أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى حنكر - الإنسان بين فرويد و أدلر















المزيد.....

الإنسان بين فرويد و أدلر


مصطفى حنكر

الحوار المتمدن-العدد: 4781 - 2015 / 4 / 18 - 01:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


* فرويد ونظرية الجنس في التحليل النفسي

ما يلاحظ لدارس التحليل النفسي لدى فرويد ،وهو أحد مؤسسي علم النفس التحليلي ،كونه يركز أساسا عن الجنس في بناء شخصية الفرد وسلوكه . إذ يبالغ أحيانا ،وهذا ما يتهمه به معارضوه ، للتحيز لنزعة جنسية تؤثر في سلوك الفرد (كبت ، عقدة نفسية ، عصاب ،إلخ ) . فيذهب فرويد إلى اعتبار الجنس دافعا وراء كل شيء . لتبدو القيم والأخلاق مجرد عوائق تمنع الإنسان من إشباع رغبته في تحقيق الإشباع الجنسي . لذلك ، وفي وجود هذه الثنائية ,أي الرغبة الجنسية ومانعها جنبا إلى جنب في ذات واحدة هو سبب كل اضطرابات الإنسان مما يولد لديه أمراضا وعقدة نفسية .
ولنتساءل مع فرويد في هذة البحث : إلى أي مدى يؤثر الجنس في سلوك الفرد ؟!
وأية علاقة يؤسسها فرويد بين اللبيدو (الغريزة الجنسية ) مع التحليل النفسي ؟!
في مبحث الجنسية الطفلية (كتاب ثلاثة مباحث في نظرية الجنس لفرويد ) يكتب "من المسلم به بصفة عامة أن الغريزة الجنسية مفتقدة في الطفولة و لا تستيقظ إلا في مرحلة البلوغ .و هذا خطأ ترتب عليه نتائج جسام لأنه هو المسؤول عن جهلنا بالشروط الأساسية للحياة الجنسية "
كأننا بفرويد يريد أن يقول على نحو آخر أن الجنس لا علاقة له بنمو الأعضاء التناسلية للإنسان في طور بلوغه .فحياته الجنسية تبتدئ وتتحدد منذ طفولته الأولى .حيث نلاحظ لدى الأطفال ، وليس كحالات استثنائية، سلوكات جنسية صرفة .إذ نجد الطفل يهتم بأعضائه التناسلية ويداعبها حينا. يستمني ويحاكي علاقة جنسية حينا آخر .وتنمو لديه رغبات ايروسية تجاه الجنس الآخر .
إن نسيان هذه التمظهرات الجنسية لدى الطفل ، والنظر نحوها بشذوذ ،من ثم إلغائها من تاريخه النفسي هو ما سيؤدي ، في نظر فرويد ، إلى امتناعنا بعدم الأخد بعين الإعتبار طور الطفولة في نمو الحياة الجنسية لديه فيما بعد . وهذا ما سيصعب لدى المحلل النفسي تحديد وتشخيص الإضطرابات النفسية لدى الفرد في حال نساية طفولته على وجه أدق .
يحتج فرويد ضد كل إشمئزاز من طفولة تتمظهر فيها سلوكات جنسية باعتبارها طفولات غير سوية و استثنائية لأن ما لاحظه في دراساته الإكلينيكية كان العكس تماما .إذ لاحظ لديهم سلوكات تدل على ميولهم نحو الجنس . فالتمصص الذي يمارسه الطفل على ثدي أمه ،انما ينشد فيه لذة إيروسية يريد اشباعها .لكون المنطقة الشهوية التي يداعبها الطفل بشفتيه ولسانه عن طريق المص تحسسه بلذة شبيهة بالشعور الغريزي حين يمارس البالغون علاقة جنسية .
