|
تنقية الدين
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4782 - 2015 / 4 / 19 - 18:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تنقية الدين في الوقت الذي استبشر فيه المصريون - ومن خلالهم كافة المسلمين- خيرا بالنداء الشجاع الذي وجهه الرئيس المصري إلى علماء الأزهر وفقهاء الأوقاف ، يطالبهم فيه بالتصدي لكل الأفكار الخاطئة التي ألصقت بالدين الإسلامي الحنيف من أجل وأد التفكير وتكبيل العقل ، والفصل بين الغث المقزز منها ، الذي يستهتر بقيمة العقل الإنساني ، وبين السمين الذي يدعو إلى إعمال العقل والتحفيز على التفكير ، ويحثهم فيه بالعمل على تنقية الخطاب الديني مما أغرقه به المتأسلمون - الذين ظنوا ، خطأ أو جهلا ، أن العالم يبدأ عندهم وينتهي بهم - من إدعاءات كاذبة وشوائب مغرضة تسيء للإسلام ، وتزج بالمسلمين في أزمات واسعة ومتاهات خطيرة ، وتمزق النسيج الاجتماعي في العنف والقهر والتخلف والدمار ، وتحول الحياة إلى مستنقع من الجهل والتخلف . وفي هذا الظرف الحرج ، الذي كان يُنتظر فيه من علماء الأزهر والأوقاف ، التدخل بجدية في تجديد الخطاب الديني ، والانخراط بكل بهمة وتفان في تنقية الدين مما أفسده به المتطرفون ، وشوهه به المتشددون ، ليس استجابة لقرارات الرئيس السيسي فقط ، ولكن لحاجة الأمة الإسلامية قاطبة إلى تأسيس تاريخي شجاع لعصرٍ جديد كلياً ، يعاد خلاله النظر في كل أسس وجود الأمة المادي والفكري والعقائدي ، ونقده جذريا ، بعيدا عن المعالجات الإصلاحية السطحية التي ثبت فشلها حتى الآن ، وكانت سبب ما أصبحت تعرفه كثرة الإساءات الدنيئة والقذرة للدين .. وبدل ذلك ، طلع علينا الكثير من رجال الدين ، والعديد من جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وشيوخها وفقهائها ، بموافق صادمة ، تدل على ما يبدو أن نداءات تنقية الخطاب الديني وتصحيحه ، قد أثارت انزعاجهم وأججت غضبهم ، وجعلتهم يحنون إلى محاكم التفتيش وأساليب مصادرة الفكر ومراقبة الرأي ، ودفع ذاك الحنين بالكثير منهم إلى قيادة معارك ضارية ضد كل من فكر من أصحاب الرأي -النجباء ناصعي الفكر طيبي الأخلاق جميلي المشاعر ، والعلماء الوطنيين الصادقين ، والفقهاء الشرفاء المخلصين الذين تحبل بهم البلاد العربية - أو خطر بباله فضج ما يروج له التافهون المفبركون للمبادئ والمواقف ، أو إنكار ما يروجون له من المغالطات والادعاءات والأكاذيب المنسوبة للإسلام ، والتي اعتقلت عقول البسطاء طويلا ، ولازالت تعبث إلى اليوم بأفئدة الأجيال ، بما تحض عليه من كراهية وعنف ، وما تحرض عليه من تطرف وقتل من خلال الأحاديث المدسوسة في صحيح الدين ، والتي وصل التآمر بها إلى حدوده القصوى ، بإدماجها في المناهج الدراسية وإضافتها إلى الكتب المدرسية ، بعد أن أُلبست أقنعة عاجية مختلفة عن أصولها المشرقة ، وحيكت بكلمات الوهم والخداع والكذب والضياع وتضليل الحقيقة -وجعلها على الرغم من قوتها ، ضعيفة أمام نفور البسطاء من إعمال العقل وكرههم لكل ما يحفز على التفكير ، وبليدة أمام كفرهم بالأدلة ، وتفضيلهم الشرك بالبراهين ، وغبية أمام تقديسهم للإشاعة على اليقين ، وإجلالهم للموروث على الدين- وغيرها من الأساليب العقيمة الخالية من المنطق والعقلانية ، والمفعمة بالشتم والتحقير ونصب مشانق إعدام العقل ، وتحطيم جسور التواصل والتفاهم الاجتماعي ، وتوزيع البلاغات والتهم المجانية كازدراء الدين الإسلامي ، التهمة الجاهزة التي ينساق الكثير من البسطاء للترويج لها وإشهارها في وجه كل من يدعو إلى إعمال العقل ، والتحفيز على التفكير ويطالب بالخروج من