|
الأهمية التاريخية للاتفاق المبدأي في لوزان بين دول 5+1 والجمهورية الإسلامية الإيرانية
عادل حبه
الحوار المتمدن-العدد: 4780 - 2015 / 4 / 17 - 00:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لعل الخبر الأكثر إثارة في الآونة الأخيرة هو الاتفاق الأولي التاريخي بين دول 5+1؛ أي الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن بإضافة ألمانيا الاتحادية من جهة، وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من الجهة الأخرى، حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني. لقد انصب هدف دول 5+1 على محاصرة البرنامج النووي الإيراني بشكل يحد من إمكانية إيران في انتاج القنبلة النووية، في حين سعت إيران عبر هذا الاتفاق إلى إزالة العقوبات الاقتصادية التي أقرها مجلس الأمن الدولي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذه العقوبات التي ألحقت الشلل والركود باقتصادها. لقد نص الاتفاق الأولي على تقليص أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم من 19000 جهاز يعمل الآن إلى 6104 جهاز فقط. كما وافقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تقليص كمية تخصيب اليورانيوم إلى مقدار 3.67%، وأن تلتزم إيران بعدم إنشاء مراكز تخصيب خلال 15 سنة القادمة. كما وافقت الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تقليص حجم اليورانيوم المخصب من 10 آلاف كيلو إلى 300 كيلو خلال 15 سنة القادمة. ونص الاتفاق على تحويل المراكز النووية القائمة حالياً في إيران إلى مراكز للبحوث، باستثناء مركز نطنز الذي سمح له بتخصيب اليورانيوم مع احتفاظه بكل أجهزة الطرد المركزي الإيرانية المتبقية في هذا المركز. وعلى أساس هذا الاتفاق، سوف يجري تحويل المؤسسات النووية في مركز " فردو" إلى مؤسسة للبحوث النووية والفيزياء المتقدمة، مع الاحتفاظ فيها بكل وقودها النووي. وعلى ضوء الاتفاق، تعهدت دول 5+1 بتقديم المساعدة إلى إيران في إجراء البحوث النووية المتطورة وانتاج النظائر المشعة في المجال الزراعي والصناعي والصحي. كما نص الاتفاق على تحويل مفاعل الماء الثقيل في آراك بحيث لا يستطيع انتاج البولوتونيوم. هذا إضافة إلى جملة من القرارات المتعلقة بتفتيش المؤسسات النووية الإيرانية من قبل وكالة الطاقة الذرية العالمية. لقد فقدت الجمهورية الإسلامية في ظل هذا الاتفاق الأولي أية فرصة لتحقيق حلمها بانتاج قنبلة نووية وانضمام إيران إلى عضوية النادي النووي الدولي الذي يضم كل من الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا والهند وباكستان واسرائيل وكوريا الشمالية. ومن جانبها، وافقت دول 5+1 على التخلي عن جميع القرارات المتعلقة بالحصار الاقتصادي والعقوبات الدولية والعزلة الدولية للجمهورية الاسلامية الايرانية، والتعاون معها في حل المشاكل الاقليمية، والتعهد بالعمل من أجل تصفية السلاح النووي وعدم انتشاره في منطقة الشرق الأوسط. وقد جرى الاتفاق على أن يجري التوقيع الرسمي على الاتفاق النهائي بعد مرور ثلاثة أشهر من الاتفاق الأولي بين الأطراف المعنية. وبذلك ستتوفر للجمهورية الإسلامية الإيرانية الفرصة في إقامة علاقات طبيعية مع دول العالم، وأن تتحرك عجلة الاقتصاد فيها، وأن يتراجع كابوس البطالة والتضخم في البلاد. والأهم من كل ذلك هو انحسار شبح حرب مدمرة ضد إيران.
