|
الواقع العربي و سؤال الديمقراطية - مقاربة سوسيولوجية -
علي بلهوى
الحوار المتمدن-العدد: 4779 - 2015 / 4 / 16 - 16:29
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
الغالب أن ما يجري الآن على مستوى مختلف البنيات الأساسية للمجتمعات العربية ما هو إلا نتاج لضغوطات أفرزها الواقع المعاش’ و الذي انعكس بشكل مباشر و غير مباشر على مستوى السلوكيات اليومية للإنسان العربي و بالتالي أصبحت البيئة العربية مكانا زاخرا بالمفاهيم المعاصرة و المصاحبة لحياة إنسانية تستجيب لمبادئ حقوقية و ديمقراطية و التي ما هي إلا شكل من أشكال الحكم الدي يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة - إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين - في اقتراح، وتطوير، واستحداث القوانين. وهي تشمل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تمكن المواطنين من الممارسة الحرة والمتساوية لتقرير المصير السياسي. ويطلق مصطلح الديمقراطية أحيانا على المعنى الضيق لوصف نظام الحكم في دولة ديمقراطيةٍ، أو بمعنى أوسع لوصف ثقافة مجتمع. والديمقراطيّة بهذا المعنَى الأوسع هي نظام اجتماعي مميز يؤمن به ويسير عليه المجتمع ويشير إلى ثقافةٍ سياسيّة وأخلاقية معيّنة تتجلى فيها مفاهيم تتعلق بضرورة تداول السلطة سلميا وبصورة دورية. تعدّ الديمقراطية من أهمّ المواضيع التي عنيت بها الفلسفة؛ فهي مثار نقاش بين الفلاسفة ورجال الفكر والسياسة. تعود الجذور التاريخية لفكرة الديمقراطية إلى الفلاسفة اليونان؛ فقد تمّت صياغة هذا المفهوم في أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد، فهي ابتكار يوناني، وقد أخذت مكانها في اللغة الإغريقية وانتقلت منها إلى جميع اللغات؛ فالديمقراطية تحيل إلى الكلمة الاثينية Demoskratos والمكوّنة من مقطعين: الأول Demos ويعني الشعب، والثاني Kratos و يعني حكم أو سلطة، ونجد أنّ هابرماس يكشف عن هذه العلاقة التي تربط الديمقراطية بأخلاقيات المناقشة في العديد من مؤلفاته. وقد أكد في كتابه "التقنية والعلم كإيديولوجيا" أنّ النموذج المرغوب فيه للديمقراطية هو الذي يمكّن كل المواطنين من التعبير عن أفكارهم وانتماءاتهم الثقافية والمعرفية، ويمكنهم كذلك من التفاهم على اقتراحات مقبولة من لدن الجميع، هذا النموذج لا يمكن له أن يتأسّس إلا إذا ارتبط بالمناقشات العمومية . إن الواقع العربي أفرز مجموعة من التحولات الاجتماعية، الاقتصادية، السياسية و الثقافية ما أدى إلى تفجير وعي حقوقي منبثق من مجموعة من الضغوطات التي كانت نتيجتها انفجار منظومة شعبية على شكل مجموعة من الاحتجاجات ضد الأنظمة الحاكمة و بالتالي هل سينعم الشارع العربي بتحقيق طموحاته وأحلامه في إطار حركة الاحتجاجات التي اصطُلح على تسميتها ب "الربيع العربي"، أم هل ستنكسر أحلامه على أرض الواقع الذي سيزيد في إحباطه الذي مرّ به خلال عقود من الزمن إحباطاً؟ ذلك أن انهيار بعض الأنظمة وما أعقبه من انتخابات أدّت إلى وصول التيارات الإسلامية إلى السلطة التشريعية في المراحل الأولى من العملية الانتخابية؛ فكيف ستتعاطى هذه التيارات السياسية الدينية مع مسألة الديمقراطية، وكيف تنظر إليها أولاً، باعتبارها مفهوماً ؟ يمكن المراقب أن يلاحظ الفرق والاختلاف بين التيارات السياسية الإسلامية في نظرتها إلى الديمقراطية ليس باعتبارها مفهوماً وحسب، بل على الصعيد التطبيقي لهذا المفهوم، أي على صعيد الممارسة الديمقراطية. إن مقاربة موضوع الديمقراطية من منظور إسلامي يستوجب علينا القيام بقراءة تحليلية لمختلف التيارات الإسلامية أو التي تستمد قوتها من الإسلام كقوة روحية. لا يمكن تصور الديمقراطية اليوم دون فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بما فيها السلطة المعنوية الرابعة أي الإعلام. هذا الفصل هو أفضل الضمانات للنظام الديمقراطي . السلطة التشريعية السلطة التشريعية هي أساس السيادة في الدولة. فالمشرع أي المجلس النيابي، ممثل الشعب، له كل الحصانة لكي لا يقع تحت رحمة السلطة الحاكمة. فهو يشرع القوانين ضمن حدود مسؤوليته للقيام بكافة الأبحاث والدراسات والرجوع إلى اجتهادات أصحاب الاختصاص وإلى استطلاعات الرأي والحوارات والنقاشات العامة وأهمها المجالس البرلمانية التي تضم أفرادا من كافة الأحزاب لسماع مذكرات المواطنين. كل هذه الوسائل تصقل العقليات الديمقراطية وتقدم قوانينا وحلولا أكثر نضجا. السلطة التنفيذية هي التي تسيّر أمور الدولة ضمن حدود قوانين المشرع، ولها صلاحيات اقتراح مسودة قوانين جديدة لدراستها من قبل المشرع والموافقة عليها. هذه العلاقة بين التشريع والتنفيذ لا يصح بشكله الأفضل إلا في استقلالية الأول عن الثاني. ولكن حينما تحصل الحكومة على الأغلبية البرلمانية يؤدي هذا الى اندماج مشبوه بين السلطتين، نرى ذلك حتى في كثير من الحكومات الديمقراطية.. هذا الوضع يضعف من مزايا الديمقراطية ومن استقلالية السلطات. للخروج من هذه الإشكالية، يجب تفعيل آليات قانونية لحضور فعلي وقوي للمعارضة لعرض سياستها أمام الرأي العام. ويمكن أيضا إدخال التصويت الحر في البرلمان دون الالتزام بالخط السياسي الحزبي في مواضيع تمس تعديلا دستوريا هاما أو مشكلة أخلاقية أساسية مثل الاستنساخ أو عقوبة الإعدام. من بديهيات الديمقراطية فصل السلطة السياسية عن "السلطة" العسكرية والأمنية وجعل مراكز القوى هذه تحت سيطرة السلطة الأولى بشكل كامل لأنها هي الوحيدة التي لها شرعية دستورية واضحة. السلطة القضائية لا شك في ضرورة استقلالية هذه السلطة لحماية الديمقراطية. على القضاء أن يكون مستقلا في كافة مستوياته عن أي ضغوط سياسية، اجتماعية، مالية، دينية، عقائدية...هدف القضاء الأساسي هو العدل تبعا للقانون. إن لاختيار القضاة أهمية حيوية في الحياة الديمقراطية. اختيارهم يجب أن يبتعد أكثر ما يمكن عن اللعبة السياسية الضيقة للحفاظ على استقلاليتهم. لذا من الأفضل أن يختار المجلس النيابي أعضاء المحكمة الدستورية العليا عوضا عن الحكومة. أما القضاة الآخرون فيمكن اختيارهم عن طريق أندادهم. من الأمور الملحة لضمان استقلالية القضاة أيضا هو في رفع مستوى رواتبهم لمزيد من الحصانة. إن الرجوع إلى السلطة القضائية في الأمور السياسية بشكل متواصل للبت في شرح الدستور والقانون وحل الأمور الشائكة أو المستعصية يضعف السلطة التنفيذية والتشريعية لأننا بذلك نعطي الاعتبار الأول إلى هيئة غير منتخبة مباشرة من المواطنين ونخفف من قيمة السلطة المنتخبة. هذا يؤدي إلى "حكم القضاة" وإضعاف الديمقراطية بشكل عام. لكي نبتعد عن إقحام القضاء في الأمور السياسية، على النواب تحمل مسؤولياتهم كاملة وكتابة قوانين واضحة منسجمة مع بقية القوانين وغير قابلة لتأويلات متعددة. لحسن إدارة الدولة الديمقراطية الحديثة يجب وضع رقابة قضائية تضاف على الرقابة الإدارية العاديّة على