أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - تمثّلات الحداثة: 1 النخب، وبناء الدولة العراقية الحديثة















المزيد.....

تمثّلات الحداثة: 1 النخب، وبناء الدولة العراقية الحديثة


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4782 - 2015 / 4 / 19 - 23:20
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


يمكن تصنيف كتابي فاطمة المحسن ( تمثلات النهضة ) و ( تمثلات الحداثة ) من ضمن مجال تاريخ الفكر.. إلا أنهما أكثر من ذلك أيضاً.. فكلاهما يعد بحثاً نقدياً يحفر في أرضية الفكر العراقي الحديث، والثقافة التي راحت تتبلور منذ منتصف القرن التاسع عشر عبر عملية تثاقف مضنية، ومتعثرة أحياناً، مع الثقافات الوافدة من الجهات الأربع، كانت نتيجتها أعمالاً فكرية وإبداعية غزيرة ومتنوعة، واتجاهات وحركات ثقافية وسياسية متباينة، أخصبت الفضاء الثقافي ( المعرفي والأدبي والفني ) في العراق وأغنته وهزته، وأثرت على بنى المجتمع والسياسة، لكنها، في الوقت نفسه، لم تخل من تناقضات واختلالات وإشكاليات تترصدها المحسن بدقة موضوعية تفصح عن مقدرة علمية تلفت النظر وتستحق التقدير. وقد سبق لي وأن تناولت كتابها الأول ( تمثلات النهضة ) بقراءة/ دراسة مطولة نشرت على هذه الصفحة قبل سنوات بأربع حلقات.. وفي هذه الدراسة سأحاول إكمال قراءتي لجهد المحسن البحثي وهذه المرة لكتابها ( تمثلات الحداثة في ثقافة العراق/ منشورات الجمل 2015 ).
تبدأ المحسن استقصاءاتها البحثية بالوقوف عند مصطلح/ مفهوم الحداثة، متسائلة فيما إذا كان هذا المفهوم ملائماً لتوصيف ما حدث في الحقل الثقافي العراقي، بعد تأسيس الدولة العراقية، لاسيما في أثناء عقدي الأربعينيات والخمسينيات، من تحوّلات ومنجزات في حقول الفن والأدب والإيديولوجيا، والشروط السياسية والاجتماعية المولِّدة والمساعدة لها، وعلاقة ذلك بطبيعة الدولة ( الملكية ) القائمة بنخبها ومؤسساتها. وأيضاً، فيما إذا كان هذا المفهوم قادراً من الناحية المنهجية العلمية أن يعين في فهمنا للحركة الثقافية العراقية الحديثة، بالمعنى الواسع للعبارة. ومنذ البدء تقر المحسن بصعوبة "البت في جواز استخدام مفردة ( حداثة ) في رصد التحوّلات التي شملت الثقافة في بلدان طرفية مثل العراق"ص16. من هنا يتباين محتوى هذا المفهوم في استخدامه باختلاف السياقات المكانية، وإن بقي مرتبطاً بالعالم الغربي "وأبرز تجلياته علمنة الحياة وعقلنتها، كما أسهم في بلورتها نمو الجماعات الحديثة، وظهور المشروع الرأسمالي، وانتظام الدولة في مؤسسات تنطوي قوانينها ودساتيرها على فكرة المواطنة والفردانية التي يمارسها الإنسان"ص16.
ارتبطت الحداثة ( عراقياً ) بقضية بناء الدولة.. إن الكيان الجيو ـ سياسي الذي أُشِّر على الخارطة، بعد معاهدة سايكس بيكو، تحت تسمية العراق، كان لابد من تكريسه في المجتمع الدولي عبر منظومة مؤسساتية تتبع قواعد الإدارة الحديثة، وتهدف إلى إخراج المجتمع بانقساماته ما قبل الدولتية، وتخلّف وضعه الثقافي وطرائق إنتاجه وعلاقاته الاجتماعية، من واقعه المتخلف والمتشرذم إلى واقع الدولة الحديثة. وقد أذن انهيار دولة الخلافة العثمانية بانتفاء مبررات استمرار البنى والنظم وأشكال الإدارة القديمة. فصار الرهان على عملية التحديث. وكان النموذج متوافراً هناك ( في الغرب )، ولم تكن ثمة بدائل أخرى. وبطبيعة الحال فإن الاستعمار البريطاني قد ساهم في تعزيز الأخذ بالنموذج ذاك بعدِّه ناجحاً في فضاء نشوئه وتطوّره. ومن غير النظر بعمق إلى اختلاف السياق التاريخي والثقافي بين الحاضرة المتروبولية المتقدمة، والدولة الطرفية/ الريعية المتأخرة.
في المجتمعات المتقدمة والمستقرة يستحوذ هاجس الحداثة بأفق معرفي جمالي، وغالباً بأقل قدر من المحمول السياسي المباشر، ومن غير عوالق إيديولوجية ثقيلة. بعكس الدول ذات التشكيلات الحديثة، حيث المؤسسات الحكومية والمدنية لا تؤدي دورها بسلاسة، وحيث تنتشر الأمية على نطاق واسع، وحيث قوى الإنتاج وعلاقاته متخلفة، وحيث احتمالات تغوّل السلطة واستبدادها مرجحة على غيرها.
حضرت الحداثة عربياً، مع الاستعمار، ونجمت عن صدمة وعي التخلف، ومن ثم السعي لنيل الاستقلال وإقامة دولة عصرية على وفق النمط الغربي.. تقول المحسن، وفي ذهنها النموذج العراقي: "وإن ارتبط مشروع الحداثة العربية ببناء الدولة الوطنية. فقد كان النموذج العراقي شأنه شأن نماذج عربية أخرى، يتوافر على جزء من شروط هذا البناء، وبينها السعي إلى تكوين مؤسسات عصرية بمقدورها احتواء الجماعات القديمة ضمن نواظم وقواعد عمل حديثة، واعتمادها جهاز دولة بيروقراطياً، مع محاولة حثيثة للإفادة من تجربة التصنيع والاقتصاد الرأسمالي"ص17. وأولى الالتباسات التي ترصدها المحسن بهذا الخصوص هو أن مهمة التحديث ظلت هاجس نخب اجتماعية ثقافية بعينها، "في حين بقيت الأكثرية الشعبية بمنأى عنها. لذا بدت الفكرة ذاتها محض رغائب ثقافية يعبر عنها أفراد وجماعات قليلة سواء في مدوّناتهم التي تركوها أو في طرائق عيشهم وعمرانهم وسبل اجتماعهم، وبخاصة لدى الأدباء والفنانين والسياسيين"ص18.
تستمد الحداثة شرعيتها من اتجاه نظرتها، وهي بالتأكيد نحو المستقبل. وهذا لا يعني قطيعة كلية مع الماضي ونسيانه، وإنما احتوائه وتمثله في ضوء حاجات الحاضر والمستقبل، حيث صورة المستقبل مرسومة بمنطق العقل وافتراضاته وحساباته.. وكانت النخب تعي هذا الأمر، من غير أن تمتلك الرؤية الواضحة لحل الإشكاليات الناجمة عنه. ففي هذه النقطة كان يبرز نوع من الانشطار والتناقض، هو ما سيتسبب لاحقاً في التأرجح بين نموذج قديم لم يجرِ عصرنته، ونموذج جديد مستعار من الغرب بحاجة إلى تبيئة وتكييف.
كان المستوى الذي بلغته المجتمعات الصناعية الغربية في مجالات الاقتصاد والثقافة والتنظيم الاجتماعي، وبناء المؤسسات المدنية والسياسية هو المعيار في تحديد ماذا يعني التوجه بالنظر إلى المستقبل.. كان النموذج الغربي خلاباً ومغرياً وجاهزاً.. من هنا أصبحت الحداثة قرينة التغريب الكامل عند بعضهم ( جسّد طه حسين هذا التوجّه بوضوح في مصر )، أي الانفتاح على الغرب من غير حذر لا مسوِّغ له. في مقابل آخرين دعوا إلى نوع من التوفيقية بين ما سمي بقطبي الأصالة والمعاصرة. وكان هناك آخرون جعلوا من الماضي عائقاً شاخصاً أمام التحديث.. ليس الماضي بحضوره الموضوعي في سياق التاريخ، وإنما الماضي كما يُرى ويؤول في ضوء حاجات تتعلق بممارسة السلطة، والحفاظ على النفوذ، وتنمية الثروة لمصلحة فئات طفيلية محددة.
تستعير المحسن اصطلاح هومي بابا ( الازدواج الوجداني ) من حقل الدراسات ما بعد الكولونيالية في تحليل حالة النخب الملتبسة في علاقتها مع الغرب الذي هو منبع الحداثة منذ قرون، فتراها موزعة في ذلك بين مشاعر الانجذاب والنفور. وهي الحالة التي لا تُستثنى منها النخب العراقية في العصر الحديث. وفي هذا الخضم لم تكن فكرة الحداثة ذاتها واضحة تماماً في الأذهان. ليس في معناها الظاهر والمجرد، وإنما في انشباكها مع البيئة المحلية، ومشروع الدولة.
والمفارقة أن النخب المهووسة بالحداثة ظلت معادية للدولة التي هي التجسيد الواقعي الحي للحداثة، ربما لأن الماسكين بمفاصلها كانوا في الغالب أوليغارشية استبدادية أو شمولية مدافعة عن مصالح فئوية ضيقة تسببت في ما بعد بانهيار مشروع الدولة المدنية القائمة على فكرة التقدم والتحديث. تلخص المحسن مسيرة الثقافة العراقية، كونها شهدت حالتين: "النهوض المبني على تثاقف مع العالم الغربي، واكتشاف الذات بوصفها تاريخاً ممتداً في الحاضر، كما شهدت الارتكاس المبني على ثقافة العزلة والانكفاء والعودة إلى الأصول التي تسبق التحديث".ص28.
كان التحدي الثقافي الأول أمام النخب الثقافية والسياسية العراقية في مستهل عشرينيات القرن الماضي، والعقود الي تلتها، يتعلق بسؤال الهوية؛ هوية المجتمع العراقي ( الأمة العراقية ) وهوية الدولة العراقية. وكان ثمة إدراك بأن هذه الهوية ليست شيئاً صلباً مخفياً في مكان ما من الماضي وعلينا العثور عليه وعرضه تحت الشمس، وإنما هو شيء في حالة صيرورة، وأن مواده الخام كامنة في الواقع والتاريخ، ولابد من معالجته بطرائق حديثة كي يتكوّن ويتحدد ويتعصرن.
اختارت المحسن أربعينات القرن الماضي وخمسيناته عتبةً لعمليات التحديث والتمدين، وترسيخ فكر الحداثة في العراق، مع "وضوح فاعلية مؤسسات الدولة والنمو الملحوظ لفئة المتعلمين، وعودة الدارسين في الخارج، وتبلور مشاريع المثقفين، وتطور ملامح التمدين في بغداد والمدن الرئيسية... ( إذ ) معه اكتملت مشاريع المعارضة الفكرية والشعبية على هيئة أحزاب وتجمعات ثقافية، وتسربت من خلالها الأصوات الداعية إلى ما يمكن أن نسمّيه، حرب الطبقات والعقائد"ص40. وفي هذا الخضم نمت الطبقة الوسطى المدينية ومثّل أبناؤها "في مشروعهم توق هذه الطبقة إلى الظهور كقوة فاعلة ضد العشائرية والإقطاع والنزعات الدينية المحافظة"ص42. فيما أكدت المرأة حضورها اللافت "في التجمعات الثقافية أو على مستوى الهيئات التعليمية والجامعات والمدارس، وهذا مؤشر مهم من مؤشرات التمدين في العراق" ص43.
في هذه الآونة تلقت النخب فيوضاً من الأفكار الآتية من وراء الحدود، قومية وليبرالية ويسارية، فالوضع الذي كانت تعيشه تلك النخب لم يكن صالحاً لإنتاج نظريات فكرية أصيلة ومستقلة وناضجة. وأمام مشهد الفقر المدقع والتخلف كان اليسار الماركسي الأكثر جاذبية لتلك النخب، فيما كان المشهد العربي، لاسيما بعد بروز القضية الفلسطينية وقيام دولة إسرائيل، يشجع آخرين على تلقي الأفكار ذات النزعة القومية العروبية وتبنيها في ضمن أطر تنظيمية ( البعث والناصرية ). وحين ستضع ثورة 14 تموز 1958 حداً لتوسع التيار الليبرالي، ستبدأ مرحلة قلقة وعاصفة من الصراع الذي سيتخذ طابعاً دموياً أكثر منه سجالياً/ فكرياً بين التيارين الشيوعي الماركسي والقومي العروبي. وستتلكأ مشروعات التحديث، تحت وطأة الحكم الشمولي الخانق، تاركة ثغرات خطيرة ستنفذ منها فيما بعد قوى الإسلام السياسي.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نساء بوكوفسكي
- سارتر في المرآة
- حتى نتجنب الكارثة ( 2 2 )
- الترنيمة الحزينة ( سابرجيون )
- حتى نتجنب الكارثة ( 1 2 )
- مثقف المدينة: بغداد السبعينات بين الشعر والمقاهي والحانات
- الانتصار على الإرهاب بالثقافة
- الكيان العراقي ليس افتراضاً تاريخياً قابلاً للدحض
- إنهم يقتلون الطبيعة: مقاربة في المحنة العراقية
- الصف الثالث، أكاذيب، طائر، ونصوص أخرى
- عن لغة السياسة في الخطاب السياسي العراقي
- أنْ نعيد الاعتبار للحياة
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 2 2 )
- الفشل في إدارة موارد المجتمع ( 1 2 )
- المكان والهوية والاغتراب
- قصة قصيرة؛ مساء عاطل
- السردية التأسيسية للدولة وموقع المثقف
- أيمكن ممارسة الديمقراطية من غير مبدأ التسامح؟
- ثلاث قصص قصيرة جداً
- باتريك موديانو هل يستحق نوبل الآداب؟


المزيد.....




- الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج ...
- روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب ...
- للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي ...
- ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك ...
- السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
- موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
- هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب ...
- سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو ...
- إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس ...


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - سعد محمد رحيم - تمثّلات الحداثة: 1 النخب، وبناء الدولة العراقية الحديثة