العوامل التي أجبرت إيران إلى القبول بهذا الاتفاق؟
لعل السبب الأول التي دفعت القيادة الإيرانية إلى القبول في الجلوس حول طاولة المفاوضات مع الدول الست، هو العامل الاقتصادي. فبعد جملة من القرارات الصارمة التي اتخذها مجلس الأمن ضد إيران، أصيب الاقتصاد الإيراني بالركود والشلل. فقد تقلصت تجارة إيران الخارجية وتعثرت الكثير من المنشآت الصناعية، وفي مقدمتها الصناعة النفطية جراء هذه القرارات. ولعل خير شاخص على تدهور الوضع الاقتصادي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو الانهيار الكبير في سعر العملة الوطنية الإيرانية. فقد كان سعر العملة الإيرانية (الريال) بعيد الثورة الإيرانية في عام 1979 هو 70- 100 ريال مقابل الدولار الأمريكي، إلاّ أن سعر العملة الإيرانية تدهور بشكل سريع خاصة بعد قرارات الحظر المعروفة حيث، تراجع إلى مقدار 33000 ريال مقابل الدولار الأمريكي. كما بلغت نسبة البطالة 11% - 12% من القوى الإيرانية الفاعلة، في حين تجاوزت نسبة البطالة بين الشباب مقدار 39%. وبهذا تجاوز عدد العاطلين عن العمل حجم 2.520 مليون عاطل إيراني. وهو ما أثار قلق حكام الجمهورية الإسلامية الإيرانية من احتمال انفجار موجة الاحتجاج بين المواطنين الإيرانيين جراء تردي الأحوال المعيشية. أما العامل الآخر الذي دفع إيران إلى هذا الاتفاق فهو العزلة الاقليمية والدولية التي تعاني إيران منها. فهذه العزلة تحد بشكل أساسي من أن تلعب دوراً سياسياً في منطقة غارقة في المشاكل والحروب وتمدد الإرهاب الدولي الذي يهدد إيران أيضاً. كما إن هذه العزلة تحد من طموحات البرجوازية الإيرانية الجديدة التي ترعرعت في رحم النظام الجديد والمنتفعين الطفيليين من النظام الذي قام على أنقاض النظام الشاهنشاهي. فقد تعاظم دورهذه الطبقة الجديدة في النشاط الاقتصادي والسياسي. فهذه الفئات الجديدة التي اغتنت وجرى احتضانها من قبل أعلى قمة الهرم الحاكم، تطمح إلى تمدد نشاطها ليس داخلياً فحسب، بل وخارجياً. كما أنها تميل إلى شيوع أجواء استقرار سواء على النطاق الداخلي أو على نطاق الاقليمي والدولي من أجل جني الأرباح. وفي ظل أجواء القرارات الدولية الصارمة ضد الجمهورية الإسلامية والعزلة الدولية، لا يمكن للبرجوازية الصاعدة تحقيق أحلامها، وهي التي أصبحت تشكل أحد أعمدة الحكم في إيران في السنوات الأخيرة، وجزء من تركيبة الحكم القائم. ولهذا بدأت هذه الفئة الاجتماعية بالضغط في إطار دائرة الحكم وعلى المرشد بالذات من أجل التخلي عن النهج السابق المتشدد داخلياً وخارجياً والذي مورس بعد انتصار الثورة الإيرانية، وبلغ أوجه في عهد الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد. وهكذا إضطر المرشد علي خامنئي إلى البحث عن شخصية من داخل النظام أكثر مرونة لتولي رئاسة الجمهورية، وتستجيب لطموح هذه الفئة الاجتماعية الجديدة، وهو السيد حسن روحاني الذي شغل مناصب مهمة سواء في الأروقة الأمنية الإيرانية أو نشاطه ودوره كمفاوض مع الدول الغربية حول الملف النووي الإيراني. وهكذا استطاع الرئيس حسن روحاني الحصول على أعلى الأصوات في انتخابات الرئاسة عام 2013 بعد طرحه برنامج انتخابي معتدل كان في مقدمة فقراته التفاوض مع الدول الأجنبية المعنية حول مستقبل الملف النووي الإيرني. كما تضمن البرنامج الانتخابي معالجة علاقات الجمهورية الاسلامية