|
مؤتمر شرم الشيخ والدخول عميقا نحو الليبرالية الجديدة
محمد نعمان نوفل
الحوار المتمدن-العدد: 4780 - 2015 / 4 / 17 - 22:20
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
كانت الكلمة السحرية في مؤتمر شرم الشيخ هي "الاستثمار" وفقط. تساءل البعض عن الرؤية الاقتصادية أو التنموية التي دخلت بها الحكومة أو قل النظام الحاكم لهذا المؤتمر، فلم نجد شيئا، حتى أن البعض ذهب إلى أن الجانب المصري دخل المؤتمر ليقول للمستثمرين استثمروا فيما تشاؤن!! هذا ما يسمي الاستثمار النقدي، وجوهر الفكرة أن انصار هذا الاتجاه يرون أن دخول اي أموال إلي السوق كافي لتشجيع الاقتصاد على النمو. ربما كان هذا الأمر صحيحا بالفعل لأن ضخ استثمارات سوف يترتب عليه إنشاء مشاريع، ومخرجات هذه المشاريع سوف تمثل إضافة للناتج المحلي ومن شأن ذلك رفع معدل النمو. لذلك لم يكن للجانب المصري في شرم الشيخ أي تحفظ على اتجاهات المستثمرين. لكن هناك فرق، بين القبول بدون قيد ولا شرط بالاستثمار وبين وضع أولويات لمجالات الاستثمار، لتوجيه الاستثمارات في وجهات بعينها لمواجهة المشكلات الملحة للاقتصاد والمجتمع. على سبيل المثال تعاني مصر حاليا من ارتفاع معدلات البطالة بصورة غير مسبوقة، ومن تراجع مساهمة القطاعات الإنتاجية (الصناعة والزراعة) في الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع معدلات نمو الصادرات السلعية، فضلا عن الصادرات ذات المكون التكنولوجي العالي. بل أن الصادرات الزراعية تميل نحو المنتجات عالية الاستهلاك للمياه مثل الأرز والفاكهة والخضراوات. والصادرات الصناعية تميل نحو الصناعات ذات القيمة المضافة الأقل، مما يعظم الاعتماد على المواد الخام ونصف المصنعة. خطورة ذلك أن الاقتصاد أقرب في اعتماده على موارده الطبيعية من قواه المنتجة الخلاقة، وهذا مهدد لاستمرار التنمية أي استدامتها. على صعيد موازي، يمثل الميل نحو الاستثمارات النقدية ميلا نحو نقل الاقتصاد من الاعتماد على الاقتصاد الحقيقي، إلى الاقتصاد المالي. وقد حدث في مصر خلال الأربعين عام الأخيرة منذ اعتماد سياسة الانفتاح الاقتصادي سيئة السمعة، ان تراجع الاهتمام تدريجيا بالصناعة والزراعة، ومع البدء في برامج الخصخصة جرى الاستغناء عن عدد كبير من المصانع وتسريح العمالة المدربة وذات الخبرة الإنتاجية، لصالح الاستثمار العقاري باستغلال الأراضي التي انشئت عليها المصانع المباعة. في نفس الوقت اتجهت أغلب الاستثمارات الجديدة الوافدة إلى الاقتصاد المصري نحو الاستثمار العقاري الفاخر وإنشاء المجمعات التجارية، والمنتجعات، والمنشآت السياحية، والمضاربات المالية في البورصة. تحقق من هذا النوع من الاستثمار عوائد عالية جدا تتجاوز كثيرا معدلات العوائد الممكن تحققها من النشاط الصناعي أو الزراعي، لذلك هي من وجه نظر المستثمر أكثر ربحية من دون شك. لكنها لا توفر فرص عمل كافية، ولا تستوعب كل تخصصات قوة العمل المعروضة في سوق العمل، مما يؤثر كثيرا على الاختيارات التعليمية للشباب فيعزفون عن التخصصات العلمية والتكنولوجية، وهذا النوع من الاختيارات التعليمية مهدد لمستقبل التنمية، لأنه يؤدي لغياب ذوي التخصصات العلمية والتكنولوجية عن سوق العمل. من ناحية الدولة التي تسامحت كثيرا مع هؤلاء المستثمرين في معدلات الضرائب وفي تحصيلها أيضا، اعتمدت في تمويل الخزانة العامة على عوائد المرور في قناة السويس، ومبيعات النفط والغاز التي تراجعت إلى حد بعيد، وضرائب النشاط السياحي والضرائب غير المباشرة. بذلك تحولت عوائد الدولة إلى عوائد ريعية بالأساس. في نفس الوقت الذي اعتمد فيه القطاع الخاص على مصادر الاقتصاد