صادق جميل السومري
الحوار المتمدن-العدد: 4782 - 2015 / 4 / 20 - 16:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قصة الغرانيق من الايات المحكمات في القران
( 1) :حاول الباحث ايمن عبد الرسول نقد العقل الاسلامي ونقد الاسلام الوضعي , ذلك الاسلام الذي يضع الاسس للاخر المختلف معه على ارضية الاسلام . والمقصود هو اهل السنة والجماعة .اي الارثوذكسية الاسلامية , ثم يخرج عليها , فيدعي انه :
( لااجتهاد في النص ), ثم يخرج في تنظيراته الوضعية على النص او يؤسس ايديولوجية للخروج على النص ,والادهى انه يمارس ذلك تحت غطاء سلطة النص نفسه , بوصفه منتج هذه السلطة.
لقد دشن الفكر الاسلامي الوضعي حجية فقهية تخرج على النص القراني في بعض تفصيلاته وتضيف عليه وتوثر في فهم غالبية المسلمين بما يتعارض مع الاصل الالهي في القران.فمثلا كل مسلم يعتقد ان الذبيح في قصة ابراهيم هو اسماعيل , بينما النص القراني لايصرح باسم الذبيح ,بل على العكس تماما ان النص القراني يلحق قصة الذبيح باسحاق , ولكن لاسباب ايديولوجية قبلية يصر اغلب المفسرين على ان الذبيح هو اسماعيل وليس اسحاق .
كذلك لاتجد في النص القراني آية واحدة تضع عقوبة دنيوية للمرتد , ومع ذلك يضع الفقهاء بابا في الفقه تحت عنوان ( احكام الردة والمرتدين ), وان اثبتنا ان القران لايضع عقوبة دنيوية او حدا للمرتد نواجه بتهمة الارتداد !.
لقد شكلت السنة النبوية الى جانب الفقه مقدسا موازيا للنص القراني , بل واقوى منه في الحجية . فلا تجدعقوبات بشعة في القران لتارك الصلاة , بينما تدشن السلطة الفقهية كل ادواتها في انتاج متخيلات ارعابية تتطورمع كل عصر لتناسب ادوات ارعابه .
الفكر الاسلامي السني هو صاحب السلطة الدينية التي تنتج سلطة النص المسيطرةعلى الوعي الجمعي للمسلمين .
(2 ):
يقدم الباحث ايمن عبد الرسول عدة نصوص لمدارس فكريةاسلامية مختلفة عن قصة الغرانيق . ومنها دراسة الطبري , والذي يصر البعض على ان الطبري كان ( عبيطا ) لايراده هذه الرواية ولا ينتبه الى ان البخاري اوردها ايضا . فهل ينطبق عليه وصف العبيط ؟سؤال محرج حقا !
ويصر البعض على ان القصة من وضع الزنادقة . عندما تشخصها تجدها وضع قراني .بالنسبة لقصة الغرانيق الشهيرة تقابلها ثلاثة اشكاليات في العقلية الوضعية :
اولها : ان القصة في سياق سورة النجم , وفي سورةالنجم نص مرجعي هام جدا للوقوف في وجه منكري حجية السنة النبوية الا وهو ( والنجم اذا هوى ماضل صاحبكم وماغوى وماينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى ).
هذا النص يستدل به دائما عند الحديث عن السنة فيقول الجميع ان كلام الرسول وحي وانه لاينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى .
الاشكالية الثانية : هي ان ورود حديث الغرانيق بعد هذا التاكيد على حجية كلام النبي ونسبته الى الوحي دليل نفي لهذه الايات ,وان الرسول نفسه كان يتكلم عن الهوى ( او القى الشيطان على لسانه ) . وبالتالي ياخذ شكل هذا الحديث ضربا من ضروب التكذيب للنبي .
الاشكاليةالثالثة : ان التسليم بحدوث هذه القصة معناه فتح باب الشك امام ضعاف العقيدة , فيضعون سؤالا محرجا :
وما ادرانا ان كل ماجاء في القران آيات ربانية , ولم تدخل فيه آيات شيطانية ؟
هذه الاشكاليات هي مابررت للاسلام الوضعي الخروج على النص بانكار نص محكم من القران على الجانب الاخر وهو نص اية سورة الحج ( 22- 52 ):
(وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله مايلقي الشيطان ثم يحكم الله ايمانه والله عليم حكيم ).
القران يؤكد في آ ياته ان واقعة الغرانيق قد حدثت وتم تداركها بالنسخ في سورةالحج وسورةالنجم , ولكن من الصعب على الايديولوجيا العربية الاسلامية ان تتقبل صورةالنبي الذي من الممكن ان يخطيء . ومن هذا المنطلق كان من الضروري تكذيب حديث الغرانيق وتمجيد صيغة ( لاينطق عن الهوى )حتى تنسحب على كل كلام النبي .
