|
الوعي بالذات و الآخر أساس التقدم إلى الأمام.
عبد الوهاب عتى
الحوار المتمدن-العدد: 4782 - 2015 / 4 / 20 - 19:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العديد من الكتابات التي تنشر كل يوم، كل شهر، و كل النقاشات و المناظرات التي تشهدها في السنوات الآخيرة "المجتمعات ذات الأغلبية الإسلامية" في مشارق الأرض و مغاربها تحمل في طياتها معلومات جديدة حول مواضيع جد هامة. فالخوض في نقاشات من قبيل حق المرأة في الإجهاض أو تقنين الإجهاض، علاقة الرجل بالمرأة و المساواة بينهما، الميول الجنسي، حرية المعتقد و حريتا التفكير و التعبير، و كذا كل الحريات الفردية الآخرى، بالرغم من المعارضة التي يبديها رجال الدين و أصحاب الفتاوي المسبقة الذين يتبنون مبدأ التعصب المذهبي للفكر الديني الواسع الإنتشار في هذه المجتمعات، ملصقين تهم العمالة الخارجية و السعي وراء مصالح شخصية لكل مدافع و مؤمن بها، هي نقاشات يمكن إعتبارها الأساس الأول للتقدم في الإتجاه الصحيح لتحقيق مجتمعات معاصرة و حداثية تحترم فيها حقوق الإنسان و الحريات الفردية. لا يخفى على أحد، أن تحقيق الديموقراطية و العدالة الإجتماعية و بالتالي القضاء على كل مظاهر العنف و التطرف التي تعاني منها هذه المجتمعات يستوجب في المقام الأول، الإستعانة بالجميع للوصول إلى صياغة وفاق وطني يجمع بين كل القوى و الفعاليات السياسية المنتمية لكل منطقة و المؤمنة بالديموقراطية كقانون أسمى دون إغفال أو إقصاء أحد. فغياب هذا التوافق يجعل كل القوى و التجمعات المقصية تسعى جاهدة إلى إجهاض و تقويض كل تقدم في الإتجاه الصحيح قصد حماية أهدافهم الشخصية. في المقام الثاني، العملية تتطلب تعزيز ثقافة الإحترام و التسامح و التعايش الذي يعتبر محفز و مشجع التنافسية بين الجميع، حيث يسعى كل فرد ليكون الأكثر إنتاجا و نجاحا من الآخر، حسب تعبير مونتيسكيو، و بالتالي وجب إحترام المختلف بكل أنواعه و عدم النظر إليه كعدو وجبت محاربته و القضاء عليه بشتى الطرق. هو أمر إذن، يتطلب تطبيق و حماية المبادئ و القيم الإنسانية و الكونية التي يتم ترسيخها في الذهنية البشرية عن طريق المدرسة. و بالتالي وجب العمل على محاربة الأمية بالإستثمار في تحسين جودة المنظومات التعليمية، العلوم الإجتماعية، و كل العلوم النسبية الآخرى التي تشجع لغة النقد و الفهم على لغة النقل و الحفظ، و تنظيفها من كل الشوائب المعيقة للتعايش. بإعتبار المدرسة مركز تكوين الناشئة وجب إنفتاحها على الآخر المختَلِف بكل أطيافه، و تدريسها لكل الثقافات و اللغات، و العادات و التقاليد العالمية الآخرى قصد تحقيق إندماج و رفاه إجتماعي مشرف في خدمة الأفراد. أمور لا يمكن تحقيقها أو ولادتها من العدم، بل يجب أن تنبعث من الداخل المجتمعي عن طريق الحوار و النقاشات المستمرة، و كذا النظر إلى النمادج الدولية الآخرى التي تكون بمثابة المحفز لها لإستيعاب العبر، يكتب تزيبتان تودوروف (2008). هذه العملية تتطلب في المقام الأول الإعتماد و الأخذ بكل أطياف الثقافة المجتمعية و الأعراف القديمة التي ساهمت في تثبيت التعايش و السلم الإجتماعي بين الجميع على مر أزمنة خلت، بالتالي التمكن في الأخير من تحقيق نظام سياسي ديموقراطي داخلي عوض الأنظمة المستقطَبة من الخارج. فليس هناك قانون علمي أو عقائدي شامل يمكن أخذه بعين الإعتبار و تطبيقه في تنمية كل المجتمعات. فهناك مجتمعات تتمتع بقيم و أعراف تسمح بممارسة نوع من التغيرات الإجتماعية و السياسية دون مقاومة، لكن في المقابل هناك مجتمعات يصعب عليها تقبل هذه التغيرات و تقوم على مقاومتها بتغليب أعرافها و دستورها الثقافي و قيمها التقليدية فوق كل قانون علمي تجديدي. إن مشروع بناء الديموقراطية لا يمكن تحقيقه بالإلتجاء إلى العنف بكل أشكاله كما يعتقد المتعصبون للدين و المتعطشون للسلطة الذين يعملون على تقزيم الفكر الإنساني. و لا يمكن في أي حال من الأحوال أن يُؤسس على مبدأ الإقصاء، أي إقصاء لغة أو ثقافة معينة، إلخ، و الإعتماد بالتالي على واحدة بإعتبارها خطأً الأكثر نموا و تطورا من الأخريات. فالقيام بها الأمر يجعلنا نسقط في فخ المثالية الثقافية، و هو أمر خطير، فلا ثقافة تعلو على الآخرى و ليست هناك لغة أحسن و أرقى من الآخرى، و لنا من التجارب التاريخية ما لا يمكن إحصائه.
