وليد مهدي
الحوار المتمدن-العدد: 1329 - 2005 / 9 / 26 - 11:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
قد يتعلق الامر برمته بطريقة التفكير التي نتعامل بها مع وقائع الامور…فلو عرجنا مثلا على الفكر الالهي ( اذا صحت التسمية ) …المتمثل بالدساتير السماوية في الصحف الثلاث…التوراة والانجيل والقران فان الموضوع برايي الشخصي …محسوم وبما لايقبل الشك …بان الانسان قادر بفطرته البسيطة التعرف على الحقيقة…؟؟
فابراهيم الخليل لم يكن الا شابا لم يكن قد بلغ مبالغ الانبياء بعد عندما هجر بابل ومدينته في الجنوب ( اور) متجها الى فلسطين ( اورشليم)…بمعنى ان حوار ابراهيم الخليل مع الطبيعة الذي تناول انطولوجيا ( علم الوجود) للذات والعالم كان حوارا فطريا بسيطا …في القصة المعروفة …اذ رآى القمر بازغا…والشمس…لكنه اقلع في النهاية الى التسليم بتاييد خلق هذا العالم ضد مجهول…اسماه بــــ ( فاطر السماوات والارض )..فهو قد ترفع عن المواريث الاجتماعية…وتوجه مباشرة الى الطبيعة…ومنها كانت معرفته بالله …لان الطبيعة…هي الاثر الوحيد الذي يدل على الله….بل إن النظرة التحليلية لواقع فلسفة إبراهيم الخليل…تشير إلى إن نظرته الأساس كانت فطرية..وكل الأطر الماورائية التي جاءت بعدها إنما ارتكزت عليها …وبدونها لم تكن أصلا…واقصد بالماورائية : الوحي والقوة السماوية…فهي لم تنبثق بدون هذا الأساس الذي يكون مقدمة لأي وحي أو نبوة ..!
فكل عقائد الارض تدعي الوصل بالله…وان ما تطرحه هو سبيل الرشاد…، لكن وكما هي معروفة الطبيعة البشرية…انما تستغل هذه العقائد لتحقيق مارب ضيقة باسم الله الواحد الاحد …ولا يمكن لهذه الماساة ان تنتهي ابدا …ماساة استغلال الدين …الى يوم القيامة…والحل النهائي لابد ان يكون …ظهور عقيدة جديدة… لا تحتاج الى تفسير…!!
فكل ديانات ومذاهب الفكر الانساني لا تسمح بوجود مثل هكذا عقيدة ..،لانها تزيل الطبقة المستفيدة من الدين…والتي تتبنى مسؤولية تفسير النصوص..دون مراعاة للأسس التي انطلق منها الأنبياء أصلا…وهي التفكر بالطبيعة…ودراسة الحقائق ولو بسطحية بنظرة واقعية بعيدة عن الوغول الغامض والمعقد في كنه التفسيرات كما يقوم به غالبية رجال الدين.. فقد كان لابد من وجود غموض وتعدد في التاويل والتفسير ..، وبالتالي…وبرايي الشخصي…لايمكن الاعتماد الا على المنهج الابراهيمي البدائي في التعرف على الحقيقة….تناول الموضوع ببساطة مطلقة..وهو نفس المبدأ الذي ابتدأ به نبي العرب محمد ويشير إلى ذلك سور القران الأولى ودعواتها الملحة للاستفادة من تأمل الطبيعة ..وكذلك الاستفادة من تلقائية انسياب الافكار وفق الفطرة…وهو أسلوب قريب أيضا إلى دعوات الإنجيل ..والخلاصة من كل هذه الدعوات دفع العقل إلى التسليم بتأييد خلق هذا الكون ضد مجهول…مثل مبدأ إبراهيم البدائي….لكن المشاكل إنما تأتي بعد ترسيخ هذا المبدأ في قلوب المعتنقين…حيث تظهر الشريعة …كقانون اجتماعي..ومنهاج سياسي..، ولهذا يقع الالتباس ويحدث تغييب للأساس الذي بني الدين عليه..وهو التأمل الفلسفي للطبيعة وتأييد عظمتها لأعظم مجهول لايمكن إدراكه..ليتحول هذا المجهول إلى صورة يمكن إدراكها بصفات معينة…وقد استرسل الإسلام في وصفها بسيناريوهات متعددة ومعقدة وشائكة تم تتويجها بحادثة الإسراء والمعراج، وسبقت بتصويرات كثيرة في آيات القران…ما كان ينبغي أن تظهر…وماكان للنبي العربي إظهارها لأنها تحط من قدر الدين…لولا..الحرج الذي شعر به من قبل اليهود والنصارى الذي الحوا عليه بالأسئلة واستنزلوه إلى حيث انتهوا هم…ولعل قصة ذي القرنين والروح خير شاهد على إن الرسول محمد كان يعاني من هذا السجال الفكري مع أتباع الديانات القديمة وخصوصا اليهود الذين كان على اتصال مباشر بهم في المدينة ، حيث امتنع عن الإجابة على تساؤلهم عن الروح وذي القرنين مدة أربعين يوما !!
ماهي الشريعة اذن…؟؟
برايي ان ما يفرضه واقع الحياة من تعامل…مع الاخر…هو الشريعة..ولهذا نجد ان ارفع القوانين مستوى من خلال ميول غالبية البشر في العالم نحوها ( بدوافع فطرية) هي القوانين الوضعية ….فطرة الله التي فطر الناس عليها…لاتبديل لخلقه…!!