وقد ادرك احمد بن حنبل على تشدده ان الرسول لاينطق عن الهوى فيما ينقله عن الله فقط وليس في كل كلامه . وكذلك قصة زينب بنت جحش الوارد نصها في القران :
( وتخشى الناس والله احق ان تخشاه ) .لماذا نستنكر على الرسول انه بشر , يحب ويخفي في نفسه ماالله مبديه ؟ . ان انكار هذه الحوادث بدعوى الدفاع عن الاسلام هو افتراء على الاسلام وادعاء اننا اعلم من النص وصاحبه بمصالحه!!!!
القران يقول ان هذه الحوادث وقعت وغير ها في عتاب النبي . والاسلام الوضعي يزايد على القران في الحفاظ على عصمة النبي !!!
(2 )الخاتمة :
يقول ايمن عبد الرسول ان اجتهاداتنا تدور عن الاجابة عن المسكوت عنه في الاسلام الوضعي .
ان قصة الغرانيق التي يثبتها النص القراني ويثبت في المقابل نسخ الوحي لها , ترفض من جهة العقل الاسلامي الرافض لتصور ان النبي غير معصوم من الخطا ! .
وقصة زينب بنت جحش ونص القران الصريح فيها ترفض كذلك , ويتهم مؤرخ بثقل وعظم الطبري ( الشيعي ) بانه كان ( عبيطا ) لانه اورد مثل هذه الروايات , ولا يلتفت العقل الاسلامي احادي التوجه الى حجية النص القراني هنا , وانما يمارس خروجا عليه . ويتهم بالزندقة والالحاد من يناقش هذه القضايا .
ان رصد هذا الكم الضخم من المتناقضات بين النص القراني ومفسريه والاسلام الوضعي , يحتاج الى مجلدات ترصد هذه المتناقضات .
في الختام يدعو الباحث والصحفي والاعلامي المصري الراحل ايمن عبد الرسول الى فهم الاسلام بعيدا عن العاطفة , ونقده علميا ومنهجيا .
( 3):
مختصر قصة الغرانيق نقلا عن الطبري
( لما راى رسول الله (ص)تولى قومه عنه , وشق عليه مايرى من مباعدتهم ماجاءهم به من الله تمنى في نفسه ان ياتيه من الله مايقارب بينه وبين قومه , وكان يسره مع حبه قومه وحرصه عليهم ان يلين له بعض ماغلظ عليه من امرهم حتى حدث بذلك نفسه وتمناه واحبه , فانزل الله قوله :
(والنجم اذا هوى ماضل صاحبكم وماغوى وماينطق عن الهوى ) فلما انتهى الى قوله : ( افرايتم اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى ) ( 53 : 1 – 2 ) القى الشيطان على لسانه لما كان يحدث به نفسه ويتمنى ان ياتي به قومه :
( تلك الغرانيق العلا وان شفاعتهن لترتجى ).فلما سمعت بذلك قريش فرحوا وسرهم فاعجبهم ماذكر به الهتهم فاصغوا له والمؤمنون يصدقون نبيهم فيما جاءهم به عن ربهم , ولا يتهمونه على خطا ولا وهم ولا زلل . فلما انتهى الى السجدة منها وختم السورة سجد فيها فسجد المسلمون لسجود نبيهم تصديقا لما جاء به واتباعا لامره . وسجد من في السمجد من المشركين من قريش وغيرهم لما سمعوا من ذكر الهتهم فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر الا وسجد ...
واتى جبريل رسول الله ( ص ) فقال : يا محمد ماصنعت ؟ لقد تلوت على الناس مالم آتك به عن الله عز وجل , وقلت مالم يقل الله . فحزن رسول الله(ص )عند ذلك حزنا شديدا ...
فنسخ الله ما القى الشيطان واحكم آياته.. فانزل الله عز وجل :
(وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي الا اذا تمنى القى الشيطان في امنيته فينسخ الله مايلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم )(سورة الحج :22 – 52 ).
فاذهب الله عن رسوله الحزن .. ونسخ ماالقى الشيطان على لسانه من ذكر الهتهم : انها الغرانيق العلا وان شفاعتهن لترتجى , بقوله تعالى حين ذكر اللات والعزى ومناة الثالثة الاخرى :
(الكم الذكر وله الانثى تلك اذا قسمة ضيزى ان هي الا اسماء سميتموها انتم واباؤكم ماانزل الله بها من سلطان ان يتبعون الا الظن وماتهوى الانفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ام للانسان ماتمنى فلله الاخرة والاولى وكم من ملك في السموات لاتغني شفاعتهم شيئا الا من بعد ان ياذن الله لمن يشاء ويرضى ).
(سورةالنجم:52 :21 – 26 ) .
#صادق_جميل_السومري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