيم في سوريا.. حسب وسائل الإعلام التي تسارعت بإعطاء تفصيلات متعددة عن هذا الإرهابي الذي يلتزم الصمت, بعد اعتقاله. علما أنه هو الذي استنجد بالإسعاف والشرطة بعد أن أصيب بطلقة كلاشينكوف برجله ــ خطأ ــ داخل سيارته التي وجد الأمن بداخلها عديدا من الأسلحة وما يلزم للإرهابي العادي.
(وسائل الإعلام الفرنسية)
ومن مدة اسبوع تحضر الحكومة الفرنسية مشروع مراقبة مشددة, يخفف العديد من الحريات العادية التي تعود عليها الشعب الفرنسي من مئات السنين, يشدد الرقابة بعديد من المجالات اليومية. درءا لانتشار الإرهاب. مشروع يقابل بعديد من الاعتراضات من وسائل الإعلام والعديد من مختلف الاتجاهات السياسية الفرنسية.. لأن احترام الحريات العامة العادية اليومية, هو قاعدة الدستور الفرنسي, والقوانين القضائية. أمـر معروف تتسلل من خلاله بعض التنظيمات الإرهابية, ومحترفو استغلال ثغرات القوانين السارية المفعول.. والتي لا تطبق غالبا..
لذلك هناك من يربط بين اعتقال هذا الإرهابي الجزائري الولادة.. اسمه سيد أحمد غلام, بسرعة مذهلة مع جميع الثبوتيات التي تدينه, وما بين مشروع الرقابة الجديد الذي تريد حكومة مانويل فالسManuel Valls طرحه وتمريره وتصديقه في المجالس التشريعية الفرنسية, مترافقا مع نشاط إعلامي عن اعتقال هذا الإرهابي (الــغــر) بهذه السرعة.
حــقــيــقــة؟؟؟... أم صــدفــة؟؟؟......... تـــســـاؤل.
ولكن رغم التساؤلات المشروعة, والخوف على تراجع الحريات العامة, أكثر من الخوف من الإرهاب الإسلامي الذي بدت بعض من علاماته المنذرة خلال العشر سنوات الأخيرة بفرنسا.. مما لا شك فيه أن هناك نشاطات واسعة ظاهرة أو مستورة هنا لحاضنات " قاعدية " و" داعشية " نائمة. لا حاجة لها لاختيار المظاهر التكفيرية والسلفية التي تتكاثر يوما عن يوم بكافة المدن الأوروبية عامة وفي فرنسا خاصة. لأننا نعلم أن الإرهابيين الاختصاصيين المتدربين, يتخرجون من أفضل مدارس الإرهاب واقتناء آخر تقنيات الذوبان والاندماج بالمجتمع, واقتنائهم أرقى المظاهر اللباسية, لأنهم يتمتعون بمخصصات مالية مفتوحة بلا حدود.. تمولها دول عربية إسلامية معروفة, لها مداخلها ومخارجها القانونية بأوروبا, وسفاراتها وامتلاكها لأعلى الشركات الاقتصادية الهامة.. بالإضافة إلى نواد معروفة لكرة القدم... وما عليها سوى زيارة السجون الفرنسية وبعض الأحياء الزنانيرية في المدن الرئيسية والمتوسطة, حتى تطوع الآلاف من جنود الإرهاب الجاهزين, لأية عمليات مدفوعة أو غير مدفوعة.. فقط بوعود انتظار أو لقاء الحوريات في الجنة.. ولهذا السبب نرى اعتناق العديد من الشباب الأوروبيين العاطلين عن العمل.. أو العاطلين المبتعدين عن أي هدف حياتي.. وانجرافهم بهذه الهلوسات الدينية الجديدة التي تقودهم (للجهاد) على الأراضي السورية والعراقية... وغالبهم لا يعود... ومن يختارون العودة, يشكلون نواة هذه الغيوم القاتمة التي تقلق مؤسسات الأمن الفرنسية... وحــريــاتــهــا...
