|
قراءة في مسودة الدستور العراقي ومشروع الفدرالية 2/2
معقل زهور عدي
الحوار المتمدن-العدد: 1330 - 2005 / 9 / 27 - 10:28
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الفدرالية : ظهرت الفدرالية في سياق تاريخي محدد حين وجدت عدة دول أو أشباه دول مصلحة مشتركة في التجمع ضمن دولة واحدة ، هذا السياق التجميعي هو الحالة العامة ( هناك استثناء واحد في حالة بلجيكا التي تحولت من دولة مركزية الى فدرالية لأسباب خاصة ) وتنتشر الصيغة الفدرالية على نطاق واسع في العالم ( يقدر أن 40 بالمئة من دول العالم فدرالية ) وتعتبر التجربة الأمريكية تجربة نموذجية في مسألة الفدرالية وهناك الهند وسويسرا والمانيا ودول كثيرة . أظهرت التجربة الأمريكية أن نمو الصناعة وتوسعها يتطلب توسيع صلاحيات السلطة الفدرالية المركزية وتقلص سلطة الولايات ، الاتجاه العام في التجربة الأمريكية منذ اعلان الدستور قبل أكثر من 200 عام هو من الكونفدرالية الى الفدرالية الى فدرالية ممركزة مع نمو الهوية القومية الأمريكية . الفدرالية نظام سياسي يقوم فيه مستويان حكوميان بحكم نفس المنطقة الجغرافية ونفس السكان ، وأصل الكلمة قادم من الكلمة اللاتينية فيدير وتعني الثقة. الدولة الفدرالية دولة حقيقية واحدة تمتلك مقومات السيادة ( هناك مبدأ قديم يقول بعدم جواز تجزئة السيادة ) ، جيش واحد بقيادة واحدة ، سياسة خارجية واحدة ، تمثيل ديبلوماسي واحد ،علم واحد ، نشيد واحد ،عملة واحدة ، اقتصاد واحد ..الخ..، ماهو متروك للفيدراليات هي أمور لاتمس مفهوم السيادة في شيء مثل القضاء المدني ، التعليم ، الصحة ، البيئة ، أنظمة الضمان ..الخ . لايوجد في المفهوم الفيدرالي شيء اسمه تقاسم الثروة والسلطة بمعنى أن يكون رئيس الدولة من فدرالية ويكون رئيس الوزراء من فدرالية أخرى ، وأن تستحوذ فدرالية على ماتشاء من عائدات الثروة الوطنية أو الضرائب على حساب فيدراليات أخرى أو تحتفظ بجيش مستقل بقيادة مستقلة تحت أي مسمى ، كما لايوجد في الفدراليات مايسمح بانفصال الفدرالية وخروجها من الاتحاد ، وعلى النقيض من ذلك فالدستور الأمريكي مثلا يجعل من اقراره ميثاقا لنشوء مفهوم الشعب الأمريكي الواحد الموحد أرضا وشعبا . في الكونفدرالية هناك حق بالانسحاب لدى الدول متى شاءت مثل الاتحاد الأوربي والكومنولث البريطاني ، في البداية نشأت في أمريكا كونفدرالية أدت الى انسحاب 11 ولاية خلال سنتين من عام 1860-1861 واندلعت الحرب الأهلية . في الحالة العراقية من المهم دراسة السياق التاريخي والسياسي للطرح الفدرالي . فشل الدولة القطرية العربية في التأسيس لمفهوم المواطنة والذي لعب الاستبداد المزمن دورا هاما فيه أبقى على الانقسامات العمودية في المجتمع ، هكذا بقيت الدولة رابطا فوقيا وقسريا وثيق الصلة بالسلطة وعلى مسافة من النواة الاجتماعية رغم أنها تسببت في تعميق بعض الانقسامات باستخدامها لها كأداة للبقاء ، مع انهيار الدولة في العراق عادت للظهور الانقسامات القديمة ، خاصة تلك التي زادتها الدولة تأزما ،و في السياق التاريخي ذاته فان تفكيك المجتمعات الى كيانات أصغر فأصغر ناتج عن إضعاف العولمة للدولة القطرية العربية ، العراق ليس نموذجا فريدا ، فقط هو يمثل حالة قصوى لاستعمال القوة العسكرية حيث العولمة المعسكرة لم تعد تطيق