أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - احمد زهير - نبضات من السجل الدموي لسنوات الجمر بالمغرب - 1 -















المزيد.....

نبضات من السجل الدموي لسنوات الجمر بالمغرب - 1 -


احمد زهير

الحوار المتمدن-العدد: 1330 - 2005 / 9 / 27 - 09:42
المحور: حقوق الانسان
    


تؤكد مختلف الشهادات، سواء تلك التي تدفقت خلال جلسات الاستماع الني نظمتها هيئة الانصاف و المصالحة، او تلك التي حصلنا عليها من خلال مجالستنا لمجموعة من المتضررين، ان سنوات الجمر بالمغرب امتدت لتشمل مساحات جغرافية مختلفة ، و ان لظاها اتسع ليشمل كافة المقهورين او المحرومين، سواء اولئك الذين تمتعوا بقدر من المعرفة و انتظموا في هيات علنية او سرية، او اولئك الذين بحكم فطرتهم، و غيرتهم على الوطن، رفضوا الانصياع لمسلسل الخنوع، على الرغم من انهم لا يتوفرون على مرجعيات فكرية او عقائدية.. و غير مهيكلين في تنظيمات سياسية..
و لعل هاته الفئة، الاخيرة، كانت اكثر تضررا من غيرها، على اعتبار ان النظام المغربي استفرد بها، و لم تلق اية مناصرة، حتى و لو اعلامية، من اية جهة.. و تاكيدا لذلك، نورد حالة مجموعة من عمال المكتب الشريف للفوسفاط، بمدينة اليوسفية ، ذاقوا الغبن و الويلات، سواء من طرف الادارة، او من طرف المخزن، و تم التعتيم بشكل كبير على ملفاتهم،، و لم يتطرق قط لملفهم..
وقد تطلبت منا عملية استجلاء ملفهم، القيام برحلات مكوكية بين مجموعة من دواوير الكنتور، وهي دوواير مهمشة و صعبة المسالك ، وعقدنا من اجله جلسات مع شيوخ طاعنين في السن، وتطلب منا تمحيص ما تم التوصل اليه من معلومات مجهودا اضافيا، و ننشر في هذا الجزء طيفا مما حصلنا عليه ، و يتعلق بتدخل قوات الامن والجيش بشكل سافر في اضراب 1960 بقطاع الفوسفاط ، ومقتل مواطنين واصابة اخرين بعاهات مستديمة،
ففي هذا اليوم ، قررت نقابة الاتحاد المغربي للشغل الشروع في اضراب عام بقطاع الفوسفاط تضامنا مع اعتقال مجموعة من قيادات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، التي زج بها في السجون في عملية سميت حينها بمحاولة اغتيال ولي العهد ، والاضراب اتخد هذا المنحى السياسي نتيجة لتداخل ماهو سياسي بما هو نقابي بشكل متراص حينها، فالحدود الفاصلة بينهما كانت منعدمة، والنقابيون باليوسفية كانوا يبطقون العمال ببطاقة الحزب و النقابة في الان نفسه، من دون التمييز ما بين البطاقتين، بل ان العامل قد يشهر في وجهك بطاقة حزبية معتقدا انها بطاقة نقابية، وينعدم اصلا ان تجد عاملا مبطقا ببطاقة نقابية بدون ان يحصل على البطاقة الحزبية، على الرغم من غياب أي وعي بالتنظيمات السياسية، و لا بارتباطاتها..
كانت نقابة الاتحاد المغربي للشغل قد فرضت تواجدها بقوة في مناجم الفوسفاط بالمدينة، اذ من الناذر جدا اذ لم نقل من شبه المستحيل ان تجد عاملا بالقطاع غير مبطق ببطاقة هاته النقابة، في حين ان النقابة الحرة ، ( نقابة الاتحاد العام للشغالين ) الوليدة حديثا كانت تجد صعوبات في استقطاب العمال، بل اكثر من ذلك، كان ينظر اليها كنقابة مخزنية اسست اساسا لكسر شوكة العمال، وكان المخزن يضغط على العمال للانتماء اليها بدون جدوى..
في اليوم الاول للاضراب، كانت معلومات قوية قد تسربت الى العمال ، خاصة من نقابيي الحرة تؤكد ان افواجا من الجيش و الدرك في طريقها للمناجم من اجل كسر شوكة المضربين، واكد لنا اكثر من شيخ ان اعضاء نقابة الحرة طافت على العمال ليلا واسرت لهم بان الجيش سيلتحق بالمناجم، وسيواجه العمال بالرصاص ان رفضوا الشروع في العمل و تفكيك الاضراب ، وهو الامر الذي وقع بالفعل، اذ ظهرت اولى طلائع الجيش على الساعة العاشرة صباحا..
يؤكد البعض ان افراد الجيش كانت باعداد كبيرة وانها كانت مصدرة بدرك مدينة الشماعية واليوسفية الذين يعرفون المكان والطريق جيدا، وانهم اتخدوا وضعية المتاهب للاطلاق النار فور الوصول الى مكان تجمع العمال ، عند مدخل المنجم رقم 3 ، كان العمال غير ابهين بذلك على اعتبار انهم كانوا يعتقدون بان البنادق المصوبة نحوهم محشوة برصاص مطاطي ( الفرشي) وانها فقط لتخويفهم، لكن ما ان بدا الجنود في اطلاق الرصاص حتى تيقن الجميع بان الامر جد .. وان البنادق محشوة برصاص قاتل..
يقول محمد بن احميدة ( مطيشة) عن ذلك، « كنا متراصين ومتكتلين، وكنا نهتف بمجموعة من الشعارات تندد بالشروط القاسية للعمل، و بضرورة اطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين ، وفجاة دوى الرصاص بشكل جعلنا نتيقن بان الامر هاته المرة اتخد منعطفا خطيرا، سمعت العمال يصيحون، احذروا فالرصاص هاته المرة حقيقي وليس بفرشي..»
كان اول المصابين ميلود ولد حيمد، حيث اخترقت احدى الرصاصات وركه، سقط و الدماء تنزف بحرارة من جسده.. فسح المجال لسيارة اللاسعاف لنقله، وعاش المسكبن وعرج حاد برجله يعيقه بشكل كبير عن الحركة، لم يتم تعويضه عن ذلك، ولا حتى اعتبار ما وقع له حادثة شغل، وقاموا بنقله من الغار الى عمل اخر يتطلب جهدا اقل، لكن مردوديته المالية اقل بكثير عما كان يتقاضاه..
