بيسان عدوان
الحوار المتمدن-العدد: 1327 - 2005 / 9 / 24 - 10:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في إحصاء صدر عام 2000 ، جاء عدد المنتسبين إلي كيانات دينية إلي 140 مليون أمريكي اي اقل بقليل من مجموع نصف السكان في الولايات المتحدة ويتوزعون كالاتي : 66 مليون من البروتستانت، و62 مليون من الكاثوليك، و6 مليون من اليهود ، و4 مليون من المرمون، و6 مليون من المسلمين، ومليون واحد من الارثوذكس، و200 ألف من أهل الديانات الشرقية الاسيوية، وتنتشر في الولايات المتحدة ما يقرب من 20 ألف مدرسة مسيحية ابتدائية وثانوية، وألف كلية مسيحية للتعليم بعد الثانوي، وتضم الولايات المتحدة – أيضا- 1300 دار للنشر متخصصة في الكتب المسيحية وتقدر مبيعاتها بحوالي 3 مليارات سنويا ، هذا بجانب الشبكات الاذاعية ومحطات التلفزة والتي يحتكرها التيار الانجيلي المحافظ، بالرغم من تكرار الحديث عن صعود الانجيليين المحافظيين ونفوذهم القوي في الاعلام والسياسة فتشير بعض التقديرات ومعظمها مبني علي استطلاعات رأي، إلي أن عدد البروتستانت الذين يجهرون بانتمائهم يتجاوز ال80 مليون وهم يتوزعون بالتساوي بين البروتستانت الخط الرئيسي والانجيليون المحافظون .
صعد نفوذ الانجيليين المحافظيين عند منتصف القرن العشرين وكان صاحب هذا الصعود القس بيلي غراهام، وقد نجح في صياغة دعوته الدينية وشن حرب صليبية ضد الشيوعية مما حدا باصطفاف الاكثرية البروتستانتية ورائه وحظي بدعم لا يستهان به من أهل السياسة والاقتصاد، مع تطور وسائل الاعلام والنقل دعى الوعاظ الانجيليون الأمريكيين إلي أن يولدوا من جديد ووعدوهم بالخير الكثير وأن الله يبارك أمريكا اذا تمسكوا بالكتاب المقدس وباركوا إسرائيل، وظهر مصطلح " المولدون من جديد " علي الساحة الاميريكة واندمجوا في قضايا اجتماعية كثيرة مثل مناهضة العنصرية والتفرقة بين السود والبيض والتفاوت الاجتماعي مما جعل نفوذهم يزداد ويتغلغل في النسيج الأمريكي ومن ثمة زاد تأثيرهم لدي القطاع السياسي الاميركي واصبحت اللغة الدينية لغة سياسية تعبر عن سياسات الولايات المتحدة الاميريكة تجاه القضايا الداخلية والخارجية دون أن تمس المبدا الرئيسي الذي أقره الدستور الاميركي .
كان تجلي الخطاب الديني الانجيلي المحافظ في سبيعينيات القرن العشرين وتوج بانتخاب جيمي كارتر المبشر المعمداني، وكانت من خصائص تلك الانتخابات إشراك فئة واسعة من المسيحيين الجنوبيين ( المعمدانيون الجنوبيون ) بعدما كانت تعزف عن العمل السياسي ، ورغم ان كارتر لم يحظ بدعم الاكثرية الإنجيلية إلا أن الفئة المويدة من الانجيليين الجنوبيين الذين أطلق عليهم " المولدون من جديد " بدلوا موازين القوي الانتخابية والسياسية واصبحوا ذوي نفوذ قوي في الحياة السياسية فهم أنفسهم الذين اسقطوه في الانتخابات التالية بسبب عملية السلام بين إسرائيل والعالم العربي الذي اعتبروه تفريط في الرؤية الدينية بشأن إسرائيل .
