حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 4769 - 2015 / 4 / 6 - 22:45
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مشروع هابرماس للترويج لحتمية دكتاتورية إمبراطورية الشر الإمبريالية / 5-5
إلى أين ذهب هابرماس بالنظرية النقدية و مدرسة فرانكفورت ؟
معلوم أن مدرسة فرانكفورت قد تأسست في ثلاثينات القرن العشرين على تقاليد غنى ديالكتيك مدرسة النقد الفلسفي الألمانية حصراً ، و خصوصاً عند كانط و فيختة و هيجل و ماركس . و لقد دشن قطبا هذه المدرسة : هوركهايمر و أدورنو (عكس زميليهما الثوريين و الأبرعَين منهما فكرياً: هيربرت ماركوزه و فالتر بنيامين) نشاطهما انطلاقاً من دوغما الرفض المسبق للعلاقة الديالكتيكية القائمة بين البناء الفوقي و القاعدة الاقتصادية عبر الفصل بينهما تحكمياً ، و اقتصار البحث في البناء الفوقي ، فتركزت كتاباتهما على ما سمي في حينها بـ "صناعة الثقافة" . و لم تستطع تنظيرات هذه المدرسة أبداً تجاوز مفهوم الديالكتيك الهيجلي السلبي المقتنع بمجرد النقد الكاشف و ليس التغيير . مع ذلك ، فقد جمع هوركهايمر و أدورنو بين أفكار ماركس و النقد الاجتماعي للرأسمالية ، و أطلقا على نفسيهما لقب "الماركسيَين الجدد" ، و نقدا بعمق الفلسفة الوضعية .
و لكن كان واضحاً منذ البداية لدى كل واع لجوهر الماركسية بأن هوركهايمر و أدورنو ليسا سوى منظرين برجوازيين صغيرين مثاليين منقطعين تماماً عن الممارسة السياسية الفعلية و عن الحركة الاجتماعية القائمة في أوربا ، بحيث أن غيورغ لوكاش دمغهما بمتلازمة : "هاوية الفندق الفخم" . يقول لوكاش :
:
"أن جزءاً كبيراً من الطبقة الألمانية المثقفة ، بضمنهم أدورنو ، قد احترفت السكن في هاوية الفندق الفخم الذي وَصَفْته أنا بالارتباط بنقدي لشوبنهاور باعتباره "فندقاً جميلاً ، مجهزاً بكل و سائل الراحة ، كائناً على هاوية اللاشئ ، و اللامعقول . و التأمل اليومي للهاوية بين وجبات الطعام و الترفيهات الفنية الفاخرة لا يزيد إلا في متعة الرفاهيات الماكرة المعروضة عليهم ."
المصدر :
Luká-;-cs, Georg. (1971). The Theory of the Novel. MIT Press, p.22
و لقد عُرِفَ عن أدورنو اللجوء إلى نمط غريب من الطرائقية الأداتية غير العقلانية في الرد على منتقديه السياسيين (استعار أسسها من كتابه الموسوم "الشخصية التسلطية" بالاشتراك مع آخرين ) (1950) ، و ذلك عبر تجنبه تماماً المناقشة العلمية الرصينة لأفكارهم السياسية فكرة بفكرة و حجة بحجة - مثلما يفترض أن يحصل من طرف من يزعم العقلانية النقدية لنفسه - و إنما كان يتعمد استخدام أسلوب رمي منتقديه باتهامات مستعارة من حقل الأمراض النفسية الخاصة بداء جنون العظمة و الكبت الجنسي . و القارئ لمقالات أتباع هابرماس سيكتشف حالاً عشقهم لهذا الأسلوب غير الرصين و السايكوباثي في التعويض . و هكذا ، فقد عاش هوركهايمر و أدورنو و ماتا خارج نطاق التأثير المجتمعي الفاعل ، و دون طرح أي مشروع مستقبلي ، ليثبتا بذلك صحة مقولة لوكاش فيهما .
المصادر :
Blake, Casey and Christopher Phelps. (1994). "History as social criticism: Conversations with Christopher Lasch" – Journal of American History 80, no.4 (March) (p.1310-1332).