ظلام الجهل إلى نور العلم ، وطي صفحة الاستبداد وافتتاح عصر الكرامة والحرية ، وينصبون لهم مشانق الإعدام كما فُعل مع الباحث "إسلام بحيرى" الذي قُدمت فيه بلاغات إلى النائب العام لمحاكمته وإغلاق برنامجه "مع اسلام بحيري" ، وذلك بتهمة ازدراء الدين وإهانة أئمته وإنكاره لأحاديث الجهاد وإحياء الخلافة ومواعدة حوريات الجنة ، الفرية التي ضللت بها العمائم البيضاء غالبية البسطاء . وليس اسلام بحيري وحده من يواجه هذا المصير ، والذي لن يكون الأخير فيه ، حيث أن هناك فقبله ادباء فكر ورجال علم أفذاذ شهد لهم التاريخ بالمصداقية ومع ذلك اتهموا بنفس التهمة ، لا لشيء إلا لأنهم تفانوا في تنوير الناس ومخاطبة العقول والمخيلات بعيدا عن الظلاميات . الكاتب والمفكر الدكتور فرج فودة الذي شنت عليه جبهة علماء الأزهر هجوماً وأصدرت بيانا بتكفيره ووجوب قتله بسبب مؤلفاته التي طالب فيها بفصل الدين عن السياسة، وليس عن الدولة أو المجتمع ، كمؤلفه "حتمية الاجتهاد وإعمال العقل ، الحجاب والسفور ، هل كان نظام الخلافة إسلامياً حقاً ، الفرق بين الربا وفوائد البنوك.. والتي أثارت جدلا واسعا بين المثقفين والمفكرين ورجال الدين، واختلفت حولها الآراء وتضاربت ، وتم اغتياله . . وكالأستاذ نجيب محفوظ ، الذي عمل الأزهر على منع نشر مؤلفه "أولاد حارتنا " بإيعاز من جماعة إخوان الأزهر في التحريض عليه ونجا من محاولة اغتياله وأصيب بإصابات بالغة من متخلف سلفي لم يقرأ جملة من كتابه " أولاد حارتنا ".. والدكتور سيد القمنى.. الذي طارده الأزهر حتى نيابة أمن الدولة لتصديه للإسلام السياسي وفكر الجماعات الإسلامية في معظم أعماله الأكاديمية.. والتي تلقى على إثرها العديد من التهديدات. كان آخرها باسم «أبو جهاد القعقاع» من تنظيم الجهاد المصري يطالبه فيه بالعودة عن أفكاره وإلا تعرّض للقتل، ما دفع بالسيد القمني لكتابَة رسالة بعثها إلى وسائل الإعلام والى مجلته روز اليوسف ، يعلن فيها توبته عن أفكاره السابقة وعزمه على اعتزال الكتابة ، صوناً لحياته وحياة عياله ، وقد عبر القمني عن استقالته بقوله ليست استقالتي من القلم وحسب، بل ومن الفكر أيضاً. إن ما حدث ويحدث حولنا ، هو نتاج تلك الثقافة الغريبة ، التي برمج عليها وتلقائيا العقل العربي ، فأضحى معها التقدم أو التقهقر ليس سوى التجسيد الحي لتلك الثقافة وما تتضمنه من أنماط التفكير ، الذي برمج عليه –مع الاسف-مجتمعنا بكامله ، وحدد في اتجاهه كل اهتماماته ومعارفه الدقيقة ومهاراتها العالية ووسائله المتطورة المكرسة للتخلف واحتقار الحياة ، وكراهية الآخر ، التي أصبحت مبرراً قوياً لكره الدين لدى الكثير من الشباب ..
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دنيا الاحفاد ..
-
وداعا -إزم-
-
التحدي المصري الجديد !!
-
من ذكريات الطفولة
-
الرجل المناسب في المكان المناسب
-
عيد المرأة بنكهة جديدة
-
أتهنئة أقدم للمرأة في يومها العالمي ، أم تعزية ؟؟؟
-
التغيير ضرورة وليست ترفا ..
-
يوم عالمي جديد للمرأة
-
ضرورة تغيير آليات التحاور؟؟
-
التطرف يفسد العلاقة بين الناس
-
الخطاب السياسي المستحدث ..
-
عيد الحب .
-
الخطاب السياسي لرجال الدولة !!
-
عبارات حمالة للأوجه والمعاني
-
-اعطيني صاكي- ، والرأي العام !!
-
نعم نحن مع بناء مؤسسة برلمانية قوية ، ولكن !!
-
وبينما المتقاعدون منغمسون في أحلامهم المؤجلة ؟؟
-
كلنا نملك نفس العين .. لكننا لا نلك نفس النظرة !!(5)
-
عندما يتاح المجال لمن يمتلك الموهبة في خدمة الوطن والمواطن !
...
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|