|
صنع القرار السياسي الأمريكي
فاطمة محمد حسين
الحوار المتمدن-العدد: 4780 - 2015 / 4 / 17 - 14:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما نطلق عبارة ( صناعة القرار السياسي الأمريكي ) ربما يخطر ببالنا : الكونجرس الأمريكي أو جماعات الضغط أو الصحافة ومعاهد الدراسات المتخصصة أو الصهاينة ، وكثيرا من الأعمال الكتابية التي تناولت المؤثرات السابقة . إلا أنه قلما ما يخطر ببال أن يكون هناك اعتبارات دينية تؤثر على القرار الأمريكي وإصداره ، وعلى الرغم من بُعد الدستور الأمريكي وخلوه من أي نص ديني أو صياغة دينية ، وعلى الرغم من تجرع أوروبا برمتها من مرارة تدخل الحكم الكنسي فى سياسة الدولة إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار تأثر الدين على صنع القرار السياسي ، وربما شكل تدخل الدين تغير ، فسابقا كانت تدخل الكنيسة بشكل مباشر فى كل ما يخص شئون الدولة والحكم ، إلا أن الآن يدخل الدين ويؤثر على القرار بشكل آخر . فالأمر الآن يتعلق بعدة اعتقادات دينية أصولية فى أذهان صناع القرار الأمريكي . ولنخطو خطوات بطيئة – وعذرا فى قول البطيئة فالأمر ليس باليسير – فى ذلك الموضوع حتى نفهم الصورة الآن . بداية هناك ما يعرف بالصهيونية المسيحية وهو الاسم الذي يطلق عادة على معتقد جماعة من المسيحيين المنحدرين غالباً من الكنائس البروتستانتية الأصولية والتي تؤمن بأن قيام دولة إسرائيل عام 1948 كان ضرورة حتمية لأنها تتمم نبؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وتشكل المقدمة لمجيء المسيح إلى الأرض كملكٍ منتصر. يعتقد الصهاينة المسيحيون أنه من واجبهم الدفاع عن الشعب اليهودي بشكل عام وعن الدولة العبرية بشكل خاص، ويعارضون أي نقد أو معارضة لإسرائيل خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يشكلون جزءاً من اللوبي المؤيد لإسرائيل . ومن المعروف أن الصهيونية – اليهودية سبقت الصهيونية المسيحية ( الإنجيلية ) بحوالي أربعمائة سنة : ان الإيمان بعودة السيد المسيح ، وبأن هذه العودة مشروطة بقيام دولة صهيون ، وبالتالي بتجميع اليهود فى ارض فلسطين ، لعب فى الماضي ، ويلعب اليوم ، دورا سياسيا فى صناعة قرار قيام دولة اسرائيل وتهجير اليهود اليها ، ومن ثم دعمها ومساعدتها . كذلك ، فان الايمان بان اليهود هم شعب الله المختار ، لعب فى الماضي ويلعب اليوم ، دورا اساسيا فى اعفائهم من القوانين والمواثيق الدولية ، ذلك لأن منطق الصهيونية اليهودية – والصهيونية المسيحية معاً يقول ، ان شريعة الله هى التي يجب ان تطبق على شعب الله ، وان شريعة الله تقول بمنح اليهود الارض المقدسة فى عهد مقطوع لإبراهيم ولذريته حتى قيام الساعة ، وبالتالي ، فانه حيث تتعارض القوانين الانسانية الوضعية مع شريعة الله ، فان شريعة الله وحدها هى التي يجب ان تطبق على اليهود فى فلسطين . كذلك ، فان الايمان بأنه لابد من محرقة نووية ( هرمجدون ) تحضّر لعودة المسيح ، وانه لابد ان يذوب فى هذه المحرقة كل اولئك الذين ينكرون المسيح من الملحدين الشيوعيين ، ومن المسيحيين العلمانيين ، ومن المسيحيين غير الانجيليين ، ومن المسلمين ، ومن معظم اليهود ، ان هذا الايمان يقف وراء قرار ضرورة اضعاف العرب ، وضرورة تعزيز الترسانة العسكرية لاسرائيل ، ووراء حتمية الاستجابة الى جميع مطالبها بالدعم المالي والسياسي والعسكري . لقد قامت فى بريطانيا اولا ، ثم فى الولايات المتحدة ، حركات دينية مسيحية انجيلية انطلاقا من هذه المعتقدات . ولعل أهم وأقوى هذه الحركات اليوم هى الحركة (( التدبيرية )) Dispensationalism . هذه الحركة تؤمن بأن الله هو مدبر كل شيء . وان فى الكتاب المقدس وخاصة فى سفر حزقيال ، وسفر الرؤيا .. نبوءات واضحة حول الوصايا التي يحدد الله فى تحقيقه كيفية تدبير شئون الكون ونهايته : عودة اليهود الى فلسطين . قيام اسرائيل . هجوم اعداء الله على اسرائيل . وقوع محرقة هرمجدون النووية . انتشار الخراب والدمار ومقتل الملايين . ظهور المسيح المخلص ، مبادرة من بقي من اليهود الى الايمان بالمسيح . انتشار السلام فى مملكة المسيح مدة