مع الخارج، وطرح برنامج يستجيب لطموحات الشعب الإيراني لإخراج إيران من دائرة المواجهات غير المجدية والعزلة الدولية ونتائجها الاقتصادية والاجتماعية السلبية على إيران ذاتها. إن البرنامج النووي الإيراني، الذي جري العمل به انتهاء الحرب العراقية الإيرانية هو تعبير عن طموحات الفئة الحاكمة في إيران بامتلاك القنبلة الذرية لدوافع سياسية وعسكرة البلاد بالأساس، وليس لدوافع أمنية ودفاعية وتوفير مصادر إضافية للطاقة أو للبحوث الطبية والعلمية. ولكن هذا البرنامج هو الآخر يتعرض للتعثر، وذلك بسبب كلفته الباهضة، حتى ولو اقتصر هذا البرنامج النووي على توفير الطاقة الكهرباية فقط كما يدعي الماسكين بزمام الأمور في طهران. فنصب كل جهاز من أجهزة الطرد المركزي يرمي بعشرات العائلات الإيرانية إلى دائرة الفقر والفاقة بسبب كلفته الباهضة. كما إن خامات اليورانيوم الموجودة في باطن الأرض الإيرانية محدودة الحجم، ولا تكفي للاستمرار بالبرنامج لمدة طويلة. كما إن شراء الخامات من السوق العالمية يرهق ميزانية الدولة الإيرانية. ويضاف إلى ذلك، فإن كلفة الطاقة التي تولدها المؤسسات النووية تتجاوز كلفة الطاقة التي يمكن توفيرها عن طريق استخدام الغاز الطبيعي المتوفر بكثرة في إيران، إلى جانب استخدام مصادر أخرى للطاقة أقل كلفة من الطاقة النووية مثل الطاقة الشمسية والريح والفحم الحجري وغيره. كما إن بلد مثل إيران يقع في دائرة النشاط الزلزالي العنيف يومياً، فيغدو من الخطورة بمكان انشاء مؤسسات نووية قد تؤدي إلى كوارث في حالة حدوث أي زلزال في إيران، خاصة وإن غالبية المؤسسات الإيرانية قد بنيت في باطن الأرض لتجنب الضربات الجوية المحتملة من قبل خصومها. لقد أدى تكرار الكوارث النووية في العالم في روسيا واليابان، إلى تبلور رأي عام واسع في هذه الدول يطالب بالتخلي عن استخدام الطاقة النووية لتوفير مصادر الطاقة. إن ولع الحصول على القنبلة النووية لدى الأنظمة المستبدة في المنطقة، هو هوس ليس بالجديد. فقد حاول جمال عبد الناصر تحقيق هذا الهدف بدعوى مواجهة اسرائيل، ولكنه فشل في ذلك. ثم أعقبه صدام حسين وتعرض إلى مهانة بعد ضرب مفاعل تموز من قبل المعتدين الإسرائيليين. وحان الوقت لكي يعلن حكام إيران فشلهم بالتخلي عن انتاج القبلة النووية. صحيح إن هناك دول كبرى وصغرى تمتلك ترسانات نووية، ولكنها غير قادرة على استخدام هذا السلاح المدمر الذي سيلحق الدمار أيضاً بكلا الطرفين وأطراف أخرى. فلم يعد بالإمكان في الوقت الراهن تكرار جريمة الولايات المتحدة في مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في نهاية الحرب العالمية الثانية، هذه الجريمة التي لقيت الإدانة الواسعة من قبل الراي العام الدولي لعدم وجود أي مبرر منطقي وعسكري لدى الولايات المتحدة آنذاك باستخدام هذا السلاح المدمر بعد أن تحققت هزيمة دول المحور في الحرب العالمية الثانية. فلقد استغلت الولايات المتحدة آنذاك احتكارها لهذا السلاح، واستخدمته ضد اليابان المندحرة في الحرب كي ترسل رسائل إلى الاتحاد السوفييتي وإلى كل من ينافسها على تزعم العالم بكونها هي التي تتحكم بالعالم آنذاك. ومن هنا فإن طموح أية دولة في منطقة الشرق الأوسط في امتلاك القنيلة النووية لا يمكن تحقيقه بسبب طبيعة التوازن الدولي من جهة، ومن جهة أخرى ففي حالة تمكنها من حيازة هذا السلاح