أحمد كامل ناصر
الحوار المتمدن-العدد: 4786 - 2015 / 4 / 24 - 12:12
المحور:
الادب والفن
منابع ثقافة الشاعر العربي "أدونيس"
أحمد كامل ناصر
ما هي المنابع التي استقى منها أدونيس ثقافته؟
كي نستطيع أن نفهم تصور أدونيس للتراث العربي، لا بد لنا من الوقوف بإيجاز على بعض المحطات "الزمكانية " الأساسية في حياته. ولسنا هنا بصدد الولوج في حياة أدونيس الشخصية بكل تفاصيلها وأحداثها، إذ أن نوعية هذه الدراسة لم تعن بذلك، وإنما هي نقطة انطلاق تقودنا إلى معرفة الروافد الأساسية التي شكلت وبلورت ثقافته الأدبية. ومن أهم هذه المحطات:
* المحطة الأولى: مرحلة الطفولة حتى سن الرابعة عشرة.
عاش علي أحمد سعيد طفولته في بيئة أدبية خصبة، كان القرآن الكريم أهم أركانها، وأبرز معالمها (أنظر بواردي، 2005، ص45). تلقى مبادئ دراسته الأولى على يد والده المزارع، ذي الثقافة الصوفية العالية، وهو شيخ علوي، شاعر، كان ينظم الشعر في موضوعات دينية وصوفية. حفظ أدونيس القرآن وقسطًا كبيرًا من أشعار المتنبي، والشريف الرضي، وأبي العلاء المعري، وأبي تمام، وغيرهم، فضلاً عن نهج البلاغة وأشعار المتصوفين العلويين. هكذا تآلف قلبه وفكره مع اللغة القرآنية ومع الشعر العربي القديم من جهة، ومع فلسفات الرواة من المتصوفين مثل الحلاج وابن عربي من جهة ثانية. وفي هذه المرحلة بالذات، بدأ اهتمام أدونيس جليًا واضحًا في الفكر الصوفي، وكشفه للتجربة الصوفية والاعتناء بجوانبها الجمالية والمعرفية. وقد كان مسعى أدونيس من تمجيد التجربة الصوفية هو تحريرها من الكبت القديم والجديد (أنظر أدونيس، 1993(1)، ص11؛ بلقاسم، 2000، ص99؛ حوراني، 1998، ص169).
يقول أدونيس في كتابه ها أنت أيها الوقت (1993) مشيرًا إلى هذا الموروث الثقافي والفكري الذي اكتسبه في طفولته: "الشعر العربي القديم أعرفه، وبه انجبلت طفولتي الأولى في القرية، وذلك بتوجيه أبي وسهره على تربيتي. كانت الحياة شعره الأول والأساس، أما شعره بالكلمات فكان عنده هامشيًا. غير أنه كان قارئًا محبًا للشعر، وبصيرًا في اللغة العربية وأسرارها. على يده قرأت، بشكل خاص، المتنبي وأبا تمام، والشريف الرضي والبحتري والمعري. إلى ذلك علمني القرآن وتجويده" (أدونيس، 1993(2)، ص26-27).
ولعل هذا الاعتراف الصريح، الذي يقر به أدونيس نفسه، يكفينا لنؤكد حقيقة تأثره في المرحلة المبكرة من طفولته، بثقافة والده التي أكسبته الموروثين: الديني والأدبي بدرجة متساوية.
* المحطة الثانية: وهي مرحلة خروجه من القرية وإكماله التعليم الثانوي.
في عام 1944 على وجه التحديد، قام شكري القوتلي أول رئيس للجمهورية السورية بعد جلاء جيوش الانتداب الفرنسي، بزيارة جبلة، إحدى المدن القريبة من قريته قصابين. فلما سمع " الصبي" علي أحمد سعيد بأمر هذه الزيارة، أخذته الحماسة، فنظم قصيدة ترحيب لاستقباله. إلا أن القائمين على تحضير حفلة الاستقبال رفضوا أن يلقي " الطفل" ما أعده، فانفجر الصبي بالبكاء. سأله أحد الحاضرين عن سبب بكائه، فأجابه برغبته بإلقاء قصيدته التي أعدها لهذه المناسبة. عندها صرخ الرجل طالبًا من الرئيس السماح للصبي بإلقاء قصيدته، فما كان من الرئيس إلا أن استجاب لرغبة الصبي وسمع القصيدة كاملة. أعجبت القصيدة الرئيس، دعاه وسأله عما يتمنى. فقال للرئيس: أريد أن أتعلم. وطلب أن يسمح له بإكمال تعليمه في المدارس الحكومية. فلبى القوتلي طلبه وأصدر قرارًا يقضي بأن يتعلم الطفل على نفقة الدولة (أنظر حوراني، 1998، ص170). ولعل هذه المناسبة كانت سببًا في تحول شبه أسطوري في حياة الشاعر. هكذا فتحت أمامه أبواب العلم، فانتقل من قريته إلى مدرسة " اللاييك " في طرطوس، حيث تلقى أصول اللغة الفرنسية. بقي فيها ثلاث سنوات، نال الشهادة الابتدائية، وتابع دراسته الثانوية في مدرسة " التجهيز" باللاذقية.