كما أن تمظهرات إستمنائية وشرجية لدى الطفل ، خصوصا حين يصل عمره 5 سنوات ، يتم إشباعها بدوافع جنسية بحتة .هذه الغرائز التي لن تتحقق روابطها بالحياة إلا فيما بعد ، لها وجودها العياني منذ الطفولة ، ولكنها ذات امتداد في حياة الطفل المستقبلية . لأن الطفولة لا تنتهي في زمنها العمري ،بل تمتد نحو فترة البلوغ لتؤثر فيه نفسيا .
*فرويد وعقدة أوديب أو عقدة العقد
يعرف فرويد عقدة أوديب على أنها ميول جنسي صادر من الطفل نحو والده من الجنس الآخر ،فيتعلق به إيروسيا ، ويتملكه شعور بالغيرة تجاهه (عقدة أوديب لدى الصبي ، و هي تسمى لدى البنت عقدة إليكترا ) .مما يولد لديه إحساسا بالكراهية لأبيه ،سيرغب معه في الغائه .
إكتشف فرويد عقدة أوديب إنطلاقا من ذاته هو ، من تحليل نفسي لطفولته وعلاقتها بأمه أساسا . حيث كانت مشاعر الغيرة تنتابه تجاه أبيه ومشاعر الحب الحميمية التي كان يربطها مع والدته في الآن ذاته .وهذا ما كان سببا مباشرا لنشوء عقدة أوديب لديه هو أولا .فالعلاقات التي يربطها الطفل مع أمه ، خصوصا في الفترة الفموية ،تحسسه بنوع من الإشباع الجنسي .إنها تثير لديه رغبات جنسية ملحة تحقق له لذة لبيدية دون أن تعي أنها تفهم لدى طفلها هكذا . لذلك يحس الطفل بغيرة وهو يرى شخصا آخر (أبوه ) ينافسه و يرتبط بأمه إيروسيا . فيبدأ الطفل بالتوجس من أبيه ، ويصدر له مشاعر عدوانية منشؤها عقدة أوديب لتصل في الفترة القضيبية حدتها . إن الطفل الأوديبي يستثير جنسيا تجاه أبويه ، إذ ينظر نحوهما كموضوع جنسي فقط .خصوصا والده من الجنس المقابل .جنسنة الأم لدى الطفل وجنسنة الأب لدى البنت . هذه الأخيرة بدورها ترتبط بأبيها أكثر ،وتتملكها أحاسيس معادية لأمها منشؤها غيري ، كونها تغار منها على أبيها ، لتتعلق به إيروسيا مع رغبة إزالة أمها من مكانة تعتقد أنها لها بالذات .
تتولد لدى الطفل ، حين تصل عقدة أوديب أوجها ، مقاومة لوجود الأب كموضوع يشعره بالغيرة والمنافسة .إذ ينظر إليه كمصدر تهديد لوجوده .وفي نفس الآن لا يستطيع التفوق عليه .لذلك سيستسلم لسلطة أخلاقية أخرى ستكبح جموحه اللبيدوي وهي سلطة الأنا الأعلى .فعلاقة الطفل بأمه تعدها هذه السلطة علاقة شاذة و محرمة أخلاقيا . هنا يتعمق الصراع أكثر لينتقل بين طفل وأبيه إلى مستوى آخر ، وهو صراع محموم بين الهو وسلطة الأنا الأعلى في مراحله الأولى لدى الطفل سيحس بذاته ،وهو في خضمه ، بنوع من الإنهزام لكأنه يواجه نهرا جارفا قد يميته مما يضطره للإستسلام أخيرا لسلطة الأنا الأعلى والأخلاق .
