|
الإجهاض في المغرب- مقاربة سوسيولوجية
عمر بنهمان
الحوار المتمدن-العدد: 4775 - 2015 / 4 / 12 - 17:33
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
الإجهاض ظاهرة اجتماعية معقدة ومركبة، ما زالت منتشرة في المجتمعات الإسلامية، ويعد كذلك من القضايا المسكوت عنها داخل المجتمع، باعتباره من الطابوهات المرتبطة بالجنس والتي لا يمكن التقرب والحديث عنه، ويبقى الإجهاض (avortement) اليوم السبيل الوحيد للكثير من النساء للتخلص من حالة الحمل غير المرغوب عليها اجتماعيا ودينيا وثقافيا، ويعرف المجتمع المغربي بالخصوص في وقتنا الراهن تفشيا وانتشارا واسعا لهذه الظاهرة ، والإحصاءات الكمية تؤكد ذلك، حيث تسجل يوميا من 600 إلى 800 حالة.
وأمام تفشي هذه الظاهرة وطرحها لمجموعة المشاكل الاجتماعية والسيكولوجية والصحية في المغرب، تزايدت المطالب والدعوات بإيجاد حلول ناجعة وفعالة لتقنين الإجهاض ومأسسته، مما خلق سجالا ونقاشا واسعا بين مختلف الباحثين والفقهاء في المجال الديني والطبي، والنفسي والاجتماعي، والقانوني، باعتبار أن موضوع الإجهاض يشكل موضوعا خلافيا بالدرجة الأولى، مما طرح مواقف متباينة ومختلفة، المؤيد والمعارض، المنع والمباح، المقنن وغير المقنن...الخ، مواقف تحكمها هواجس دينية وأخلاقية ومن جهة أخرى حداثية.
فموضوع الإجهاض ليس موضوعا سهلا، لأنه يثير الكثير من الإشكالات الاجتماعية والثقافية وحتى السياسية كذلك، لكن نجد أن تعامل المغاربة مع إشكالية الإجهاض ينطلق فقط من خلال استحضار الوازع الديني، والذي يحرم قطعا بما يسمى فقهيا بالإسقاط، وبالتالي هناك تجاهل للمحددات الاجتماعية والثقافية والقانونية لهذه الظاهرة. فماذا نعني أولا بالإجهاض؟ وكيف يمكن مقاربة هذه الظاهرة على المستوى السوسيولوجي؟ ببساطة نعني بالإجهاض عملية الإسقاط لجنين معين، سواء اكتمل هذا الجنين أو ما زال في بدايته، ولمقاربة الموضوع، يجب أن نميز بين مستويين من الإجهاض:
I. الإجهاض في إطار العلاقات الشرعية: نعني هنا بهذا المستوى، بالإجهاض الذي يمارس في نطاق مؤسسة الزواج، أي إذا وقع الحمل دون إرادة وتخطيط الزوجين، وعدم رغبتهما في الإنجاب، وقد يخلق مشكلا اجتماعيا، وهذا المستوى قليل نسبيا مقارنة بالإجهاض السائد في إطار العلاقات غير الشرعية.
II. الإجهاض في إطار العلاقات غير الشرعية: وهو الأكثر انتشارا وشيوعا داخل المجتمع، يتم إما عن طريق الاغتصاب(le viol) ، أو الذي يمارس من قبل ممتهنة العمل الجنسي. ففي حالة الاغتصاب، تكون المغتصبة مجبرة للجوء إلى عملية الإجهاض، إذا أخدنا بعين الاعتبار أن الفتاة أو المرأة تجد نفسها تحت وطأة واقع مر وأليم من جراء اكتشافها لحمل غير مرغوب فيه، نتيجة ممارسات جنسية خارج نطاق الزواج، مما يجعل الحمل بالنسبة إليهن مصيبة وكارثة بكل ما تحمله من معنى، في مجتمع لا يرحم وينظر إلى المرأة نظرة احتقارية ودونية(infériorité) ، ويكون الحمل هنا بمثابة فضيحة يجب إخفاءه بكل الوسائل والطرق، ويكون الإجهاض في نهاية المطاف هو الحل الأخير لتجنب الفضيحة وعقاب الأسرة والمجتمع. أما في الحالة الثانية، والمرتبطة بممتهنات العمل الجنسي، فأثناء إسقاطها للجنين، لا يعني أنها تسعى إلى التخلص منه، بل فقط لان الجنين سيعطل عليها ممارسة عملها الجنسي، وبالتالي تفكر بأي طريقة للتخلي والتخلص عن الجنين.