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=452839
أما على يدي هابرماس - الذي لا تترابط مؤلفاته الكثيرة ضمن إطار أي نظرية موحدة متلاحمة - فقد تحولت مدرسة فرانكفورت إلى المعاداة المكشوفة للماركسية بتبنيها الفعلي للذخيرة الفاسدة لعلم الاجتماع البرجوازي في الغرب . و مَنْ يُحارب الماركسية لا بد له أن يرتمي في حضن الإمبريالية في النهاية ، شاء ذلك أم أبى ؛ و هذا ما حصل لهابرماس بالضبط . ففي مؤلفه "النظرية و الممارسة" (1963) رفض هابرماس المادية الديالكتية و ضرورة الثورة البروليتارية ؛ و في مؤلفه "أزمة الشرعية" (1971) شكك هابرماس بنظرية القِيَم في النظام الرأسمالي المعاصر ؛ كما رفض المادية التاريخية في مؤلفه "التواصل و ارتقاء المجتمع" (1981) ؛ و رفض نظرية القيمة الماركسية في كتابه "نظرية الفعل التواصلي" (1981) . و بات من الواضح أن كل شيء ماركسي لا بد أن يكون مرفوضاً عند هابرماس رفضاً ليس علمياً و لا عقلانياً ، بل رفضاَ تحكمياً للنط فوق ماركس بغية تزييف الوقائع الاجتماعية بلا طرح أي بديل علمي رصين فاعل . كل هذا يحصل مع زعم هابرماس بكونه "آخر الماركسيين" ليتسنى له تسليع السمعة العالمية المحترمة لماركس لحسابه و حساب أسياده الإمبرياليين بدعوى تطوير الماركسية . طبعاً المطلوب من كل هذا التزييف هو أن يتحول كل الماركسيين إلى خدم للإمبريالية مثلما أصبح يوسكر فشر و توني بلير و مليباند و هابرماس نفسه ؛ و من لا يقبل الانبطاح معهم للإمبريالية فإن تهم الأصولية و الجمود العقائدي و الأداتية العقلانية ووو حاضرة للصقها بهم ، جنباً إلى جنب المدفعية السايكوباثية الأدورنية للتعويض عن مركبات النقص الذاتية .
في مؤلفاته الأولى ، كان هابرماس ينادي بـ "نظرية المنظومات" . بعدها ، انقلب من نظرية المنظومات إلى "نظرية التواصل الاجتماعي" و ذلك نزولاً منه عند مقتضيات التيار البراغماتي- التداولي السائد في الولايات المتحدة الأمريكية ، ليختزل بها آفاق البحث للنظرية النقدية بميدان التواصل اللغوي الاجتماعي ، و يلغي دوغماتياً اشتغال نظرية المعرفة خارج إطار ذلك الميدان . و قد أتضحت لنا في الحلقات السابقة تفاصيل المسببات لفهاهة مكونات هذا المفهوم و خطله ، و التي تعود أساساً إلى عدم فهم هابرماس لطبيعة اللغة لكونه ليس عالماً لغوياً ، علاوة على عدم فهمه لطبيعة المجتمع الذي تشتغل فيه هذه اللغة لكونه ليس عالم اجتماع .
أما بالنسبة للنظرية النقدية ، فقد بترها هابرماس عن جذورها الأصلية ، محولاً إيّاها إلى خليط غير متجانس عبر مزاوجته قسراً بين عدد كبير من شذرات الأفكار المتنافرة و الطاردة لبعضها البعض ؛ من كانط و هيجل من جهة ، و من فيبر و هايدغر و دوركهايم و دلثي و هوسرل و غدامر و فرويد و سوسير من جهة أخرى . ليس هذا فحسب ، بل و لقد زاوج أيضاً بين أفكار هاتين المجموعتين و بين مفاهيم مستعارة من أعمال شتى المفكرين الأنجلوسكسون من مختلف ميادين التخصصات : ميد ، بارسنز ، بياجيت ، كولبيرك ، فتغنشتاين ، أوستن ، تشومسكي ، ستروسن ، تولمان ، سيرل ، ديوي ، إلخ . و طريقته في فبركة الآيديولوجيا المزيفة تتلخص باقتباسه فكرة من هذا الباحث و فكرة من ذاك و ذيّاك ، و من ثم التأمل من هاوية الفندق الفخم وسط ولائم و حفلات الترفيه الفاخرة المقامة له في كيفية الربط التحكمي بينهما ، و ما هي المقتضيات الإجرائية لإقصاء أقوى المختلفين معها مقدماً عبر تلفيق الثنائيات الكاذبة اعتماداً على هذا أو ذاك من المفكرين البرجوازيين ؛ و من ثم فبركة النظرية ذاتياً بطحن الأشواك مع الدر و الحصى و الرصاص و الخشخاش و اللوز ، و هلم جرا ، بلا أي منهج علمي ، و لا أدنى تلاحم فكري - باستثناء وجوب إدامة التكيف مع النظام الرأسمالي القائم - مع تعمُّد استخدام الأسلوب