وهنا يدخل الطفل طورا آخر أسماه فرويد بطور الكمون ، وهي فترة يحول فيها الطفل رغباته اللبيدوية المستسلمة لسلطة الأنا الأعلى إلى مجالات أخرى كالمدرسة وعلاقاته بالأصدقاء . فيزداد اهتمامه وتركيزه أكثر على مواضيع يحقق فيها ذاته ويصقل إبداعاته فيها كالموسيقى والمسرح و الرقص والرسم ..إلخ
*عقدة الخصاء Complexe de castration وحسد القضيب :
"تظهر عقدة الخصاء عند الطفل متى اكتشف ، ولأول مرة ، أعضاء تناسلية أنثوية .أما البنت فتنشأ لديها عقدة الخصاء حين ترى العضو التناسلي الذكري فتتفطن بالفارق بين الجنسين مما يزيد حساسيتها بما أصابها من إجحاف كبير " فرويد
تتجسد عقدة الخصاء لدى الطفل الذكر على شكل خوف وقلق (Angoisse) يحسه بعمق من احتمال فقدان قضيبه .ليس لكونه مجرد عضو بيولوجي كباقي أعضاء الجسم وإنما رمزا لجنسه الذكوري وجوهره الجنسي . فبه يكون وبدونه لا يكون . وخوفه من إخصائه ، إنما هو خوف من إخصاء ذكورته وسلطته وتفوقه .لكون الطفل يعتقد منذ البدء ، وهذا حصل معي شخصيا في طفولتي ، أن جميع الناس خلقو بعضو ذكري فقط ، فلا وجود لعضو تناسلي أنثوي في مخيلته لحد الآن . ما أن يكتشف أعضاء تناسلية لدى البنات ، ويتبين له الفرق بين جنسه والجنس الآخر يكون إعتقادا آخر بأن البنت قام أبويها بإخصائها ببتر قضيب كان لها في الأصل . مما يولد لديه مخاوف من إخصائه هو أيضا، إذ يعتقد أنه مهدد من طرف أبيه بالخصي . لهذا السبب يعمق علاقته بأمه هروبا من تهديدات أبيه بالإخصاء .فتتكون لديه رغبات لإلغاء أبيه كمصدر تهديد له ، وهنا تكون عقدة الخصاء قد وصلت أوجها و تطوررت إلى عقدة أوديب .

تتطور عقدة الخصاء لدى البنت ،لتصل أوجها ،بإحساسها عقدة النقص والحسد في آن . إنها تحس نقصا أمام الذكر وتحسده في الآن ذاته على قضيبه . وهي تتمنى أن يكون لها عضو ذكري كما لدى الصبي ، لتتولد لديها رغبات قوية لامتلاكه . وهي رغبات سيكون لها تأثير قوي على نفسيتها وطبعها ، وقد يقود هذا الوضع لديها إما إلى عصاب أو إلى إضطراب نفسي أو إلى مركب رجولة بسبب رفضها التخلي عن رغبتها في القضيب فتقلد شخصية الذكر ظاهريا ، أو قد تتطور حالتها إلى أنثوية سوية تجعلها تكبح رغبتها الذكورية في امتلاك قضيب و اشتهائه لدى أبيها .فتتوطد علاقتها بأبيها ، لأنه يمتلك قضيب ، وترغب في الآن ذاته في إلغاء أمها من دائرة المنافسة (rivalté) على الأب . و هنا يحدث تحول جذري لدى البنت منشؤه عقدة الخصاء إلى بلوغ عقدة أوديب أوجها .
سنتساءل هنا : لماذا يبالغ فرويد لهذا الحد حيث يربط التحليل النفسي بمجرد دوافع جنسية مكبوتة ؟!
إن الدراسات والملاحظات السريرية التي كان يجريها فرويد على مرضاه هي التي تؤكد هذه النزعة الجنسية في معظم تحليلاته السيكولجية . وكأننا بفرويد يريد أن يقول "إن سلوك الإنسان ليس سوى جنسا مكبوتا " ، فكل الإضطرابات النفسية التي نجدها لدى البالغين (الهستيريا ، العصاب ، الوسواس القهري الرهاب ،الخوف المرضي....) ما هي سوى تمظهرات للعقد الفرويدية ،أي عقدتي أوديب والخصاء ، في حالات كبتها وقمعها دينيا وأخلاقيا وأسريا وعدم التعامل مع رغبات الطفل الأويديبة بنوع من الإنفتاح والقبول .
