أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله حبه - مع فاسيلييف في ابتهالات باخ الكنائسية في مسرح البولشوي















المزيد.....

مع فاسيلييف في ابتهالات باخ الكنائسية في مسرح البولشوي


عبدالله حبه

الحوار المتمدن-العدد: 4782 - 2015 / 4 / 20 - 14:19
المحور: الادب والفن
    


مع فاسيلييف في ابتهالات باخ الكنائسية في مسرح البولشوي
عبدالله حبه – موسكو

فلاديمير فاسيلييف في دور سبارتاك
احتفلت الاوساط الفنية على خشبة مسرح البولشوي في موسكو باليوبيل الـ 75لمولد اسطورة الباليه الروسي فلاديمير فاسيلييف بتقديم عرض من اخراجه بعنوان " هب لنا السلام" ( ميتسا- بي – مينور) ، الذي هو بمثابة ابتهالات كنائسية عن الحياة والموت، من تأليف الملحن الالماني يوهان سيباستيان باخ(1685 – 1750). ويظهر فيها أن موسيقى باخ مترعة بالحزن والمرح والدراماتيكية والفلسفة في آن واحد. وتعتبر ألحان (ميتسا- بي – مينور) من اكثر اعمال باخ مأساوية، وعمل في تأليفها خلال 10 اعوام قبل وفاته. وربما أن فاسيلييف اختارها بالذات في الفترة التي يصل فيها الانسان الى العمر الذي يفكر فيه بمغزى الحياة والموت والتأمل في الدرب الذي قطعه في الحياة.
ينتمي باخ الى عائلة مشهورة في ألمانيا بموسيقييها من عازفي الارغن والفلوت والكمان. واقترن اسم العائلة لاحقا بكل من يلحن ويعزف، وكأن هذا اللقب يرمز الى كل موسيقار عموما. وقد تناول باخ في اعماله الموسيقية التأملات حول أهم جوانب حياة الانسان، مثل هدف الانسان وواجبه الاخلاقي وموقفه من الحياة والموت. وينطلق في ذلك من قصص الكتاب المقدس والجلجلة والصليب ومأثرة التضحية بالنفس من أجل خلاص البشر الواردة في الميثولوجيا المسيحية. وهذا الموضوع يتجسد في جميع اعمال باخ الموسيقية. ولم يكن باخ مؤلفاً موسيقياً فحسب، بل أفضل عازف ارغن وكلافيسين (البيانو الصغير) في زمانه. علما أن مؤلفاته الموسيقية التي كانت تتم بطلب من الكنيسة، قد تجاوزت الطابع الديني الى الفلسفي . وحتى عندما أصابه العمى في أواخر سني حياته، واصل التأليف الموسيقي بعيداً عن التوجهات الكنسية بالرغم من تدينه. وبعد وفاته نُسي أمره حيث كان بالنسبة لأهل زمانه مجرد عازف أرغن جيد، حتى اكتشف أعماله بالصدفة الموسيقار فيلكس منديلسون في إحدى المكتبات. فذاع صيت باخ، وتشكلت جمعية باخ في لايبزغ ونشرت أعماله في كل مكان. وقد ألهمت أعمال باخ الكثير من كبار الموسيقيين العالميين، مثل موزارت وبيتهوفن وبرامز وتشايكوفسكي وغيرهم.

فلاديمير فاسيلييف ويكاترينا مكسيموفا 50 سنة في مشهد للباليه الروسي على مسرح البولشوي

لقد اختار فاسيلييف هذا العمل بالذات لأنه شهد في الاعوام الاخيرة شخصياً مرحلة مأساوية من حياته. فقد كان من أبرز تلامذة فنانة الباليه الشهيرة جالينا اولانوفا. وأحدث فاسيلييف تغييراً في التعامل مع صورة راقص الباليه الذي كان دوره يعتبر من قبل دوراً هامشياً، لأن راقصة الباليه الاولى كانت عادة بطلة أي عرض باليه. لكن فاسيلييف أظهر في عروض مسرحية مثل باليه " ايكاروس " و" سبارتاك" و"جيزيل" و"روميو وجوليت" التي رقص فيها مع قرينته يكاترينا مكسيموفا أن العنصر الرجالي لا يقل أهمية عن العنصر النسائي في الباليه. وكان في الستينيات والسبعينيات من أشهر راقصي الباليه في العالم، وصفقت له الجماهير في عواصم العديد من الدول الاوروبية وامريكا. وما زلت أتذكر كيف كان يستقبله جمهور مسرح البولشوي حين يظهر على خشبة المسرح في دور سبارتاك أو روميو أو ايكاروس، حيث تنهال عليه الورود ويستمر التصفيق فترة طويلة وهتاف " برافو". ومن ثم اعتزل فاسيلييف الرقص في سن الاربعين حين شارك في باليه "جيزيل" على خشبة متروبوليتان اوبرا في نيويورك في عام 1990. وبدأ بالعمل كمخرج باليه واوبرا. واستدعي فاسيلييف للعمل في عدة بلدان منها الولايات المتحدة وفرنسا وايطاليا والبرازيل والارجنتين واليابان، ومنحته عدة جامعات لقب بروفيسور وحاز على الكثير من الجوائز والميداليات. وفي الفترة الاخيرة تولى منصب