الإنشائي المقعر غير الرصين و غير القاطع التحديد . و النتيجة هي خلطة فاسدة لا تورث قراءها الواعين غير عسر الهضم و وجع الرأس . فبوسع المطلع على كتابات هابرماس اكتشاف حقيقة أن ضغط تعددية و تنافر القيم و المناهج التي اقحمها بنفسه عليها بلا أدنى أفق تكاملي منهجي قد عمل على تقييد حركتها ليجبرها في النهاية على الاقتصار على طرح المعايير الإجرائية لتسوية المسائل السياسية و الأخلاقية التي يرضى أولي الشأن فيها بمبدأ الإجماع . و هذا بالطبع أمر لا يمكن أن يصبح متاحاً إلا كنتيجة لقيام المجتمع الشيوعي اللاطبقي قبلها ؛ أما في ظل سيادة المصالح العليا لطغمة مليارديريي الشركات المتعدية الجنسية و أساطين إمبراطورية الشر الإمبريالية فهو أمر مستحيل ، و لا توجد فيه سابقة اجتماعية و لا سياسية ، و لا حتى في قرارات الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني (الغربي) الذي ينتمي هابرماس إليه ، و الذي ينشط من بين صفوفه لتبرير عدوانات حلف الناتو على بلدان أوربا و الشرق الأوسط ، بلا أدنى عقلانية و لا نقد ولا إجماع و لا تواصل اجتماعي و لا بحث تجريبي و لا علمي . علمي ؟ كلا ، مطلقاً ! العلم عند هابرماس و جوقته هو سرب من البعوض القاتل الذي يستوجب الإبادة النصية كلياً و تماماً- مثل كل شيء أكيد آخر مبرهن عليه تجريبياً - بإطلاق تسمية "العلموية" عليه لمسخه ، لكونه بمعاييرهم الدوغماتية هو الشر كل الشر ، و هو العار كل العار ؛ في حين أن الثرثرة الخاوية و التزييف و التلفيق لخدمة عدوان الناتو هي آيات الإنجيل الهابرماسي الجديد الذي تُبشر به البشرية جمعاء ، و الذي يُحكم على كل من يرفضه - على طريقة التكفيريين الدينجية - بالأصولية و التخلف و رفض التعددية و السايكوباثية . و لهذا ، فليس من الغريب أن نجد هابرماس يمتنع كلياً عن استكشاف إمكانيات المستقبل وفق مقتضيات جدل النظرية النقدية التي تأسست عليها مدرسة فرانكفورت .
كما إن هروب النظرية الهابرماسية من التاريخ - لإيمانها ، بفضل التزييف البوبري ، بلا جدوى التاريخية - قد حولها فعلاً إلى نظرية فاقدة الإحساس بالزمن ، فأصبحت خارج تاريخها نفسه . ففي مقاربته المثالية للمجتمع ، لا يعي هابرماس جدلية أن التضاد الاجتماعي الأساسي القائم هو ليس بين ما هو مثالي مطلوب و بين ما هو واقعي قائم ؛ و لا هو بين الحقائق و المعايير . التضاد الحقيقي هو بين ما هو حاصل و بين ما يمكن أن يحصل ؛ بين الواقع الأسود الراهن الذي يجعل كل البشرية الدائخة لا ترى الطريق ، و بين استشراف إمكانيات المستقبل الأفضل المتأسس و المنبعث من داخل وقائع زماننا نفسه و ليس من خارجه .
ليس هذا فحسب ، بل أن هابرماس - الذي لا يستحي هو وجوقته من طرح حماقاته المثيرة للسخرية بديلاً للرصانة العلمية لماركس و إنجلز - سعى بمكر لقلب النظرية النقدية الماركسية من نظرية ثورية تقدمية إلى آيديولوجيا إمبريالية سكونية تُرَوِّج لعقلانية القوى العمياء لاقتصاد السوق المدمرة للبشرية ، و تطرح على المظلومين خرافة ضرورة تحقيقهم الإجماع و التفاهم مع مستعبديهم كوسيلة لشرعنة جرائم الإمبريالية في ديمومة سرقة قوى العمل الكونية و إبادة الشعوب بالحروب و الكوارث الاجتماعية و تخريب البيئة . و هي تزيِّف الصراع الطبقي و النضال الاقتصاجتماسي للطبقات المظلومة لصالح التبشير اللاهوتي بعلاقات التواصل الاجتماعي ، و لكن ليس قبل بترها تماماً عن علاقات الإنتاج . و ببترها هذا لغصن التواصل الاجتماعي عن جذره علاقات الإنتاج ، فقد تحولت نظرية التواصل الاجتماعي الهابرماسية إلى مجرد خشبة مرماة بلا حياة . و هو ما يدلل مرة أخرى على أن أية نظرية اجتماعية تلغي دوغماتياً تحليل تأثير قوة رأس المال في المجتمع البشري بأسره لن تصبح أكثر من مجرد هواء فاسد في شباك متهرئة .