هـل تـتـذكـرون؟؟؟ هذا ما أنذرت بــه أصدقائي الفرنسيين منذ تركزت بهذا البلد من اليمين أو اليسار أو الوسط.. عن التطرف الإسلامي الذي يتسلل لهذا البلد مع الهجرات المتعددة.. واتهمت بأفكار وتحليلات عنصرية.. وكان جواب أحد المسؤولين لي بالحرف الواحد : " أن الجمهورية والديمقراطية والعلمانية الفرنسية.. تستطيع سنة بعد سنة.. هضم كل هذه الهجرات "... ولما التقيت به من سنوات قليلة متقاعدا هــرمــا.. اعترف لي بأن الجمهورية (الفرنسية) مصابة اليوم " بــعــســر هــضــم عسير مزمن "... وبهذه الأيام وبعد كل هذه الأحداث التي تجتاحها واحدة تلو الأخرى.. مفتعلة أو واقعية حقيقية, مع تكاثر مظاهر تحديات التعصب الإسلامي, وخاصة من مجموعات غالبها يحمل الجنسية الفرنسية وجواز السفر الفرنسي.. عسر الهضم هذا يتحول لصعوبة الحلول القانونية.. إلى مرض أمــعــاء ســـرطــانـي.. وغالب الحلول تنتهي صعبة التنفيذ... بدلائل أن قانون منع الحجاب أو النقاب أو البوركا الذي صدر منذ سنوات... لــم ينفذ.. بالعكس.. تتكاثر النساء المسلمات سنة عن سنة بارتداء هذا الزي (الكرنفالي) تحديا لكل قوانين وعادات البلد.. وتتظاهر بإدارة و بحماية بعض الرجال الملتحين, للدفاع عن حرية ارتدائه, في بلد الثورة الفرنسية, والتي دام الصراع فيها مئات السنين لتحقيق مساواة كاملة بين المرأة والرجل... وحيث ترفض بعض هذه النساء المسلمات مع رجالهن أن يسعفن طبيب (مذكر) حتى بأخطر الحالات الإسعافية... ويكفي التنزه بالشوارع في لندن أو باريس, حتى يلاحظ السائح العادي أنه بعيد عن أحلامه الأوروبية.. وفي الأحياء الزنانيرية من المدن الأوروبية, يعتقد أنه لم يغادر أية مدينة عربية أو إســـلامـيـة... وهنا تكمن جميع الحاضنات النائمة أو الناشطة التي تخشاها جميع المؤسسات الأمنية.. وحتى اليوم فشلت جميع محاولات و وسائل السيطرة على ما يجري فيها, من تجارة المخدرات والأسلحة, والنشاطات والممارسات المخالفة للقوانين المحلية, والتي تحاول هذه السلطات الأمنية اختراقها.. ولم تظهر نتائجها الخارقة المجدية.. ورغم تصريحات " الخبراء " على وسائل الإعلام, وتطميناتهم التي لم تــعــد تطمئن أحدا... لأن الغيوم تتكاثر.. والأجواء تتكهرب... مما يزيد القلق والغضب لدى المواطن الأوروبي العادي.. ويؤدي إلى اكتساب مزيد من الالتفاف حول الأحزاب اليمينية المتطرفة, بغالب دول الاتحاد الأوروبي.. وفي فــرنــســا.
*********
على الــهــامــش :
ــ آخــر خـــبـــر
وعن اجتماع رؤساء دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل.
باجتماع رؤساء دول الاتحاد الأوروبي يوم الخميس الماضي 23 نيسان 2015 في بروكسل, للاهتمام بمشكلة المهاجرين الهاربين غبر البحر المتوسط قادمين من بعض المرافئ الليبية, حيث تــعــم فوضى رهيبة بسبب غياب الدولة كليا وسيطرة العصابات والمافيات والإرهابيين.. قــرر هؤلاء الرؤساء على زيادة المخصصات المالية من ثلاثة ملايين أورو إلى تسعة ملايين أورو بالشهر.. تركيزا على محاربة المهربين والتشديد عليهم فقط... يعني أن هذا التهديد الكرتوني سوف يرفع قيمة التهريب... لأن اللاجئين الهاربين من مناطق الإرهاب والفقر والموت سواء في سوريا أو في أفريقيا.. لم تتغير مشكلاتهم. وإن اختفت مافيا, سوف تــحــل مافيات أخرى محلها تتاجر بأرواح البشر وترميهم في البحر.
