|
ما الذي يجب أن نتعلمه من الأرمن؟
بولات جان
الحوار المتمدن-العدد: 4786 - 2015 / 4 / 24 - 17:03
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
بولات جان
بمناسبة الذكرى المئوية لمجازر الأرمن الذين قضوا على يد وحوش الاتحاد و الترقي و مرتزقته أستذكر أرواح الضحايا و أعبر عن تضامني الكامل مع الشعب الأرمني الصديق و تنديدي بالمجزرة التي استهدفت الأرمن و الكرد و السريان و البوماك و كافة القوميات الأصيلة في المنطقة. أنا شخصياً أحب الشعب الأرمني و أعتبرهم من أقرب المقربين للشعب الكردي و يشاركهم الأرض و الثقافة و العادات و العيش المشترك طيلة آلاف السنين. عشتُ بين الشعب الأرمني لسنوات عدة و تعرفتُ على ثقافتهم و لغتهم و حياتهم اليومية و تعلمت منهم الكثير الكثير. و دائماً أقول بأن هنالك الكثير من الأمور التي علينا كشعب كردي أن نتعلمها من الشعب الأرمني الجميل. فما الذي يمكننا أن نتعلم منهم؟ - الشعب الأرمني أختار كنيسته القومية الخاصة بهم. فالكنسية الأرمنية تخدم الهوية القومية للشعب الأرمني و لا تضحي بالمصلحة القومية و الوطنية الأرمنية لأجل الدين و الكنسية. المركز المقدس للأرمن هي مدينة أيجمازدين و هي المقر العام للبابا الأرمني و هو الأب الروحي لسائر الأرمن في العالم. و هذه المدينة إلى جانب كونها مقراً دينياً فهي مدرسة تخرج منها كبار الموسيقيين و العلماء و الكتُاب و الأدباء الأرمن. كما أن كافة النصوص الدينية باللغة الأرمنية و هنالك طابع معماري خاص في المنائس و المعابد الأرمنية تعبر عن الهوية الوطنية و القومية و الثقافية للأرمن. - الشعب الامني لم ينسوا المجازر التي جرت ضدهم إبان الحرب العالمية الاولى و التي بدأت في 24 نيسان باعتقال و نفي القادة و المثقفين الأرمن في اسطنبول و المدن العثمانية الأخرى و من ثم اتسعت رقعة قرار التهجير و ما رافقها من قتل و اغتصاب و سلب و إبادة بحقهم. فر الناجيين إلى القوقاز و الشام و لبنان و غربي كردستان و منها إلى أمريكا و أوروبا و تشتتوا في المعمورة. و رغم الشتات إلا أنهم لم ينسوا و لم يتناسوا ما جرى لهم طيلة قرن كامل و ظلوا يسعون و يستذكرون و يعملون في السر و العلن، في المحافل الدولية و خلف الكواليس لكي يجبروا الدول على الاعتراف بالمجازر و ينددوا بالدولة التركية كونها وريثة السلطنة العثمانية. لم يخف النشاط الأرمني ضد تركيا دبلوماسياً أبداً و لم يتكاسلوا يوماً. - في 24 نيسان من كل عام يتوحد الأرمن في كل مكان في العالم، و مئات الآلاف منهم يزورون أرمينيا للمشاركة في زيارة الصرح الرمزي لضحايا المجازر. الكل يترك خلافاتهم السياسية و الحزبية و الأيديولوجية و الطبقية و يتشاركون في المراسم الرسمية و الشعبية و في نفس المكان و التوقيت. - في ذكرى المجزرة يتوحد الإعلام الأرمني من قنوات التلفزة المحلية و الفضائية و الإذاعات و المطبوعات في استذكار الضحايا و التنديد بمرتكبي المجزرة و يزرعون روح النقمة لدى المجتمع ضد الجُناة. - هنالك العشرات من الأحزاب الأرمنية منها القومية و الشيوعية و الليبرالية و الاشتراكية و المتطرفة، و هنالك تباين في وجهات النظر و صراعات حادة في الانتخابات الرئاسية و البرلمانية. لكن كافة هذه الأحزاب و التيارات تتحد في رؤية موحدة في النقاط المصيرية مثل قضية قره باغ، الصراع ضد آذربيجان، العداوة لتركيا، كسب التعاطف الدولي و الاعتراف بالإبادة القومية، الاعتزاز بالتاريخ و الثقافة و اللغة الأرمنية. - الشعب الأرمني من أكثر الشعوب ارتباطاً بثقافتهم و لغتهم و فنونهم و موسيقاهم و أغانيهم. فهم يهتمون بملابسهم الفلكلورية و رقصاتهم الشعبية القديمة و نتاجات أدبائهم و الصناعات اليدوية. - الكنيسة الأرمنية وضعت حروفها الأبجدية القومية الخاصة و التي لا يستخدمها سوى الأرمن في كافة أنحاء العالم و كتب الكتاب المقدس بهذه الأبجدية الخاصة. - الأغلبية الساحقة من الأرمن يعظمون من شأن جبل آكري (آرارات) في شمالي كردستان و يعتبرونه رمزاً ثقافياً و قومياً و حضارياً لهم. فلا يخلو بيت أرمني من لوحة أو صورة من صور جبل آكري الكردستاني. - الأرمن الذين يعيشون في الشتات (دياسبورا) يدعمون دولتهم