بالنظر إلى عمق التاريخ نستشف درجة و حدة الصراعات التي عاشتها الدول و المجتمعات الإسلامية منذ نشأتها، مقارنة مع نظيراتها الغربية التي عاشت و إستطاعت تجاوز صراعات دموية عديدة على مر تاريخها، ما السبب في ذلك؟ لأن الإسلام كعقيدة و بالرغم من قدم تاريخه لم يتمكن بعد من المرور من المنظومة العمومية (منطق الأمة الواحدة الموحدة) إلى المدار الفردي و الشخصي، و بالتالي التمكن من الفصل بين الديني و السياسي كما حدث عند الديانات الآخرى كالمسيحية في أوربا مثلا، حيث ظهر و تطور المفهوم الجديد للوعي الإنساني و الإستقلالية الفكرية و الحريات الفردية، إلخ، دون مركب نقص. بالتالي وجب تطوير مفهوم الإسلام كعقيدة كي يتمكن من مسايرة التطورات العالمية و العلمية و تفادي كل الصراعات الطائفية الدموية المستمرة التي تستنزف الثروات الطبيعية و البشرية و الثقافية و الإقتصادية للمجتمع. صراعات يكون المستفيد الأكبر منها الحركات الدينية "المتعصبة" منها و "المعتدلة" التي تنتعش بالفوضى و الفتن و الحروب، و هي دائما تعمل بجدية لا تستهان لمقاومة التغيير المنشود و تثبيت الهوية الدينية بإستعمال كل الوسائل المتاحة لها: العنف الفكري و السياسي و الجسدي، إلخ. هكذا، فكلما قامت الصراعات، كلما زاد المتعصبون و تتمكن الجماعات المتطرفة بزمام الأمور يقول المفكر الأمريكي تشومسكي. جاعلا من الدين العنصر الذي ينتج الإكتئاب و يعمل على إعاقة التقدم و الرفع من قيمة الحياة الإنسانية، و مضاعفا في نفس الوقت من نسبة الفقر من كل جوانبه و التدني المجتمعي، حسب تعبير فريدريك نيتشه. هكذا، بالرغم من حساسية هذه النقاشات، فإن الخوض فيها يجب أن لاينظر إليه بمثابة أمرٍ مزعجٍ أو مقلقٍ. فهي بالعكس نقاشات صحية و طبيعية من الواجب القيام بها قصد الوقوف عند مكامن الخطأ و محاولة إصلاحه إنْ كنا بالفعل نسعى إلى التقدم و تحقيق مجتمع تعددي متسامح تتعايش فيه كل الأطياف و المذاهب و الإديولوجيات دون مركب نقص بالرغم من إختلافاتها الإثنية و اللغوية و الدينية و السياسية التي تعتبر رمز غنى المجتمع.
#عبد_الوهاب_عتى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما يتكلم الجميع عن المواطنة.
-
الإرهاب .... بضاعتنا رُدّت إلينا.
-
الإرهاب ... بضاعتنا رُدٌت إلينا.
-
العِلمانية و تدبير الإختلاف في المجتمع
-
أساس إستمرارية المجتمع، الثقافة!
-
المؤسسة التعليمية... الحق في التعليم و المعرفة
-
العِلمانية ، العَلمانية و الديموقراطية
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|