قناصو الوهم ..!

زكريا كردي
باحث في الفلسفة
(Zakaria Kurdi)

الحوار المتمدن-العدد: 4772 - 2015 / 4 / 9 - 02:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

يحدث أن يُصاب إدراك الإنسان بالوداعة النفسية الساذجة، عندما يؤمن حقيقةً ،أن المشاكل يمكن أن تسوى كلها دفعة واحدة .. وأن الوعد الموهوم القادم من سماء خياله ، قريب وهو آتٍ لاريب فيه . وقد يصل الأمر عند بعضهم ، إلى حد النظرة البنغلاوسية (السذاجة التفاؤلية)، من قبيل عبارات (لا يصح إلا الصحيح)، أو ركن الأسباب في مشكلة ( سياسية اجتماعية أو حتى فكرية..) إلى سبب واحد وحل وحيد ، وهؤلاء يروا جازمين، أن هذا السبب لو تحقق، سيكون الفردوس الموعود وستحل المشاكل برمتها . ومن أوضح التفاؤليات الساذجة، ما كنا نسمعه ومازلنا، من بعض منظري ومثقفي ما يسمى بالربيع العربي أو كما يطيب للبعض تسميتها بالثورات العربية، والذين نجدهم يرددون دائماً : فقط لو أزحنا هذا الشخص لأصبح الوطن فردوساً ولحصل التقدم، أو فقط لو عملنا هذا لسارت عربة التحديث، أو فقط لو انتشر العلم لزال الشر والسوء كله ، أو لأصبحنا كذا وتقدم المجتمع أو.. أو ...أو..الخ
ولكن أنا أعتقد، ان تقدم العقل في العالم لا يعني فناء السوء، أو اندحار الشر بشكل مطلق بأي حال من الأحوال ..فلو كان هذا صحيحاً لما كان القرن العشرين وهو قرن الاكتشافات العلمية الكبرى، هو ذاته قرن القتل والحروب بامتياز ، ولما استخدم - ولازال- الانسان احدث تجليات العقل التجريبي في المعارك وأفانين التدمير والقتل ..
فالعقل الذي يبتكر الحلول ،ويخترع ويتقدم بالإنسانية، ويقوم على نقد السائد والمتخلف، يساهم هو ذاته في صنع سلطات جديدة، وأدوات قهر جديدة، وشموليات من نوع آخر، تقتل الانسان الحالي وتدمر القيم والأخلاق السائدة ..إنها المسيرة الجدلية للعقل الكلي الحي في الوجود.. إذ أنها تخرج الحي من الميت بالفعل.
وما محاولة القبض على حقيقة ثابتة لهذه المسيرة، الا عبارة عن وهم حسب التعبير النيتشوي ،، لأن الحقيقة الجديدة نفسها ستستحيل إلى موضوع شك آخر وبحث وفهم آخرين ، وستتجلى في المحاولات المستمرة لهدم الثوابت والقيم واقتحام الساكن منها، والتي اعتاد الإنسان أن يركن إليها، على أنها ثوابت مطلقة .. وهنا تكون الحقيقة الوحيدة هي فهم الصيرورة الخالدة لتجليات الفكر وأحداث الواقع .
بكلمات أخيرة: إن تقدم العقل ما هو الا ادارة السوء الموجود في العالم وابتكار طرائق جديدة في كيفية التعامل مع الناشئ الجديد منه ..كما ان كل محاولة للفهم هي محاولة لثبات مؤقت، ومحاولة لنفي وتعطيل وجود الديمومة إلى حين.. بل ويكن القول أن كل محاولات العلم الوضعي هي كمحاولات متسلقي الجبال يثبتون ما تحت أقدامهم فقط إلى حين . فالعلم يبدو وكأنه يلغي فعالية الديمومة مؤقتاً ليستمر في التطور ويتمكن في تراكم حقائقه، لكن في النهاية ، وبحسب التعبير الوجودي ..نحن من نعيش تلك الديمومة ونحياها ..

#زكريا_كردي (هاشتاغ)       Zakaria_Kurdi#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات