غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4774 - 2015 / 4 / 11 - 15:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مجموعة (هــاكــرز) ينتسبون لداعش استطاعوا اقتحام النت وتعطيل الــبــث لمدة عدة ساعات ما بين مساء الأربعاء وصباح الخميس من هذا الأسبوع على القناة الدولية الفرنسية والتي تنطق بعشرات اللغات ومنها العربية TV5 Monde ناشرين دعاياتهم وتهديداتهم بالإضافة إلى عناوين عائلات جنود فرنسيين اشتركوا بعمليات قتالية في العراق... مما أثار الهلع والاضطراب والركض بجميع الاتجاهات بعدة وزارات هامة لها علاقة مباشرة مع هذه القناة والتي تضاهي France 24 بانتشارها العالمي... وخاصة في بلاد شمال إفريقيا.
دام هذا الاقتحام المدبر المدروس بعناية فائقة ساعات المساء من يوم الخميس البارحة, حتى بدأت المحطة إلى إعادة البث بشكل طبيعي... تــقــريــبــا...
وهنا عدت تقريبا إلى خمسين سنة إلى الوراء, وكنت أدرس علم الاجتماع والسياسة بأشكال عملية مباشرة, بقلب المجتمع الفرنسي, حيث كانت تظهر بداية تحركات إسلامية, داخل الجاليات الآتية من شمال إفريقيا, أو بداية الهجرات من المشرق, للدراسة والتخصص بمواد جامعية مختلفة, أو هجرات جماعية طلبا للعمل... ولم تكن بأعداد ظاهرة قبل السبعينات والثمانينات من القرن الماضي, حيث تضخمت فيما بعد الهجرات القادمة من لبنان وسوريا, بسبب بعض التظاهرات الإثنية أو الطائفية, بكل من البلدين... دفعت إلى هجرات العديد من الأيادي العاملة المختلفة التي احتضنها الاقتصاد الفرنسي المحلي... إذ كانت البطالة نادرة جدا بالمدن الصناعية الكبرى, كمدينة ليون التي أعيش فيها من سنوات طويلة.. وكما كتبت عشرات المرات بأنني لا أبدلها لــقــاء جنة حقيقية.. على الأرض طبعا...
وكما أتذكر بوادر أولى مطالب طائفية أو إثنية, بدأت تظهر حول التجمعات السكنية التي كانت تستقطب الجاليات المهجرية, حسب مدن بلاد المولد التي أتى منها هؤلاء السكان, طبقا لعاداتهم وتقاليدهم.. وخاصة مذاهبهم... ضمن تكتلات كانت تجتذب تكتلات إثنية وطائفية واحدة... فكبرت وكبرت هذه التجمعات.. خاصة بما يسمى مناطق المساكن الشعبية, أو مدن الزنانير.. لأنها كانت تبنى على شكل مجمعات كبرى حوالي مداخل المدن الرئيسية, وبأجور أرخص عدة مرات من داخل المدينة.. ولكن الدولة كانت تؤمن جميع وسائل النقل الحديثة, حتى تؤمن سيولة النقل من السكن إلى أمكنة العمل... بالإضافة إلى تأمين جميع وسائل الاستهلاك الصحي والغذائي.. حيث أن غالب مخازن الاستهلاك الكبرى, كانت تفتح أكبر فروعها بهذه المناطق, نظرا لكثافة عدد السكان... مع عديد من العيادات الطبية, لأطباء متخرجين جدد, بتسهيلات مادية.. ولكن مع الأسف بالسنين الأخيرة بدأت هذه العيادات تختفي واحدة تلو الأخرى.. نظرا للصعوبات التي كان يلاقيها الأطباء بهذه المناطق, بسبب فقدان الأمن فيها. لأن الحكومات الفرنسية المتتالية أهملت العنصر الهام بهذه المناطق.. وهو عنصر عدم انخراط غالب هذه الجاليات بالمجتمع الفرنسي.. وانطوائها على عشوشها وعاداتها وتقاليدها.. فانتشرت بهذه المناطق المهملة تجارة المخدرات, والتي تغاضت وتعامت عنها السلطات المحلية نسبيا, وسمتها الاقتصاد المحلي... ولهذا وحسب الإحصائيات نرى أن أكبر عدد من السجناء بالسجون الفرنسية, آتون من سكان هذه المناطق... حيث انتشر فيما بعد التعصب والتطرف الإسلامي, والذي تخرج منه غالب الذين انضموا إلى داعش في سوريا والعراق... والذين قاموا بعمليات شارلي هيبدو ومخزن سوبر كاشر.
