أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - بولس – 15 – بولس والنص اليهودي















المزيد.....

بولس – 15 – بولس والنص اليهودي


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4784 - 2015 / 4 / 22 - 23:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



(قد صرت غبياً وأنا أفتخر. أنتم ألزمتموني [يقصد: أنتم اضطررتموني لأن أفتخر عليكم])
بولس مخاطباً أهل كورنثوس [رسالة بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 11]


الجمهور، الذي كان يكتب له بولس والآباء الأوائل للمسيحيين، من الواضح جداً أنه (أمي مطلقاً) فيما يخص نصوص العهد القديم وتاريخ شخصياتها ووقائع تاريخها. فما كان يمارسه بولس والأباء الأوائل من تحوير متعمد للنصوص اليهودية المقدسة يثير الدهشة بالفعل عند القارئ المطلع على تلك النصوص، في نفس الوقت الذي كانت تكتسب هذه النصوص، في القرون الأولى، أتباع و "مؤمنين" بين العامة ومحدودي الثقافة والأميين والطبقات الدنيا المسحوقة. فمثلاً، عندما كتب بولس لأهل رومية [روما] رسالته، وعندما أراد أن يؤكد لهم أن الشريعة اليهودية [الناموس] والعمل بها غير ضروري للخلاص وأنه بمجرد الإيمان بيسوع على المعنى الذي يدعو له بولس فإن الفرد سوف يكون بريء تماماً من الذنوب وعلى طريق الأبرار، قال لهم في رسالته:

(فإنه ليس بالناموس كان الوعد لإبراهيم أو لنسله أن يكون وارثاً للعالم، بل ببر الإيمان)
[رسالة بولس إلى أهل رومية 4: 13]

لم يقف أي أحد من أهل رومية، ولا أحد ممن وصلته نسخة من تلك الرسالة آنذاك، ليسأل نفسه أو الآخرين:

متى وأين، في نصوص العهد القديم، كان (الوعد) لإبراهيم أو لنسله أن يكونا وارثين (للعالم)؟!!!

حتى كهنة اليهود أنفسهم لا يعرفون إطلاقاً أن (الوعد) الإلهي لإبراهيم كان ليرث (العالم)(!!!). (الوعد) الإلهي لإبراهيم ولنسله كما هو في (التوارة)، أحد أجزاء (العهد القديم) الذي يقرأه المسيحيون حتى هذه اللحظة [ولم يسأل أحد منهم نفسه أيضاً!!!]، قد (حدد حدود الأرض) بما يلي:

(في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقاً قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير، نهر الفرات. القينيين والقنزيين والقدمونيين والحثيين والفرزيين والرفائيين والأموريين والكنعانيين والجرجاشيين واليبوسيين)
[تكوين 15: 18-21]

وهؤلاء الأمم الواردة أسماؤهم في النص هم سكان تلك الأرض من نهر مصر إلى نهر الفرات. و (الوعد) المنسوب لإله اليهود حدد الحدود (من نهر النيل إلى الفرات)، فأين ما قاله بولس في رسالته إلى أهل رومية بأن (الوعد) هو ليرث ونسله (العالم)؟! لكن الأهم، أن المسيحيون الأوائل لم يتساءلوا، أو الأصح أنه (لم يخطر ببالهم السؤال أصلاً) لمحدودية معرفتهم بنصوص اليهود المقدسة وبتفاصيل عقائد اليهود وبسبب الأمية التي كانت الغالبة على مجتمعات تلك العصور. (بولس كان يعرف ذلك مقدماً ويعيه تماماً)، ولذلك كان يكتب لهم تلك الادعاءات مُمنياً تلك الفئات المسحوقة في المجتمع بأنهم (سيكونون ورثة العالم بأسره، وأن الوعد، غير الدقيق الذي نقله لهم على لسان إله اليهود، هو فيهم وليس في اليهود). بولس كان (يدّعي لهؤلاء ما لا وجود له أصلاً)، وأتباعه (لم يعوا ذلك إطلاقاً).

تلك الممارسة، عند بولس بالذات، كانت متشعبة ومتعددة ولا تقف عند حد. ففي الرسالة المنسوبة إلى بولس للعبرانيين نقرأ:

(لأنه [أي الرب] يقول لهم [أي لليهود] لائماً: هوذا أيام تأتي، يقول الرب، حين أكمل مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً. لا كالعهد الذي عملته مع آبائهم يوم أمسكت بيدهم لأخرجهم من أرض مصر، لأنهم لم يثبتوا في عهدي، وأنا أهملتهم، يقول الرب)
[الرسالة إلى العبرانيين 8: 8-9].