راقصة الباليه يكاترينا مكسيموفا(اليمين) وعازفة البيانو منى عبدالله حبه على مسرح البلشوي(اليسار)
المدير الفني لاوبرا روما. وفي الفترة التي عملت فيها ابنتي منى حبه معه بصفة كونسرتميستر (عازفة بيانو ترافق البروفات)، ارتبطت بعلاقة صداقة مع قرينته راقصة الباليه الفذة يكاترينا مكسيموفا. وزار بيتي عدة مرات واهدانا نسخة من ديوان اشعاره وبعض لوحاته. وقدعرفت من الاحاديث معه انه لا يعرف معنى للحياة بدون مسرح البولشوي. لكن المقادير قد رسمت له مصيرا آخر.

مشهد من العرض المسرحي لتكريم فاسياييف
وبدأت مأساة فاسيلييف بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وكان يتولى عندئذ منصب المدير الفني لمسرح البولشوي حيث اخرج العديد من عروض الباليه فيه. وكانت قد نضجت فكرة ترميم المبنى القديم للمسرح. وشكل فاسيلييف صندوقاً دوليا برئاسته، وتدفقت الاموال من مختلف المصادر الروسية والاجنبية اليه بهدف تنفيذ الترميم. وبدأ البحث عن شركة مختصة في أعمال الترميم المعقدة. وكان فاسيلييف قد رأى سيطرة المافيا على جميع مجالات الحياة الروسية آنذاك. فطلب منح شركة ايطالية معروفة مهمة القيام بهذه الاعمال خشية عدم حدوث اختلاسات وسرقات من قبل الشركات المحلية في ظروف روسيا أيام الرئيس يلتسين، علما بأن هذا ما حدث فعلا حيث اختفت ملايين الدولارات في أعمال احتيال رافقت أعمال الترميم، وما زالت دوائر التحقيق تنظر فيها حتى الآن.
ولكن حدث فجأة حين جاءت إلى مكتبه في صباح احد الايام عاملة التنظيف، وأبلغته بأنه لم يعد مديراً للمسرح. وبعد فترة قليلة أبلغه العاملون في المسرح أنه اذيع من التلفزيون نبأ تنحيته. فأصيب بصدمة كبيرة وغادر المبنى فوراً. وكان القرار قد اتخذه وزير الثقافة آنذاك ميخائيل شفيدكوي المعروف بارتباطاته مع الطغمة الاوليجاركية التي سيطرت على السلطة في عهد يلتسين مثل بيريزوفسكي وخودوركوفسكي وجوسينسكي ومن لف لفهم. وكان الهدف اعطاء صفقة الترميم الى شركة من بطرسبورغ يقال أن لها ارتباط بشفيدكوي المذكور وصديقه الآذري اناتولي احسانوف ( إسمه الاصلي طاهر عادل جانوف )، الذي اصبح فجأة مديرا لمسرح البولشوي بالرغم من عدم وجود علاقة له بالاوبرا والباليه. وكان قد وقع حدث آخر قبل هذا، حين جاءت زوجة أحد كبار المسؤولين في الدولة، وطلبت منه بعض الطلبات التي تتعلق بعمل المسرح. فرفض ذلك بشكل قاطع، حيث لم يسمح بتدخل اناس من خارج الوسط الفني في عمله. وقد زاد ذلك من توتر العلاقات بينه وبين السلطات آنذاك. وكان التكريم يطال فناني مسرح المنوعات وبعض الشخصيات الثقافية التي لا وزن لها في الساحة الثقافية العالمية، بينما تم تجاهل فاسيلييف ولم يتم تكريمه. وفي خلال عدة سنوات بعد ذلك، جرى هبوط المستوى الفني لمسرح البولشوي وغادره الكثير من الفنانين المعروفين للعمل في الخارج.
لقد غادر فاسيلييف البلاد أيضا، حيث وجد اقبالا على ابداعه في الكثير من البلدان. ولم يجد بعد ذلك فرصة للعمل عند وجوده في وطنه. وصار يقضي معظم وقته في البيت الريفي (الداتشا) بضواحي موسكو في الرسم، حيث أبدع مجموعة كبيرة من اللوحات، وأقيم 20 معرضا لها، علاوة على نظم الاشعار. ولكن لم يسمح له بالعمل في مسرح البولشوي مرة أخرى.
وعندما اراد المعجبون به الاحتفال بيوبيله، لم يلقوا تجاوباً من المسؤولين في المسرح وفي وزارة الثقافة. وكان قد بدأ فاسيلييف العمل في العام الماضي في مسرح موسى جليل في قازان، بأخراج العرض المسرحي " هب لنا السلام"-
وهو توليفة من الغناء الاوبرالي ورقص الباليه، وكان يحلم منذ سنوات بأخراجها. وقدم العرض في قازان بنجاح كبير في العام الماضي. وتقرر أن يقدم