واللافت للنظر أن الأئمة الذين يعملون كموجهين في السجون, أو موجهين في الأحياء المكثفة من هذه الجاليات, والذين اعتمدتهم السلطات الفرنسية كموجهين بالأحياء أو بالسجون, تبين فيما بعد أنهم هم أول موجه للتطرف, بدلا من توجيه هذه الأجيال الشبابية الضائعة بين ثقافة العائلة وثقافة البلد الذي يعيشون فيه.. كانوا يوجهونهم نحو التقوقع على الدين والعودة إلى أصول الشريعة, حتى أقصى حدود الانعزال والتقوقع والتعصب الطائفي.. وكــره البلد الذي يعيشون فيه.. وخاصة أن البطالة بدأت تنتشر.. وكان هذا الجيل من أبناء وأحفاد المهاجرين, وخاصة ممن لم يتابع دراسته منهم.. بدأ ينطوي على التعصب والهوية الدينية.. بدلا من الهوية والإمكانيات التي وهبته إياها البلد الذي يعيش فيه.. إن أراد الخروج من قوقعة الفقر والبطالة والمخدرات... إذ أن الآلاف من أصحاب الإرادة من هؤلاء الشابات والشباب من أبناء وأحفاد المهجرين, وحتى المتبنين منهم تمكنوا من الوصول إلى أعلى الشهادات وأعلى المناصب في المؤسسات الحكومية والخاصة... ومنهم من وصل لمنصب وزيرة أو وزير وفي مجلس النواب أو مجلس الشيوخ... وإدارة شركات كبيرة فرنسية أو أوروبية أو حتى عالمية...
***********
قد يتساءل بعض القارئات والقراء, وما علاقة هذا العنوان بكل ما ورد. وجوابي لهم بأن كل ما جرى بهذا البلد من علامات وبداية تحركات بهذه الجاليات أنذرت به أصدقائي وعلاقاتي الفرنسيين المحليين من أحزاب اليمين واليسار.. وحذرتهم من لبننة أو من خلافات إثنية قد تصل إلى تصادمات سوف تؤدي إلى اضطرابات ظاهرة تهدد الجمهورية ومبادئها العلمانية. وسوف تظهر مطالبات متكاثرة واضحة تفضل الشريعة الإسلامية, على القوانين الفرنسية... وبدأت أولى تظاهرات الحجاب بالمدارس والجامعات.. وصارت تتكاثر في الشارع,,, بالإضافة إلى المستشفيات والمؤسسات العامة.. حيث كانت ترفض النساء المحجبات أن يفحصها طبيب في المستشفيات, حتى بأخطر الحالات الإسعافية.. كما رفضت بعضهن أن تكشف عن وجهها بحالة تجديد هويتها الفرنسية.. وفرضت الأطعمة (الحلال) فب المدارس الحكومية والخاصة... وكانت الطلبات تتكاثر وتتوسع, معتمدة على ما يؤمن لها هذا البلد من حرية الفكر والإيمان, وحماية القانون لحرية الفكر والمعتقد والإيمان... مبدأ لا تؤمنه على الإطلاق لمواطنيها ولكل من يعمل فيها من الأجانب والمقيمين الغرباء, المملكة السعودية الوهابية.. رائدة الإسلام في العالم... والممولة الأولى مع دولة قطر للجمعيات التي تطالب بمضاعفة عدد الجوامع في أوروبا... والممولة الأولى لإرسال المقاتلين المحليين للالتحاق بداعش وغيرها من المقاتلين الإسلاميين على أرض سوريا والعراق... وذلك رغم البيانات الطنانة التي تعلن به عن انضمامهما للحلف الذي قرر محاربة دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام (داعش)... والتي أثبتت التحقيقات البارحة أن " الهاكرز الداعشيين " وجهوا اختراقاتهم ضد TV5 Monde من الأراضي الفرنسية نفسها. وهم يملكون إمكانيات أذى ضد الــنــت في فرنسا, مما سوف يكلف ميزانية الدولة والمؤسسات الاقتصادية ملايين وملايين الأورويات لإعادة تنظيم برامجها على الــنــت وحمايتها.. وخاصة أن محاولات اختراق تهدد تنظيم النقل الــجــوي, مما يثير هلعا واسعا بهذه الأوساط من شركات الطيران العالمية.