وفي انتخابات عام 1980 دخلت حلبة المنافسة السياسية هيئات مسيحية إنجيلية أخري وهم " الاكثرية الأخلاقية " لمؤسسها جيري فالويل محذرة من الكارثة التي ستنزل بأمريكا بسبب ابتعادها عن المسيح وسقوطها في الانحطاط الاخلاقي وضرورة دعمها إلي إسرائيل والشعب اليهودي والتأكيد علي ما يسمونه " حقه في أرضه "، وصوتت غالبية الجمهور الأمريكي المحافظ لرونالد ريغان الذي كان علي صعيد الاقوال والافعال والافكار قريبا من اليمين المسيحي الا انهم انقلبوا عليه لانه لم يحقق ما وعد به في الشأن الداخلي .
قام التحالف المسيحي عام 1989 الذي أضحي كتلة لا يمكن تجاهلها في الحزب الجمهوري ، وادرجوا رؤيتهم وخطاباتهم الدينية ككون " أمريكا بمثابة أمة ذات أفضلية في عين الله شرط أن تحكم بما أنها أمة مسيحية " في مخيلة أعضاء الحزب الجمهوري والمنضويين تحت راياته، واحتلت فكرة العودة ألي الأصل مكانة كبيرة في خطاب السياسيين الجمهوريين، واستطاع اليمين المسيحي أن يسوق لغة فيها الاشارات إلي الكتاب المقدس والعظمة التي عرفتها أمريكا في الماضي ثمرة لايمانها بالله والدور المقدس الذي يقع علي عاتق أمريكا المباركة.
منذ السبعينات وفي عهد الرئيس كارتر " المسيحي المولود من جديد" رأى عدد كبير من الإنجيليين المحافظيين أن دعم إسرائيل بات أكثر إلحاحا لأنها تتعرض لمطالبة دولية بالانسحاب من الأراضي المحتلة، مما يؤخر في حالة حصوله أو يعرقل تحقيق النبوءات، وفي عام 1980 وتحالف اليمين المسيحي لانجاح ريغان، بات للمرة الأولى أن الحقباتين فريق داخل اللعبة السياسية، ومنذ ذلك التاريخ شهدت الولايات المتحدة الأمريكية تأسيس عدد من المنظمات الصغيرة والمحلية التى تعني بالتأثير على المؤمنيين العاديين الإنجيليين المحافظين وتعبئة قواعدهم من أجل تقديم العون لإسرائيل، فمنها من يذّكر المسيحيين بشكل مستمر بالجذور اليهودية لإيمانهم، ومنهم من يقولون بعودة المسيحية إلى القرن المسيحي الأول، حيث الحدود الفاصلة بين المسيحية واليهودية لم تكن مرسومة بشكل كامل وواضح، وهناك هيئات تضع برامج لتدريس الشرق الاوسط وتاريخه ، وهناك من يبشرون بيهودية ماسيانية بوصفها أنقى أشكال المسيحية؛ فيدعون المسيحيين إلى الصلاة يوم السبت، والتزام روزنامة الأعياد اليهودية ودراسة العبرية واحترام مبادىء الطعام الحلال عند اليهود..إلخ . وتصب بعض المجموعات جهدها في المجال الإنساني وأكثرها لمساعدة سكان المستوطنات في الضفة وغزة .
عارض التيار البروتستانت الليبرالي منذ القرن العشرين أطروحة الوطن القومي اليهودي في فلسطين، وهاجم عبر مجلاته وأدبياته الحركة الصهيونية. وكان لهذا الموقف أسبابه الدينية ومصلحية، حيث أن وجود وطن قرمي لليهود بفلسطين يهدد عمل البعثات التبشيرية المسيحية، كما أن تفسيرات هذا التيار لمضمون التوراه جعلته يؤمن بأن اليهود – تاريخيا – لم يستحوذوا على فلسطين أبدا .
قد تراجعت معارضة هذا التيار لقضية الهجرة اليهودية إلى فلسطين وإقامة الدولة اليهودية فيما بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة بعد كشف ما سمى بالقمع النازي لليهود، وقد ساعد على ذلك نشاط الصهيونية المسيحية وسط تيار الخط الرسمي للبرتستانت، وتراجع التيار المناهض للصهيونية وإقامة الدوله اليهودية بعد إنشاء إسرائيل عام 1948، كما تراجع بشكل أكبر بعد حرب يونيو 1967 وإحتلال إسرائيل كامل مدينة القدس وما لها من مكانة مقدسة داخل متون الكتاب المقدس، وظلت فئات داخل التيار البروتستانت الليبرالي تركز أهتمامها على مسائل العدالة الاجتماعيةوالسلام لليهود والفلسطينيين معا من وجهه نظر دينية .
