بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 4786 - 2015 / 4 / 24 - 13:47
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
تصاعدت في الآونة الأخيرة ، ارتدادات حرب الإرهاب الدولي ، في الأوساط السياسية والإعلامية والثقافية بشكل لافت . وذلك مع تصاعد وتوسع هذه الحرب القذرة مؤخراً ، بالعدوان السعودي الهمجي على الشعب اليمني ، الفقير في معاشه ، وقدراته ، وسلاحه . وتتجلى هذه الارتدادات المتصاعدة ، في الإجابة على سؤال : ماهي مقدمات ما جرى ويجري في البلدان العربية .. من انهيار .. ودمار .. وضياع قيادات وقيم ,, وفشل تحقيق مشاريع ، سياسية ، وأيديولوجية ، احتلت مساحات في الوعي العربي سنوات تقارب المئة ؟ ..
وقد انقسم الذين تصدوا للإجابة على السؤال ، إلى أربعة أقسام .. قسم يرد ما جرى ويجري في البلدان العربية إلى " المؤامرة الخارجية " الطامعة بالأرض العربية وثرواتها . وقسم ثان يرده إلى الأنظمة العربية المزمنة ، في استبدادها ، ورجعيتها ، وتخلفها . وقسم ثالث يجمع بين الإجابتين السابقتين .. المؤامرة .. والاستبداد والرجعية والتخلف .. ، وعند مقاربة إجابة القسم الرابع ، نرى أنه لا ينكر أن هناك مؤامرة ، كما لا ينكر دور الاستبداد والرجعية والتخلف ، لكنه يركز على ما يعتبره أدهى وأمر ، وهو صراعات كافة المشاريع السياسية والأيديولوجية ، بين بعضها البعض ، حول بناء المجتمعات والدولة القطرية . وهناك على هامش الأقسام الأربعة ، إجابات انفعالية تنم عن اليأس وفقدان الرجاء بالواقع العربي .
بيد أن مختلف هذه الأوساط لم تقدم البديل المطابق وآلياته ، لتغيير وضعنا المذري . فهي لم تدخل بالعمق في مضامين وأهداف المؤامرة . ولم تكشف الأسباب والعوامل ، التي أدت إلى الاستبداد ، وإلى تجذر واستدامة الرجعية والتخلف . ولماذا كان الصراع بين المشاريع السياسية والأيديولوجية بهذه الاستدامة والشراسة . هل لأن هذه المشاريع لم تأت في وقتها المناسب ، بمعنى أنها جاءت متقدمة .. غريبة .. عن عصرنا . أم أنها جاءت متأخرة عن زماننا الراهن ، أم أنها مشاريع خيالية منفصلة عن متطلبات الواقع ، أم أن حملتها لم يكونوا مؤهلين ، من حيث القناعة ، ومن حيث الانتماء الموضوعي للقوى الاجتماعية الحاضنة لهذه المشاريع ؟ .. الأمر الذي يدل على تفاقم الأزمة في أوساط صناعة السياسة ، والقرار ، والفكر ، في وقت يتطلب منها ، أن تساعد على فهم ما يجري ، وطرح البدائل المناسبة .
* * *
المعطى التاريخي يشير إلى أن بداية أزمتنا الكبرى ، في البلدان التي تتعرض لعدوان الإرهاب الدولي ، تعود إلى مرحلة بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال ، التي تولت الحكم فيها قوى سياسية ، تعبر عن طبقات إقطاعية نافذة ، وبرجوازية ناشئة ، وفئات تجارية وحرفية عريقة . وقد حاولت هذه القوى ، إلى حد ما ، تقليد النمط الرأسمالي الغربي ، ضمن ظروف محكومة بالتبعية للبلدان الرأسمالية المهيمنة على العالم . بمعنى أنها لم تكن تملك اقتصاداً مستقلاً ، ولا تحمل مشروعاً سياسياً تنموياً ، وليس لها خلفية أيديولوجية تسترشد بها ، في بناء مجتمع متحرر من هيمنة النمط الغربي . وكانت السلطة " الحكومة " تدار حسب مصالح هذه القوى ، مع هامش سياسي وإعلامي لحركة الآخر ، يضيق ويتسع ، حسب مراعاة هذا الآخر لمصالها واستمرار حكمها .