فإنها سوف لا تتكمن من استخدامه. فالمجتمع الدولي الذي شهد الدمار والهلاك الذي أصاب هيروشيما وناغازاكي سوف لا يقف مكتوف اليدين. كما إن أي استخدام لهذا السلاح من قبل اسرائيل على سبيل المثال، سوف يطال آثاره المدمرة الدولة العبرية أيضاً التي تقع على بعد كيلومترات من الأراضي الفلسطينية وأراضي خصومها العرب. أما في حالة استخدام هذا السلاح من قبل حكام إيران لمناصرة الفلسطينيين في حالة حصولهم على القنبلة الموعودة، فإن هذه القنبلة ستوقع خسائر بالفلسطينيين بقدر ما تلحقة بالاسرائليين. فالأراضي متلاصقة والغبار الذري سيغطي المنطقة بأجمعها، ولربما سيبيد من تبقى من الشعب الفلسطيني نفسه. إضافة إلى كل ما ذكر أعلاه، ينبغي الإشارة إلى الضغط الذي مارسه الرأي العام الإيراني على أصحاب القرار في الجمهورية الإسلامية من أجل الجلوس إلى طاولة المفاوضات لدوافع عديدة. لقد كان في مقدمة البرنامج الانتخابي لحسن روحاني في انتخابات الرئاسة علم 2013 هو السعي للتفاوض حول الملف النووي والخروج من مأزق العقوبات الدولية والتحرر من الضائقة الاقتصادية. ويعتبر الكثير من قادة المعارضة والرأي العام الإيراني إن أية عودة لإيران إلى المجتمع الدولي وفك العزلة الدولية عنها من شأنه أن يطوق النزعات الاستبدادية التي يمارسها الحكم ضد الإيرانيين. وسيضطرالحكم عاجلاً أم آجلاً إلى أن يخفف من حدة الاستبداد الديني تدريجياً، والتقيد بمبدأ احترام حرية الفكر العقيدة والايمان الديني، والتخلي في نهاية المطاف عن الصبغة الدينية للنظام وممارسة لعبة "الشيعة والسنة" مع الدول الطائفية في المنطقة. هذه اللعبة التي حولت الشرق الأوسط إلى حلبة مرعبة للصراع الدموي، وإلاّ فأن الحكم سيظل في حالة من العزلة الدولية إذا لم يحترم ويلتزم بالقرارات الدولية حول حرية الفرد وحقوق الإنسان والتخلي عن النزعات الاستبدادية التي أصبحت حالة مدانة من قبل الرأي العام العالمي، ولم يعد لها مكان ومبرر بعد كل الفضائع التي ارتكبت باسم الدين وتسييس الدين والصراعات المذهبية.
دوافع دول 5+1 في هذا الاتفاق
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ظنّ حكام الولايات المتحدة أن العالم سيدار من قبل قطب واحد؛ أي الولايات المتحدة. ولكن بعد مرور سنوات عديدة تعرضت الولايات المتحدة لأعنف هجوم ارهابي في أيلول عام 2001، مما اضطرها إلى البحث عن من يدعمها في مواجهة هذا الخطر الجدي، في دلالة على أن العالم لا يمكن أن يدار من قبل قطب واحد. ومن ناحية أخرى طرأ تغير على الخارطة السياسية والاقتصادية، حيث ارتفع رصيد الصين سواء في المجال الاقتصادي أو في المجالين العسكري والسياسي، واحتلت الموقع الثاني في العالم في الناتج القومي الاجمالي. وهو ما حد من المزاعم حول أحادية القطب في عالمنا المعاصر. كما استطاعت روسيا أن تنهض تدريجياً في ترميم اقتصادها، في الزراعة والصناعة والتجارة، لتتحول من مورد للمنتجات الزراعية إلى ثالث مصدر للحنطة في العالم. ومن الطبيعي أن يترك ذلك تأثيراً مباشراً على المكانة السياسية والدبلوماسية في العالم بما يحد من دعوات أحادية القطب التي يروج لها حكام الولايات المتحدة. ومن هنا بات من الضروري أن تبحث الولايات المتحدة عن خطط لها في التحالف أو استمالة أطراف دولية لمواجهة التحديات. ولم يكن ذلك أمراً يسيراً بسبب معارضة روسيا والصين