إن العصابي "Nevrosé" هو شخص يعود عليه ماضيه وذكرياته وطفولته على نحو مأساوي في الحاضر . إنه شخص قمع جنسيا في فترة طفولته ، وتم تكبيت رغباته الإيروسية ، بل الغيت بشكل كامل من كل وجود ، لاعتقاد عدم وجودها أصلا ، ولكن فرويد كان قد نفى هذا الإعتقاد ورفض إعتباره مجرد إستثناء وشذوذ .إن هذا الشخص يتجذر فيه الكبت ، كبت رغباته الإيروسية في الطفولة واهمالها ، ليكون مصدر كل إضطراب نفسي (الخجل ، الخوف ، العصاب ...إلخ ) يؤزم حياته ويمزق نفسيته لدرجة الإنزواء على ذاته وفصلها بشكل كامل عن الآخر والمجتمع مما سيتسبب لذاته دخولها طورا آخر أكثر خطورة ، وهو تكون عقد نفسية أخرى أوديبية المنشأ .
*أدلر ضد أستاذه فرويد .
تعمدت المرور عبر فرويد حتى أبين وجه التعارض والإختلاف بينهما . فقد تمرد أدلر على أستاذه فرويد في مدرسة التحليل النفسي للسبب ذاته الذي تحدثت عنه في مقدمة هذا البحث .وهو النزعة الجنسية التي استبدت بفرويد في كل تحليلاته النفسية ،حيث وضعها موضع المحرك والدافع في سلوكات الفرد . في هذه النقطة بالذات ، إختلف أدلر مع فرويد بشكل جذري ،ورفض رد سلوكات الفرد إلى دوافع جنسية ، وقال بأن دافعا آخر أبعد ما يكون عن الجنس هو الذي يحرك السلوك الفردي هو غريزة التفوق منشؤها إحساس بمركب نقص d infériorité complexe أمام الآخرين .هذا ما أكده ألفريد أدلر نفسه حين قال : "أن تكون إنسانا يعني أن تحس بنقص ما " وهذه العقدة لدى الفرد ، أي عقدة النقص ، هي التي سيسعى فيما بعد إلى تعويضها بسلوكات ومواقف تحسسه بالتفوق .
فماذا يعني ألفرد أدلر بعقدة النقص ؟ وكيف تؤثر إيجابيا وسلبيا في سلوك الفرد ؟ وما هي ميكانيزمات تعويضها ؟

*عقدة النقص
يعرف أدلر عقدة النقص بكونها شعورا ينشأ لدى الفرد بوجود مشكلة يظهر فيها غير مستعد أو مهيء لمواجهتها ، وتؤكد قناعته بعدم قدرته على مواجهتها .
ومن منا لم يتأتيه شعور كهذا في حياته . إن حياة الفرد ليست سوى هذه الشعورات المربكة للذات و التي عرفها أدلر على أنها عقدة نقص . فأن تكون إنسانا ، كما يقول أدلر ، يعني أن تحس بنقص ما .إن مكانة الجنس ، أو عقدة أوديب ، في المدرسة الفرودية هي نفسها المكانة التي حظيت بها عقدة النقص وغريزة التفوق لدى خصمه الشقي أدلر . وإن كان الدافع الجنسي طاغيا على التحليل الفرويدي ، فإن أدلر هو أب عقدة النقص حيث يقحمها في كل سلوكات الفرد ليفسرها على أنها تجليات أو تمظهرات شعورية أو لا شعورية لعقدة النقص لدى الفرد ، مصدرها أساسا تاريخ الطفل الأسري والإجتماعي . فالطفل الذي قاسى في فترة طفولته وتلقى تربية غير سوية ، ومحافظة و منغلقة،تقمع حريته و شخصيته ، يزداد احتمال احساسه بعقدة نقص حادة ، تفقده ثقته في نفسه تجاه تحديات الحياة .مما يسهل سقوطه ، بسهولة ضحية اضطرابات نفسية أخرى منشؤها إحساس بالنقص ، فتعيق اندماجه بشكل سلس في المجتمع .و نجد الفرد ، والحالة هذه ،يلوذ بالهروب والإنزواء خوفا من مواقف اجتماعية تشعره بالانهزام والإحباط فيسعى لتجنبها .