قبل وصول جورج دبليو بوش إلى الرئاسة في الولايات المتحدة وبعده نسجت علاقة تحالف سياسي بين المحافظين الجدد ومنهم عدد مؤثر من اليهود وجماعات الضغط العاملة المسيحية اليمينية لحساب إسرائيل والإنجيليين المحافظين الناشطين في صفوف الحزب الجمهوري، وكان إلتقاء هذه الفئات على تأييد بوش وسياسته الخارجية محوره صلاح أمريكا وعظمة دورها الإنقاذي والتحريري في العالم رغم اختلافاتهما الدينية وشبه الدينية .
تثير علاقة تعلق فئة واسعة من الإنجيليين المحافظين بإسرائيل قدرا من الاستغراب، وقد تطورت بسرعة في العقديين الأخيريين؛ ومبرر ذلك أن كثير من الإنجيليين قد تربوا على محبة إسرائيل في مدارس الأحد، ولا تفسر الألفة مع العهد القديم وحدها التعلق بإسرائيل، حيث أن معاشرة الأمريكيين البروتستانت للكتاب المقدس واستعارة صور منه للحديث عن تاريخ أمريكا وخصوصية رسالتها بين بين الأمم تجعل من الأراضي المقدسة نوعا من الوطن الروحي بعيدا من الوطن الأم، وتعزز عند الأمريكيين المتدينيين لعقود أنهم أصحاب مصلحة في تلك الأرض حيث إنها مسرحا للاحداث النهائية وتمهيد لمجيء المسيح الثاني ، وهناك عدد لايستهان به من الإنجيليين المحافظين يقرأ الكتاب المقدس وكأنه مجموعة نبوءات متقاطعة مركزها الأرض المقدسة " فلسطين " وهم يؤمنون أن التاريخ البشري يتبع مخطط إلهى وأن لإسرائيل دور محوري فيه.
بدا الظرف مواتيا لزيادة النفوذ اليمين المسيحي وسيطرته علي العقل الجمعي الأمريكي بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 ولم يتردد بعض الانجيليين المحافظيين في قراءة هذا الحدث دينيا وارجعوا الامر في البداية إلي تأنيب الله لأمريكا، إلا انهم عادوا وعدّلوا من خطابهم وقاموا باستنهاض الهمم واظهار أنفسهم بصورة الضحية البريئة ، وعندما علت صيحة الحرب علي العراق كان تأييد الانجيليين المحافظيين لسياسة جورج دبليو بوش أمر متوقع وضاغوا حجج لاهوتية لاثبات شرعية الحرب وركزوا في تاييدهم لبوش علي الإيمان بصلاح أمريكا واحترام سلطتها الشرعية المستمدة من السلطة الدينية.
Glenmary Research center, Religious congregations and membership:2000
pew research council , American struggle with , Religion s role at home and abroad , released in march 2002
سمير مرقص ، اسرائيل من الداخل ،خريطة الواقع وسيناريوهات المستقبل ،المجلد الثاني 2003 ، مركز البحوث والدراسات السياسية ، جامعة القاهرة،ص 1023
للمزيد راجع كتاب متري ، طارق المتري، مدينة علي جبل ، الدين والسياسة في أمريكا ، بيروت ، دار النهار ،2004
المصدر السابق
المصدر السابق
Gershom Gorenberg, the day of days: fundamentalism and the struggle for the temple Mount , free press ,2000,pp 36 – 48
Timothy Weber,op.cit,pp 26-30
Donald Wagner, Evangelicals and Israel : theological roots of a political alliance , the Christian century,Nov 4 , 1998,pp 1020 – 1026
طارق المتري ، المصدر نفسه
المصدر نفسه
Timothy Weber, How Evangelicals Become Israel s friends,christianty tody,October 5,1998,p2
للمزيد ، راجع كتاب متري، الفصل الثالث
#بيسان_عدوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