* المحطة الثالثة: وهي مرحلة انتسابه للحزب القومي الاجتماعي السوري.
وتعتبر هذه المحطة من أهم المراحل المؤثرة في حياته الأدبية والفكرية. وهي مرحلة انتسابه للحزب القومي الاجتماعي السوري الذي تزعمه أنطون سعادة عام 1948. فما أن انتهى أدونيس من مرحلة التعليم الثانوي حتى نضجت في عقله تعاليم أنطون سعادة وتعاليم الحزب، فأثرت على نتاجه الأدبي خاصة، في بداية تجربته الشعرية، تلك التجربة التي صبغت بطابع الحضارة السورية القديمة " الفينيقية " (أنظر زيدان، 1979، ص85). ويؤكد الناقد عاطف فضول حقيقة تأثر أدونيس بأيديولوجيا الحزب القومي الاجتماعي السوري، هذا الحزب الذي يعتقد أن الحضارة تعود بأصولها إلى الشرق الأدنى (راجع فضول، 2000، ص23).
ومن الجدير بالإشارة، أنه في هذه المحطة من العمر، غلب الاسم " أدونيس" على الشاعر علي أحمد سعيد حتى غطى على اسمه.
يقول الناقد المصري رجاء النقاش في هذا الموضوع: "جاءه هذا اللقب " أدونيس " من أنطون سعادة زعيم الحزب القومي الاجتماعي السوري، وذلك لنشاطه وانتسابه فكريًا وسياسيًا للحزب. وقد أراد بذلك إحياء الأساطير القديمة ليعيد الحياة إلى ماضي البلاد التي كان يعتقد أنها جزء من مشروع الدولة التي ينادي بها. وهي سوريا الكبرى أو الهلال والنجمة، العراق والشام الهلال، وقبرص النجمة (أنظر زيدان ،1979 ص74؛ النقاش، 1992، ص278).
أدونيس، اسم إله قديم من آلهة البابليين. وهو رمز من رموز الخير والجمال. أدونيس في الأسطورة هو ثمرة علاقة آثمة نشأت بين الملك القديم ثياس وابنته ميرها، وقد تحولت ميرها إلى شجرة عقابًا لها على خطيئتها. ومن جوف هذه الشجرة خرج أدونيس رمزًا للحياة الجديدة الخالية من الإثم والرذيلة (النقاش، 1992، ص446-447).
ويؤكد كمال أبو ديب أنه في هذه الحقبة من الزمن، إلى جانب تأثر أدونيس الواضح لتعاليم الحزب القومي الاجتماعي السوري، وتعلقه بمفاهيم أنطون سعادة الفلسفية، فقد تأثر بالحس الشعري الجديد المتمرد الذي طور على يد بعض الشعراء مثل جبران خليل جبران(1883-1931)، والياس أبي شبكة(1903-1947)، وسعيد عقل (1926-) (أنظر أبو ديب، 1998، ص189). ولعل ملاحظة باسيليوس بواردي تؤكد على مدى تأثر أدونيس بفكر الحزب القومي الاجتماعي السوري ذاكرًا أن نتاجه الأدبي في مرحلة انتمائه للحزب السوري " نتاج مسخر بأغلبيته في خدمة العقيدة السورية، وتمجيد شخص سعادة الأسطورية " (بواردي، 2005، ص44). أما رامز حوراني فيشير في كتابه النقد الأدبي ومنطلقاته الفكرية في فلسفة أنطون سعادة (1998)، أن تأثر أدونيس بنظرية سعادة عامة والأدبية خاصة، لم يبق تأثرًا نظريًا، بل تجسد حركة جديدة في نتاجه الأدبي. ويرى حوراني "أهمية هذه المرحلة هي أنها كانت المدخل لانتقال الأدب من التقليد إلى الابداع" (أنظر حوراني، 1998، ص175).