مشهد من العرض المسرحي لتكريم فاسياييف
العرض نفسه في مسرح البولشوي بمناسبة اليوبيل. لكن المسؤولين عن الثقافة لم يهتموا بالأمر، وكأن فاسيلييف لا علاقة له بهذا المسرح . ومورست بعد ذلك ضغوط من عدة جهات من أجل السماح بتقديم العرض على خشبة البولشوي وتكريم الفنان بمعزل عن الادارة والسلطات. وفعلا لم يقدم التهنئة في نهاية الحفل إلى فاسيلييف سوى كيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا، الذي تليت رسالته من خشبة المسرح. وعادة ما تتلى في هذه المناسبات أيضا برقيات التهنئة من رئيس الدولة أو وزير الثقافة أو حتى من مدير مسرح البولشوي. حقا ان وسائل الاعلام بثت في اليوم التالي برقية تهنئة من الرئيس بوتين التي تركت انطباعا طيبا لدى الفنان ولو انها جاءت بعد تقديم الحفل.
ويبدو أن العرض الحالي، يجسد معاناة هذا الفنان الكبير، والذي جرى تقديمه بأسلوب فلسفي رائع، حيث يلعب فيه الديكور والانارة دورا رئيسياً إلى جانب أداء المنشدين والراقصين. لقد وقف أثناء العرض على خشبة المسرح من الجانبين فريق الكورال وأعضاء الاوركسترا، بينما ترك المجال لراقصي الباليه
بالأداء أمامهم. وكان الديكور من تصميم الفنانة سفيتلانا بوغاتير. وعلت فوق خشبة المسرح لوحة بيضوية تصور بمعونة الكومبيوتر حركة الكون ثم الكرة الارضية وظهور الكائن البشري فيها. وترمز اللوحة إلى العالم الداخلي لدى كل انسان تحت شعار :"لا تحكم ولن تكون محكوما". وبدلا من ان يقرر احد ما الحكم على الاخرين يجب ان يدرك ماهيته نفسه... ومغزى الحقيقة المؤلفة من رؤيته لها في لحظة معينة. ويطرح العرض مفاهيم الحب المتمثل في سعي الإنسان إلى التوحد والانبعاث والمعرفة المتمثلة بالعقل، وهما من مشاكل الانسان الرئيسية في الكون في كافة العصور. ويصل الانسان عبرهما بعد اجتياز مرحلة الهدم والدماء إلى النور... إلى العقل والادراك. ويسعى فاسيلييف عبر انشاد المغنين ورقص الباليه إلى تصوير معاناة الانسان الذي يكافح في هذا العالم لترسيخ وجوده عبر الحب والعقل. ويظهر العرض هذا إن فاسيلييف يمضي في درب واحد مع حركة المسرح المعاصر إلى الامام. لقد قوبل العرض بعاصفة من التصفيق وباقات الزهور من الجمهور الذي ما زال يعشق هذا الفنان النابغة.
19/4/2015



#عبدالله_حبه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بول كلي والتجريد في الفن العراقي
- فيلم -لوياثان- قصة الصراع بين السلطة والانسان
- بوتين والاعلام العربي
- روناك شوقي..اصداء المسرح الصامد
- في الذكرى ال450 لمولد شكسبير
- الرواية العراقية
- تأملات شتوية عابرة في المسألة التشيخوفية
- رحلة ذكريات
- اوكرانيا .. مأساة شعب او شعبين !
- واقعية الكم
- السينما بين الفن والبزنيس
- السينما بين الفن والبزنس
- في ذكرى رحيل غائب طعمة فرمان
- جماليات التخطيط في فن محمود صبري التخطيط
- صديقي ارداشيس كاكافيان .. رحلة العذاب من ضفاف السين الى مياه ...
- بلاتونوف - كافكا الروسي *-.. ومحنة الانتلجنسيا الثورية الروس ...
- الموسيقار العراقي فريد الله ويردي
- اصداء الحنين لى نينوى
- وقفة في تيت غاليري....مع الفنان ضياء العزاوي
- ملحمة -الأم الشجاعة- ..صرخة داوية ضد الحرب ..أين نحن منها !


المزيد.....




- الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
- يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
- معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا ...
- نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد ...
- مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
- مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن ...
- محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
- فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م ...
- ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي ...
- القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة ...


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله حبه - مع فاسيلييف في ابتهالات باخ الكنائسية في مسرح البولشوي