المالي وعلى العوائد الريعية من المضاربات العقارية. هذا الاتجاه الاستثماري، قلص إلى حد بعيد من دور الاقتصاد الحقيقي، وهو بذلك المسئول عن تزايد معدلات البطالة، وتراجع مستويات التحديث التكنولوجي، ومستويات التنافسية للاقتصاد المصري، فضلا عن تراجع إنتاج القيمة داخل الاقتصاد، مما ينعكس على تراجع تكوين المزيد من الأصول القومية، فيكون الاقتصاد أكثر عرضه للأزمات، حال حدوث أي تغير حاد في علاقات الاقتصاد المالي. تعتمد سياسات الليبرالية الجديدة على الاقتصاد المالي إلى حد بعيد، لأنه البيئة الحاضنة لعمليات المضاربة المالية، ولإمكانات تحقيق أرباح ذات معدلات عالية، واستخدام قوى عاملة أقل بكثير من مؤسسات الاقتصاد الحقيقي، مما يترتب عليه ليس فقط زيادة معدلات البطالة كما ذكرنا، وأيضا تراجع الأثر التوزيعي للنمو على الدخول، كنتيجة للبطالة من ناحية، وضعف القوة التفاوضية للعمال من ناحية أخرى لصغر حجم منشآت الاقتصاد المالي، كشركات الصرافة وإدارة الأوراق المالية والبنوك، وشركات بيع الأراضي والعقارات. في اقتصاد كالاقتصاد المصري يعد هذا الاتجاه الاستثماري في حد ذاته أحد أهم أسباب نمو معدلات الفقر في المجتمع، فضلا عن الفساد، لأن الهياكل القانونية والمؤسسية التي تمارس منها عمليات الاقتصاد المالي ليست بنفس مستوى الانضباط الذي تتميز به المؤسسات الإنتاجية. من ناحية أخرى، يؤدي استمرار الاعتماد على الاقتصاد المالي إلى تزايد معدلات التضخم، اي زيادة اسعار السلع في السوق. ويرجع ذلك إلى تزايد الاعتماد على الاستيراد، حتى أصبح الاستيراد يغطي حوالي 75% من احتياجات الاستهلاك الضروري مثل القمح والزيوت والملابس، والوقود تتفرد مصر حاليا، ومؤتمر شرم الشيخ بملمحين يزيدان من حدة المشكلة. الملمح الأول الدور متزايد الاتساع للجيش في الحياة الاقتصادية، وهذا يلعب دورا سلبيا في عدم اكتمال دورة رأس المال للاستثمارات، ويرجع ذلك إلى اعتماد الجيش على الجنود في تنفيذ الأعمال، أي لا يدفع أجور عمالة كما يعتمد على وسائل النقل الخاصة بالقوات المسلحة فلا يدفع تكاليف نقل، ولا يدفع رسوم محلية ولا ضرائب عن النشاط، ويحصل على التيار الكهربي والمياه من الأجهزة المحلية دون مقابل. كل هذه العناصر في تكاليف المشروع لا تعود للاقتصاد في صورة عوائد خدمات أو استهلاك خاص مما يحد من الدورة الاقتصادية التي تنتج عن ضخ الاستثمارات. أما الملمح الثاني فهو طبيعة الاستثمارات الخليجية التي تسعى دوما للاستثمارات ذات معدلات العائد السريع والكبير، وهذا النوع من الاستثمار يتركز في القطاع العقاري والمنتجات الغذائية والترفيهية مثل المنتجعات والملاهي وغيرها من الأنشطة. هذين الملمحين يحدان من أي آثار ايجابية متوقعة عن الاستثمار في معناه النقدي المشار إليه، بل ويلعبان دورا هاما في ارتفاع معدلات الأسعار. ماذا قدم مؤتمر شرم الشيخ من وعود: قدم المؤتمر مجموعتين من الوعود الاستثمارية حسب بنك أوف أمريكا، المجموعة الأولى وهي الأقرب للتحقق والواقعية هي الاتفاقيات الاستثمارية وهذه تبلغ قيمتها 33.1 مليار دولار موزعة كالتالي: 16.4 مليار دولار اتفاقيات تنقيب عن البترول والغاز مع بريتش بتروليم، بريتش غاز البريطانيتان، دانا للغاز الإماراتية. 9.3 مليار دولار اتفاقيات إنتاج كهرباء مع سيمنز الألمانية، والنويس للاستثمار الإماراتية، جنرال إليكترك. 6 مليار دولار لإنشاء صوامع لتخزين الغلال تنفذها شركة السويدان الإماراتية. 