توالى اطلاق الرصاص بشكل عشوائي، اصيب ولد القوح بطلقة نارية قاتلة، لم يكن عاملا ولا متظاهرا، لكنه كان من جملة المواطنين الذين هرعوا لمشاهدة ما يحدث، خصوصا وان توافد الجنود بشكل مكثف واصوات الرصاص جلبت المواطنين و الفضوليين وكذا الخائفين على اقاربهم من العمال الى مدخل المعمل، سقط ولد القوح يتدحرج في دمائه، يقول محمد بن احميدة العامل بنفس المنجم« كان ولد القوح قريبا مني ، سمعته يصرخ، احذروا فالرصاص هاته المرة حقيقي، لم يتم العبارة حتى شاهدته يسقط على الارض، هرعت اليه، اخدته بالاحضان، نظر الي المسكين نظرة لم اعلم حينها انها الاخيرة..» اغرورقت عينا محمد بالدموع و بصوت اجش « احتضر المسكين على ذراعي هاته، احتضنته بقوة على صدري، فارقت الروح الجسد، مات ولد القوح على ذراعي هاته..» اوقفت التسجيل حتى نسترد معا انفاسنا...
في نفس المنجم وفي نفس اليوم والساعة، لكن في ركن اخر، كان الجنود قد حاصروا العمال المتظاهرين ، كانوا من الحماسة والكثافة ما جعل قائدهم يسارع باتخاد قرار امطارهم بالرصاص، انطلقت بشكل مكثف، سقط عباس بن سعدون يتلوى من الألم، فقد استقرت احدى الرصاصات فخده، و سقط ولد زازا صريعا على الفور، يقول بوعبيد «.. لم اتقبل ان اشاهد زميلي في العمل ولد زازا وقد اسلم الروح بشكل فجائي، حدقت جيدا في الجنود، لم اعد احس بالعمال المتواجدين بجانبي، صرخت، واظنني زئرت، او هكذا قال لي اصدقائي من بعد، توجهت الى اقربهم، كنت اعرفه، كان الجدارمي بلفاطمي من دركية مدينة الشماعية، كان معروفا بفضاضته وسوء معاملته للمواطنين، شاهدته وهو يطلق النار على جموع العمال ، قفزت باتجاهه، لم اشعر والا وهو يئن تحت جسدي، سلبته بندقيته.. حاول المقاومة ولكنني كنت اقوى منه بكثير، غنمتها، وعتقت بذلك ارواحا اخرى كانت ستسقط..»
وفي تطور اخر، ضرب احد العمال احد الجنود يقوة على مستوى عينه، طارت عينه من مقلتها، وفقد مسدسه و اختفى ، ولم يعثر عليه على الاطلاق ، وانتهى اليوم باعتقال مجموعة عديدة من العمال بلغت حوالي 500 عاملا تم البحث معهم بشكل عنيف ، كما تؤكد ذلك مجموعة من الشهادات..
و بعد البحث والنقصي تم الاحتفاظ بازيد من 15 عاملا ذاقوا كل انواع التعذيب، فقد كانت السلطات تحاول جاهدة ان تلصق تهمة قتل العمال بهم، بعدما طاوعهم الطبيب الفرنسي، رئيس المستشفى الفوسفاطي بالمدينة واعطى تقارير طبية خاطئة تحرف وسيلة قتلهم، اذ اكد بانهم اصيبوا بضربات السكاكين عوض طلقات البنادق، وتتوفر الموقف على وثيقة تثبث ذلك، اكد الطبيب فيها ان ولد زازا تم قتله بضربة سكين!! وتم الضغط على عائلات القتلى، ليركنوا الى الصمت المطبق، بينما تم استرضاء الجرحى بوسيلة او باخرى ..واجهضت الحقيقة الى الابد، او هكذا كان يتصور المحققون..
وهكذا تم اعتقال كل من التهامي التبراني وبوشعيب بن رحال، بوعبيد بن المعطي، لحسن السوسي، قربيلة صالح العتابي، لمصدق موقر راسو و ترفاس محمد بن علي ( الموصطاج ) محمد بن احميدة بن عمر( مطيشة )، لكبير بن ميلود بن لحرش صهر بوعبيد.. وكان قد تم اعتقال بوعبيد بعدما قام بتسليم البندقية الى الكاتب المحلي للاتحاد المغربي للشغل، « عبد السلام لوهاب» كدليل قوي على استعمال الجنود للرصاص الحي، وقام الكاتب برفقة بوعبيد بالاتصال بالقائد المقيم باليوسفية واطلعاه على البندقية، لكن بدل فتح تحقيق نزيه في الامر، قام القائد باستدعاء الدركيين ، واعتقل بوعبيد من مكتبه...
واغرب ما في الامر انه تم اعتقال التامي التبراني على الرغم من انه كان يعمل بمنجم بعيد كل البعد عن مكان الحادث، وتوبع كباقي زملائه بقتل ولد القوح و ولد زازا ، الشيء الذي يؤكد بان الاعتقالات كانت بناء على خلفيات اخرى، وان منطلقها كان الانتقام من مناضلي الاتحاد المغربي للشغل..
تناوب المحققون على التحقيق مع العمال، وتؤكد المصادر ان من بين المحققين محققا اجنبيا ، يحوم الغموض حول جنسيته، ولربما كان فرنسيا، وكان العمال يخضعون للتحقيق بشكل متواصل، وتتناوب على ذلك اربع لجان مختلفة، من اليوسفية والشماعية ومراكش و الرباط، و كلها تحاول جاهدة ان تلصق تهمة قتل العمال بالمعتقلين، و تحاول دفعهم الى الاعتراف بذلك..
وبعد 22 يوما من التعذيب المتواصل، سواء باليوسفية او بمراكش، تم نقل العمال الى السجن المحلي في انتظار محاكمتهم.. وهناك، ومن فرط التعذيب، اصيب السيد لحسن السوسي بمرض مزمن، يؤكد البعض انه الربو الحاد، وتم الافراج عنه بامر من الطبيب المعالج، ولفظ انفاسه اياما قلائل بعد ذلك..
وتم الافراج عن المعتقلين بعد التوصل بالسراح المؤقت الناتج عن عفو ملكي بمناسبة اعتلاء ولي العهد انذاك الملك الحسن الثاني العرش..
و اليوم ، وقد قضى اغلب المعتقلين في هاته الاضرابات نحبهم، ولم يبق على قيد الحياة سوى التهامي التبراني، وبلوطار محد ( محمد بن احميدة ) و بوعبيد بن المعطي، فانه ان الاوان الالتفات الى هؤلاء ، عبر الاعتذار لهم و لعائلاتهم ، و انصافهم، واعادة الاعتبار لهم .. واعادة صياغة تاريخ دقيق لمدينة اليوسفية ولشرفائها..