المؤسسات المتعددة في الدولة لكي لا تخالف القوانين وأنظمتها الداخلية. تعتمد كل أشكال الحكومات على شرعيتها السياسية، أي على مدى قبول الشعب بها، لانها من دون ذلك القبول لا تعدو كونها مجرد طرف في حرب أهلية، طالما ان سياساتها وقراراتها ستلقى معارضة ربما تكون مسلحة. وباستثناء من لديهم اعتراضات على مفهوم الدولة لاسلطوية والمتحررين (Libertarians) فإن معظم الناس مستعدون للقبول بحكوماتهم إذا دعت الضرورة. والفشل في تحقيق الشرعية السياسية في الدول الحديثة عادة ما يرتبط بالانفصالية والنزاعات العرقية والدينية أو بالاضطهاد وليس بالاختلافات السياسية، إلا أن ذلك لا ينفي وجود أمثلة على الاختلافات السياسية كالحرب الأهلية الإسبانية وفيها انقسم الإسبان إلى معسكرين سياسيَيْن متخاصمَيْن. تتطلب الديمقراطية وجود درجة عالية من الشرعية السياسية لأن العملية الانتخابية الدورية تقسم السكان إلى معسكرين "خاسر" و"رابح". لذا فإن الثقافة الديمقراطية الناجحة تتضمن قبول الحزب الخاسر ومؤيديه بحكم الناخبين وسماحهم بالانتقال السلمي للسلطة وبمفهوم "المعارضة الموالية" أو "المعارضة الوفيّة". فقد يختلف المتنافسون السياسيون ولكن لابد أن يعترف كل طرف للآخر بدوره الشرعي، ومن الناحية المثالية يشجع المجتمع على التسامح والكياسة في إدارة النقاش بين المواطنين. وهذا الشكل من أشكال الشرعية السياسية ينطوي بداهةً على أن كافة الأطراف تتشارك في القيم الأساسية الشائعة. وعلى الناخبين أن يعلموا بأن الحكومة الجديدة لن تتبع سياسات قد يجدونها بغيضة، لأن القيم المشتركة ناهيك عن الديمقراطية تضمن عدم حدوث ذلك. إن الانتخابات الحرة لوحدها ليست كافية لكي يصبح بلد ما ديمقراطياً: فثقافة المؤسسات السياسية والخدمات المدنية فيه يجب أن تتغير أيضاً، وهي نقلة ثقافية يصعب تحقيقها خاصة في الدول التي اعتادت تاريخياً أن يكون انتقال السلطة فيها عبر العنف. وهناك العديد من الأمثلة المتنوعة كفرنسا الثورية وأوغندا الحالية وإيران التي استطاعت الاستمرار على نهج الديمقراطية بصورة محدودة حتى حدثت تغييرات ثقافية أوسع وفتحت المجال لظهور حكم الأغلبية. إن بناء الديمقراطية يرتبط في جانب أساسي منه بتحقيق الحداثة وعصرنة المجتمع، حيث يقول الباحث العياشي عنصر: "…ترتبط الديمقراطية كقيمة أساسية وكممارسة اجتماعية بالحداثة التي تعني على المستوى السياسي الاعتراف بالإرادة الحرة للأفراد وحقوقهم المدنية كاملة، والفصل بين السلطات واستقلال المؤسسات عن كل تأثير عدا القواعد والضوابط التي تحظى بالإجماع، وكذلك التداول على الحكم بطريقة سلمية. أما على المستوى الاجتماعي فالحداثة تعني الاعتراف بحق المواطنة والتعامل مع الأفراد كمواطنين أحرارا وليس بحسب انتماءاتهم القبلية، أو الجغرافية، فضلا عن المساواة بينهم بصرف النظر عن تمايزهم العرقي، الديني أو الجنسي…". هكذا فإن الديمقراطية الحقيقية، تظل شيئا بعيد المنال في ظل وسط تغيب فيه قواعد واضحة وضوابط قوية تحكم عملية التمرن على الممارسة الديمقراطية في مرحلة انتقالية هي من أصعب المراحل في مسيرة المجتمع نحو الحداثة.
علي بلهوى باحث في علم الإجتماع القروي و التنمية
#علي_بلهوى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الواقع العربي المعاصر و سؤال الديمقراطية - مقاربة سوسيولوجية
...
المزيد.....
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|