و عليه ، فقد بات لهابرماس كل الحق في المفاخرة الآن بكونه قد أتى بيديه على نهاية مدرسة فرانكفورت بعد أن زيَّف معنى العقلانية و النقد الاجتماعي الجدلي الذي تأسست عليه ، و شطب على استشراف إمكانيات الفعل البشري المؤثر فعلاً في التاريخ و المؤدي إلى الممارسات التي يستطيع بواسطتها البشر تغيير مجتمعاتهم و ثقافتهم و مؤسساتهم السياسية الموروثة ، كما ألغى من فندقه الفخم اشتغال كل العلوم اجتماعياً .
و بسبب كل هذا - و رغم النفخ السخي لتبني أفكاره - فإن لا أحد في الغرب يأخذ الآن هابرماس بمحمل الجد في الأوساط الأكاديمية المحترمة . و توجد على الشبكة العنكبية حالياً آلاف الدراسات النقدية العقلانية المفصلة و الموثقة باللغات الإنجليزية و الفرنسية و الألمانية و غيرها و التي تسخر من مثاليته الخانقة ، و تستهجن خدمته لإمبراطورية الشر الإمبريالية . فعلماء اللغة يعرفون أنه لا يفهم في علم اللغة مثلما تبيَّن لنا ، و علماء الاجتماع يعلمون أنه لا يعي شيئاً في علم الاجتماع مثلما تم إيضاحه . أما الفلاسفة ، فلقد مضى زمن طويل جداً على إدراكهم بأن الفلسفة هي ليست صنفاً من أصناف الكُبّة المخدومة بالمكسرات و الخشخاش . ليس هذا فحسب ، بل و لقد أصبحت مؤلفاته مثاراً للسخرية و للتندر في المحافل الأكاديمية الغربية ، بحيث أن جملة : "هذا الكلام يذكرني بهابرماس" باتت تعني عندهم بالضبط : "هذا الكلام هو المَثار للسخرية " . ففي عدد يوم 3/11/2011 من النيويورك تايمز ، في الصفحة الثقافية ، كتب الأستاذ الأكاديمي المرموق "ستانلي فِشْ" (و هو مفكر لبرالي ، أشتهر بتأسيسه لمدرسة "المجموعات التفسيرية") مقالاً ساخراً عن هابرماس بعنوان : "لِمَ ينبغي على هاري تجنب اللقاء بسالي" ، قال فيه بالحرف الواحد (الأقواس موجودة في أصل النص) :
"إن الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس هو النجم الذي يحتل مثل هذا المحل في مَجْمَع الصِغار العائد لي . و لقد دأبْتُ على قذفه بِكِسَر الآجُرِّ طوال سنوات (بَلَغَ بي الأمر حد المطالبة في إحدى المناسبات بمنعه من كتابة أي شيء ؛ و لم أحدد الكيفية التي يتم بها ذلك) ، و وجهت إليه دفرات السخرية الأكاديمية على شعاراته (مثل : "المقام المثالي للكلام" و "التواصل الكوني") ، و نفخت في بوق خواء برنامجه لكل من يريد الاستماع .
و هذا يعني أن هابرماس (مع عدد آخر قليل ممن لن أسمّهم) هو مهم جداً بالنسبة لي ، لشعوري بأنني غير قادر على المواصلة بدونه . إنني أحتاج وجوده ؛ و إذا ما تم انتزاعه بعيداً عني ، فلن يتسنى لي معرفة ما الذي سيتعين علي عمله . إذ سيتوجب علي عندئذٍ أيجاد شخص آخر ليصبح موضوعاً لازدرائي البديهي . و تلك ستكون مهمة عويصة في ضوء كون هابرماس - أو اي شخص يمكنه ملء فراغه - لديه أفكار غريبة تماماً (من النوع التي أتوق لبغضها) ؛ لذا ، فإن تنصيب شخص من المريدين أو المزيفين مكانه لن يكون أمراً مُرْضياً فعلاً .
