عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4776 - 2015 / 4 / 13 - 13:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الحكومة القادمة ... حكومة الجيب
مما لا شك فيه أن شكل النظام السلطوي في أي مجتمع هو بالضرورة إنعكاس مقنن لشكل العلاقات الأجتماعية والثقافية بمعناها الحضاري معززا بدوافع أقتصادية وتأريخية تتبع التطور والمراحل التكوينية لذلك المجتمع ,عندما نشأت أولى أشكال الدولة ومنها السلطة المهيمنه نشأت فيها فكرة رب العائلة والمدير التنفيذي الذي يدبر مجمل العلاقات الأسرية ومسيطرا عليها ,حتى في مسألة تنظيم علاقات العمل وتوزيع الثروة والملكية كان هذا القانون هو السائد رب الأسرة هو المالك والمتصرف والموجه, وعندما أنتقل المجتمع من الطور الأسري إلى تركيبة الطور الأجتماعي الأرقى كانت السلطة هي المالكة والمهيمنه وهي من تفرض شكل وأطار العلاقات الأجتماعية ومن ضمن ذلك توزيع ثروة العائلة إلى تناسب بين مقدار حق توجيه السلطة وكمية الثروة.
أنتهى عصر العائلة وحل معه عصر المجتمع المحكوم بالدستور والقوانين العامة والمجردة والتي تسيطر وتنظم شكل العلاقة وتوزيعها وطرق أختيار وممارسة الدور الإداري لكل مفاصل الإدارة فأصبح للسلطة عنوانان رئيسان السلطة وظيفة والسلطة دور ,وتباين التوافق بين الوظيفة والدور وأختلفت التجارب التي حاولت الجمع بينهما على أساس أن المجتمع عندما منح السلطة بشكلها الحاصل إنما أراد أن تمارس الوظيفة وفق القاعدة التي نشأت منها ,وأن يمثل السلطة شكل الدور ويتناسب معه ليكون القانون والدستور هو الحاكم الأصلي بدل السلطة.
عانت المجتمعات البشرية كثيرا من التناقضات السلطوية وأشكالها وصور ممارسة الوظيفة وكيفية تنفيذ الدور الممنوح لها فنشأت أنظمة حاكمة متعددة متنوعة وفق نظريات وأيديلوجيات تتراوح بين مفهوم السلطة رب أو شبيه الرب إلى كون السلطة مجرد إدارة تبادلية لممارسة الدور الوظيفي , هذا التباين منشأه النظرية االسياسية التي هي في الأخر نمطية الحياة الأجتماعية بكل فاعليتها وفعالياتها من الحد الأقتصادي والثقافي والتربوي كما بينا سابقا وتتغير هذه الشكلية تبعا للنمط الأجتماعي الأغلب, فإذا كان العامل الأقتصادي المحدد كالصناعة أو الزراعة أو التصنيع فائق التكنلوجيا ستكون هذه المحددات هي التي تدفع هذه القوى الأقتصادية بممثليها بقوة نحو مركز الإدارة السياسية السلطوية لتكون في توافق بين شكل النظام السياسي والقوة الأبرز في التأثير والأقدر على تحديث وقيادة عملية التطور الكلي (الأجتماعي).
هذه الحقيقية مثلا نجدها في النظام السياسي الغربي الأمريكي الأوربي الياباني وحتى في الأنظمة التي تسير بقوة التصنيع حين يكون لمالكي الشركات الأقتصادية والتجارية العملاقة وما يشكلها مجتمعها النخبوي من قدرة على التوجيه والقيادة هي السلطة الحقيقية وإن كانت تمارس من خلف عناوين ولافتات سياسية وحزبية والحقيقة التي لا ينكرها أحد أن نمط إدارة المجتمع يدار في هذه المجتمعات بذات الطريقة التي تدار فيها الشركات فهناك مجلس إدارة عليا يتولى رسم الأستراتيجيات وهنك طبقة المدار التنفيذين ووكلائهم من يدير التفصيلات الدقيقة .
في مجتمع ستسيطر عليه أنظمة المعلوماتية والحكومة الأليكترونية سوف لا نجد تأثيرا أكيدا للنمط القديم من شكل السلطة وأطوارها التأريخية ,الحتمية التأريخية ستقود العالم إلى التخلص من الكثير من مظاهر السلطة وأولها بالتأكيد فكرة الحاكمية لصالح فكرة التنافس الإداري فيما بين مجموعات تتسابق على السبق العلمي وتحجيم الشكل الفوضوي للإدارة القديمة لصالح تطبيق الفكرة الرقمية المجردة بالمصفوفات الرمزية وتختفي الكثير من المهام والتفرعات والتفصيلات الإدارية ويختفي الورق وحتى نوع العلاقة بين الإدارة والإنسان لتتحول إلى فكرة الإدارة في جيبك حينما تحمل الحكومة معك أينما ذهب وتشارك من أي مكان في تنفيذ وظيفتها لأن الحكومة القادمة عبارة عن أجهزة عملاقة اليكترونية يديرها عقل مركب لا يهتم بالسياسة والأقتصاد والمجتمع من منظر أيديلوجي بل من خلالة علاقة المستخدم بالسلطة عبر جهاز اليكتروني محمول أو ثابت.
هناك حقيقة لا يمكن تجاوزها ولا يمكن الطفر أو القفز حول أحقيتها بالحضور إن النظام العالمي القادم نظام مرتبط بشبكة واحدة من المتواصلات والمواصلات العالمية التي تتحرك في فضاء موحد من حيث أساس الفكرة والتشغيل والعمل التقني والمرموزات والمصفوفات وحتى في مواضيع المصطلح والمفهوم ,هذا يرتب أستحقاق مهم عندما قيام الحكومة الإليكترونية الحقيقية أنها ستكون موحدة ومتوحدة إن لم تكن واحدة لأنها تنطلق من قواعد إجرائية وتحكمية واحدة وبالتالي ففكرة الحكومة الكونية التي تدار إليكترونيا ليست فكرة مجنونة ولا عبث فكري إنها الواقع القادم الذي يجب أن يتهيأ له الجميع منذ الآن وأن يتعاملوا مع وجوده على أنه أستحقاق وجودي لازم لطبيعة العلاقات الكونية التي تجعل من عالمنا مجردة فضاء محدد ومأسور بأسرار البرمجيات والشبكات العنكبوتية التي تدار من خلالها السلطة.
هذا النمطية تتساوق مع نزعية ونسق التطور العلمي وتنتزع منه الصفة التكوينية والشكلية خاصة وأن السيرورة الآن تتجه إلى تحويل كل أشكال الإدارة من النمط التقليدي إلى وجهة تقنية تعتمد الرمزية والترميز فائق الدقة بحيث أن شكل التداول الرسمي بين إدارة المؤسسة الحكومية تفرق بالكثير بين الواقع الحالي وماقبل عشر سنين, وحل الجهاز الأليكتروني في كثير من المفاصل محل عدد غير محدود من الأشخاص والأفراد ليختصر الزمن وهذا هو الأهم ويقلل من التكلفة ويتجنب الأخطاء والأجتهادات البشرية , ولكن في الحقيقة أن هناك سؤال كثيرا ما يثار حول دور الإنسان والإشكاليات التي ستتركها تقنية الحكومة وتحجيم الدور البشري مما سيشكل عطالة وبطالة قد تضرب عميقا في الوجود المجتمعي .
المشكلة ليست بهذا السوء والتصور المتشائم عندما كانت الألة غائبة عن الحضور في العمل الصناعي وكان الأعتماد على اليدوية المباشرة كان العامل يقضي أكثر من نصف يومه في العمل وبأجور تكاد لا تسد الرمق ,مع تطور وسائل الأنتاج المادية ودخول التكنلوجيا في مفاصل العمل تم تقليل ساعات العمل وزاد الأنتاج وتم تلبية الكثير من الرغبات الأجتماعية , بما منح العامل التمتع بفرصة أكبر للراحة والتطور وقد إزدادت الأجور وحتى تبدلت علاقات العمل شكلا ومضمونا .
العلم هدفه الأساس توفير أكبر قدر من الحاجات للإنسان وتقليل الجهد مع الحفاظ على مستوى أعلى من السعادة والتمتع بها ,من هذه الحقيقة ستكون أولا علاقة العمل في ظل الحكومة اليكترونية عابرة الحدود والشخصية علاقات أكثر إنسانية في شكلها لأنها تتعامل مع منظومات مجردة من الإنحياز والأدلجة وبالتالي ستكون هناك نوع من العدالة الأجتماعية تتضمن أرتفاعا في مستوى تلبية الحاجات وأرتفاع بالدخل وزيادة في فرص التعلم والتطور حيث يمكن أن تكون الجامعة والأكاديمية مجرد برنامج في جهازك الشخصي .
نعم نتوقع حصول وإدراك هذا الواقع المتخيل وهذا التوقع نابع من متابعة وملاحظة مسيرة التطور في الأداء ,فلا عجب مثلا أن يكون يوم العمل الأقتصادي في ظل الحكومة المنسشودة أو النظام الحكومي الإليكتروني للعامل العادي ساعة واحدة مبرمجة مسبقا ومقننة بالشكل الذي يتناسب مع القدرة والكفاءة بحيث لا نجد هناك تعارضات بين الأداء والواقع ولا تناقض بين الوظيفة والمؤهل ,مع زيادة حقيقية في الرفاهية معتمدة على فكرة أن التكنلوجيا ستكون الخادم المتيسر والمسخر لخدمة الإنسان دون أن تطالبه بثمن بل تطالبه دوما بتطوير في طرق المعالجة والتحديث بأساليب التشغيل والأستغلال مما سيولد طبقة عاملة جديدة تتميز بمهارات فكرية وعلمية أكاديمية عالية جدا تمثل مفهوم الطبقة العاملة القديمة وسيكون المدراء التنفيذين التقنين والمصممين والمخترعين هم عماد وقادة هذه الحكومة المرتقبة.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