وحتى بعض دول أوربا الغربية مثل ألمانيا وفرنسا لتفرد الولايات المتحدة في معالجة المشاكل الدولية. ولذا اضطرت الولايات المتحدة أن تتفق مع دول 5+1 في سعيها للتعامل مع الملف الدولي وبشروط تختلف عن الشروط التي تسعى إلى فرضها الولايات المتحدة، وبما فيها خيار الحرب الشاملة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية. هذا التناسب الجديد في القوى وتصدع مبدأ أحادية القطب الذي كانت تحلم به الولايات المتحدة كان أحد العوامل التي مهدت الطريق للاتفاق الأولي في لوزان. وهناك عامل آخر دفع الولايات المتحدة إلى خيار المفاوضات السلمي والدبلوماسي وليس خيار الحرب، هو أن غالبية من مواطني الولايات المتحدة قد انتخبوا باراك أوباما بسبب برناجه الانتخابي القاضي بالتخلي عن الاستمرار في العمليات العسكرية في العراق وأفغانستان. ولذا لم يعد من السهولة بمكان أن يتجه أوباما إلى جادة حرب شاملة جديدة ضد بلد شاسع مثل إيران يفوق بإمكانياته وطاقته في المواجهة ما كان يتمتع به العراق وأفغانستان. كما أن نفقات الحرب ضد أفغانستان والعراق كانت باهضة، فقد تجاوزت مبلغ 1.6 ترليون دولار. في حين يشكل الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 16.724 تريليون في عام 2013، مع العلم أن الدين العام الخارجي والمحلي للولايات المتحدة شكّل 98% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا الوضع الاقتصادي هو الذي عرّض الولايات المتحدة في العقد الأخير إلى أخطر أزمة مالية واقتصادية بعواقبها الاقتصادية والاجتماعية المدمرة. وشكلت هذه الأزمة أهم عامل في تردد الولايات المتحدة إلى الذهاب إلى خيار الحرب في معالجة الملف النووي الإيراني. لقد أماط لقاء لوزان الستار عن واقع جديد هو أنه قد ولى ذلك الزمن عندما كان وزير خارجية الولايات المتحدة يحمل الكلمة والأخيرة في أي لقاء لمعالجة قضايا العالم الشائكة، ومن ضمنها الملف النووي الإيراني.
تداعي موضوعة أدلجة السياسة والدبلوماسية وتسييس الدين
توجه اتفاقية لوزان الأضواء على دور ومصير الأيديولوجية وبما فيها الفتاوى الدينية في السياسة والدبلوماسية الدولية.إن السياسة كما يقال هي فن الممكنات وتعبير عن مصالح أي طرف دولي، ولا يخضع لمسلمات دينية وأيديولوجية كما برهنت عليه الأحداث التاريخية. وتؤكد أحداث عديدة ان التمسك بالمطلق الديني والأيديولوجي سرعان ما ينهار عند أول حدث يمس مصالح هذه الطرف أو ذاك الذي يتبنى هذا المبدأ. لنأخذ على سبيل المثال أحداث الحرب العالمية الثانية. فالموقف الأيديولوجي للولايات المتحدة أو بريطانيا من النظام السوفييتي، وكذا الحال بالنسبة للموقف الأيديولوجي للاتحاد السوفييتي تجاه الغرب "الأمبريالي الآيل إلى السقوط بكونه آخر مراحل الرأسمالية"، سرعان ما انهار عند شروع جحافل النازية ةالفاشية والعسكرية اليابانية بتهديد هذين المتناقضين واجتياح أراضيها، مما دفع الطرفين إلى الجلوس وإقامة تحالف واسع ألحق الهزيمة بدول المحور الفاشي في عام 1945. ولم تصمد الوصفات الأيديولوجية للولايات المتحدة واتهامها لهذه الدولة أو تلك بـ"امبراطورية الشر" أو "الدول الشريرة"، حيث بادرت إلى الجلوس والتباحث معها لحل عدد من المشاكل الدولية. وبالرغم من رفع راية العداء الأيديولوجي من قبل الولايات المتحدة أزاء الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلاّ أنها اضطرت إلى عقد صفقة "إيران غيت" وزودت إيران بمعدات وأدوات احتياطية للسلاح الأمريكي الموجود في حوزة الجيش الإيراني أثناء الحرب العراقية الإيرنية مقابل إطلاق سراح الدبلوماسيين الأمريكان الذين احتجزوا في طهران بعيد انتصار الثورة الإيرانية. ونشهد اليوم تهاوي هذه الذريعة حيث يجلس الرئيس الأمريكي باراك أوباما ويصافح نظيره الكوبي راؤل كاسترو في بناما بعد فترة من المواجهة الساخنة والعدوان والحصار التي دامت أكثر من ستة عقود. وينطبق الأمر على حكام الجمهورية الإسلامية، فقد أعلن الراحل آية الله الخميني بعيد الثورة حرباً شعواء على الولايات المتحدة، مستغلاً السجل السلبي للولايات المتحدة وتدخلها في الشأن الداخلي الإيراني وخاصة عند الإطاحة بحكومة الدكتور محمد مصدق. فقد أطلق الراحل الخميني الفتوى المشهورة التي وصف فيها الولايات المتحدة بـ "الشيطان الأكبر"، وتنازل ووصف الاتحاد السوفييتي بـ"الشيطان الأصغر". ولكن الفتاوى الدينية والمسلمات الفقهية لا يمكنها أن تصمد أمام مجريات السياسة والأحداث السياسية وجبرها. فسرعان ما وضع أولياء الأمر المتدينين في طهران هذه الفتوى الدينية جانباً، ودخلوا في حوار مع ممثلي "الشيطان الأكبر" للحصول على السلاح أثناء الحرب العراقية الإيرانية ضمن ما سمي بفضيحة "إيران غيت". وقام المسؤولون بخرق فتاواهم في نهاية الحرب العراقية، ووضعوا جانباً الشعار القائل" الطريق إلى فلسطين عبر كربلاء" و "حرب حرب حتى النصر"، ليتجرعوا "كأس السم" ويقدموا على القبول بوقف الحرب. لقد بقيت جسور الحوار ممدودة بين الحكام الجمهورية الإسلامية والإدارة الأمريكية رغم فتوى "الشيطان الأكبر" والشعارات العدائية وحرق الاعلام الأمريكية بالآلاف في شوارع ومدن إيران والهتاف بسقوط "الشيطان الأكبر". وبان التنسيق غير المعلن والموقف المشترك "للشيطان الأكبر" مع "ولاية الفقيه" خلال غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003، وكان آخر وأوج هذا التنسيق في الأشهر الأخيرة لمواجهة شرور "داعش" في العراق وسوريا.
الاتفاق بين موافق ومعارض
في خلال السنة المنصرمة، عملت العديد من القوى على عرقلة أي اتفاق حول الملف النووي الإيراني. وتصدرت هذه القوى حكومة اليمين الإسرائيلي وأكثرية الحزب الجمهوري الأمريكي، وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ وبعض الدول العربية، إضافة إلى بعض قادة الحرس الثوري والقوى اليمينية المتطرفة في إيران والفئات التي استفادت من العقوبات الاقتصادية ضد إيران، من أغنياء الأزمات والحرب. ولكن استقبلت غالبية الشارع الإيراني بحماس الاتفاق، وخرجت المظاهرات في غالبية المدن الإيرانية وهي ترفع شعارات ترحب بالاتفاق، مع اشادة بالوفد المفاوض والرئيس حسن روحاني دون أي ذكر لمرشد الجمهورية. ومن اللافت للنظر إن الشعارات التي رفعت هي " عاش الدكتور ظريف والعمر المديد لروحاني" و " الوزير من أهل المنطق..... ويذكرنا بمصدق" و " من مصدق إلى ظريف نحتفل هذا اليوم بالعيد". واستقبلت غالبية الأحزاب السياسية المعارضة للحكم هذا الاتفاق معتبرينه خطوة نحو الحد من الاستبداد الديني الجاري في إيران. علماً أن أحد أجنحة الحكم الأكثر تطرفاً عبر بصراحة عن معارضته لهذا الاتفاق. فقد كتب رئيس تحرير جريدة كيهان شريعتي، الناطق باسم الجناح المتطرف