#احمد_زهير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غواتنامو اليوسفية، من اصطبل للبغال الي معتقل اداري
- حين يعيق المكتب الوطني للسكة الحديدية تنمية مدينة اليوسفية..
- الحقيقة الغائبة في ملف ميلود منظور المحكوم بالمؤبد ضمن مجموع ...
- تسوية ملف شركة ايكوز بمدينتي وادي زم و قصبة تادلة ( المغرب)
- مدينة اليوسفية تقتات من فضلاتها


المزيد.....




- نتنياهو وغالانت والضيف: ماذا نعرف عن الشخصيات الثلاثة المطلو ...
- زاخاروفا تعلق بسخرية على تهديد أمريكي للجنائية الدولية بشأن ...
- ما هو نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية؟
- كيف ستؤثر مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت على حرب غزة ول ...
- إسرائيل تقصر الاعتقال الإداري على الفلسطينيين دون المستوطنين ...
- بين فرح وصدمة.. شاهد ما قاله فلسطينيون وإسرائيليون عن مذكرات ...
- عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بحرب الإبادة في غزة ولبن ...
- 2024 يشهد أكبر خسارة في تاريخ الإغاثة الإنسانية: 281 قتيلا و ...
- خبراء: الجنائية الدولية لديها مذكرة اعتقال سرية لشخصيات إسرا ...
- القيادي في حماس خليل الحية: لماذا يجب علينا إعادة الأسرى في ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - احمد زهير - نبضات من السجل الدموي لسنوات الجمر بالمغرب - 1 -