وقد عرفت البلدان المذكورة ، في الحقبة الزمنية ، التي تقع بين الاستقلال ووقتنا الراهن ، ثلاث تيارات سياسية وأيديولوجية ، هي : التيار الإسلامي .. والتيار القومي .. والتيار الشيوعي " اليسار " وقد كانت هذه التيارات في حرب أيديولوجية عدائية متواصلة ، وحرب سياسية في معظم الأحيان ، وحرب دموية أحياناً . مبتعدة بذلك عن إيجاد صيغة تحالف .. ووحدة وطنية .. تحافظ على البلاد المحاطة بالمطامع والمخاطر الأجنبية ، لتوفر مجالات .. الحرية .. والبناء .. والإبداع . وتمترست خلف .. الدين .. والقومية .. والطبقية . متجاهلة القاسم الحضاري المشترك للمعتقد الإنساني .. والانتماء القومي .. والخيار الاجتماعي .
المحصلة الإجمالية للصراع المستديم بين التيارات الثلاث ، أنه أضعف بنية وقدرات الطبقة السياسية بعامة . تؤكد على ذلك حقيقة مآ آلت إليه هذه التيارات . فهي ، إما فشلت في الوصول إلى السلطة وفي تحقيق مشروعها ، وإما وصلت إلى السلطة لكنها فشلت في امتحان مصداقية مشروعها ،
ما ينبغي ذكره في هذا السياق ، أن القاسم المشترك بين التيارات الثلاث ، هو غياب الديمقراطية .. كمنهج ، وفكر ، ومضمون رئيس في برنامج سياسي متكامل .
موجز نتائج العداوات والصراعات بين التيارات المذكورة ، سواء بطبعة دينية ، أو قومية ، أو طبقية ، أنها أعاقت إلى حد كبير النهوض المتكامل في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية قطرياً ، وأنها كرست الحدود القطرية التي رسمتها الدول الاستعمارية حسب مصالها ، في القرنين التاسع عشر والعشرين الماضيين . ما أدى إلى استضعاف الوطن العربي ، من المحيط إلى الخليج " ، واستباحة أرضه ووجوده وثرواته ، وإلى إخضاع البلدان العربية المتفرقة ، والمتنافرة ، لانعكاسات صراعات وتموجات التوازنات الدولية السلبية . بين المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي . وكان من الطبيعي والمنطقي نتيجة لذلك ، أن يؤدي انهيار المعسكر الاشتراكي ، إلى الخلل والانهيار في العلاقات الدولية ، وفي بنى المجتمعات المختلفة . وكان انعكاس ذلك على الواقع العربي أكثر إيلاماً .
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن ، هو : ما معنى انهيار التوازن الدولي ، الذي حدث بعد عام 1991 ، وجعل للعالم خريطة واحدة وقطب رأسمالي سيد عليه ، وما معنى تأثيره على دولنا ومجتمعاتنا العربية القطرية الهشة ، وعلى عقولنا ، وتفكيرنا ، وعلى نسيج الأيديولوجيات ، التي اشتغلت في حياتنا ، على مدى قرن ، واعدة عبر صراعاتها ، بمشاريع ، إن صدق حملتها ، سوف تبني البلاد بشكل مغاير ؟ .
* * *
إ
إن الوقائع الجارية ، منذ أول القرن الحالي أجابت بوضوح على هذا السؤال . وذلك انطلاقاً من عملية تدمير برجي التجارة العالمية في نيويورك 2001 . واستخدام ذلك ذريعة للهجوم الأميركي على ما تبقى من بؤر ومصالح سياسية واقتصادية وأيديولوجية لها صلة بالمعسكر الاشتراكي المنهار ، ولتدمير أسوار الحدود الوطنية والقومية ، وفرض عالم رأسمالي تحت هيمنة أميركا المطلقة .
ثم كانت الحروب الأميركية والأطلسية والإسرائيلية ، بذرائع كاذبة . لقد جرى تفكيك الاتحاد اليوغسلافي ، وشنت أكثر من حرب على العراق ولبنان وغزة . ثم تحولت إلى حروب بالوكالة ، بواسطة منظومة الإرهاب الدولي ، ، التي توزع الأدوار فيما بينها ، التي تضم التنظيمات الإرهابية ، وأميركا ، وحلف الأطلسي ، وإسرائيل ، ودول الخليج العربية ، وتركيا ، و طالت حتى الآن : الصومال ، والسودان ، ومصر ، وليبيا ، ولبنان ، واليمن ، وسوريا ، والعراق وتونس .
