أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - متي بهنام آل-أسو - مقالة على شكل قصة قصيرة بعنوان - واخيرا استجاب الله الدعاء















المزيد.....

مقالة على شكل قصة قصيرة بعنوان - واخيرا استجاب الله الدعاء


متي بهنام آل-أسو

الحوار المتمدن-العدد: 1327 - 2005 / 9 / 24 - 09:37
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


واخيرا استجاب الله الدعاء
كان جبار لا يزال مستلقيا على الفراش عندما تناهى الى سمعه صوت آذان الفجر " حي على الصلاة، حي عى الفلاح ..." تململ في فراشه ثم نهض ليتمتم صلاته ويستغفر ربه عن ذنوب لم يرتكبها ، اختممها قائلا "ربي يسّر ولا تُعسر " . كانت زوجته قد سبقته في النهوض لتخبز وتحضر شرابه المفضل "الشاي" مع وجبة فطور بسيطة ، باذنجان وقليل من البصل وخبز وشاي ، هذا الباذنجان هو الوحيد الذي بقي وفيا للفقراء ، ففي الازمات التي لاتنقطع ابدا في بلد النفط يزيد انتاجه ويرخص سعره كي يشد من ازر الفقراء وقت الضيق .لم تنسى زوجته ان تسلق له بيضة وتضعها في كيس مع خبز وقليل من البصل كي يتغدى بها اذا سهّل الله يومه ووجد عملا . ثلاثة ايام متتالية وجبار يعود خائبا ومحبطا بدون عمل ،كان الاصعب عنده مواجهة نظرات امه المسنة وزوجته المتسائلة ،ولكن من صمته يعرفون ..فتقول امه وقلبها يتفطر على حاله "يُمّا لا تدير بال باجر الله يفرجها " .
أطالت امه الصلاة والدعاء في هذا اليوم ، بدت واجمة حزينة على نحو غير مألوف ،كذلك بدت زوجته قلقة وهي تنقل نظراتها بين عمتها (حماتها) وبين زوجها واولادها الاربعة النائمين . نظر الى أطفاله الاربعة طويلا ، تمنى لو عاد طفلا فقط ليعيش في عالم البراءة بعيدا عن خبث ونذالة ودسائس الكبار . حين هم بالخروج شيّعته امه بنظرات حزينة قلقة وهي تقول " يُمّا جبار دير بالك على نفسك ترى اني شايفة حلم مو زين " قبّل رأسها وخرج صامتا ، عاتبتها كنتها بعد خروجه " عمتي ليش تزيدين مخاوفي ترى اني هم عيني دترف من الصبح " .
وصل جبار الى المسطر حاملا ادوات العمل مع كيس الغداء الذي اعدته له زوجته . كان هناك عمال اخرون ينتظرون ، سلّم عليهم ، انه يحبهم رغم انهم يتدافعون معه بشدة للصعود الى السيارة عندما يدعوهم احدهم
ليشتغلوا له ، كان يتفهم وضعهم وحاجتهم مثله . أشعل سيكارة واخذ يفكر في حاله وفي حال العراقيين جميعا . حصل جبارعلى شهادة من اعدادية الصناعة ثم خدم في الجيش عشر سنوات يحرس فيها "البوابة الشرقية"
، عدة مرات كاد ان يقتل ، حوصر في زوايا الجبهة لايام واحيانا بين الجثث ، ثم كان ينجو باعجوبة . كان جبار من الوعي بحيث يعرف جيدا اسباب مأساة هذا الشعب ، كان يعلم ان زُناة السياسة المصابين بشبق الشهوة العارمة نحو كرسي الحكم هم وحدهم السبب في كل ما حصل ويحصل