إن وسيلة العصابي الذي استبد به شعور بالنقص هي التجنب والتفادي ، تفادي مواقف تثير أعراض التوتر النفسي لديه وتوقظ عقدة النقص في لاوعيه ،لذلك تبقى عائقا يؤرق حياته دوما ، لأن العصابي في هذه الحالة لا يفكر في حل المشكل ومعالجته ، عن طريق نهج وسائل تتخطاه , فيتجاوز بالتالي نقصه .بل تفكيره مركز ، بشكل أساسي ، على عجزه أمام هذا المشكل وهو يعبر عن ذلك في قرارة نفسه : " إني لن أنجح " أو "أكيد أني سأفشل " ، أو "أنا غير قادر على فعل ذلك " ، و الأكيد أنه لا يفعل شيئا سوى أنه يلوذ بالهروب الذي تحدثت عنه . فيجد أن إستراجيته الوحيدة لحل المشكل هو تفاديه كليا وعدم الإقتراب منه ، إذ يروض وعيه الباطن على عدم الفعل والمواجهة كحل لتخطي مواقف تسبب له توترا نفسيا ،وأقصى شيء يقدر على فعله هو التفادي .
يذهب أدلر في طرح نظريته النفسية إلى أن الفرد لا يتعامل مع عقدة النقص على أساس واضح ، فالأنا في أغلب الأحيان يتحايل على شعوره بالنقص ويراوغه .ويسعى الفرد أثناء مواجهته لمشكلة توتر أعصابه ، والحالة هذه , إلى وسائل تمويهية ، وإظهار شعور زائف بالتفوق على عقدة النقص لديه . فيبذل جهودا خاصة لإخفاء مشاعر النقص المضمورة في دواخله وابدالها بسلوكات مزيفة تحسس أناه بالتفوق .فالشخص القصير القامة مثلا يتصنع المشي على أطراف أصابع قدميه ليبدو أنه أطول من قامته الحقيقية .فهذا الطفل يعاني عقدة نقص منشؤها قصر القامة فيخفيها بهكذا سلوك تمثيلي ليتظاهر بعكس ما يضمره . وقد يواجه شخص آخر خطرا يهدده بالموت .رغم أن الخطر يثير رعبا قويا داخله ،إلا أنه يتظاهر بالشجاعة أمام أصدقائه .فهو يريد إبداء هذا الإنطباع لديهم بالذات ، أنه ليس خائفا ويكون قد بين نفسه شجاعا .ولكن ما يجري في دواخله أمر آخر ،وما أن نفحص نبضات قلبه في هكذا موقف حتى نعرف أن ما يبديه مجرد تمثيل .ولو سألناه هل أنت خائف ؟ لأجاب بالنفي .هذا طبيعي .لأنه لا يريد إبداء نقصه ، فهو يحاول اخفاءه ما أمكن .وعلى المحلل النفسي أن لا يسأله هذا السؤال . بل سينصت للاوعيه ليعرف أنه يخفي خوفا حقيقيا أمام موضوع خوفه .وأنه يحاول تمويهه لاشعوريا بهكذا سلوكات مزيفة لتخطي نقصه .
إن آلسلوكات التمويهية التي يلجأ لها الفرد الذي يعاني إحساسا بالنقص ليبدي للآخر تفوقا زائفا ما هي إلا خداع للنفس ، فالفرد لا يعالج مشكلته بقدر ما يحاول التحايل عليها على هكذا نحو زائف . فالموقف الذي يسبب له توترا ويحسسه بنقص ما ، ما زال قائما .وما أن نعيد عليه الموقف ذاته ،حتى يتوتر مجددا . ولو تمعنا جيدا في هذه التمويهات و الحيل التي تلجأ لها الذات كحلول لشعورها بالنقص ،لوجدناها بدون معنى ، فهي لا غائية .دورها يقتصر فقط في عبور الإنسان لحظيا حالته النفسية المتأزمة ليحقق توازنا لذاته ، ولكن دون أن يتم التخلص من العقدة بشكل جذري .