ما مفاده من طرف آخر بإيجاز ، الإجهاز في البلدان المذكورة على التيارين القومي التحرري واليساري بشكل عام ومعهما كل الحركات الديمقراطية والعمالية والنقابية والإنسانية .. وكل دعاة الحرية والعدالة الاجتماعية . إذ أن كلا التيارين وما حولهما في حالة تعارض جذري مع مشروع الهيمنة الرأسمالية على العالم ، بقيادة أحادية قطبية أميركية . أما ما يتعلق بالتيار " الإسلامي ، فهو ينسجم تماماً مع المشروع الأميركي الغربي الإسرائيلي ، إن فيما يتعلق بنمط الاقتصاد الرأسمالي ، أو بعالم بلا حدود ، أو بحق إسرائيل بالوجود المتميز ، في منظومة شرق أوسطية واحدة .
ومنذ أن تجسد الإرهاب الدولي ، مضموناً وغاية " للربيع العربي " والتحاق التيار الإسلامي ، وبعض اليسار والمثقفين بركابه ، بات يصح القول ، أن ضرورات الواقع ، قد وضعت التيار اليساري بكل فئاته ، والتيار القومي التحرري ، في خندق واحد، محكوم بالتحالف والعمل المشترك . وشرط قوة ونجاعة هذا التحالف ، بعد تجربة الماضي المريرة ، وبعد دروس حرب الإرهاب الدولي المدمرة ، هو التزامه بالحرية وببرنامج وطني ديمقراطي متكامل . وهذ يتطلب ، إعادة النظر بالمضامين الأيديولوجية ، لحسم التعارضات غير الواقعية ، بين التحرر القومي ، والتحرر الاجتماعي . وبلورة فكر وثقافة جديدين ، تساعد على توفير مقومات النهوض ، وتعيد الحيوية للوعي العربي ، وتحصينه من طروحات تزيف التاريخ ، وتحرف استحقاقات الحاضر العربي ومستقبله .
لقد انطوت مرحلة تلك القوى السياسية وتياراتها وصراعاتها ، التي ظهرت في القرن العشرين وما بعده بقليل . وبدأت في العشرية الثانية من القرن الحالي ، مرحلة جديدة تتطلب قوى سياسية ، وتيارات، وتحالفات مختلفة . تواجه واقع انقسام العالم إلى قطبين متعارضين متناحرين ، هما :
1 - قطب القوى الإمبريالية بقيادة أميركا ، وأتباعه من الدول والقوى الرجعية ، وأدواته من أحزاب إسلامية وليبرالية ، وتنظيمات إرهابية ، يعمل على تدمير الكيانات الدولية ، والفكرية ، والقيمية ، القائمة ، للسيطرة على الجغرافيا والثروات العربية .
2 - قطب القوة القومية التحررية الديمقراطية ، واليسارية بمختلف فصائلها القديمة الجديدة ن والشرائح الثقافية ، والحركات العمالية والنقابية ، والشخصيات الدينية المستنيرة ، الملتزمة بالدفاع عن الوطن ، ضد الإرهاب الدولي والهيمنة الإمبريالية ، وإعادة بناء البلاد على أسس الحرية والديمقراطية والعدالة السياسية الاقتصادية والاجتماعية ، وعلى نهج مبدئي جاد من أجل بناء دولة قومية حضارية مزدهرة . تضاف إليها القوى الدولية والشعبية المقاومة للقطب الأميركي الغربي وأتباعه وأدواته .
إن توازن القوى بين هذين القطبين غامض . إلاّ أن حركة القطب الثاني .. القطب الدولي والشعبي المقاوم ، ومشروعيته ومصداقيته ، تستطيع أن تظهره ، وتجعله يميل لصالها .
وعلى ذلك ، فإن تصاعد وتوسع حرب الإرهاب الدولي ، وارتداداتها ، ينبغي أن تؤخذ بحجومها ، وأبعادها الحقيقية .. دون مبالغات ، أو انفعالات ، ودون ضياع السمت الرئيس .. من أجل النهوض الوطني والقومي ، من أجل التحرر والديمقراطية وبناء دولة متعددة الأقطار .. موحدة القدرات والإرادة .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