ربما كانت مناقشة أدونيس لمفهوم الأدب في منظور سعادة خير دليل على حقيقة هذا التقارب الفكري بين أدونيس نفسه وسعادة إذ يقول: "يرى أنطون سعادة أن الأدب لا يُحدث بنفسه ومن تلقائه تجديدًا، وإنما يمكن أن يحدث هذا التجديد إذا كان مرتبطًا بحركة تجديدية شاملة للمجتمع ذاته، بمستوياته كلها" (أدونيس، 1993(2)، 106).
ما يمكن استخلاصه من الاقتباسات السابقة، أن دعوة أنطون سعادة المتمثلة في تعاليم حزبه، كانت دعوة جديدة، فيها موقف واضح من الثقافة العربية، يستدعي أدبًا جديدًا ذا أبعاد فكرية ورؤيوية وتطلع نحو بناء الإنسان الجديد. ونعتقد في هذه الدراسة أن أدونيس تأثر بشكل واضح في هذه المحطة من العمر، بهذه الدعوة إلى درجة كبيرة جعلته يتبناها.
* المحطة الرابعة: مجلة شعر.
إن لمجلة شعر (1957- 1963) أثرًا كبيرًا في حياة أدونيس الأدبية، وتعتبر بداية مرحلة فكرية جديدة، خاصة في مجال التعامل مع ثقافة الغرب ومفكريه. الأمر الذي أدى إلى انعكاس هذه الرؤية الجديدة في نتاجه الأدبي. فوجد العديد من الشعراء الغربيين مكانًا لقصائدهم على صفحات مجلة شعر من أمثال: الكاتب والشاعر الفرنسي سان جون بيرس John Berse (1887-1975)، وكان أدونيس أول من خاض مغامرة الترجمة وأبدى بذلك قدرة إبداعية على تعريب النص الشعري الفرنسي لبيرس بصعوبته اللغوية والدلالية في ستينات القرن الفائت. والشاعر الفرنسي رونيه شار Char Rene (1907-1988)، الشاعر والمفكر الفرنسي هنري ميشوHenri Michaux (1899-1984)، الأديب المكسيكي الحاصل على جائزة نوبل في الأدب أكتافيو باز Octavio Paz ( 1914-1998)، كما ويبدو تأثره واضحًا بفلسفة الشاعر والناقد الإنجليزي الذي يعتبر من أبرز ممثلي الشعر الحر ت. س. اليوت T.S.Eliot (1888- 1965) (أنظر الموسوي، 2002، ص201)، وبفكر الفيلسوف الألماني نيتشه Nietzsche (1844-1900) الذي بشر بالإنسان الأعلى (أدونيس، 1971، ص45).
إلى جانب تأثر أدونيس بمجلة شعر أدبيًا وفكريًا، فإنه قد ساهم في إعلاء شأنها عالميًا. ويشير الدكتور باسيليوس حنا بواردي إلى مدى الإسهام الذي قدمه أدونيس في إصدار مجلة شعر، ومساهمته في دعم قضايا التحرر العربية دون التقوقع في إقليمية سورية انعزالية (أنظر بواردي، 2005، ص62).
أما خليل أبو جهجه فيرى أن مجلة شعر أوجدت تيارًا عربيًا احتضن الظاهرة الشعرية الجديدة، ومن ثم أفسحت لها في مجالات الإبداع والتنظير والنثر. فنشرت الدراسات التي تتناول الدواوين الشعرية، وقدمت الترجمات الشعرية للقصائد الأجنبية ومثلت إطارًا للتجارب الشعرية الجديدة وكانت بمثابة ميدان للشعراء الشبان في جميع الأقطار العربية (أنظر أبو جهجه، 1995، ص132-133).
ويؤكد أدونيس بأنه عند صدور العدد الأول من مجلة شعر، كان الذين هيأوا لهذه المجلة وشاركوا في التخطيط لها، وفي مقدمتهم يوسف الخال، يؤسسون بوعي كامل لمرحلة جديدة في الشعر العربي، ومفهومات وطرائق تعبير جديدة (أدونيس، 1993(2)، ص44). ويقر بأنه لم يعرف شعر السياب والبياتي وسعدي يوسف وبلندر الحيدري، إلا بدءًا من تأسيس مجلة شعر سنة 1957 (أنظر أدونيس، 1993(2)، ص101).