هناك أشخاص كثيرو الكذب لدرجة أنهم يصدقون كذبهم مع مرور الوقت .هذا الشخص لا يحقق ذاته إلا في الكذب ،فيتماهى في كذبه ، ليصدق هو نفسه . يبدو لنا نحن ببداهة أنه يكذب ,أماهوفيعتبر نفسه صادقا .تحليل هذه الحالة سيكولوجيا يبين أن هذا الشخص يعاني من عقدة نقص حادة في الحقيقة . ويعوضها عبر الكذب ،عبر نسج قصص فنتازمية يكون هو بطلها الرئيسي . ولكن ما هدفه من هذا ؟ ..إنه يريد إثبات تفوقه عبر الكذب .هذه الفئة من الأشخاص لا يكذبون لسبب قاهر دفعهم لذلك ، لحماية أنفسهم مثلا من خطر يهدد حياتهم ولكنه كذب دافعه غريزة تفوق منشؤها إحساس بالنقص .
ما ذكرته مسبقا هو عقدة نقص اتخدت أشكالا سلبية وتمظهرات مزيفة وتمثيلية لدى أشخاص عصابيين. وهي تمويهات لا تعالج المشكل في حد ذاته وإنما تراوغه لحظيا حيث يعود مجدد ما أن يعود الموقف المسبب له ذاته.ولكن يجب أن أقول ، دون مبالغة ، أن إحساسنا بالنقص هو الذي يحرك التاريخ . فالنظرة السلبية نحو عقدة النقص أصبحت متجاوزة ، فهي دافع الإنسانية القوي نحو التقدم والحضارة . وما هذه الأخيرة سوى نتاج ذوات دفعها الإحساس بالنقص لتخطي لحظتها التاريخية الغير مكتملة . إن الإنسان منذ عصوره البدائية الأولى ، وهو عاري الصدر في مواجهته للطبيعة ، كان يمزقه إحساس بالنقص دفعه إلى تطوير ذاته وحمايتها من توحش الطبيعة والتفوق عليها ليكون سيدها بلا منازع .فهذا كان حلمه الأول حيث كان يفكر ويبدع تحت رغبة ملحة في التفوق . لكأن أدلر هنا يدعونا إلى الإحساس بالنقص كمحفز للأنا نحو إتباث تفوقها وانتزاع اعترافها بلغة هيغل . وإن تفوق الأنا أمام تحدي ما يقف في طريقه ، فإن إحساسا بالنقص ذاته سيعاوده بقوة أمام تحدي آخر .
أكيد أن الإنسان ، وهو يتحدث عن نفسه نفسانيا في علم النفس الفردي ، بدا لنا غاية في الوهن والضعف، كذات مفعول بها ، مسلوبة الإرادة عكس ما أسست عليه الفلسفة الحديثة نفسها بكونه مركز الكون وأصل الوعي كله . وها قد تبين،نفسيا هذه المرة، أنه ضحية اللاشعور لتقوده بنياته بشكل لاوعي (الهو ، العقد النفسية ، الأنا الأعلى ، الثقافة ..إلخ ) إلى سلوكات لا يعيها ولا يقصدها . و قد صوره فرويد على أنه مجرد رغبات لاشعورية ولبيدية تبحث عن الإشباع الغريزي ،فيتألم نفسيا إن هو كبتها . وجاء أدلر ليكمل عليه ما تبقى من وعيه أو ما يدعي أنه وعي ، فاختزل الإنسان إلى كومة عقد نفسية تتلاعب به لاشعوريا .



#مصطفى_حنكر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حينما نفكر على نحو مغاير


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى حنكر - الإنسان بين فرويد و أدلر