، حاله حال الملايين من هذا الشعب لم يكن يريد منصبا او زعامة ، ولكن رغم ذلك فان شعارات اولئك القتلة كانت تطارده حتى لو انزوى في بيته لا يخرج ، كان جبار يعلم بأن الساسة ليس وحدهم المجرمون بل اؤلئك الانذال الذين يتسابقون لحمل تلك الشعارات وترديدها . كان جبار يعلم جيدا ان هؤلاء العبيد نوعان : نوع امي غبي يندفع بسرعة جهله ونوع (وهو الاخطر والانذل) هو ذلك النوع الخبيث الذليل ، الانتهازي الذي " يُداري الخبزة" ولا يهمه ان باع امه من اجل عظمة تافهة ، هذا النوع المتلون بامكانه المناورة والكذب والتبرير فقط لينال رضا من يعتقد انه دونهم . كان جبار يسأل نفسه دائما : "لماذا سماني ابي جبار ؟ ربما كان المسكين لا يعلم ان الزمن سيجعل مني كرة تتقاذفها شعارات القائد والمعمم وشيخ القبيلة.
كان جبار يشعر بقرارة نفسه ان العراقيين اخوة جميعا ولكن زّناة السياسة جعلوا من تكتلاتهم احزابا ومن اديانهم مذاهب متناحرة ليقاتلوا ويقتلوا بأسمها . كان يعلم ان المسلمين اخوة لكن دعاة الصحوة التعسة في السعودية وفي ايران يقولون غير ذلك . كان يعلم ان الوطن قد ضاع تحت اقدام قومي زائف مهووس وديني زائف مهووس ، تبدلت صور القائد بصور المعمم وتبدلت تنظيمات الحزب القومي بالمليشيات الاسلامية ، والمقاومة الشريفة(جدا) تريد اعادة الاول والمليشيات تريد الابقاء على الثاني وبين الاول والثاني الف الف انتهازي(من النوع الذي يداري الخبزة) يريد تحويل انظارنا عن من كان ولا يزال السبب في مأساتنا.
قطع جبار سلسلة افكاره لدى رؤيته سيارة تقترب منهم وهي تتهادى في مشيتها ، كان سائقها يتفحصهم وهي عادة اؤلئك الذين يبحثون عن العمال . تحفز جبار وزملائه .. ربي يسّر ولا تعسر.. وما ان سمعوا السائق يصيح اريد عمالا حتى ابتدا هجوم الفقراء نحو لقمة خبز الاطفال ، حسب جبار في اللحظة التي وضع فيها قدمه داخل السيارة " ان الله قد فتحها
اخيرا" ، لكن لحظة واحدة فقط التقت فيها عيناه بعيني السائق الملتحي شعر جبار بفطرته الذكية ان شيئا غريبا يلوح من تلك النظرات الميتة ،
لكن هذا التدافع العنيف وتلك الحاجة الملحة الى لقمة الخبز للاطفال المنتظرين عودته اخمدتا شعوره . قال في نفسه : " كون السائق ملتحيا لا يعني شيئا في هذه الايام!!! فهو نفسه ملتحي كي لا يثير غضب حرس المرجعيات ...تذكر ايام شفرات الحلاقة القديمة (ناسيت) وكيف كان يبالغ في تلميع وجهه قبل الذهاب الى خطيبته . اضطر جبار كذلك الى تحجيب ابنته الطفلة وهي في الثانية عشرة من عمرها كي تكون من " الكاسيات وليس من العاريات " التي يزعقون بها خطباء الجمعة .. تذكر جبار كم نحن محظوظون لوجود هذه المرجعيات وتلك المشايخ لتنظيم حياتنا ، وتسائل ماذا كان حالنا بدونهم ؟ الم نكن نظلم بعضنا بعضا لا سمح الله؟ الم نكن نقتل
بعضنا بعضا لا قدّر الله؟ انظروا الى اليابان والى سويسرا مثلا كيف يتخبطون بحياتهم ويأكل بعضهم بعضا لان لاشريعة لهم ولا مرجعية أو
مشايخ تنظم حياتهم ، ولكن الشريعة اتية اليهم باذن الله واذن الصحوة .