وجملة القول، أن مجلة شعر كانت تزخر بطائفة لا بأس بها من الشعراء والأدباء والمفكرين، وشكلت منبرًا يستقطب الإبداعات العربية والغربية. ومما لا شك فيه، أن هذا المزج الحضاري بين الثقافتين: الغربية والعربية، ساهم في بلورة فكر جديد يحترم الثقافة الأخرى ويتقبلها. ونعتقد في دراستنا هذه أن محطة مجلة شعر، كانت سببًا يدفع أدونيس لأن يقترب من ثقافة الغرب، يترجم من آدابها، وينهل من روافدها الحضارية ويعجب بها.
* المحطة الخامسة: النكسة وهزيمة العرب سنة 1967.
تأثر أدونيس بنكسة فلسطين وهزيمة الأمة العربية سنة 1967، مما أثار حفيظته، وأيقظ فيه الدوافع لإعادة النظر في التراث القديم، الذي اعتبره سببا في الهزيمة والتخلف الحضاري. "ولم تكن هزيمة حزيران إلا دويًا، أعمق انسحاقا ومأساوية في وادي السقوط، وكانت شهادة تدعم تصور الجميع عن الحياة العربية الراهنة"(أدونيس، 1972، ص124).
وتقول أسيمة درويش " بدأ المفكرون العرب يبحثون عن مخرج للأزمة المتفاقمة واتجه البحث وجهة مختلفة تتسم بالقسوة على الذات والتحري عن موقع الخلل الذي يحول دون التعامل الموضوعي مع الواقع، وهذا اقتضى مراجعة الموروثات ومعانيها برؤية جديدة. وأدونيس كان في مقدمة هذه الحركة منذ كتب بيان من أجل 5 حزيران " (درويش، 1992، ص10). وكان لواقع الهزيمة أثر تحويلي في نفوس النخبة المثقفة التي أثقلها الشعور بالقصور في العمل التحليلي الباعث للوعي الرافض، وتقتبس أسيمة درويش ملاحظة للدكتور رمضان بسطاويسي الذي يصف هذا الشعور الرافض بأنه نتيجة للإحساس بالذنب والخطيئة لمن يملكون الوعي تجاه الجماهير العربية التي لا تجد تنظيماتها السياسية الشرعية ولا تجد مفكريها يعبرون عنها (أنظر درويش، 1992، ص11).
ولعل هذه الدوافع ساهمت في إصدار مجلة مواقف عام 1968، وهي مجلة ثورية شعارها الحرية والإبداع وتعتبر منبرًا للكتاب والمفكرين والشعراء العرب التقدميين على اختلاف بلدانهم (زيدان، 1979، ص 85). وربما كان تعامل أدونيس مع الواقع الذي اقتضى إعادة النظر في الموروثات دافعًا آخر لكتابة أطروحة دكتوراه دولة في الجامعة اليسوعية في بيروت بعنوان " الثابت والمتحول في التراث الإسلامي" (1973). وفي هذا المؤلف، بدا تأثر أدونيس واضحًا بالفكر الماركسي، وقد أثار هذا العمل عاصفة هوجاء، واتهمه خصومه بأنه معاد للعروبة والإسلام بتعاليمه وبشخصياته.
وخلاصة ما تقدم يمكن القول، أن لهزيمة العالم العربي في سنة (1967) أو ما عرف باسم النكسة، وقعًا كبيرًا على نفوس المثقفين والمفكرين العرب، شعراء وأدباء ونقاد. وأدونيس واحد من هؤلاء الذين تأثروا بهذا الحدث التاريخي الذي أصاب الأمة بأسرها، وما لبثت النكسة أن بثت فيهم روحًا جديدة ترفض الاستسلام، وتبحث عن أسس بديلة للهزيمة.
* المحطة السادسة: باريس-فرنسا
بدأ تأثر أدونيس بالثقافة الغربية عامة والفرنسية خاصة منذ سنة 1960، ويعترف أدونيس بأنه كان من بين الذين أخذوا بثقافة الغرب، غير أنه كان بين الأوائل الذين ما لبثوا أن تجاوزوا ذلك، وقد تسلحوا بوعي ومفهومات تمكنهم من أن يعيدوا قراءة موروثهم بنظرة جديدة وأن يحققوا استقلالهم الذاتي. ولا ينكر أدونيس تأثره بالثقافة الفرنسية، بل حاول أن يفلسفها ويعطيها بعدًا حضاريًا وثقافيًا (أنظر أدونيس، 1985(2)، ص87؛ قاسم، 2000، ص36).