و لكن أنّى يمكن إبعاد هابرماس عني ؟ فحتى لو أنه أقلع عن النشر ، فسيكون بمقدوري دوماً الرجوع إلى كتاباته السابقة كلما احتجت للتعبير عن حكم سلبي ؛ و سيبقى بوسعي إفحام الآخرين بالقول الطارد : "هذا الكلام يذكرني بهابرماس" ، ثم أترك الموضوع . لذا ، و بغض النظر عما سيفعله هابرماس و ما لا يفعله ، سيبقى هو عائداً لي " .
إنتهى نص الأستاذ فِش .
المصدر :
http://opinionator.blogs.nytimes.com/2011/10/03/when-harry-should-avoid-meeting-sally/?_r=0
يعلم كل مطلع على الوقائع التاريخية للقرن العشرين أنه كان قرن الجحيم للبربرية الرأسمالية بامتياز . السؤال الوحيد الذي يفرض نفسه على كل البشر العقلانيين هنا - بضمنهم هابرماس و شركاه إن كان قد تبقى لديهم بقية من عقل جراء ضغوطات التلفيق و معاداة الرصانة العلمية و عناد الإنكار لأبسط الحقائق و الوقائع - هو واحد لا غير : هل كان ذلك الجحيم هو الخيار الوحيد الممكن و المتاح للبشرية ؟ و الجواب العقلاني الوحيد هو : كلا ، أبداً ، على الأقل لكوننا نعيش في كوكب يسميه أهله بـ "الأرض" ، و ليس "الجحيم" ، الذي لا بد أن يكون في مكان آخر . عشرات الملايين من خمسة أجيال متتالية من البشر الأبرياء لقوا حتوفهم بدم بارد بفضل تكنولوجيا القتل الرأسمالية ، فمن الذي يستطيع إنصاف أولئك الأبرياء المبادين بتطبيق العدالة بحق المجرمين الذين أبادوهم ؟ الجواب هو : ما من محكمة في هذا الجحيم تجرؤ على مجرد تصور إمكانية تطبيق العدالة بحق صنم مصطنع أسمه "رأس المال" و الذي يسمح لطغمة من محتكريه المجانين إبادة عشرات الملايين من بني جلدتهم الضعفاء بغير حساب . و السؤال الآن هو : إلى أي جحيم آخر نحن الضعفاء و أولادنا و أحفادنا ماضون ؟ لا أحد يعلم ، بعد أن تعلمنا من وقائع تاريخنا أن يومنا هذا هو في الغالب أفضل من غدنا . طيب ، ألم يحذرنا ماركس و إنجلز منذ علم 1848 من كل هذا في البيان الشيوعي بالقول بكلام فصيح صريح :
"إن التثوير الدائم للإنتاج ، و الاضطراب المستمر للأوضاع الاجتماعية كافة ، و التأبيد لفقدان اليقين و للهياج ، هي الصفات المميزة لعصر البرجوازية عن كل ما سبقها من العصور . كل العلاقات الثابتة المتصلدة الراسخة ، مع قطارها من العصبيات و الآراء القديمة القابلة للجرح ، تُكنَس بعيداً ؛ و كل جديد العصبيات و الآراء يتقادم حتى قبل أن يتصلب . كل ما هو صلد يتميَّع ، و كل ما هو مقدس يتنجس ، و أخيراً يصبح الإنسان مكرهاً على أن يواجه بحواس رزينة الظروف القائمة لحياته ، و لعلاقاته مع نظرائه من البشر . " ؟
الجواب : بلى ، بالتأكيد .
و الآن إلى السؤال الوجودي : إلى متى نبقى مكتوفي الأيدي نثرثر مع خادم الإمبريالية هابرماس و شركاه عن خرافات التداوليات الكونية خارج الزمكان و عن تزييفهم المتعمد للفكر الماركسي العلمي لحساب إمبراطورية الشر الإمبريالية و نحن مكرهون على مواجهة واقعنا المرِّ هذا ، لنواصل التفرج يومياً برزانة على جحيم : كل ما هو صلد يتميَّع ، و كل ما هو مقدس يتنجس ؟
أما مِنْ أفق لمستقبل أفضل ؟ ألم يوضح ماركس و إنجلز شروط تحقيقه للبشر و بالبشر و بأبلغ الكلام العلمي الرصين الذي يدحض على طول الخط التزويرات الهابرماسية المكشوفة له و لجوقته المخزأية ؟
انتهت .
