محمد مسافير
الحوار المتمدن-العدد: 4781 - 2015 / 4 / 18 - 23:18
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
بعد أن تناول قهوة الصباح، ارتدى بذلته الثمينة، فوق قميصه الثمين، لمَّع حذاءه الجديد، أحكم ربطة عنقه، ثم دلف إلى مكتبه الواقع بإحدى غرف بيته الفخم المطلة شرفته على الشاطئ، كل شيء به منتظم كما ينبغي، أنزل مؤخرته على كرسي يريح الناظرين، أخذ قلما خاصا، كان قد تسلمه من طرف والي الجهة بمناسبة عيد عاشوراء، ثم دفترا يغري بالكتابة، وإذا بالأفكار تسَّاقَط حروفا منمقة، وتملأ صفحاته مدادا..
كان السيد ينظر في أزمة التعليم في بلادنا بناء على آخر ما لحقته علوم التربية الغربية من تنظير بيداغوجي، رآها في تخلف أساتذتنا عن البحث والتنقيب في مستجدات تخصصهم التربوي، وفي أصالتهم المتزمتة القائمة على التعنيف والترهيب، قدم حلا، أسماه ما أسْمَوه، ديداكتيك التعاقد، التلميذ سيد في قسمه، يرسم خطوات الدرس دون أن تفاجئه، يشارك أستاذه ويشاركه الأستاذ في تدبير شأنه التعليمي، دون تسلط الأستاذ، دون طغيانه..
كان المعطي المياوم قد أصاب عملا في إحدى الفيلات، كان يشتغل بستانيا، وكي يستطيع تعويض ما يفوته من أيام العطالة القاسية، كان يرسل ابنه إلى وسط المدينة ليبيع ما تيسر من سجائر، ويحصل على بعض مما جادت به قريحة أصحاب السيارات التي يقوم بمسح زجاجها، وكان يتغيب باستمرار لأجل ذلك، شأنه شأن أغلب أقرانه، لم تكن تعني المدرسة لهم غير ملهاة الأيام الخوالي !
في مدة وجيزة، تغير شكل المدينة دون أن يكون للمعطي ولا لأشباه المعطي أي رأي في الأمر، تغير الولات والعمال والبشاوات في الخفاء، تغير المسؤولون حتى المنتخبون زيفا أو تسلطا، تغيرت القوانين والمراسيم والظهائر والدساتير دون علمه أو فهمه، حتى صغائر الأمور تغيرت دون مشورته أو رغما عن أنفه !
أي تعاقد هذا الذي ربطناه مع كل هذا أو ذاك؟ أي سلطة أو رأي لنا فيه؟ أم أن التعليم لا يُكال هكذا؟ جزيرة دون كل الجزر؟ أم شيء ليس كمثله شيء؟
لم يفهم المعطي من الأمر شيئا ولا أنا فهمته، فارتكن إلى التسليم وكذلك سلَّمْت !
#محمد_مسافير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