|
قدِّموا الأطفالَ للمحاكمة
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4781 - 2015 / 4 / 18 - 12:04
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قدِّموا الأطفالَ للمحاكمة
أرفعُ لكم بلاغًا ضد بعض الأطفال المارقين الزنادقة. كنتُ قد ترجمتُ للعربية رسائلهم التي أرسلوها إلى الله، ونشرتُها في أعمدتي الصحفية وبعض كتبي منذ أكثر من عشر سنوات. والآن أعيد نشر بعضها؛ علّ أحد الكرام من وكلاء الله على الأرض يهدر دمهم أو على الأقل يقاضيهم بتهمة ازدراء الأديان. في إحدى المدارس الأمريكية طلبتِ المعلمةُ من الأطفال أن يوجهوا رسائلَ إلى الله. يسألونه عن أحلامهم وأمنياتهم، أو يوجهون أسئلةً مما يُخفق الأبوان والمعلمون في الإجابة عنها. بدتْ بعضُ الرسائل طفوليةً طريفة، وجاءت أخرى عميقةً ماكرة. ولا عجب، فالجهلُ يفتحُ مداركَ الإنسان نحو أقصى مدارج السؤال، عكسَ المعرفةِ التي تُحدُّنا بسقفِ الممكن أو المستحيل، فتتضاءل الأسئلةُ أو تموت. وحين قال النفّري "الجهلُ عمودُ الطمأنينة"، أظنه لم يعن فقط أن عدمَ المعرفة تريحُ بالك من التفكير في إجابات أسئلة الوجود الكبرى، ومن ثَم تطمئنُ وتنام، على عكس ما يَأْرَقُ الفلاسفةُ والعلماءُ، فيخاصمهم النومُ، وتنأى عنهم الراحة والطمأنينة، بل أظنه قصد أيضًا أن المعرفةَ تحدُّ من رعونة أسئلتك وتقصّ من شطحاتها لأنك مقيّد بالنظرية ومكبّلٌ بالقانون. فلم يعد ممكنًا أن تسأل (الآن): لماذا تدورُ الأرضُ عكس اتجاه عقارب الساعة؟ ولماذا ينيرُ القمرُ ليلاً؟ ولماذا تبدو السماءُ زرقاءَ؟ ولماذا تسقطُ الثمرةُ من الشجرة بدلاً من أن تطير؟ لكن مَن يجهلُ يحق له أن يسأل "مطمئنًا" عمّا يشاء وقتما يشاء وعلى النحو الذي يشاء. لأنه يمتلك شيئًا ثمينًا لم نعد نمتلكه نحن بعدما أفقدنا العلمُ إياه. الدهشة. والدهشةُ أصلُ الفرح ومصدرُ الإبداع الأكبر. لذلك الأطفالُ مبدعون في أسئلتهم وفي رسومهم وفي ركضهم وراء فراشة أو ضفدع. فالطفلةُ التي سألت الله عن الحدود بين الدول، لا تفهم معنى كلمة احتلال، ولا إمبراطوريات. ولا تعرف من هو سير مارك سايكس، أو مسيو چورج بيكو، اللذين رسما الحدود بين البلاد، ولم تسمع عن آرثر بلفور ووعوده. وبالتأكيد هي بريئة من دم الهندي الأحمر الذي تدوس قدماها رفاتِه كل يوم في طريقها إلى المدرسة. السؤال المحزن الآن هو: هل يُسمح لأطفالنا العرب أن يطرحوا مثل هذه الأسئلة؟ الحقًُّ أن لا قانون ثمة يمنع التفكير والخيال، وبالتالي لا محلّ لقانون، وضعيّ أو عرفي، يمنعُ الجهرَ به. لكنها الأعراف التعسة التي اخترعناها من أجل وأد التفكير وتكبيل العقل، لذلك ينشأ أطفالنا وقد أتقنوا ثقافة "قصّ اللسان". العجيب في أمر هذه الرسائل الفاتنة ليس وحسب ذكاءها وتحررها، إنما الأعجب هو أن المدرسةَ، لم تسمح فقط بطرح تلك الأسئلة، بل هي التي طلبت هذا الطلب الجميل من الأطفال. ثم، وهو الأعجب، قاموا بنشر تلك الرسائل في الصحف. لم يُصفع الطفلُ الذي قال: "عزيزي الله، لماذا أنت مُختفٍ؟ هل هذه خدعةٌ مثلا أو لعبة ما؟" ولم يُتهم بالبله مَن سأل: "عزيزي الله، مَن يقوم بمهامك يوم إجازتك؟" ولم تُقم دعوى حِسبة ضد نورما إذ سألت: "هل فعلا كنت تقصد أن تكون الزرافة هكذا، أم حدث خطأ ما؟" أو على من قال: "من فضلك أرسلْ لي حصانًا صغيرًا. ولاحظ أنني لم أسألك أيّ شيء من قبل، يمكنك التأكد من ذلك بالرجوع إلى دفاترك." ولم يُستهزأ ممن سألت: "مَن رسم هذه الخطوط حول الدول على الخريطة؟" فالبنتُ جميلةٌ بقدر جهلها بالاتفاقيات الدولية. جميلةٌ طالما لم تقرأ بعد عن الحروب والاستيطان والمصالح والمقايضات والحلول السياسية. أقدّم لكم بعض الرسائل وأنتظر أن تقدموا الأطفال للمحاكمة! رسائلُ الأطفال إلى الله عزيزي الله، في المدرسة يخبروننا أنك تفعل كلّ شيء. مَن الذي يقوم بمهامك يوم إجازتك؟ عزيزي الله، بدلا من أن تجعل الناس يموتون، ثم تضطر لصناعة بشر جديدين، لماذا لا تحتفظ وحسب بهؤلاء الذين صنعتهم بالفعل؟ عزيزي الله، هل أنت فعلا غير مرئي، أم أن هذه حيلة أو لعبة؟ عزيزي الله، شكرا على ال Baby الذي ولدته أمي أمس، لكن صلواتي لك كانت بخصوص جرو Pupy! حدث خطأ! إذا كنا سنعود من جديد في هيئات أخرى- من فضلك لا تجعلني چانيفر هورتون لأنني أكرهها. عزيزي الله، إذا أعطيتني المصباح السحري مثل علاء الدين، سوف أعطيك بالمقابل أي شيء تطلبه، ما عدا فلوسي ولعبة الشطرنج خاصتي. عزيزي الله قابيل وهابيل ما كانا ليقتلا بعضهما البعض لو خصص أباهما لكل منهما غرفة مستقلة. جرّبنا ذلك مع شقيقي ونفع الأمر. عزيزي الله، ليس عليك أن تقلق عليّ. فأنا أنظر للجهتين دائما حين أعبر الطريق. عزيزي الله، أظن أن دبّاسة الأوراق هي أعظم اختراعاتك. عزيزي الله، أراهن أن ليس بوسعك أن تحب جميع البشر في العالم. لم أستطع أن أحب أربعة فقط في بيتي. عزيزي الله، إذا شاهدتني يوم الأحد في الكنيسة، سوف أريك حذائي الجديد. عزيزي الله، قرأتُ أن توماس إديسون اخترع اللمبة. وفي المدرسة يقولون إنك من صنع النور. هل سرق فكرتك؟ عزيزي الله، لا أعتقد أن هناك من يمكن أن يكون ربًّا أفضل منك. ولا أقول ذلك لأنك أنت الربُّ بالفعل.
فاطمة ناعوت مجلة 7 أيام
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آن أنْ أكتبَ عن العصفور
-
علامَ يُحاكَم إسلام البحيري!
-
عبثيةٌ لم يكتبها بيكيت
-
سعفةُ نخيل من أجل مصر
-
هل لحرية التعبير قيود؟
-
سفاحُ الأطفال، صائدُ العصافير
-
الحاجة صيصة وذقن حتشبسوت
-
طلّعى الكمبيالة يا حكومة!
-
أيتها المرأةُ الملعونة، أين عضلاتُ فخذيك؟
-
مصرُ أينما جُلتَ
-
الرئيس.. والأم
-
شكرا ونكتفي بهذا القدر
-
أمي -الملاك-... التي لم تنجبني
-
شارعُنا
-
هل تذكرون لوزة وتختخ؟
-
مفتاحُ الحياة في يدِ مصر
-
لأنها مصرُ، احتشد العالم
-
قطط الشوارع
-
مصرُ على بوابة الأمل
-
لو كان بمصر هندوس!
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|