ولعل ملاحظة الناقد رامز حوراني في كتابه النقد الأدبي ومنطلقاته الفكرية في فلسفة أنطون سعادة، تستحق شيئًا من الوقوف، إذ يؤكد هذا التأثر الغربي على فكر أدونيس وثقافته الأدبية، حيث دعي في خريف 1960 من قبل البعثة الثقافية الفرنسية في لبنان، إلى تمضية سنة في باريس، أتاحت له التعرف على جوانب من الحضارة الغربية، عن طريق اتصاله بكبار الأدباء والشعراء والمفكرين الفرنسيين منهم: الشاعر والرسام هنري ميشو Henri Michaux (1899-1984(، والشاعر الفرنسي المعروف جاك بريفير (1900-1977) وغيرهم (راجع حوراني، 1998، ص172).
لا شك أن سفر أدونيس إلى باريس، عام 1985 واستقراره فيها، هو وزوجته الأديبة الناقدة خالدة سعيد، وابنتيهما أرواد ونينار. وحصوله على الجنسية الفرنسية ساهم في زيادة تأثره بالحضارة الغربية عامة والفرنسية على وجه الخصوص. فعرف نهج الخلق والإبداع الحضاري، وحرية الفكر والتعبير، وحرية النقد والدعوة إلى التغيير، دونما قوانين تقيد العقل، ودون سلاسل تمنع التقدم والحركة وتعكر صفو فكره الإنساني.
وتعتقد الكاتبة زهيدة درويش جبور، أن انفصال أدونيس الجسدي عن العالم العربي الذي غادره ليقيم في باريس منذ العام 1986، بسبب الحرب اللبنانية، لم تزده إلا التصاقًا به ووعيًا ثاقبا لمشاكله. فالمشهد من بعد، يبدو أكثر وضوحا لأن النظرة تصبح أكثر شمولية، بحيث يستطيع من المكان الآخر أن يقيم المقارنة، فيظهر له حجم المسافة التي تفصل بين عالمين، أحدهما قد تجاوز الحداثة إلى ما بعدها، بينما الآخر قابع في التقليد والنمطية والسلفية (انظر جبور، 2001، ص210-211). أما محمد بنيس فيرى أن اطّلاع أدونيس على الحداثة الفرنسية في فرنسا جعلته " بلا ريب مكتشف التنظيرات العربية للحداثة في الثقافة العربية من خلال أقوال المبرد وابن المعتز وابن جني وابن رشيق"(انظر بنيس، 1991، ص159).
ويسجل الحميري شهادة أدونيس حول تأثره بثقافة الغرب، هذه الشهادة التي يقول فيها أدونيس: "أحب أن أعترف بأنني كنت بين من أخذوا بثقافة الغرب، أحب إن اعترف أيضا إنني لم أتعرف على الحداثة العربية من داخل النظام الثقافي العربي، فقراءة بودلير Baudelaire (1821-1967) هي التي غيرت معرفتي بابي تمام وكشفت لي عن شعريته وحداثته" (الحميري، 1999، ص152).
جميع هذه الاقتباسات أعلاه، إن دلت على شيء، إنما تدل على مدى التأثر الحضاري الغربي بشكل عام، والفرنسي على وجه التحديد. وما رحيل أدونيس إلى فرنسا واستقراره فيها، إلا دليل آخر على التعلق والإعجاب بالفكر الفرنسي الذي يمنح حرية التفكير، وحرية التعبير وحرية الابداع.