المشكلة هو الفقر والرعب والموت والإرهاب والعصابات والحكومات الفاسدة في المناطق التي يهرب منها البشر... هاربين دوما من فقدان أبسط الآمال بحياة طبيعية عادية بهذه, حتى بأدنى المقاييس بهذه المناطق الي يهيمن فيها الإرهاب الإسلامي ــ غالبا ــ ويسيطر فيها رجال أو عصابات ومافيات لا قيمة فيها للإنسان...
ومن خلق بهذه المناطق كل هذه المشاكل التي عممت هيمنة الفقر والذل والفساد سواء في بلاد المشرق أو في أفريقيا.. غير نفس هذه الدول الأوروبية المجتمعة البارحة في بروكسل وشركاتها الرأسمالية المتعددة الجنسيات.. دون أن ننسى رأس الأفعى حكومات الولايات المتحدة الأمريكية المتتالية, منذ نهاية الحرب العالمية الثانية, حتى هذا اليوم.. بالإضافة إلى عملائها من الحكومات التركية, وخاصة الأردوغانية الأخيرة.. وأبناء عمنا العربان النفطيين, الذين كانوا دوما وأبدا منذ خلق مملكاتهم وأماراتهم ومشيخاتهم, أول البارعين بالاستزلام والخيانات والطعن بالظهر وتمويل الإرهاب...
كل هذه الاجتماعات والقرارات والخطابات, لن تــحــل مشكلة الهاربين من الموت, عبر البحر الأبيض المتوسط أو المعابر الأخرى... لأن المشكلة باقية من حيث يهربون... وطالما لا يوجد استقرار حقيقي وحياة طبيعية, بهذه الدول التي يغادرونها, آملين وجود بداية آمال بحياة أخرى لهم في أوروبا أو غيرها من البلاد... سوف تزدهر المافيات والعصابات.. ويستمر ازدهارها وتطورها مع القوانين والممنوعات.. وتزداد وتزدهر أغلى وأغلى قيمة بطاقة السفر.. إلى الموت.......
ــ ســـؤال لا يسأله أحد.
من المستفيد من كل هذه الحروب الطائفية الإثنية (ولا أجد أية تسمية أخرى) في العالم العربي والإسلامي, تارة ضد المسيحيين.. وغالبا بين السنة والشيعة.. بكل مكان. حتى بالأمكنة الراكدة النائمة التي يظن سكانها أنهم ما زالوا بعيدين عن كل خطر.. ولكن الخطر والفناء والتشتيت آت لهم عاحلا أم أجلا.. حتى الدول التي تعمل لخدمة هذا المخطط الأمريكي الكيسنجري السائر المفعول من ستينات القرن الماضي حتى اليوم, بإعادة الــعــرب بكاملهم, من حيث أتــوا.. عالم الجهل والجهالة والخرافات والتعصب والعادات المهترئة البالية... حتى تؤمن دولة إسرائيل ديمومتها وهيمنتها وسيطرتها الكلية على جميع المناطق التي تحيط بها أو تشكل أبسط الأخطار ضدها... وها هي تتعب الجيوش العربية بحروب وحروب هلاكية... خالقة حكومات فـانـتـوشـيـة, وتجمعات حربجية متجزئة فانتوشية تحمل أسماء مربوطة بالدين والله ورسوله, لا تنتج سوى الخراب وقتل بعضها البعض... وعندما لا تكفي ولا تنفذ عمليات الخراب, تستورد محاربين من كافة أنحاء البلاد, باسم الإسلام ونبيه.. مئات آلاف الشيشانيين مثلا, الذين اقتحموا وسيطروا على مدينتي إدلب وجسر الشغور السورية... بعد جمعهم وتدريبهم على الأراضي التركية المتاخمة من مدة سنة كاملة...
هل سيفهم ويستيقظ العرب الذين يقتلون عربا, باسم الخلافات الدينية من مئات السنين؟؟؟... هنا تكمن العقد الرئيسية التي تبقى بلا أي حــل... والصرخة الأبدية الحقيقية الضائعة بوادي الـــطـــرشـــان!!!....
بـــالانـــتـــظـــار...
للقارئات والقراء الأحبة الأكارم.. هــنــاك وهــنــا.. وبكل مكان في العالم.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي.. وأصدق تحية عاطرة مهذبة.
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