الصبر لتحقيق أهدافها بالوسائل السياسية وبالتدريج . المستقبل سيحمل لنا إضعافا لا مفر منه للدولة القطرية العربية بتدخل عسكري وبدونه ، وبالتالي فالمجتمع سيتعرض بالتأكيد لانبعاث كل الروابط القديمة التي تخفيها سلطة الدولة وليست الطائفية سوى واحدة منها . الفدرالية العراقية لا تماثل في شيء الفدرالية الأمريكية أو الألمانية لأن السياقين مختلفان بالكلية ، في العراق لدينا دولة ذات سيادة يتم تدميرها أولا من قبل الاحتلال ، ومن ثم إعادة تشكيلها برعايته وتلك مسألة لا يجب أن تغيب عن البال . بالنسبة لكردستان العراق هناك مبرر قومي – ديمغرافي للفدرالية ، لكن المرء يتساءل ما هو مبرر الفدرالية في الجنوب؟ نعم هناك شعور لدى الشيعة بالتهميش التاريخي ، يجب الاعتراف بذلك ، لكن المسافة بعيدة بين ذلك الشعور الذي تماهى مع الشعور بالظلم السياسي نتيجة الحكم الاستبدادي السابق وبين طرح الفدرالية . ما يجدر ملاحظته هنا هو تلك الطبقة السياسية التي تتكون الآن في صفوف الشيعة والتي تسعى للسيطرة على الكيان الفدرالي المؤمل كمدخل لبناء ثروات أسطورية ( خاصة مع وجود النفط )، بهذا المعنى فالفدرالية لا تمثل خلاصا للشيعة بمقدار ما تمثل انقلابا اجتماعيا يتيح فرصة ذهبية لصعود فئة اجتماعية عن طريق إعادة تشكيل الدولة وبالتحالف مع القوة الأمريكية واستلامها لاحقا لمفاتيح السلطة والثروة وذلك هو الدافع الحقيقي ( الدينامو ) للطرح الفدرالي في الجنوب . من أجل ذلك وجد ذلك الطرح أعنف مقاومة ضمن تيار الصدر الذي يمثل أكثر شرائح العرب الشيعة فقرا ممن لا مصلحة لهم في تقسيم البلاد . تتقاطع إرادة تلك الطبقة السياسية الشيعية التي تحلم بتحولها إلى أرستقراطية بترودولارية مع خطة أمريكية لتفكيك العراق لإنهاء خطره الاستراتيجي ( خاصة على إسرائيل ) وكرد تكتيكي على المقاومة العراقية . تعمل قوة الاحتلال بكل ثقلها العسكري والسياسي والمالي على تمرير فكرة الفدرالية وتحاول الطبقة السياسية الشيعية المتحالفة معها إيجاد خطاب سياسي طائفي يجمع بين وعد الشيعة بأموال وخيرات النفط وبين الوعيد بأن ذهاب هذه الفرصة الذهبية قد يعني تعريض الطائفة الشيعية للعودة لحالة التهميش ، وربما لمخاطر أكبر على يد التيارات المسلحة التكفيرية . في الجانب الآخر يهدد طرح الفدرالية بحرمان مناطق الوسط التي لا تحتوي على النفط والتي يتشكل معظمها من البوادي من ثروة البلاد في الشمال والجنوب ، وذلك يفسر الحدة والإجماع في رفض مناطق الوسط لمشروع الفدرالية . يتحدث الدستور عن أن ثروة النفط ملك للشعب العراقي بكامله ، لكنه يشير في فقرة أخرى الى جواز تخصيص الأقاليم التي لقيت حرمانا في السابق بحصة خاصة ( غير محددة ) لمدة غير محددة أيضا ( ترك ذلك لقانون لاحق ) ( الفقرة 110 من الدستور ) من الواضح أن ذلك يفتح الطريق واسعا نحو استئثار الأقاليم التي تنتج النفط بالنسبة الكبرى من عائداته بدعوى أنها أقاليم متضررة ، ولا ندري هل كانت الأقاليم الأخرى مستفيدة بكاملها من النظام السابق ؟ وهل يجوز مسبقا التشريع في الدستور لاستثار اقليم بالنفط على حساب الآخر ؟ أم أن التخطيط للإنماء القومي المتوازن يفترض أن يتم عن طريق هيئات متخصصة مركزية وبصورة شاملة ومتوازنة . لايطرح الدستور نظاما فدراليا كالنظام الأمريكي ، والمسألة السابقة تمثل أحد الأمثلة لتفرد الفدرالية العراقية ، هذا التفرد الناجم عن سياقها السياسي والتاريخي الذي تعرضنا له سابقا . النظام الذي يقره الدستور لإدارة البلاد يضم محافظات غير منضوية ضمن أقاليم تتبع مباشرة للحكومة الاتحادية ويخلق ذلك علامة استفهام كبيرة حول هل هذا النظام فدرالي حقا ؟ محافظات بدون إقليم الى جانب الأقاليم ، ترى ماهو مبرر وجودها ؟ وماذا يعني ذلك في الواقع وفي أذهان المخططين لمستقبل العراق ؟ لايصعب على المرء الاستنتاج أن المحافظات المقصودة هي تلك التي تقع وسط العراق والتي سترفض الدستور العراقي ، وبالتالي سيتم إبقاؤها على نظامها الإداري كمحافظات وحكمها من قبل السلطة الاتحادية المركزية ويعني ذلك جعلها في مرتبة أدنى من الأقاليم من حيث استقلالية القرار . ورد في مقدمة الدستور ان ( الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعبا وأرضا وسيادة ). هكذا فليس الدستور إعلان لوحدة العراق وتكريس لهذه الوحدة ولكن الالتزام به هو الذي يحفظ وحدة العراق بمعنى أن الإخلال به من قبل أية فئة كانت يجعله عقدا مطعونا به وغير نافذ ويتيح للأطراف الأخرى البقاء ضمن الاتحاد أو الانفصال . تشكل هذه الفقرة بابا خلفيا لخروج طرف أو أكثر من الاتحاد بحجة خرق الدستور ، ويعيدنا ذلك للشكل الكونفدرالي للإتحاد الذي يجيز الانفصال للدول المنضوية تحت لوائه. تشير المظاهرات الحاشدة التي نظمها تيار مقتدى الصدر ضد الفدرالية والتقسيم الى وجود معارضة شعبية شيعية لفكرة الفدرالية ، لكن هذه المعارضة لايمكن ان تشق طريقها دون جهد واع من الأطراف والقوى الوطنية العراقية . ان الأعمال الإجرامية ضد المدنيين الموجهة طائفيا تدفع باتجاه تعميق الانقسامات والتمهيد للفدرالية ، وتضع الجماهير الشيعية العربية بين مطرقة الاحتلال الأمريكي وعملائه وسندان القوى الطائفية التكفيرية ، وعلى جميع القوى الوطنية العراقية والعربية العمل لفك الحصار حول تلك الجماهير وعزل التيارات الطائفية وبناء الجسور بين القوى الوطنية العراقية من مختلف الطوائف لمواجهة مخاطر المرحلة القادمة ، وإحباط مؤامرة تقسيم العراق ، وإنهاء هويته ، وتأبيد احتلاله وتبعيته ، وبيعه بأرخص الأثمان .
#معقل_زهور_عدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في مسودة الدستور العراقي ومشروع الفدرالية 1/2
-
أمريكا-هل مازال يباركها الرب؟
-
تجديد اليسار العربي-اليسار الديمقراطي اللبناني نموذجا 2/2
-
تجديد اليسار العربي- اليسار الديمقراطي اللبناني نموذجا 1/2
-
انكسار الحلم الصهيوني في غزة
-
مؤشرات لانكفاء القوة الأمريكية
-
تجديد اليسار العربي
-
الليبرالية ليست هي الحل
-
من ثقافة العنف الى ثقافة اللاعنف
-
في ضرورة تبلور خط اليسار داخل المعارضة السورية
-
بالأمل والمحبة والتصميم - منتدى الأتاسي سيبقى
-
جورج حاوي - الاستشهاد والشهادة
-
المعارضة السورية والمسألة الكردية
-
المعارضة السورية- التحديات والمخاطر
-
الديمقراطية -الطائفية والديمقراطية الوطنية
-
من واشنطن الى دمشق مع التحية
-
ماذا تعني مناهضة العولمة؟
-
المؤتمر القومي العربي رهان على الماضي أم المستقبل
-
سورية مابعد لبنان والخروج من النفق
-
العرب واميركا والعداوة العاقلة
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|