وخلاصة القول:
حاولنا في هذا المقال أن نقف على بعض المحطات الزمانية-المكانية الأساسية التي أثرت على نوعية ثقافة أدونيس وانعكست على نتاجه الأدبي. ورأينا أن أدونيس تأثر إلى حد كبير بثقافة والده التي مزجت بين فلسفات الرواة من الصوفية كالحلاج وابن عربي، وشعراء كالمتنبي وأبي العلاء وأبي تمام والشريف الرضي. كما أشرنا إلى أنه أعجب بشكل بارز بفكر وفلسفة أنطون سعادة، وبتعاليم الحزب القومي الاجتماعي السوري، الأمر الذي جعله يصبو إلى خلق وإبداع عالم جديد مستخدمًا الرموز والأسطورة القديمة في نتاجه الأدبي. وقد لاحظنا مدى تأثره بالنكسة والهزيمة التي ربما كانت هاجسًا يدفعه إلى إعادة النظر في الموروثات التي يعتبرها سببًا في الهزيمة والتخلف. وفتحت مجلة شعر أمام أدونيس آفاق جديدة ساهمت في اتساع دائرة الخلق والإبداع الفكري من خلال اطلاعه على الآداب الأجنبية والعربية. كما حاولنا أن نقف على دور الثقافة الفرنسية وأثرها على إبداعاته الأدبية، تلك الثقافة التي تسمح للإنسان أن ينطلق دون معوقات وحواجز فكرية تقيد العقل وتشل التفكير، تلك الثقافة التي تثير الشك وتطرح التساؤلات وتسعى لإيجاد الأجوبة والحلول، دون مهادنة لأمور دينية أو قومية أو أدبية.
ثبت بالمراجع
تضم القائمة التالية المراجع التي راجعناها واعتمدنا عليها في إعداد هذه الدراسة. وقد اثبت اسم المؤلف مختصرًا، يليه تاريخ صدور المرجع، ثم الاسم الكامل. أما في المتن، فقد أشرنا إلى الاسم مختصرًا: المؤلف والتاريخ، يعقبه رقم الصفحة / الصفحات. وفي الثبت وضع تاريخ الطبعة الأولى بين قوسين بعد ذكر الطبعة المعتمدة.
ابن منظور د.ت-
ابن منظور، لسان العرب، المجلد الرابع( و_ي)، دار صادر، بيروت، د.ت، ص297.
أبو جهجه 1995-
خليل أبو جهجه، الحداثة الشعرية العربية بين الإبداع والتنظير والنقد، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1995.
أبو حاقة 1988-
أحمد أبو حاقة، البلاغة والتحليل الأدبي، دار العلم للملايين، بيروت، ط 1، 1988.
أبو خزام 1993-
أنور فؤاد أبي خزام، معجم المصطلحات الصوفية، مكتبة لبنان ناشرون، 1993.
أبو ديب، 1979-
كمال أبو ديب، جدلية الخفاء والتجلي، دراسة بنيوية في الشعر، دار العلم للملايين، بيروت، ط1، 1979.
أبو ديب 1998-
Kamal Abu-Deeb, in J.S.Meisami & P.Starky (Eds), Encyclopedia of Arabic Literature, (Routledge, 1998), 59.
أبو زيد 1980-
نصر أبو زيد، " الثابت والمتحول في رؤيا أدونيس "، فصول ( مجلة الأدب والنقد)، عدد1، مجلد1، 1980، ص241-249.
أدونيس 1971-
أدونيس، مقدمة للشعر العربي، دار العودة، بيروت، 1971.
أدونيس 1972-
أدونيس، زمن الشعر، دار العودة، بيروت، 1972.
أدونيس 1973-
أدونيس، الثابت والمتحول، بحث في الإتباع والإبداع عند العرب، الجزء الرابع، صدمة الحداثة وسلطة الموروث الشعري، دار الساقي، بيروت، 2002. (1973)
أدونيس 1985(1)-
أدونيس، سياسة الشعر، دراسات في الشعرية العربية، دار الآداب، بيروت، 1985.
أدونيس 1985 (2)-
أدونيس، الشعرية العربية، محاضرات ألقيت في الكوليج دوفرانس باريس أيار 1984، ط1، دار الآداب، بيروت، 1985.
أدونيس 1990-
Adonis: An introduction to Arab Poetics, translated from Arabic by Catherine
Cobham, Saqi Book, London, 1990.
أدونيس1993(1)-
أدونيس، الصوفية والسريالية، دار الساقي، بيروت، 1993.
أدونيس 1993(2)-
أدونيس، هذا أنت أيها الوقت، سيرة ثقافية (1)، دار الآداب، بيروت، 1993.
إسماعيل 1985-
عز الدين إسماعيل، " أيديولوجيا اللغة " فصول (مجلة الأدب والنقد)، المجلد الخامس، العدد الرابع، 1985، ص37-50.
إسماعيل 1972-
عز الدين إسماعيل، الشعر العربي المعاصر، قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية، دار العودة، بيروت، 1972.