الف عام . وليست هذه الحركة بالحركة العابرة فى عددها بل انها تضم اكثر من اربعين مليون امريكي ، وكان من بين اعضائها الرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريغان ، وتسيطر هذه الحركة على قطاع واسع من المنابر الاعلامية الأمريكية وبصورة خاصة المتلفزة ، و يشارك قادتها ، كبار المسئولين الامريكيين فى البيت الابيض ، والبنتاغون ، ووزارة الخارجية ، فى صناعة قراراتهم السياسية والعسكرية من الصراع العربي – الصهيوني . وبذور هذه المُعتقدات المُدمّرة ، نشأت في نهاية القرن التاسع عشر . وكان رائد هذا الاتجاه ، في تفسير الكتاب المُقدّس ، هو ( سايروس سكوفيلد ) ، وقد طُبع أول مرجع إنجيلي له عام 1909م ، زرع فيه آراءه الشخصية في الإنجيل ، وصار أكثر الكتب المتداولة حول المسيحية . وبدأت هذه المُعتقدات في الظهور وتعزّزت ، عندما تتابعت انتصارات إسرائيل ، على دول الجوار العربية ، وبلغت ذروتها بعد الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان . وفي إحدى المناسبات كان ( سكوفيلد ) يذكّر مُستمعيه بأنه : " عام بعد عام ، كان يُردّد التحذير بأن عالمنا ، سيصل إلى نهايته بكارثة ودمار ومأساة عالمية نهائية " . ولكنه يقول أيضا : " أن المسيحيين المُخلّصين ، يجب أن يُرحّبوا بهذه الحادثة ، لأنه مُجرّد ما أن تبدأ المعركة النهائية ، فإن المسيح سوف يرفعهم فوق السحاب ، وسيُنقذون ، وأنهم لن يُواجهوا شيئا من المعاناة ، التي تجري تحتهم " . ولا شك أن هذا الاتجاه الذي قمنا بشرح قشرة منه يؤثر على القرار السياسي الأمريكي وخصوصا عندما نرى جورج بوش الابن وكذلك الآن عندما نرى أوباما وهما يرتديان القبعة اليهودية ويقفون عند الحائط المبكى . ولا شك أيضا فى تأثير اتجاه الصهيونية المسيحية على القرار الأمريكي عندما نجد بوش فى خطاباته يختم بعبارة ( فليبارك الله أمريكا ) وذلك يفسر لنا أيضا مسألة اعتقاد العديد من الأمريكيين بأن بمساعدة اسرائيل فأمريكا دولة مباركة من الرب واذا لم تقم بمساعدتها فان امريكا دولة ملعونة من الرب . كل ذلك الهراء عندما نقرأه ويحاولون محاولة خداعنا بأن مساعدة اسرائيل مساعدة شعب الله المختار ، وعندما قال سابقا رونالد ريجان على دولة روسيا بأنها دولة الشيطان ويجب محاربتها ليباركنا الرب فلا يمكن ان نسمي هذا الا بالهراء والهزي السياسي ، كيف للانسان ان يستغل نصوص كتابه المقدس فى سياسته اللعينة بل ويحاول مباركة افعاله المدنسة بالدم بمباركة الرب له حتى يجذب له القاعدة الشعبية العريضة . وربما نصل لنتيجة أيضا : ليس فقط الشعوب العربية تتأثر بالخطاب الديني أو بقرآنها ، وانما الشعب الامريكي ايضا يتأثر كثيرا بتلك النبرة . ولدينا مثال على رجل الدين الفاسد الذي يستغل تعاليم كتابه فى الترويج لاسرائيل وسياساتها الغير شرعية القس ( جيرى فالويل ) ، ويدعو هذا القس أتباعه الى تأييد اسرائيل ، ويطلب من دافع الضرائب الأميركي ان يقدم لإسرائيل 5 بلايين دولار فى السنة ويؤكد لأتباعه انهم كمؤيدين للصهيونية فهم على الطريق الرابح والناجح . وعندما يقول لهم ذلك فهم لا يكترثون بعد ذلك لما يرون او يسمعون من أي طرف آخر . ويدعو أتباعه بأن يضعوا الايمان بإسرائيل فوق الانسانية . بل وان هذا الايمان لن يكتمل الا بضرورة الايمان باقامة الهيكل والمعبد الثالث كما يزعم على هدم المقدسات الاسلامية واذا غاب هذا الايمان لُعنت أمريكا من الرب وتوالت عليها الخسائر والدمار لانها لم تقف بجانب شعب الله المختار . ان المسيح سلك نهجا غير عسكري ، وان نهجه لم يكن يستهدف تدمير الممتلكات وإبادة الشعوب من اجل مملكة سياسية مؤقتة على الارض ، انما جاء المسيح من اجل تحقيق تقدم وتطور الحياة ، جاء برسالة السلام ، علمنا انه بالسلام نحصل على الحياة وأننا نحصل عليها بوفرة . وليتهم جميعا يبعدون من احاديثهم الصيغة الدينية وليتركوا شرع الله منزها من اياديهم المدنسة وألسنتهم النجسة .
#فاطمة_محمد_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صنع القرار السياسي الأمريكي
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|