الصغيرة مادياً و معنوياً و سياسياً و يمولونها دائماً. كما أنهم و على الرغم من عيشهم منذ قرن في الشتات إلا أنهم يحافظون على لغتهم و عاداتهم و أسمائهم و ثقافتهم. يتعاونون فيما بينهم و يدافعون عن بعضهم البعض و يشكلون كتل ضاغطة في كل بلد يعيشون فيها. و لا ينصهرون في ثقافة البلدان و الدول التي هاجروا إليها. كما أن الأرمني يعطي الأولوية لتشغيل الأرمن في شركاتهم و معاملهم و أعمالهم المختلفة. و يتزاوجون فيما بينهم و نادراً ما يتزاوجون مع القوميات و الطوائف الأخرى. - الوجهاء و كبار الأرمن كانوا أذكياء جداً عندما وضعوا في القرن التاسع عشر لاحقة (يان) على كافة أسماء الكنية الأرمنية. فكل عائلة أو شخص يحمل كنية تنتهي باللاحقة (يان) فهو أرمني على الأغلب. و بذلك يحافظ الأرمن على أنسابهم و هويتهم و يتعارفوا أينما كانوا. - أغلبية الأرمن لم يتخلوا عن حلم "أرمينيا الكبرى". حيث يرسمون خرائط "لأرمينيا الكبرى" تضم 70% من كردستان، على الرغم من كون هذه المناطق هي كردية كردستانية خالصة حالياً. و البعض منها كان الأرمن قد عاشوا فيها ردحاً من الزمن أو أسسوا إمارة قبل العهد الميدي أو أثناء العهد الإسلامي أو الصليبي و من ثم نزحوا. - الأرمن لا يقدسون و لا يعظمون كثيراً من شأن الساسة و قادة الأحزاب و الرؤساء. بل يعطون الأهمية الكبرى لآباء الأدب و الفن و الموسيقا و العمارة. حيث يطلقون أسمائهم على الشوارع و الأحياء و المؤسسات و المدارس و المعاهد. و يحيون المهرجانات و الاحتفالات تخليداً لذكراهم. - دولة أرمينيا تعتبر محاصرة و مغلقة و فقيرة كثيراً من حيث الموارد و الثروات. يمكن القول بأن غربي كردستان أغنى بكثير و أكثر حظاً من دولة أرمينيا من حيث الموادر و الثروات و القدرات الانتجاية. و مع ذلك ترى الأرمن يتغنون ببلادهم و يشبهونها بالجنة و الفردوس. - و أخيراً علينا أن نعرف بأن الأرمني لا يقول عن نفسه بأنه أرمني و لا عن بلاده بأنه أرمينيا! بل يقول عن نفسه بأنه (هايكي) و عن بلاده بأسم (هايستان) و عن لغته (هايرين). و هذه التسمية مشتقة من كلمة (هايك) و هو اسم لجد الأرمن و مؤسس عرقهم و دولتهم الأولى في التاريخ. و هذا إن دلّ على شيء فهو يدل على الارتباط القوي لهذا الشعب بتاريخهم و اساطيرهم و قصصهم القديمة. بشكلٍ عام الشعب الأرمني من الشعوب الأصيلة و الذكية و الراقية و هم من أقرب الشعوب للشعب الكردي من عدة نواحي. و لكنه في الوقت نفسه شعب سيء الحظ كما الكرد تماماً و عانى كثيراً من الظلم و الاضطهاد و الغبن. ز من المهم جداً كشعب كردي أن نستخلص الدروس من تاريخنا و من تاريخ جيراننا و نتعلم منهم ما يجب تعلمه حتى لا نعيش في دائرة مفرغة من التكرار في الفشل و الخديعة و التبعية و الانصهار. علينا أن نتعلم منهم تقديس ثقافتنا و لعتنا و حضارتنا و نبذ خلافاتنا الصغيرة أمام القضايا المصيرية و عدم الثقة بالأعداء و عدم نسيان المجازر و الفرامانات والتنكيل و التهجير و التطهير العرقي الذي جرى و يجري لنا منذ مئات السنين. فإن كان قد تم إبادة مليون و نصف مليون أرمني خلال عدة سنوات، فإن عدد الكرد الذين تم إبادتهم أكثر بكثير و أضعاف مضاعفة من عدد الأرمن.
#بولات_جان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
19 تموز
-
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ العَانِسّ الّتي اِشْتَهرت
-
لنتعلم من الأعداء أن نتوحد
-
القوة العسكرية القوية كفيلة بطرد الغُزاة المحتلين من كردستان
-
كلما كانت المؤامرة كبيرة، ستكون المقاومة أكبر و أعظم
-
على سيرة الحدود و الخنادق و الذي منه 1
-
بولات جان: المجموعات المتطرفة تهاجمنا بدعم من نظام الأسد.
-
مباركٌ ميلادك
-
جزعة، يوم اندحار الإرهاب
-
إنهم ثوار قبل أن يكونوا مُقاتلين
-
راية وحدات حماية الشعب
-
نداء إلى كل ابناء و بنات كوباني و كردستان
-
ثورة روج آفا هي ثورة كوردستانية
-
سوف تنتصرين
-
شباط الألم
-
حول الإدارة الذاتية
-
صفات المناضل الثوري الديمقراطي
-
انحراف السلك التدريسي عن مساره
-
مختصر تاريخ حزب العمال الكردستاني
-
مقاومة اللغة الكردية
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|