أنيس (د، ت)-
إبراهيم أنيس، موسيقى الشعر، دار القلم للطباعة والنشر، بيروت، (د، ت).
ألن 1987-
Roger Allen, Modern Arabic Literature, The Ungar publishing Company,
New York, 1987.
ألن 1998-
Roger Allen, The Arabic Literary Heritage, Cambridge University Press,
1998.
ألن 2000-
Roger Allen, An Introduction to Arabic Literature, Cambridge University
Press, 2000.
بدوي 1975-
M. M. Badawi, A critical introduction to Modern Arabic Poetry, Cambridge
University Press, London, 1975.
بدوي 1993-
M.M. Badawi, A Short History of Modern Arabic Literature, Oxford
University Press, New York, 1993.
بلقاسم 2000-
خالد بلقاسم، أدونيس والخطاب الصوفي، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 2000.
بنيس 1991 –
محمد بنيس، الشعر العربي الحديث، بنياته وابدالاتها، ج4، (مساءلة الحداثة)، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء – المغرب، 1991.
بواردي 2005-
باسيليوس بواردي، " أدونيس والهوية المضمرة نحو نص شعري أيديولوجي"، زيتونة الجليل: أبحاث ومقالات مقدمة للأديب والشاعر الأستاذ حنا أبو حنا، مكتبة كل شيء، حيفا، 2005، ص43-67.
بومسهولي 1998-
عبد العزيز بومسهولي، الشعر والتأويل: قراءة في شعر أدونيس، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1998.
جبور 2001-
زهيدة درويش جبور، التاريخ والتجربة في الكتاب 1 لأدونيس، دار النهار، بيروت ط1، 2001.
الجراري 1977-
عباس الجراري، فنية التعبير في شعر ابن زيدون، مطبعة النجاح الجديدة، الدار
البيضاء، 1977.
جهاد 1991-
كاظم جهاد، أدونيس منتحلا، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، 1991.
جوفروي 2001-
Alain Jouffroy, “Conjuring up the Invisible”, BANIPAL) Magazine of Modern Arab Literature) Nos 10/11 Spring/Summer 2001, London, 124 –125.
جيوسي (1987-
Salma Khadra Jayyusi, Modern Arabic Poetry An Anthology, Columbia University Press, New York, 1987.
حسن 1989-
عبد الكريم حسن، " لغة الشعر في زهرة الكيمياء: بين تحولات المعنى ومعنى التحولات"،
فصول، المجلد 8، عدد 1، 1989، ص 34.
حلوم 2000-
أحلام حلوم، النقد المعاصر وحركة الشعر الحر، مركز الإنماء الحضاري، حلب، 2000.
الحميري 1999-
عبد الواسع الحميري، الذات الشاعرة في شعر الحداثة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1999.
حمود 1986-
محمد العبد حمود، الحداثة في الشعر العربي المعاصر: بيانها ومظاهرها، الشركة العالمية للكتاب، الكتاب اللبناني، بيروت، 1986.
حوراني 1998-
رامز حوراني، النقد الأدبي ومنطلقاته الفكرية في فلسفة أنطون سعادة، بيسان للنشر والتوزيع، بيروت، 1998.
درويش 1992-
أسيمة درويش، مسار التحولات، قراءة في شعر أدونيس، دار الآداب، بيروت، 1992.
زيدان 1979-
Joseph Zeidan, “Myth and Symbol in The Poetry of Adunis and
Yusuf Al-khal”, Journal of Arabic Literature, Vol.x – 1979, 71-94.
داود 1967-
أنس داود، التجديد في شعر المهجر، المؤسسة المصرية للتأليف والنشر، القاهرة، 1967.
السامرائي د.ت-
إبراهيم السامرائي، لغة الشعر بين جيلين، دار الثقافة، بيروت، د.ت.
السايس 2004-
محمود صبحي السايس، " قراءة في ديوان " فاكهة الندم "، أدب ونقد، مجلة الثقافة الوطنية الديموقراطية، العدد 224/ابريل، القاهرة، 2004، ص 47
سعيد 1960-
خالدة سعيد، البحث عن الجذور: فصول في نقد الشعر، دار العودة، بيروت، 1960.
سعيد 1979-
خالدة سعيد، حركة الإبداع، دار العودة، بيروت، 1982 (1979).
سوميخ 1991-
S.Somekh, Genre and Language in Modern Arabic Literature,
Harrassowitz, Wiesbaden, 1991.