مصادر مختارة
Adams, Nicholas (2006) Habermas & Theology. Cambridge, Cambridge University Press.
Albert, Hans (1964) "The Myth of Total Reason," in Theodor Adorno (et al) The Positivist Dispute in German Sociology. NY: Harper and Row [1976] pp. 163-197.
Bohman, James (1996) Public Deliberation: Pluralism, Complexity, and Democracy. Cambridge, MA: MIT Press.
------------- (1999) “Theories, practices, and pluralism: A pragmatic interpretation of critical social science,” Philosophy of the Social Sciences. 28: 459–480.
------------- (2000) “Demokratischer und methodologischer Pluralismus: Eine pragmatische Interpretation der kritischen Forschung,” in Müller-Doohm (ed.) 2000, 299-327.
------------ (2004) Justice, Legitimacy, and Self-Determination. Oxford: Oxford University Press.
Dews, Peter (ed.) (1999) Habermas: A Critical Reader. Malden, MA: Blackwell.
Edgar, Andrew (2005) The Philosophy of Habermas. М-;-ontreal, McGill-Queen s UP.
Engels, F. (1972) Origin of the Family, Private Property, and the State. NY: International Publishers.
Gregg Daniel Miller (2011) Mimesis and Reason: Habermas s Political Philosophy. SUNY Press.
Finlayson J.G. (2004) Habermas: A Very Short Introduction. Oxford University Press.
Fraser, Nancy (1985) “What s critical about critical theory? The case of Habermas and gender,” New German Critique. 35 (Spring-Summer): 97–131.
Habermas, Jürgen (1964) "A Positivistically Bisected Rationalism," in Theodor Adorno (et al) The Positivist Dispute in German Sociology. NY: Harper and Row [1976], pp. 198-225.
Habermas, Jürgen (1979) Communication and the Evolution of Society. Boston: Beacon Press.
------------- (1983) The Theory of Communicative Action. Vol. I: Reason and the Rationalization of Society. T. McCarthy (trans.) Boston: Beacon.
------------ (1987) The Theory of Communicative Action. Vol. II: Lifeworld and System, T. McCarthy (trans.) Boston: Beacon.
------------ (1988) On the Logic of the Social Sciences. S. W. Nicholsen and J. A. Stark (trans.) Cambridge, MA: MIT Press.
------------ (1989) The Structural Transformation of the Public Sphere. T. Burger and F. Lawrence (trans.) Cambridge, MA: MIT Press.
1990------------ (1990) Moral Consciousness and Communicative Action. C. Lenhardt and S. W. Nicholsen (trans.) Cambridge, MA: MIT Press.
------------ (1992) Postmetaphysical Thinking. W. M. Hohengarten (trans.) Cambridge, MA: MIT Press.
------------ (1993) Justification and Application. C. P. Cronin (trans.). Cambridge, MA: MIT Press.
----------- (1996) Between Facts and Norms: Contributions to a Discourse Theory of Law and Democracy. W. Rehg (trans.) Cambridge, MA: MIT Press.
----------- (1998) On the Pragmatics of Communication. B. Fultner (trans.) Cambridge, MA: MIT Press.
----------- (2001) The Postnational Constellation. M. Pensky (trans., ed.) Cambridge, MA: MIT Press.
----------- (2002) Religion and Rationality: Essays on Reason, God, and Modernity. E. Medieta (ed.) Cambridge, MA: MIT Press.
----------- (2003) Truth and Justification. B. Fultner (trans.) Cambridge, MA: MIT Press.
----------- (2009) Political Communication in Media Society: Does Democracy Still Have an Epistemic Dimension? The Impact of Normative Theory on Empirical Research. In Europe: The Faltering Project, C. Cronin (trans.) Cambridge: Polity. 138–183.
Jane Braaten (1991) Habermas s Critical Theory of Society. State University of New York Press.
Leacock, Eleanor (1981) "Women s Status in Egalitarian Society." Myths of Male Dominance, NY: Monthly Review Press.
Marvin Rintala (2002) Jürgen Habermas: a philosophical—political profile. Perspectives on Political Science, 2002-01-01.
Marx, Karl and F. Engels (1976) Collected Works. NY: International Publishers.
Marx, Karl (1967) Capital, NY: International Publishers. Vol. 1.
Marx, Karl (1972) The Ethnological Notebooks of Karl Marx. Assen: Van Gorcum.
Parsons, Talcott (1951) The Social System. NY: Free Press.
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