|
مارتن هيدجر : تقويض الميتافيزيقا وفكرة الدزاين
سمير المجدوب
الحوار المتمدن-العدد: 4779 - 2015 / 4 / 16 - 08:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لقد أحدتث فلسفة هايدكر قطيعة مع ماضي الفلسفة من خلال تفكيك التراث الفلسفي السائد مند فلاسفة اليونان إلى نيتشه، ذلك التراث الذي غرق في نسيان الوجود، إن فكرة نسيان الوجود هي تشخيص لمرض الفلسفة المزمن، لقد ترسم هيدجر من خلالها نزعة تشاؤمية وعدمية حيث يقول " لقد نسي العالم الحديث اللحظات الأخيرة من حياة البشرية، تلك الحياة التي تعتبر متجاوزة مند البداية وإلى الأبد من طرف الموت ".
يعطي هيدجر لكلمة ميتافيزيقا معنى عاما ، فهي مجموعة من مظاهر الفكر الغربي بدون تمييز ، كالفلسفة والفنون والعلوم والمعارف والتقنيات والأخلاق والنظريات السياسية تشكلت في تيارات فلسفية وسياسية وأخلاقية ، كل تلك هذه المذاهب اشتركت جميعها في "نسيان الوجود" ، وقد تبلورت تلك التيارات في فكر الحداثة على شكل نزعة إنسانية متطرفة أو ماسماها " ميتافيزيقا الذاتية " لقد أصبح عصر الميتافيزيقا والنزعة الإنسانية هو الأبعد عند هيدجر، لأن النزعة الإنسانية في شكلها الحديث "ميتافيزيقا الذاتية"، قد قطعت أواصرها بالوجود ، وانصرفت إلى الإهتمام بالموجود . إن التفكير في الإنسان الحديث حسب هيدجر، أصبح يحصر نفسه في دائرة الموجود، ولم يعد يمتد إلى التفكير في الوجود في حد ذاته، بعبارة هيدجر " أن الوجود أصبح في طي النسيان " ، لذا فحقيقة الوجود تضل خفية على الميتافيزيقا باستمرار وممتنعة عليها لأن الميتافيزيقا في ماهيتها " نسيان الوجود، وفي هذا السياق، كتب هيدجر في " رسالة في النزعة الإنسانية" "طالما بقيت حقيقة الوجود منسية ، فإن الأنطولوجيا تبقى بدون أساس"
وقد أوضح هايدجر في مقدمة " ماهي الميتافيزيقا ؟" أن حقيقة الوجود تشكل الأرضية والأساس الذي تستقر فيه الميتافيزيقا ومنه تتغدى بوصفها شجرة الفلسفة التي تحدث عنها ديكارت. إن الميتافيزيقا نسيت أصلها أي "حقيقة الوجود" وانصرفت إلى الإهتمام بالموجود، إنها تسمي الوجود وتتحدث عنه ولكنها لا تقصده، بل تقصد الموجود.
وهكذا فأن خطاب الميتافيزيقا حسب هيدجر، يتحرك من بدايته إلى نهايته في هذا الخلط بين الوجود والموجود ، لذلك فإن إحياء التساؤل الأصيل والأساسي حول الوجود لا يمكن أن يكون إلا ثمرة لتقويض الميتافيزيقا وتفكيكها.
من هنا سيعمل هيدجر على صياغة فهم جديد للإنسان ووجوده من خلال توجيه نقد جدري لإشكالية الوعي وفق طرح جديد والمثير للجدل لمفهوم " الدزاين "، إذ سيربط بين التفكير في الإنسان ونقد نزعاته الذاتية وبين تحديد معنى الوجود أو العالم باعتباره المجال الأرحب للكائن. من هنا الانتقال من الأنا أو الذات إلى الدزاين كانكشاف أعمق وأساسي لماهية الإنسان داخل وجوده العام ، وكما يقول في كتابه "الوجود والزمان"
ce ver quoi le dasein tel comme tel transcende , nous l appelons le monde, et le transcendance. Nous la définissions maintenant comme etre_ au_ monde .
قبل الحديث عن مسألة الوجود والعالم ، يجب أن تنساءل هنا : ماذا معنى الوجود عند هيدجر ؟
يأخد هيدجر من هوسرل تلك العبارة الشهيرة التي قلب من خلالها هوسرل الكوجيطو الديكارتي فسماها الكوجيتاتوم : " بما إنني أفكر فأنني أفكر في شيء " ، إنطلق هيدجر من ذلك "الشيء" باعتباره محددا لفكر الإنسان، أو الشعور بشيء ، من هنا يأبى هيدجر أن يتصور الوجود البشري منغلق على ذاته ، بل يتصوره حقيقة منفتحة على العالم وموجه نحوه بكل عواطفه وميولاته وتفكيره ومقاصده . فيصف هيدجر الوجود ، ما يظهر لنا من حيث هو كذلك، إن عبارة "وجود الإنسان في العالم" لا تعني عند هيدجر ذلك الوجود المكاني، على نحو ما يوجد الكرسي في القسم وإنما هو وجود قوامه الشعور بالإهتمام، فالوجود هو المجال الأرحب الذي يندمج فيه الإنسان بالمواضيع الأخرى، تلك المواضيع ليست مجرد أشياء، بل هي أدوات أي موجودات، لكن هيدجر لا يذهب إلى أن تلك الأدوات مخلوقة من أجلنا، وإنما هي مشروطة بوجودنا أي بوجود الإنسان. من هنا يقرر هيدجر أن الإنسان له صلة بالوجود ، إذ لا يمكن أن يكون هناك وجود بشري إلا إذا كانت الذات مرتبطة ارتباطا جوهريا بالعالم ( الوجود) ، أي أن الإنسان هو تلك الكينونة الحرة المحددة بذاتها .