لا أود أن أكون مشرعا يدعي النبوة…لكنني أتمنى أن أكون المجدد الذي يريد العودة بالنبوة إلى نقطة انطلاقتها الأولى…التأمل الفلسفي والتفكير الفطري في الكون والحياة والمجتمع..!!
فما يسمى بالقانون الوضعي على الرغم من تبدلاته وتطوراته…فان القوانين الدينية نفسها تخضع لهذه التقلبات والتطورات…ولا توجد قوانين ثابتة في الكون الا قوانين الفيزياء الاساسية التي تحكم عالم الذرة….والمجرات..!
فرجال الدين يشعرون بالحرج الشديد هذه الايام عندما يسالهم شخص ما :
ما هي عقوبة المحصن اذا زنا او زنت …؟؟
وفق الشريعة الاسلامية…فهي ترجم…بالحجارة…وتقتل بمنتهى القسوة…التي لايمكن لضمير البشر الفطري تقبلها….والدين بطبيعته رحمة للناس وليس امتهانا للكرامة البشرية حتى لو اخطا الانسان ….فبسبب تطور وسائل الاتصال والاعلام….اصبح بمقدورنا مشاهدة افلام الرجم هذه التي يستغرب منها العالم المتحضر ويرى فيها بربرية لايمكن للسماء ان تامر بها ابدا…كذلك ينطبق الحال على قطع يد السارق…او جلد شارب الخمر ثمانين جلدة ربما تودي بحياته…!!
مشكلة الدين إذن …هو عدم التمييز بين مرحلتيه الأوليتين المنفصلتين ..الأولى التاملية الفكرية…السابقة للوحي والثانية مرحلة الوحي وفي الإسلام أسيء فهمها وتفسير نصوصها حيث تركز في زاوية ( تجميد النصوص واعتبارها مقدسة) ….حيث ينحى الاولون دائما الى تثبيت النصوص….كانعكاس اولي عن تثبيت انفسهم في الابراج ” القدسية” التي يترفعون بها عن الحياة والناس او ترميز الدين كنظام لابد ان يكون سماوي المصدر….والحقيقة….ان هذا العالم كله ملك الانسان…وخوله الله له…وليس العظيم رب السماوات الذي خلق الكون بكل هذه الدقة…وجعله زاخرا بكل هذه الطاقات…هو نفس الرب الذي يرتضي لف امراة بكفن ودفنها في الارض حية الى نصف جسمها…ثم يقوم المئات من المصابين بالعصاب ( القهري ) ليرجموها منادين الله اكبر…؟؟
الله….الذي قال…واذا المؤودة سئلت باي ذنب قتلت….اترجم هذه المراة بكل هذه القسوة لانها زنت…؟؟
هل ياترى ان الحلول ” الحدية” والعقوبات القاسية هي المنهج الاسلامي في الاصلاح..؟
نعم…ان الاسلام كذلك….فهو يعتمد ” ظاهريا ” حسبما فسره المتبرقعون بالقداسة من حاخامات مكة والكوفة والازهر ..على الرغم من إني أكون ظلمت الحاخامات ربما بهذا التشبيه..لكن الحقيقة…ان الاسلام…يحمل تفسيره البسيط…لابل ان الاسلام….بكلمة ” اسلام ” فقط لا سواها….يمكن استنباط الشريعة والقانون والنظام منه…فهو وكما قال علي بن ابي طالب : التسليم
وهو ايحاء بالاندماج مع نظم الطبيعة الواقعية لا الانقياد وراء المواريث وهو المنهج الذي اتبعه محمد النبي بالفعل مع قومه..ونعود إلى الفطرة الإبراهيمية….التي تبنت…التسليم بحقائق الفطرة..واسمت كل من يسلك سلوكها بـــ ( المسلم) كما جاء في القران ” ملة ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين ” ..التي لو تجردنا فيها ولو لساعات من ديانات ابائنا كما فعل ابراهيم…لكنا ايقنا….ان القانون الدولي وما يطرا عليه من تحديث…وتطوير….هو الاسلام الفطري الحقيقي.. على الرغم من حدوث التبدلات عليه والتي لم يكن الاسلام نفسه ليخلو منها ايام محمد وقضايا الناسخ والمنسوخ..والكثير من التعديلات التي ادخلها عمر بن الخطاب فيما بعد..!!
كنت اكتم القول في هذا الموضوع…وكنت اتسائل كثيرا…لماذا لم يهتدي ولو رجل دين واحد الى التفكير بمثل هذا…؟؟
حتى فوجئت بعد زوال صدام حسين….بالسيد (( اياد جمال الدين )) الذي تبنى الانسانية….والقانون الدولي والحضارة شرعة ومنهاجا….ملة ابيه ابراهيم …فهو وعلى الرغم من ان الكثيرين يتهمونه بالعمالة او الشذوذ عن الشريعة….لكن ” الاسلام الفكري التاملي الواقعي التسليمي لا الاستسلامي” هو ما يشير إلى إن هذا الرجل طرق للحقيقة السبيل…وربما يتعثر مشروعه اليوم لكن الغد ، سيحمل لنا المفاجئات ربما …ولا يصح في النهاية الا الصحيح !
#وليد_مهدي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