بولس هنا يوجه أنظار قراءه إلى اقتباس من العهد القديم، ويؤكد اقتباسه هذا مرتين بواسطة استخدام مصطلح: [يقول الرب]، حتى يؤكد لهم أن هناك (عهد جديد) قد أتى، واصفاً عهد اليهود الأول بـ (العتيق) [وهذا هو أصل تسمية كتب اليهود المقدسة بـ "العقد القديم"، وهي تسمية مسيحية خالصة منشؤها بولس، ولا يعترف بها اليهود، وهي تسمية غير دقيقة على أية حال لأنها تعكس موقفاً عقائدياً بحتاً، ولكن جرت "العادة" بهذه التسمية، وهي على أية حال في طريقها للأفول في الكتابات العلمية والنقدية لتحتل مكانها تسمية "الكتاب المقدس العبري أو اليهودي" (Hebrew Bible)]، وصف بولس في تلك الرسالة المنسوبة له العهد اليهودي بـ "العتيق" مما يمهد أمامه الأرضية لإلغاء الشريعة اليهودية ووضع "عهد جديد" على لسان الإله اليهودي لأتباعه المسيحيين الجدد من الأممين. وفي سبيل ذلك نقل على لسان الإله اليهودي أنه قال لليهود: (لأنهم لم يثبتوا في عهدي، وأنا أهملتهم، يقول الرب). والاقتباس الذي كان يشير له بولس في رسالته تلك هو من سفر إرميا، حيث يرد في الترجمة (المسيحية) للعهد القديم ما يلي:

(ها أيام تأتي، يقول الرب، وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدا جديداً. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر، حين نقضوا عهدي فرفضتهم، يقول الرب)
[إرميا 31: 31-32]

هذا الاقتباس، للقارئ العربي يبدو متطابقاً، الفرق الوحيد الذي يثير الاهتمام، ربما، هو (وأنا أهملتهم، يقول الرب) في رسالة بولس المنسوبة له للعبرانيين، بينما النص في إرميا: (فرفضتهم، يقول الرب)، وهو يبدو اختلاف بسيط في الترجمة لا يؤبه له. (إلا أن الحقيقة أبعد ما تكون من ذلك، وهي ليست بتلك "البراءة" الظاهرة للقارئ العابر).

بولس في اقتباسه للنص اليهودي المقدس (تعمد تزوير النص اليهودي ومعناه)، و (المترجم المسيحي، على اختلاف جنسيته، للنص العبري اضطر بدوره أن يزوّر نص سفر إرميا) حتى لا يُعارض اقتباس بولس له ويصمه إما بالخطأ أو التزوير المتعمد. (النص العبري لا يقول إطلاقاً)، لا من قريب ولا من بعيد، ولا حتى في حدود تشابه رسم الكلمات في اللغة العبرية، (وأنا أهملتهم) أو (فرفضتهم). الترجمة الحرفية للنص العبري لموضع (وأنا أهملتهم) أو (فرفضتهم) هو حرفياً: (على الرغم من أني أحبهم كحب الرجل لزوجته) [إرميا 31: 32]، فيكون النص بتمامه، بترجمته الصحيحة، في سفر إرميا هو:

(ها أيام تأتي، يقول الرب، وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً. ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر، حين نقضوا عهدي على الرغم من أني أحبهم كحب الرجل لزوجته، يقول الرب)
[إرميا 31: 31-32]

هذا التزوير المتعمد في الترجمة، منذ أيام بولس (حتى عقود قليلة ماضية)، كان من الوضوح الشديد [إلا في أذهان المترجمين المسيحيين العرب بالطبع]، مع ما صاحبه من نقد مباشر وصريح ومتعدد المصادر، بحيث (اضطرت الترجمات المسيحية الغربية الحديثة) للعهد القديم أن تصحح ترجماتها لنص سفر إرميا (ولتعكس حرفية كلمات النص العبري)، بينما أبقت على نص رسالة بولس كما هو بالطبع، على الرغم من تعارضهما الواضح بعد تصحيح الترجمة. فنحن نقرأ نص إرميا الآن في النسخ الإنجليزية هكذا:

(though I loved them as a husband loves his wife)
أو
(though I was a husband to them)

[انظر على سبيل المثال لا الحصر: New International Version أو New Living Translation أو English Standard Version أو New American Standard Bible أو Holman Christian Standard Bible].

بولس يدّعي لهؤلاء المساكين من أتباعه أن نص إرميا يقول عن اليهود: (وأنا أهملتهم) و (فرفضتهم)، بينما النص العبري لسفر إرميا يقول عن اليهود: (على الرغم من أني أحبهم كحب الرجل لزوجته).

بولس يُمثل ظاهرة جديرة بالدراسة، ليس لأن ما كتبه يُمثل "فلسفة" جديرة بالاهتمام كما يدّعي المؤمنون به، ففي النهاية كل صاحب عقيدة يرى في نصوص عقيدته "فلسفة" جديرة بها، ولكن بسبب "الجرأة" في استغلال نقاط ضعف القطاع المستهدف من العامة بحيث لا يوجد "محرم" في سبيل الهدف النهائي. وهذا يعطينا التاريخ له أمثلة قليلة فقط.


.... يتبع



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شذوذ مفهوم الوطنية
- بولس – 14 – بولس والنص اليهودي
- بولس – 13 – عصمة النص المسيحي
- بولس – 12 – بولس والنص اليهودي
- بولس – 11 – بولس والنص اليهودي
- نصوص حرق البشر المسيحية - 3
- نصوص حرق البشر المسيحية – 2
- نصوص حرق البشر المسيحية
- بولس – 10 - بولس وإنجيل مرقس
- لقاء الصالون الثقافي النسائي
- بولس – 9 - بولس وإنجيل مرقس
- بولس – 8 – بولس وإنجيل مرقس
- بولس - 7 - بولس ويسوع
- بولس – 6 – بولس ويسوع
- بولس – 5 – بولس والشيطان
- بولس – 4 – عقيدة التبرير
- بولس - 3 - بولس والشيطان
- بولس – 2 – بولس والشيطان
- بولس - 1
- في مسألة طيران بولس


المزيد.....




- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - بولس – 15 – بولس والنص اليهودي