وبفعل التحولات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة، وحلول الطب العصري الحديث مكان الطب الشعبي التقليدي، اتخذت ظاهرة الإجهاض شكلا آخر من المأسسة والعلمنة، إذ أصبح يمارس داخل العيادات والمؤسسات الطبية، ويمكن أن نبرز مما يلي أنماط الإجهاض السائدة بالمجتمع المغربي حاليا : -;- إجهاض مؤسسي: وهو الذي يتم داخل العيادات والمستشفيات الطبية، وتقام عملية الإجهاض هنا بمبالغ مالية مهمة، ويتخذ بالتالي طابعا تجاريا. -;- إجهاض تقليدي: يقام عند المشعوذين، وتستخدم فيه طرق ووسائل تقليدية. -;- إجهاض ذاتي: تقوم به الفتاة أو المرأة نفسها بنفسها، عن طريق القفز أو تناول العقاقير أو باستعمال أعشاب طبية. -;- إجهاض علاجي: يوظف هذا النمط عندما يشكل الحمل خطرا على صحة الأم أو الجنين. يتضح إذن من خلال هذه الأنماط، أن قضية الإجهاض بالمغرب، ليست المرأة لوحدها هي المتهمة الواحدة والمتحملة للمسؤولية في انتشار هذه الظاهرة واستفحالها، بل هناك قوى فاعلة أخرى خفية تشارك في ارتكاب هذا الجرم، حيث نجد الزوج يدعم زوجته على ذلك، وكذلك الطبيب هو الذي يسهر ويقوم بهذه العملية، حتى أصبح الإجهاض يتخذ طابع تجاريا واقتصاديا، فأقل عملية من هذا القبيل تقام بما يقارب 1500 درهم، وهذا ما يفسر لجوء بعض النساء إلى ما يسمى بالإجهاض التقليدي الأقل تكلفة والأكثر سرية داخل المجتمع.
وللإجهاض نتائج وخيمة على صحة المرأة ، منها ما هو نفسي، كالإحساس بالذنب، والاكتئاب، وكذلك ما هو اجتماعي، كالتفكير في الانتحار والانحراف، والعزلة الاجتماعية(L isolement social) وغيرها من العواقب الأخرى والتي تعود بالسلب على نفسية وصحة المرأة. وبما أن الإجهاض يشكل إشكالية بنيوية مجتمعية، فنحن إذن في حاجة ماسة إلى مقاربة تشاركية شمولية وكلية للموضوع، تأخذ بعين الاعتبار وتحترم مختلف الآراء والمواقف، الدينية والحداثية، لان معالجة مشكلة الإجهاض بالمغرب، من خلال موقف فقهي يحرم قطعا الإجهاض، هو موقف أحادي ووثوقي، لان المجتمع المغربي ذات طبيعة مركبة ومعقدة، فتحريم الإجهاض فقهيا، ووجود علاقات جنسية كثيرة خارج نطاق الزواج، يطرح تناقضا كبيرا بين هذين العنصرين، سيادة معايير دينية ، وعلى مستوى السلوك والممارسة نجد أشياء أخرى، فلنكن شيئا ما واقعيين، ولنصارح أنفسنا، فهذا نفاق اجتماعي في حد ذاته، ولنتبع على الأقل بعض التجارب الرائدة في هذا المجال، ففي تونس على سبيل المثال استطاعت أن تقوم بتقليص ظاهرة الإجهاض مقارنة بالمغرب، والسر في ذلك يتمثل في اعتماد وإدراج المؤسسات التعليمية لما يسمى بالتربية الجنسية في المقررات الدراسية، فلنتعامل مع هذه الظاهرة بطرق أخرى أكثر حداثية، فحتى لو قمنا بتقنين الإجهاض، فإننا سنعيش نفس المشاكل، لان الإشكال هنا ليس قانونيا بالذات، بل على العكس هو مشكل ثقافي، يتجسد في غياب وعي وتثقيف في كل ما يرتبط بالجنس، بما في ذلك قضية الإجهاض.
عمر بنهمان باحث في علم الاجتماع
#عمر_بنهمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة لمفهوم التنمية من الزاوية السوسيولوجية
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|