الشرع 1987-
علي الشرع، بنية القصيدة القصيرة في شعر أدونيس، إتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1987.
ضاهر 2000-
عادل ضاهر، الشعر والوجود: دراسة فلسفية في شعر أدونيس، دار الهدى للثقافة والنشر، دمشق، 2000.
ضيف 1971-
شوقي ضيف، فصول في الشعر ونقده، دار المعارف، مصر، ط 2، 1971.
عباس 1959 –
احسان عباس، فن الشعر، دار الجيل، بيروت، 1959.
عباس 1992-
احسان عباس، اتجاهات الشعر العربي المعاصر، دار الشروق، عمان، 1992.
العريض د.ت –
إبراهيم العريض، الشعر والفنون الجميلة، دار المعارف بمصر، د.ت.
عصفور 1983-
جابر عصفور، مفهوم الشعر: دراسة في التراث النقدي، دار التنوير للطباعة، بيروت، 1983.
عصفور 1998-
جابر عصفور، نظريات معاصرة، دار المدى للثقافة والنشر، سوريا، 1998.
عصفور1989-
John Asfour, “Adonis and Muhammad Al-Maghut: Two Voices in Burning
Land", Journal of Arabic Literature, Vol.xx-1989, part 2 - September, 19-26.
عيد 1985-
رجا عيد، لغة الشعر، قراءة في الشعر العربي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1985.
فضل 1978-
صلاح فضل، نظرية البنائية في النقد الأدبي، مكتبة الأنجلو المصرية القاهرة، 1978.
فضول 2000-
عاطف فضول، النظرية الشعرية عند إليوت وأدونيس، ( ترجمة أسامة أسبر )، المجلس الأعلى للثقافة 2000.
قاسم 1981-
عدنان حسن قاسم، لغة الشعر العربي، ليبيا، 1981.
قاسم 2000-
عدنان حسن قاسم، الإبداع ومصادره الثقافية عند أدونيس، الدار العربية للنشر والثقافة، القاهرة، 2000.
قبش 1971-
أحمد قبش، تاريخ الشعر العربي الحديث، دار الجيل، بيروت، 1971.
القرآن الكريم، سورة الشعراء، الآيات 224-226).
القط 1977-
عبد القادر القط، الاتجاه الوجداني في الشعر العربي المعاصر، دار النهضة، بيروت، 1977.
مؤسسة أعمال الموسوعة 1996-
مؤسسة أعمال الموسوعة، الموسوعة العربية العالمية، الجزء 1، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 1999 (1996)، ص 421.
مدكور 1962-
إبراهيم مدكور، في اللغة والأدب، مطبعة المعارف، لبنان، 1962.
مراشدة 1995-
عبد الرحيم عزام مراشدة، أدونيس والتراث النقدي، دار الكندي للنشر والتوزيع، اربد، 1995.
الملائكة 1967 –
نازك الملائكة، قضايا الشعر العربي المعاصر، مكتبة النهضة، بيروت، ط2، 1967.
موريه 1991-
شموئيل موريه، الشعر العربي الحديث ( 1800 – 1970 )، دار الفكر العربي، القاهرة، 1991.
موريه 1988-
Shmuel Moreh, Studies in Modern Arabic Prose and Poetry, Leiden,
New York.1988, 25-26.
الموسوي 2002-
Muhsin Jassim Al-Musawi, Engaging Tradition in Modern Arab Poetics,
Journal of Arabic Literature, Vol.xxx iii, No. 2 –2002, E.J.BRILL (173-210)
نعيمة 1981–
ميخائيل نعيمة، الغربال، مؤسسة نوفل، بيروت، ط12، 1981.
النقاش 1992-
رجاء النقاش، ثلاثون عاما مع الشعر والشعراء، دار سعاد الصباح، الكويت، 1922.
هدارة 1992-
محمد مصطفى هدارة، دراسات في الأدب العربي الحديث، دار العلوم العربية، بيروت، 1992.
الورقي 1997-
سعيد الورقي، لغة الشعر العربي الحديث: مقوماتها الفنية وطاقاتها الإبداعية، دار المعارف، القاهرة، 1997.
وهبه 1974-
Magdi Wahba, A Dictionary of Literary Terms: English, French, Arabic,
Dar al-Bayan, Beirut-Lebanon, 1974.
#أحمد_كامل_ناصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