خلال العديد من السنين, منذ اخترت هذا البلد لي ولعائلتي, كنت ألفت انتباه أصدقائي من الفرنسيين السياسيين للأخطار التي يمكن أن يسببها التعصب والتطرف الإسلامي بهذا البلد من اصطدامات فكرية وحضارية وسياسية.. وانفجارات جماعية... كان يأتيني الجواب التالي : " لا تخش يا صديقنا لأن الجمهورية والديمقراطية والعلمانية الفرنسية.. تستطيع (هــضــم) كل هذه المظاهر الإثنية والدينية ". مضيفين أنني عنصري!... وأن الأجانب عنصريون بين بعضهم البعض.. أكثر من الفرنسيين!!!...
واليوم.. بعد اغتيالات شارلي هيبدو وسوبر كارشر وهاكرز TV Monde, وبعض الاغتيالات والتعديات, التي وقعت من شباب حاربوا بأفغانستان وسوريا والعراق, ضد رجال أمن أو عسكريين.. لم ترغب السلطة بتوسيع تحقيقاتها عن أسبابها, حتى لا تثير مزيدا من القلق والخلاف بين المواطنين... يشير إلى بداية عــســر هضم واضح من بوادر تظاهرات الإرهاب الإسلامي... كما توقعت على الأراضي الفرنسية... حتى أن ملياردير جزائري الأصل, وهو أكبر مورد مواد غذائية " حلال " بكل أوروبا, شارك بالحكومة أيام ولاية سـاركوزي.. كان من أكبر المشجعين للحجاب.. إذ أنه أعلن في المجتمعات الإسلامية هنا, أنه على استعداد لدفع جميع المخالفات, في حينه, عندما صدر قانون (لم يطبق) يخالف كل امرأة ترتدي النقاب أو البوركا... في فرنسا...
هل من عسر هضم يا اصدقائي... أكثر من هذا؟؟؟!!!...
***********
على الهامش :
ــ نشر هذا الصباح السيد André Gerin عمدة مدينة Vénissieux ونائب في البرلمان الفرنسي (السابق) عن هذه المدينة الواسعة المحيطة بمدينة ليون LYON الرئيسية, مقالا موسعا بجريدة Le Progrès المحلية المعروفة وفي جريدة العاصمة باريس Le Parisien ... مقال كهربائي.. قنبلة موقوتة... يهاجم فيه المافيات المحلية المختصة بتهريب المخدرات, مع الإسلاميين المحليين, وسيطرتهم الكلية على كافة المدن الزنانيرية التي تحيط بالمدن الكبرى الرئيسية. وفرضها سلطتها الكلية على السكان الأمنين... وغياب حلول الدولة الفرنسية من التدخل بهذه المناطق, وإيجاد حلول أمنية, ثقافية واقتصادية... علنا أن جميع الحكومات المتتالية من اليمين أو اليسار الفرنسي... خصصت المليارات لهذه المناطق... ولكن من يبديه العمدة السابق حقيقة حقيقية, سوف تثير الاعتراضات من الجمعيات الحقوقية.. وخاصة من مئات المحامين الذين يدافعون باستمرار عن الجاليات الإسلامية, بهذه المناطق التي تهجرها غالبا المؤسسات العامة والخاصة. رغم الدعم المادي الكبير الذي تقدمه الدولة لبقاء هذه المؤسسات. مقال السيد Gerin والذي كان مسؤولا هاما بالحزب الشيوعي الفرنسي, والذي تاريخيا كان المدافع الدائم عن هذه الجاليات الإسلامية... ولكن استمرار الأجواء المكهربة التي تسيطر على هذه المناطق وغيرها.. قد غير بوصلة الخطابات والتصريحات, بهذه الأيام التي بدأت تهتم أوروبا بكاملها عن أخبار داعش وحلفائها في المشرق والعالم العربي والعالم الإسلامي.. وتخشى ردود فعل عودة بعض من مقاتليها إلى بلدانهم.. قد غــيــر اتجاه البوصلة بغالب وسائل الإعلام...
بــــالانــــتــــظــــار...
للقارئات والقراء الأحبة الأكارم.. هــنــاك وهــنــا.. وبكل مكان في العالم.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي.. وأصدق تحية طيبة عاطرة مهذبة.
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