انطلاقا من ذلك يمكن القول أن الوجود في العالم هو وجود حركي ، ينسب إلى الموجود إمكانيات عينية ، تلك الإمكانيات هي قدرات يمتلكها الإنسان للتعامل مع العالم الخارجي، معنى هذا أن الإنسان له إمكانيات تدفعه إلى تحقيق وجوده عن طريق الخروج من الذات والإندماج في الوجود. إن ارتباط الإنسان بالوجود بهذا المعنى يجعل منه موجودا مهموما يحمل دائما عبء وجوده .
إذا كان الإنسان هو ذلك الكائن الذي يدرك كينونته من خلال العالم، فلا شك أيضا أن الإنسان عند هيدجر له وجود مرتبط باللآخرين، فكما أن الوجود في العالم هو من مقومات الوجود الإنساني، كذلك الوجود مع الآخر هو أيضا من مقومات هذا الوجود.
إن إنسان العصر الحديث فيما يقول هيدجر ، أصبح يعيش في حالة جماعية زائفة، لأنه اتخذ من الوجود مع الآخرين، دريعة للتنازل عن وجوده الخاص، فلم يعد وجوده سوى مجرد انغماس في عالم الجمهور، وهكذا فإن إنسان العصر الحديث فقد إنسانيته وحريته، وصار مجرد موضوع ينطق بلسان الآخرين ويتحرك في مجال ذلك الوسط الإجتماعي الغفل، ومن هنا يتحدث هيدجر عن ضربين من الوجود، وجود حقيقي أصيل ووجود زائف لا مشروع. على أساس التمييز بين ذات حرة تأخد على عاتقها مسؤولية وجودها، وذات غريبة على ذاتها، فقدت حريتها فأصبحت تحيى على حساب الآخرين، إن الوجود الأصيل هو ذلك الوجود الحقيقي الذي يشعر فيه الإنسان أنه قائم بذاته مسؤول عن نفسه، وأن لا بد له من أن يأخد على عاتقه مسؤولية وعبء وجوده. أما الوجود الزائف، فهو ذلك الوجود العيني الذي ينزل فيه الإنسان إلى مستوى الموضوع، فيميل إلى الإنغماس في الجماعة، ويتنازل عن مسؤوليته ويتخلص من شعور القلق، فالوجود الزائف هو الهروب من الذات، ورفض تحمل مسؤوليتة وعبء الوجود، وفي هذا الوجود الزائف يسعى الإنسان إلى النسيان.. أي نسيان ذاته والتشاغل عنها والتلهي عن المأساة الإنسانية، وتعاسته الطبيعية... إنه في نهاية الأمر استلاب واغتراب عن الذات وإضاعة لها. والسؤال المطروح هاهنا : كيف يمكن للإنسان أن يتخلص من هذا الوجود الزائف ليحقق وجوده الأصيل؟
إن كيفية الخروج من الوجود الزائف لا تكون بعملية عقلية أو دهنية أو ثقافية، وإنما العزم على احتمال القلق، فما هو هذا القلق الذي يحتل مكانة بارزة في فلسفة هايدجر؟ .
القلق عند هيدجر هو الشعور الأساسي للوجود في العالم، وفي هذا الشعور تتكشف لنا فكرة العدم، وهذا العدم لا شيء، ولدينا عنه في القلق تجربة أساسية، وهذه التجربة هي ذلك الخطر الذي يتهددنا دون أن نعرف مصدره على الإطلاق، ومن هنا يختلف عن الخوف الذي نجد مصدره نابعا من الذات، إن ذلك العدم الذي تكشف لنا في القلق ، يصبح مهادا لوجود أصيل، معنى ذلك إنه إذا كان الخوف من العدم هو الذي يدفع الإنسان إلى متاهات الثرثرة والفضول والغموض من اجل إخفاء ذاتيته والاطمئنان إلى الوهم. فإن القلق يساعده على معرفة العدم، أي معرفة أنه موجود من أجل الموت، وأنه سيموت وحده ولن يشاركه أحد في تلك التجربة الرهيبة. من هنا يصبح القلق هو الوسيلة التي من خلالها يتعرف الإنسان على حقيقته، بل على عبثية الوجود برمته. فهو عندما يهرب من وجوده الزائف مع الآخرين، يجد نفسه أمام حقيقة الموت الذي يهدده بدوره، من هنا سيكون أمام اختيارين لا ثالث لهما إما أن يفر إليهم ويحتمي بهم فيعود بالتالي إلى عالم الزيف والسطحية، وإما أن سينعزل لوحده لينتظر مواجهة مصيره المحتوم.
المراجع :
موت الإنسان : هايدجر، لفي ستراوس، مشيل فوكو
فؤاد كامل ، أعلام الفكر الفلسفي المعاصر
المجلة الثقافية، رهانات ، الإنسان في ساقات الحداثة ، العدد 18 ربيع 2011
إبراهيم زكريا، دراسات في الفلسفة المعاصرة . ملاحظة: كتبت هذا المقال عندما كنت طالبا في السنة ثانية جامعي في شعبة الفلسفة بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة سنة 2012 ، لذلك فالمراجع هي غير اصلية لأنها مجرد دراسات على فكر مارتن هيدجر
#سمير_المجدوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفهوم التقنية وعلاقتها بالطبيعة والإنسان
-
التقنية وعلاقتها بالإنسان والطبيعة
-
الكثلة والطاقة في نسبية آينشتاين
-
هيدجر: تقويض الميتافيزيقا وفكرة الدزاين
-
أسس الفلسفة الوجودية ( نمودج سارتر )
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|