وابتسم جبار بمرارة . نظر جبار ثانية الى السائق عله يلتفت ليراه ولكن رقبته بدت كرقبة الخنزير لا تلتفت ، ماذا يدور في جمجمة ذلك السائق في تلك اللحظة ؟ أهو من المجاهدين القادمين من بلاد خادم الحرمين؟ ام من ارض الفراعنة(الكنانة)؟ امن من بلاد البربر (ذات المليون شهيد) ؟ من اين؟
امن ارض فلسطين المغتصبة ؟ ام من الشام ارض الحضارت؟ من اليمن السعيد ؟ ام السودان الاسلامية ؟ من باكستان ام من افغانستان ؟ من الشيشان ام من ايران الاسلامية ؟ . مسكين انت يا عراق...
يبدو ان السائق هو الاخر له احلامه ، اخيرا وبعد اشهر من الانتضار تحقق الحلم ، شيعه المجاهدون هذا الصباح ، قبلوه وتمنوا له التبريكات في الفرح والعرس القادمين ، قبله اميره وهو متعجب من هذا الغبي الحالم بالشهادة بعد ان يقتل فقراء المسطر ،نظر اليه اميره للمرة الاخيرة وتذكر ابنه الذي يدرس في الغرب .. قال في نفسه : اقتلوا اقتلوا اقتلوا حتى تصيح الناس " نريد طاغيتنا القديم " ، من يستطيع القتل فليقتل والكذب فليكذب والدس فليدس الى ان يركع هذا الشعب الجاحد مجددا وهو يستغيث " كانت ايام الطاغية افضل".
تذكر جبار اطفاله وزوجته وامه المسنة وبحركة لا شعورية رفع يداه نحو السماء ، كانت لحظة واحدة فقط بعدها لم يعد بمقدور جبار ان يتذكر اي شيء والى الابد ، كانت لحظة فقط وهو اخر ما رآه جبار في هذه الدنيا ،
نار وصوت مرعب ويداه تطيران في السماء .
تناهي صوت الانفجار الى مسامع امه العجوز ، ارتجف استكان الشاي في يدها وسقط ثم صرخت : " يُمّا جبار " .
تجمع ملائكة الموت وهم مندهشون كيف سيقومون بعملهم وسط هذا الكم من النار والدخان والاشلاء ، لكنهم رأوا مسخا اسودا يتبختر بين الاشلاء ، قالوا له : من انت؟ انتابت المسخ نوبة من الضحك القته على قفاه وهو يقول اني ابحث عن السائق العريس ...
متي اسو



#متي_بهنام_آل-أسو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية


المزيد.....




- أوكرانيا تعلن إسقاط 50 طائرة مسيرة من أصل 73 أطلقتها روسيا ل ...
- الجيش اللبناني يعلن مقتل جندي في هجوم إسرائيلي على موقع عسكر ...
- الحرب في يومها الـ415: إسرائيل تكثف هجماتها على لبنان وغزة ...
- إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام تسفي كوغان في الإمارات ب ...
- اتفاق الـ300 مليار للمناخ.. تفاصيله وأسباب الانقسام بشأنه
- الجيش اللبناني: مقتل جندي وإصابة 18 في ضربة إسرائيلية
- بوريل يطالب بوقف فوري لإطلاق النار وتطبيق مباشر للقرار 1701 ...
- فائزون بنوبل الآداب يدعون للإفراج الفوري عن الكاتب بوعلام صن ...
- الجيش الأردني يعلن تصفية متسلل والقبض على 6 آخرين في المنطقة ...
- مصر تبعد 3 سوريين وتحرم لبنانية من الجنسية لدواع أمنية


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - متي بهنام آل-أسو - مقالة على شكل قصة قصيرة بعنوان - واخيرا استجاب الله الدعاء