في الحرس الثوري، مقالة تحت عنوان " استلمنا سرج الحصان المتهرئ، وسلّمنا اللجام"، عبّر فيها عن معارضته لهذا الاتفاق. أما في الولايات المتحدة، وبالرغم من الأكثرية التي يتمتع بها الحزب الجمهوري المعارض لأية اتفاقية مع ايران والذي يتبنى مواقف نتانياهو، فإن الرئيس الأمريكي بارك أوباما واظب على سير المحادثات لحين الاتفاق على مسودة الاتفاق. وقد صرح أوباما بعيد الاتفاق:" إنني باعتباري رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة، فليس هناك مسؤولية أهم من مسؤولية حفظ أمن الشعب الأمريكي. وإنني على يقين بأنه لو تم تطبيق هذا الاتفاق فإن بلادنا وحلفاءها والعالم سيكون أكثر أمناً من السابق". ويهذا لم يعير الرئيس الأمريكي أهمية لتحذيرات حكام العربية السعودية من الاتفاق. إن هذا الموقف الأمريكي والغربي عموماً هو تعبير عن ضرورة البدء بمرحلة جديدة في ظل الأوضاع بالغة الخطورة الجارية في الشرق الأوسط، والتي تهدد الجميع وبضمنها إيران. فواشنطن تعي بأنه من غير الممكن مواجهة التحديات في الشرق الأوسط بدون دور لإيران في مواجهتها، مما يضع علامات استفهام حتى على التحالفات القديمة بين الولايات المتحدة والعربية السعودية واسرائيل وتركية. ويضاف إلى ذلك هو أن الولايات المتحدة لم تعد بتلك الحاجة السابقة إلى النفط والغاز من العربية السعودية بعد التطور الحاصل في حجم انتاجها من الوقود من النفط الصخري المحلي، مما يضع العربية السعودية ومواقفها على الهامش. ولم يعر أباما أية أهمية للحملة الإسرائيلية ضده، مما أثار التوتر بين الإدارة الأمريكية ونتانياهو. لقد أكد سير الأحداث في منطقة الشرق الأوسط بإنه لم يجر أية حلول لممشاكل المنطقة عن طريق الحروب والعنف. ولم تستطع أية قوة مهما بلغت قدرتها العسكرية من فرض شروطها على الآخرين. وإن أي انتصار عسكري، يولد اخفاقات وكوارث لاحقة غير محسوبة، ولم يؤدي إلى سلام دائم. فالسلام والتسلط هما أمران متناقضان. فلا تستطيع أية قوة مهما بلغت أن تحقق الأمن والسلام لها ذا لم تحقق السلام والأمن للدول الأخرة مهما صغرت أو كبرت. ولربما سيفتح هذا الاتفاق الباب، كما جاء في نص الاتفاق، نحو تصفية المخزون من السلاح النووي في المنطقة، وبما فيها الترسانة النووية الإسرائيلية، والتخلي عن أية مشاريع نووية ذات طابع عسكري. 15/4/2015
#عادل_حبه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موضوع درس الإنشاء: ما هو الزواج؟؟؟
-
الاتفاق هو نجاح لإيران في المباحثات النووية
-
عشية الاتفاق النووي؟؟
-
قضية مؤلمة لا يراد لها أن تفضح
-
الزبالة
-
لا يحارب الارهاب ويكبح بأدوات وبشعارات مذهبية طائفية
-
بدون قضاء مستقل لا يمكن أن يتتب الأمن ويتراجع الفساد والإرها
...
-
المؤتمر العالمي للجراحين
-
جراح تجميل
-
التحول صوب اليسار والشعبوية في أمريكا اللاتينية
-
أهو أفيون الشعوب أم سرطان الشعوب 3-3
-
أهو أفيون الشعوب أم سرطان الشعوب 2-3
-
أهو أفيون الشعوب أم سرطان الشعوب؟؟؟؟
-
شاهنده عبد الحميد مقلد
-
عبيد الله الزاكاني الخفاجي
-
شبح الحزب الشسيوعي يثير الرعب لدى عبد الحسين شعبان
-
هل سيلدغ الناخب العراقي من نفس الجحر للمرة الرابعة
-
احياء لتراث بهجت عطية المشين
-
خواطر في يوم الشهيد الشيوعي
-
معالجة آثار النازية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|