1.4 مليار دولار للخدمات اللوجستية من شركة موانئ دبي، وشركة أفيك الصينية. هذه الاتفاقيات، في تقديري تمثل ما يمكن التعويل عليه لقوة الالتزام المتمثل في توقيع اتفاقيات فعلية من الأطراف الملتزمة بالتنفيذ والتمويل. أضف إليها اتفاقيات النفط والغاز لزيادة حجم حصيلة الاتفاقيات، لأن هذه الاتفاقيات قد خضعت للمناقشة من فترة طويلة، وليست وليدة مؤتمر شرم الشيخ. المجموعة الثانية، وهي مذكرات التفاهم، وهي لا تمثل التزاما قويا للموقعين عليها وتبلغ قيمتها الإجمالية 111.4 مليار دولار، وتوزيعها كالتالي: 10.1 مليار دولار في مجالي إنتاج الكهرباء وطاقة الرياح من سيمنز الألمانية، وشبكة الكهرباء الصينية، وشركة مصدر الإماراتية بالتعاون مع أكواباور السعودية للطاقة المتجددة. 11 مليار دولار لشركة ثروة للاستثمار الكويتية وهي شركة إدارة أصول مالية وتعمل في الأسواق المالية مع ميزة التخارج السريع (أي تدير ما يسمى بالأموال الساخنة في البورصات). 10 مليار دولار استثمارات بترولية (خدمات لشركات التنقيب والاستكشاف) من أوراسكوم مصر، والاستثمارات البترولية الدولية الإماراتية، وشركة أكواباور السعودية. 1.5 مليار دولار من شركة بنشمارك الأمريكية، وهي استثمارات للتجهيزات الغذائية ويعد أهم منتجات هذه الشركة ماكينات " البوب كورن" أي الفشار. 45 مليار دولار لمشروع العاصمة الجديدة من شركة كابيتال بارتينرز الإماراتية. 19.7 مليار دولار مجموعة مشروعات لبالم هيلز والعيار وهي بالطبع مشاريع عقارية فاخرة. 4 مليار دولار استثمارات في منطقة جنوب مارينا لمجموعة من المستثمرين الكبار في دول مجلس التعاون الخليجي، وهي استثمارات عقارية بالطبع. 3 مليار دولار استثمارات عقارية في منطقة القاهرة الجديدة لشركة بالم هيلز. 0.7 مليار دولار لشركة CPC السعودية لإنشاء مناطق عقارية والنشاط الأساسي للشركة في مجال العقارات. 5 مليار دولار لتطوير آبار غاز من شركة إيني الإيطالية. 0.7 مليار دولار لإنشاء مجمعات تجارية من شركة الفطيم الإماراتية. 0.7 مليار دولار لتمويل خط قطار كهربائي من هيئة السكك الحديدية الصينية. نخلص من ذلك أنه من بين مجموع الاتفاقيات ما يمثل دفعة للاقتصاد المصري سيكون مجموعة الاستثمارات في مجال الطاقة الكهربية والبالغة 9.3 مليار دولار،6 مليار دولار لإنشاء صوامع الغلال، 1.4 مليار دولار للخدمات اللوجستية بشرط توافر حسن النية وتنفيذ هذه الاستثمارات بواسطة القطاع المدني وليس القطاع العسكري. أما مجموعة مذكرات التفاهم والبالغة 111.4 مليار فإن ما يعول عليه فيها، بفرض جديدة هذه المذكرات وعدم وجود شروط مسبقة، وتوافر النية الحقيقية على الالتزام بها هو مبلغ 10.1 مليار دولار لإنتاج الكهرباء، وإنتاج الكهرباء من طاقة الرياح، ومبلغ 0.7 مليار دولار لإنشاء خط قطار كهربي من هيئة السكك الحديدية الصينية، ومبلغ 0.7 مليار دولار لإنشاء المناطق الصناعية من شركة CPC العقارية السعودية، مع الدعاء لأن تكون الصناعات ملبيه لاحتياجات التنمية في مصر. أي أن الحصيلة التي يمكن توقع عائد إيجابي منها لهذا المؤتمر لا تزيد عن 28.2 مليار دولار من مبلغ إجمالي يصل إلى 144.5 مليار دولار. استبعدنا الاستثمارات البترول والغاز لأنها في واقع الحال اتفاقات قديمة وليست وليدة هذا المؤتمر، فضلا عن لا أحد يعرف طبيعة هذه الاتفاقيات الغامضة والتي تم الموافقة عليها في غياب البرلمان. باقي الاستثمارات في المجالات العقارية والتجارية والمضاربات المالية والتجهيزات الغذائية. وهي استثمارات لا تمثل أساس تنهض عليه عملية التنمية، فضلا عن أنها تلبي طلبا لاحتياجات الفئات المترفة في المجتمع، وتعمق الاتجاه نحو المزيد من سيطرة الليبرالية الجديدة على المجتمع المصري.
#محمد_نعمان_نوفل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|